2010-12-30
الدوحة - نورالدين قلالة
لكل موقف قوة تحميه وتدافع عنه وتعمل على تحقيق مصلحته، ولكل قوة موقف يشرحها ويعرض زواياها ويتحدث بصوتها. وبين قوة الموقف الذي يتميز به حزب الله في الدفاع عن حقه في التسلح والمقاومة، وموقف القوة الذي تناور به إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما مهددين من خلال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إما بمعاقبة حزب الله بعد اتهامه باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، أو بتوجيه ضربة عسكرية للبنان قد تمتد للدول المجاورة ضمن إعادة هيكلة إقليمية للمنطقة ككل.. بين هذا وذاك يقف العالم مترقبا لما يمكن أن يحدث: هل سيتراجع حزب الله عن مواقفه ويتخلى عن القوة والنفوذ الذي يحلم به في لبنان؟ أم أن أميركا وإسرائيل ومن وراءهما سيوظفون قوتهم الجاهزة ليحسنوا من ضعف موقفهم في العملية؟ لتتحول المعادلة في نهاية المطاف من حرب الكلام إلى كلام الحرب.

تدل المراجعة البسيطة لمعظم -إن لم يكن كل- التحليلات الخاصة بالعلاقات اللبنانية الإسرائيلية، على غلبة محور محدد ألا وهو كيفية إدارة
العلاقات بين الطرفين، في ظل نمط معين من
أنماط التسوية المستمرة في حالة من الاحتقان
المزمن، وهو الأمر الذي خلق نوعا مما يمكن تسميته بـ»ثقافة الحرب»، وهو مفهوم مناقض تماما لمفهوم «ثقافة التسوية» السائدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين العرب وإسرائيل عموما. ففي لبنان لا يمر يوم إلا و تسمع فيه إشارة أو خبرا أو تحليلا عن الحرب والسلاح والوضع السياسي والدولي، سواء تعلق الأمر بالشأن الداخلي أو الخارجي.
«ثقافة الحرب» أصبحت الإطار الوحيد لرؤية حركة الواقع بين لبنان وإسرائيل، وذلك ضمن مجموعة من الأحداث المتفرقة منذ حرب يوليو 2006 (عمليات اغتيال سياسية، اتهامات بالتجسس، تبادل أسرى..) وقد تمكن الطرفان في كل مناسبة من خلق ميكانيزمات جديدة للتكيف مع أي معطى مفاجئ أو تغير طارئ، ما أرسى بين الطرفين شكلا من أشكال التعايش السلمي المحفوف بالحذر بحكم حالة عدم الثقة السائدة.
ولكي يمكن النظر إلى مستقبل هذه العلاقة نظرة داخل هذا الإطار بين معسكرين متناقضين على مستوى عدة أصعدة، يجدر بنا أن ننطلق من نقطة محددة، هي التمييز بين قوة «الحدث» وقوة «الاتجاه» نحو الحرب أو نحو التسوية، وهذا التمييز يستدعي أيضا مستوى آخر هو التمييز بين الاتجاه السطحي وبين الاتجاه الحقيقي.
وهو الأمر الذي يقودنا إلى الاعتقاد بأن الإطار الحالي للعلاقات بين الجانبين لن ينتهي عند حدود ما تروج له «ثقافة الحرب» السائدة حاليا، بل قد يتجاوزه إلى أبعد من ذلك ضمن محور الغرب، لتفتيت الكيانات العربية المخلة بتوازن القوى في المنطقة.
كل هذا يدفعنا إلى طرح موضوع لم يعد خافيا على أحد: هو الحرب المقبلة بين لبنان وإسرائيل، أو إذا شئنا: بين حزب الله وإسرائيل. وأعتذر مسبقا لاستعمال كلمة «الغرب» التي ليست موقفا إيديولوجيا، بل مجرد تقسيم جغرافي أو استراتيجي يقصد به أميركا وإسرائيل والدول الحليفة لهما.
نعتقد أن الحرب المقبلة تحتاج إلى ظرف موضوعي يحتضنها، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال 9 احتمالات نرى أنها كافية لإشعال الحرب المقبلة في المنطقة وهي كالتالي:

1 - قيام نوع من التوازن الاستراتيجي بين حزب الله وإسرائيل
2 - تزايد الثقة لدى الطرف الإسرائيلي بضرورة شن الحرب وكسبها
3 - قيام حكومة أكثر عداء لإسرائيل في لبنان
4 - قدرة الطرف الإسرائيلي على اتخاذ قرار الحرب بصورة منفردة
5 - مدى حرية تحرك سوريا وإيران تجاه لبنان
6 - فشل كل المساعي الدبلوماسية وسقوط الرهان على الخيار السوري السعودي
7 - اتهام المحكمة الدولية حزب الله باغتيال رفيق الحريري
8 - تحرك النخب الداخلية في لبنان بشكل فاعل
9 - مدى إصرار الإدارة الأميركية على نزع سلاح حزب الله

وقبل الدخول في شرح تفاصيل الظروف الدافعة للحرب، تجدر الإشارة فقط إلى أن نسبة تحقق أي من هذه الاحتمالات تتفاوت زمنيا، فبعضها قد لا يحدث في مدى زمني قصير، وبعضها قد لا يحدث في مدى زمني متوسط أو بعيد، وبعضها قد لا يحدث إطلاقا، كما أن ترتيبها في هذه الورقة لا يدل على درجة احتمال حدوثها.

