في مستهل هذا البحث . لابد من ذكر لمحة تاريخية عن نشأة العبادة منذ أقدم الأجيال
و كيف كان الناس يتجهون بعواطفهم إلى قوة تفوق قدرتهم ــ في شيء من التهيب و الخوف . إن سّنة الخوف بالطبيعة الإنسانية تقول : إن كل شيء أجهله فأنا أخافه
من هنا نشأت فكرة إيكال هذا الخوف أو الضعف على ذات المجهول مقابل تأدية ضريبة له ( هي التهيب و الإحترام )
عندما وجد الإنسان بالطبيعة بالشكل البدائي المعروف كان يخاف من ظواهر طبيعية أو مناخية . و لذا كان من الواجب تأدية فرائض الإحترام لها
كالنار ــ الرعد
و لعل التطور في الحضارات القديمة كان نتاج أساسي و طبيعي لتطور الإنسان البدائي
فأصبح يخترع آلهته و يسميها . و يختار صفاتها
مثال على ذلك الحضارة اليونانية و ما تحمله من أسماء آلهة قد قدست في ذاك الوقت
و مع تقدم الإنسانية و تطورها الفكري و بقاء القوة التي أبتدعها خياله كدرع يقيه من المجهول . تطورت فكرة العبادة و اتخذت شبه قوانين و أنظمة تخطط سيرة الحياة مع إبقاء التخويف من قوة قادرة لدعم هذه القوانين و حفاظاً لها . و كان ظهور رجال الفكر الذين قدموا للإنسانية خلاصة تأملاتهم و عصارة تجاربهم في قوانين و تشاريع من اكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد . مدعومة بذاك النوع من الرهبة
ثم جاء عهد النبوءات ( و قد نكب الشرق بأوفرهم )
و في فترة لا تتجاوز الألف عام ظهر ألف من مدعي النبوءة ــ رجال و نساء ــ
حاولو فلسفة الحياة الإنسانية و أعطى بعضهم شيء جديد الى المفاهيم السابقة
و لكن من الملاحظ أن معظمهم كانو مجمعين على تثبيت تلك القوة المجهولة رغم اختلاف نوعيتها و تضاربها بعض الأحيان . و هذا لا ينفي انها كانت عكاز الجميع
إن من غير المعقول أن يتطور أي مجتمع و يلقى مدارج التقدم و الصلاح بصورة تلقائية و الجماعة إن كانت منعزلة ( بالمعنى الحرفي للكلمة ) و لم تتمحض بها التفاعلات عن إنجاب ملح أو مجدد .
عقل الجماعة يبقى محافظاً على التقليد القديم و نوعية الحياة السائدة و يرهب تقبل أي جديد بل أنه يتشبث بحاضره رافضاً أي فكر جديد مغامر .
خمدت فيه كل أصوات الإصلاح ( ولو حدثت مثل هذه الحالة ) و هي مستحيلة الحدوث . لبقي هذا المجتمع على ماهو عليه غير عابئ و غير آبه بمرور آلاف القرون من الزمن.
اذا كتبت لفكرة ما أن تسود لأنها حقه و صالحة . هل هذا يعني انها ستبقى حقه و صالحه لكل جيل و زمان ؟! إن المنطق يقول لا
لأنها ربما تكون صالحة اليوم و مفسدة بالغد ( هذا حكم منطق التطور )
اذ إن لاشئ أزلي إلا الحق المطلق الذي لا إطار يحده ولا زمان يغيره ولا مجتمع يعبده
من هنا تأتينا الجرأة للقول:إن الأديان بكل أشكالها و نوعياتها قد أدت للإنسانية جل الخدمات و أعظمها و قد جنبتها لربما الهفوات الكثيرة و في بعض الأحيان أعطتها القدرة و القوة على الاستمرار .
و لكنها ككل فكرة . لها أمدها الأقصى و زمانها النهائي . إذ لابد أن تصدم مع هذه الحقيقة ( مبدأ التطور )
و إن ( موسى ــ المسيح ــ محمد ) قد ادركوا هذه الحقيقة منذ البداية بأن الأجيال القادمة لن تتقبل مبادئهم و وسائلهم مالم تحمل صيغة ( الحقيقة و اللانهاية ) لذا ألصقوها بأفكارهم و كتبهم و بدت كشيء مفروض و هم بهذا العمل قد ادعو حق لا يملكونه .
ولا يستطيع أحد أن يصيغ قانوناً للحياة و يرغم الأجيال المقبلة بشكل ما على تقبله
إن هذا يشكل أبشع انواع الإرتباط و العبودية .
اذا بحث الدين من الناحية العقلية الفلسفية . وجد أنه قد استنفذ الغاية التي أوجدته .
و إن هذه الأفكار التي جاء بها قد أنهت دورها على مسرح الفكر الإنساني . بل و أصبحت تتناقض مع التفكير الحر الذي يميل إليه الإنسان .
و قد يقول قائل: انه مهما بلغ الإنسان من التقدم و الرقي الفكري . سيبقى بأمس الحاجة الى الضابطة الدينية . سؤال حق و للإجابة عليه يجب تبين أوجه السؤال :
اذا أخذ الدين على أنه رابطة أخلاقية فكرية تحبب الخير و الصلاح الى النفس . و اذا كانت عقلية الإنسان بحكم التربية الموروثة تشده الى نوع من الارتباط لا بد منه .
فسيكون الجواب .... نعم يجب المحافظة على هذه الضابطة .
أما العودة بفكرة الفضيلة و الصلاح و الخوف من العذاب في جهنم أو الرغبة بالجنة و الآخرة . فأي إنسان يملك التفكير الصحيح يرفض هذه الخرافة و ربما بدافع من التحدي المتهور يضرب بعرض الحائط بالعمل الإخلاقي الصالح اذا حصر نتيجته في وعد خرافي كما ورد في الأديان .
هنا أقول : لا لزوم لمثل هذه الضابطة التي ربما كانت تتلائم و نفسية الإنسان القديم الذي كان الخوف يسيطر على تفكيره .
إن نفس الإنسان منبع كل خير و صلاح . فلماذا تنكر الأديان على الإنسان حالته الفطرية و هي الخيرة و الطيبة ... ؟؟؟
لنغذي أبنائنا مع الخبز الحب و الخير و الصلاح و لنلقنهم في المعاهد العلم المجرد و المعرفة الحقة . دون أن نرنو بهم من عفونة المعتقدات التي ابتلينا بها وراثياً
لندع لهم حريتهم الفكرية المطلقة كما ولدو
و لنرى بأم أعيننا المجتمع المثالي ... ))