وحيدٌ أنا حين أصحو
أودِّعُ دفْءَ الفراشِ وحيدا
أَلُوكُ فطورى
و أشربُ شاىَ الصباحِ وحيدا
و أندسُّ بين الزحامِ .. وحيدا
و أبدأ أمسى الذى عاد مرتدياً لى صباحاً
جديدا
أسيرُ إلى حيثُ ينسابُ دربى
و لسْتُ أبالى
بما قد يُخَبىء غدٌاً لى
و ما لا يٌخَبِّىيء
و لستُ أبالى بما تفعل الريحُ فى زنبقةٍ
جَفَّفَتْها العواصفُ
كان اسْمُها منذ عاميْنِ : " قلبى "
تَبَعْثَرَ منى كيانى على جُزُرِ الوَقْتِ
ذابتْ جميعُ الملامح
حتى الروائِحُ فَارَقَتِ اللحظاتِ الحميمةَ
و الأُغْنِيَاتُ اكْتَسَتْ بالصَمَمْ
تَسَاقَطَتِ الكَلِماتُ .. كغرقى
فلم أنتشلْ غير لفظِ : " نَعَمْ "
و أعلم أنَّ الوجودَ الذى يتراكمُ حولى
مساحيقُ ، تُخْفِى جبينَ العَدَمْ
أسيرُ ، معى صُحْبَتى
نَتَسَكَّعُ بين الشوارعِ
ندخلُ كلَّ المقاهى
نَقُصُّ نِكَاتاً تُصِيبُ بقىْءٍ
و نَجْتَرُّ ضِحْكاً عنيدا
و نكتظُّ بين الملايينِ
لكنَّنِى لا أزالُ ...
... وحيدا

*

قُبَيْلَ المغيبِ ، أعودُ إلى البيْتِ
أخلعُ وجهى ، و إِسْمى
و أُلْقِيهما فى مدارِ القَدَرْ
و أَمْكُثُ حتَّى يؤوبَ المساءُ
( حنينُ الوجودِ إلى أوَّلِ الخلقِ
قبل هبوطِ البشرْ )
و فى الليلِ
أرجعُ منِّى إلىَّ
أحاولُ أنْ أَتَحَدَّى الحَجَرْ
و أَبْحَثُ عنْ مُضْغةٍ لاتزالُ بها
نبضةٌ .. تَحْتَضِرْ
و فى الليلِ ، أُصْغِى لِبَوْحِ الشَجَرْ
أَهُشُّ عَنِ الأَنْجُمِ الساهراتِ
فٌتاتَ الظلامِ
أُلَمْلِمُ دِفْءَ الزفيرِ
أُنادى وداعَ السَفَرْ
و تَحْمِلُنى الذكرياتُ اللواتى أَبَيْنَ الفِراقَ
إلى مجلسٍ للسَمَرْ
و نبقى ...
.. إلى أنْ يَحِلَّ السَحَرْ

الليل هلال حزين

و فى الليل يأوى إلىَّ القمرْ
يجىءُ بعين نبىٍّ
و كفٍّ مخضبةٍ بالمطرْ
و ينثر فوق سريرى بريقاً
يُدَثِّرُنى بنسيمٍ عَطِرْ
و يعزف فوق خيوط الشعاعِ
يَهُزُّ الوترْ
و أُصْغِى إليهِ
فيحكى حواديتَ قبلَ المنامْ :
بأن الأميرةَ بين النجومِ
تُرَصِّعُ منها وشاح الظلامْ
تُُقَبِّلها فى المساء الثريا
و فى الفجر يأوى إليها الحمامْ
و أمَّا على الأرضِ
صعلوكها قابعٌ لا ينامْ
تَخَبَّطَ بين الدروب و هامْ
و لا زال يمضى
و لا زال حلماً يضىء البصرْ
بأنَّ الأميرة يوماً
ستنزل من قصرها للبشرْ
و يأوى إلينا زمانٌ مضى
....
و لا زال يحكى القمرْ
و لا زلت أصغى و قلبى يرفرفُ
فى رُبْوَةٍ من خيالٍ نَضِرْ
فتغفو جفونى
و وجهى عليه شظايا ابتسامٌ

أنا فى الليالى
هلالٌ حزينْ
و نصفى تَوَارَى وراء السنينْ
أنا بلبلٌ لا يجيدُ الغناءَ
أنا عبقرىٌّ أتاه الجنونْ
أنا فرحةُ النصر عند حبيبٍ
طواه الترابُ عن الناظرينْ
أنا " مُولِدٌ " دون شَيْخٍ
مخاضٌ أنا قبل خلق الجنينْ
بقاياىَ تبقى مع الماكثينَ
و روحى تروحُ مع الذاهبينْ
أسافر فىَّ ، لأبحث عنِّى
تُرَى أين ذاتى تكونْ ؟
أفتِّشُ عنِّى ، و عن من أحبُّ
فأبصر وردتها فى الكتابْ
و أبصر صورتها فى خيالى
و فى القلب وَخْزَ الغيابْ
و أسألُ عنِّى ، وعن من أحبُّ
رِفاقَ الليالى :
قصيدةَ شعرٍ
، وزفرةَ شوقٍ
، و ذكرى
( يُسَرِّبْنَ بعضَ الهواءِ إلى الصدْرِ عندَ اخْتناقى ) :
رفاقى
ألا تعرفون حبيبى
ألمْ تلمحوا ذات يومٍ شهابْ
يَمُرُّ سريعاً
و ينثرُ من ذيله وَمَضاتٍ
و بعضَ عطورِ العذارى العِذابْ
يُحِيلُ الوجودَ بريقاً و سِحْراً
... و يغدو سرابْ
و يتركُ ذكرى البريقِ لدينا
و يترك نجماً ثوى فى الترابْ
و يترك عصفورَ حزنٍ
و حُلْماً بيوم الإيابْ
فنبقى ننادى
و نصغى زماناً
... و ما من جوابْ