1 - قيام نوع من التوازن الاستراتيجي بين حزب الله وإسرائيل
نجح حزب الله في اختبار صواريخ عديدة، تبين في حرب يوليو عام 2006 أنها قادرة على بلوغ إسرائيل بكل سهولة، وقد أصبحت ترسانته الصاروخية تشكل هاجسا حقيقيا لإسرائيل التي ترفض أي نمط من أنماط التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وهو سبب كاف لإعلان الحرب، ولنا في تدمير إسرائيل للمفاعل النووي العراقي عام 1981 أكبر مثال، بالإضافة إلى نسف محطة دير الزور النووية بسوريا التي قالت تسريبات ويكيليكس: إنه لم يكن أمامها سوى 3 أسابيع لتكون جاهزة للعمل، وهو ما يدل بشكل واضح على إصرار الطرف الإسرائيلي على احتكار امتلاك هذا العامل، وعدم السماح بتطوير الطرف الآخر لقدراته في هذا المجال، ما يدفعها للحرب «الوقائية» تحت أي بند.
وقد شكل ورود خبر على صفحة موقع «ديبكا فايلز» الإسرائيلي على الإنترنت وفي صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، مبعث قلق من إمكانية امتلاك حزب الله منظومة صواريخ مضادة للطائرات مدعمة برادارات متطورة وضعت على قمم جبال لبنان، وهو أمر يمكن أن يحدث تغييرا في موازين القوى بينه وبين إسرائيل، باعتبار أن سلاح الجو هو نقطة التفوق الأهم لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والوحيد الذي حظي بالإشادة بعد الحرب الأخيرة. وحسب الخبير العسكري رياض قهوجي: قد يشكل هذا «مرحلة جديدة قد تجد إسرائيل صعوبة في تقبلها مما يزيد من احتمالات نشوب مواجهة جديدة».
ويعتقد كثير من المحللين أن عملية تهريب الأسلحة إلى جنوب لبنان تتم منذ فترة طويلة تمتد إلى ما قبل حرب يوليو، وهي عملية توحي بأن ما يحدث للمنطقة ليس بديلا عن الحرب وإنما مقدمة لها، وهو ما يسميه رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الجنرال عاموس يدلين «الهدوء المضلل»، بمعنى أن هناك عاصفة قوية قادمة.
الأمر الثاني في مسألة التوازن الاستراتيجي، أن الدوائر السياسية في إسرائيل تتفق كلها على أن حيازة إيران لسلاح نووي يعني بالضرورة حيازة حزب الله أو حماس للسلاح نفسه. وما يخشاه الغرب هو أن تستخدم صواريخ حزب الله لنقل رؤوس نووية، خاصة إذا ما توصلت إيران إلى اكتساب هذه التكنولوجيا، وسعت إلى تصديرها لحلفائها.
وحسب التقدير الاستخباري الإسرائيلي للعام 2010/2011 «ثمة خطر في عام 2011 لحصول تصعيد خطير»، بحكم أن إيران قريبة جدا من امتلاك قدرة نووية عسكرية. وبينما تضغط الولايات المتحدة على إيران بشأن برنامجها النووي، وهي التي بررت الحرب على العراق بزعم امتلاكه أسلحة دمار شامل، ضاعفت إسرائيل ترسانتها النووية، من 13 قنبلة نووية عام 1967 إلى 400 قنبلة نووية وحرارية، طبقا لتقرير نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية في أكتوبر 2003.
وحتى نفهم نظام التوازن الاستراتيجي في المنطقة، يكفي فقط أن نشير إلى مقولة أحد السياسيين الإسرائيليين ذات يوم بأن «بناء مدرسة لمحو الأمية في جنوب السودان يعتبر إخلالا بميزان القوى»، فكيف سيكون الوضع عندما تدرك إسرائيل وحلفاؤها أن حزب الله يحوز صواريخ تهدد أمنها؟!

2 - تزايد الثقة لدى الطرف الإسرائيلي بضرورة شن الحرب وكسبها
على خلاف ما يظهره قادة حزب الله من القوة ومن استعراض وسائلها بكل الطرق المتاحة إعلاميا ورسميا، فإن نقطة الضعف الأساسية لدى الحزب تكمن في ضعف قدرته العسكرية على عكس ما يدعيه.
يقول عسكريون متابعون للشأن اللبناني، ومسار حزب الله على وجه الخصوص: «إن ميليشيا الحزب عموما مزودة بسلاح قديم لا يؤمن سوى قدرة دفاعية محدودة النطاق». فالحديث عن سلاح استراتيجي متطور ليس سوى حرب نفسية لردع الطرف الآخر.
يذكرنا هذا الأمر بتهديدات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بحرق إسرائيل بالكيماوي ومدفع عملاق وأسلحة جديدة ومفاجآت و..و.. لكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل إن سقوط بغداد حدث بصورة فاجأت الجميع رغم الحديث الأسطوري عن الجيش العراقي. هذا الوضع يغري بشكل أو بآخر الطرف الإسرائيلي على شن الحرب مع تزايد احتمالات كسبها بأقل الخسائر وأخفض التكاليف.
ومن بين الأدلة التي تبرز أكثر هذا السيناريو: الاستعداد من الآن بوضع خطط كاملة لكيفية الضربة وتوقيتها والدعم اللوجستي الكافي لتنفيذها وعدد المواقع والأهداف المراد تدميرها والوقت اللازم لإتمامها، بل إن التغييرات في مناصب كبار العسكريين والطلبات الرسمية للمؤسسات الأميركية والإسرائيلية المعنية بالحرب بضرورة توفير الأموال والذخيرة الكافية، يعكس في الحقيقة التصميم على خوض الحرب، وليس مجرد تكتيكات نفسية كما يهيأ للبعض أنها كذلك.
ويتزايد التوجه نحو تحقق هذا الاحتمال عندما يتوصل قادة واشنطن وتل أبيب العسكريون -خاصة سلاح الجو- إلى «قناعة علمية» بأن باستطاعتهم نسف كل مواقع الذخيرة والتخلص من أسلحة حزب الله بأقل الخسائر وأخفض التكاليف وفي وقت قياسي.
لكن يبدو لي أنه قبل توجيه أي ضربة لحزب الله سيعرف المجتمع الدولي مرحلة وجيزة من التكيف مع قرارات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمتعلقة أساسا باتهام حزب الله بالوقوف وراء اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، وهو أمر سنأتي إلى شرحه.
الأمر الثاني أن وصول المنطق الإسرائيلي إلى نقطة محددة بضرورة شن الحرب وكسبها، ليس مرتبطا فقط بالجاهزية العسكرية، إنما أيضا بعامل نفسي كبير هو أن الجيش الإسرائيلي بات لا يتحمل أي انتكاسة جديدة بعد فشله في حربين متتاليتين: حرب يوليو وحرب غزة. إسرائيل تعيش مأزقا حقيقيا يتمثل في عدم القدرة على فرض شروطها للسلام وعدم القدرة على شن الحرب وكسبها، بالإضافة إلى التهديدات التي يطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في كل مناسبة بالرد بالمثل على أي عدوان إسرائيلي ردا مساويا له في القوة ومعاكسا له في الاتجاه (مطار بيروت مقابل مطار بن غوريون، مباني الضاحية مقابل مباني تل أبيب، مصانع مقابل مصانع، موانئ مقابل موانئ.. ).
وفي ظل بقاء الجبهة الداخلية الإسرائيلية مكشوفة وقابلة للضرر، تصبح عملية البحث عن الوسيلة المثلى لكسب الحرب عملية معقدة للغاية، يفترض أن إسرائيل تدركها جيدا من خلال الإعداد لحرب خاطفة وموجعة تعتمد بالأساس على سلاح الطيران، وتستهدف البنى التحتية للبنان، لكنها تأخذ بالحسبان انزلاقات في عدة جبهات أخرى، ولعل تزويد سلاح الجو الإسرائيلي بأحدث نوع من القنابل الذكية الأكثر دقة في العالم من حيث التوجيه والتصويب يصب في هذا الجانب.

3 - قيام حكومة أكثر عداء لإسرائيل في لبنان
تراهن إسرائيل بشكل أساسي على الخلافات العميقة في لبنان بين قوى 14 مارس بزعامة تيار المستقبل الذي يقوده رئيس الحكومة سعد الحريري المدعوم من السعودية والغرب، و 8 مارس بزعامة حزب الله الذي يقوده حسن نصر الله المدعوم من سوريا وإيران. فإذا نجح اللبنانيون في نزع فتيل التوتر فيما بينهم، فإن قرار الحرب بالنسبة لإسرائيل مؤجل إلى غاية بت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في مسألة اتهام حزب الله باغتيال رفيق الحريري. بل إن الحكومة اللبنانية ذاتها أصبحت رهن القرار الظني، وإسرائيل تدرك جيدا أنها الآن في حالة موت سريري، وهي الحكومة التي ولدت أصلا وسط أجواء من عدم الاستقرار والانقسام حتى بدا لبنان خلالها على حافة حرب أهلية.
وبالتالي فإن احتمالات سقوط الحكومة الحالية وبروز حكومة أكثر عداء لإسرائيل أمر وارد، خاصة أن حكومة الحريري التي عجزت عن البت في القرارات الإدارية العادية والشؤون الحياتية الأساسية للمواطنين، غير مؤهلة للبت في الاستراتيجية الدفاعية للبلاد.
.http://www.khabaronline.com/item.php?Item=8570&sec=13