أكد البطريرك الجديد ثيوفولوس والمجمع المقدس اليوناني مراراً وتكراراً بأن عزل وتنحية إيرينيوس لم يتم بسبب صفقة باب الخليل في القدس وأكدوا أن البطريرك والمجمع يعاملان الجميع بتساوٍ بغض النظر عن العرق أو اللغة أو الجنس. إذاً لا مانع من البيع أو التأجير لليهود.

استمرت الضغوط الشعبية مما دعا الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية إلى إلزام المرشحين الجدد للموقع البطريركي خاصةً الفائز منهم بالعديد من التعهدات والالتزامات.

وقع المرشحون الالتزامات كافة للحكومتين الأردنية والفلسطينية ومن أهمها قيام المرشح الفائز (البطريرك لاحقاً) بكل الإجراءات القانونية لإلغاء صفقات باب الخليل وتنفيذ القانون الأردني رقم 27/ 1958 والتعهد بدعوة المجلس المختلط للانعقاد خلال شهر واحد من تاريخ انتخابه والقيام بجرد ومسح هندسي لأملاك البطريركية كافة وعدم منح وكالات إلا بموافقة المجلس المختلط الذي يضم ممثلين عن أبناء الرعية العرب.

انتخب المجمع المقدس اليوناني بالإجماع البطريرك ثيوفولوس عام 2005، وبدأ أبناء الرعية والمؤسسات الأرثوذكسية كافة مطالبته بتنفيذ تعهداته المعلنة والموقعة.

نكث البطريرك كالمعتاد بعهوده كافة و لم يقم بأي إجراء قانوني لاستعادة عقارات باب الخليل في القدس، أو دعوة المجلس المختلط بإبداء حججاً واهية وأدلى بفتوات قانونية – غير ذات صلة- رابطاً عدم وفائه بعهوده بعدم حصوله على الاعتراف "الإسرائيلي". حيث اتخذت الحكومة الصهيونية موقف الابتزاز المزدوج للبطريرك المعزول والبطريرك المنتخب وتأخرت بمنح الاعتراف لحين حصولها على مقابل.

تنادى ممثلو الرعية الأرثوذكسية العربية في الأردن وفلسطين (المحتلة عام 48 وعام 67) بتاريخ 2/ 5/ 2007 لعقد اجتماع جامع في عمان شارك فيه رجال الدين العرب "المطران عطا الله حنا والأرشمندريت خريستوفوروس عطا الله والأرشمندريت ميليتيوس بصل" والعشرات من المؤسسات الأرثوذكسية ذات التمثيل الكبير والوجود الفعلي على الأرض. وأكد المجتمعون على المطالب التاريخية للحركة الأرثوذكسية – المطالب نفسها منذ مئات السنين- كما طالبوا الحكومتين الأردنية والفلسطينية بسحب اعترافهما بالبطريرك وعدم التعامل معه وعدم منح أي بطريرك قادم الثقة إلا بعد تنفيذ المطالب والتعهدات كافة، فاستجابت الحكومة الأردنية وسحبت الاعتراف بالبطريرك ثيوفولوس حتى ينفذ كل ما تعهد والتزم به.

الضغوط اليونانية والأمريكية المتواصلة وسياسة التفرقة التي اتبعها البطريرك ومحاولته وبعض معاونيه إظهار الرعية بأنها منقسمة، استدعت إعادة اعتراف الحكومة الأردنية بالبطريرك اليوناني ثيوفولوس.

بعد سنتين من انتخابه حصل البطريرك ثيوفولوس على اعتراف العدو الصهيوني وُسربت محاضر اجتماعاته مع اللجان الوزارية "الإسرائيلية" وفيها تصريحات خطيرة منها الاعتراف بالسيادة "الإسرائيلية" على القدس والبطريركية وتعهده بتنفيذ الصفقات العالقة لصالح "المستوطنين" اليهود وقول محاميه إن "الإسرائيليين" هم الأسياد، كما وُضحت العديد من الحقائق وتوالت معلومات بتسريب أراضي داخل فلسطين مثل قضية الشماعة والتنازل عن أملاك البطريركية في أمريكا الشمالية.

مما يؤسف له حالياً أن البطريرك (وبسبب حسن نية بعض أبناء الرعية ولأسباب أخرى وأجندات خارجية وداخلية) قد اجتذب مجموعة من المؤيدين، الذين يحاولون دون جدوى الدفاع عنه مع إصرارهم على محاولة تفريغ القضية الأرثوذكسية من مضمونها الوطني النهضوي والتعامل معها وكأنها قضية أبناء الرعية العربية الأرثوذكسية فقط مع العلم بأن هذه القضية تخص أبناء الأمة جميعاً فيما يتعلق بالمحافظة على الأملاك والأوقاف العربية الأرثوذكسية ووقف تهويدها وتسريبها إلى الجماعات "الاستيطانية" الصهيونية.

الجمعية الأرثوذكسية والمجلس المركزي الأرثوذكسي في الأردن وفلسطين وجميع المؤسسات والفعاليات الأرثوذكسية الرسمية والشعبية ما زالت محافظة على مواقفها ومطالبها وحقوقها، ولن تتنازل قيد أنملة عن الحقوق التاريخية التي ناضل وجاهد الآباء والأجداد في سبيلها منذ عام 1534م - عند استيلاء جرمانوس على هذه البطريركية الوطنية المشرقية - لا يمكن التنازل عنها وهي غير قابلة للتفاوض.

عُقد أخيراً في عمان بتاريخ 28/ 1/ 2008 مؤتمر موسع جامع حضره ما يزيد عن 200 شخصية أرثوذكسية من الأردن وفلسطين (المحتلة عام 48 و67) ممثلين للجمعيات العاملة، الأندية، الاتحادات ولجان المناطق من محافظات المملكة كافة، وقد أكد الحاضرون على الثوابت والمطالب وأن الأوقاف الأرثوذكسية ملك للأمة لا تباع وهي خط أحمر، كما أكدوا على عمق العيش المشترك المسيحي الإسلامي وطالبو بالنهضة الأرثوذكسية وضرورة دعوة البطريرك للمجلس المختلط للانعقاد الفوري كما طالبوه بتنفيذ تعهداته كافة.

خلاصات، استنتاجات، توصيات:

بعد استعراض ودراسة هذا الملخص والتسلسل التاريخي للكنيسة الأرثوذكسية وواقعها الحالي وبعد تتبع الانتفاضات النهضوية العربية الأرثوذكسية طوال 500 عام، لا بد لنا من استخلاص نتائج وحقائق ودلالات أهمها:

1- مفهوم الكنيسة بحسب العقيدة الأرثوذكسية هو مجموع المؤمنين من رعية وإكليروس (رجال دين) مما يعني أن هذه الكنيسة ذات صبغة تماثل الغالبية العظمى من مكوناتها وهم العرب الأرثوذكس الذين يمثلون أكثر من 99 %. لذا فإن الحديث عن تعريب الكنيسة في غير محله، لأن الكنيسة المقدسية عربية أساساً.
وبما أن الدين المسيحي دين جامع وأممي للإنسانية جمعاء فإن الكنيسة المقدسية الأرثوذكسية مفتوحة بشكل كامل لأي قوميات أخرى مثل اليونان والروس وغيرهم. والأرثوذكس العرب لم يكونوا أبداً عنصريين فقد رحبوا بجميع القوميات وقبلوهم بشكل كامل إلا أن الآخرين هم الذين تعاملوا مع العرب بعنصرية وما زالوا يمارسون العنصرية ويتعالون في تعاملهم إلى يومنا هذا.
إن الحديث عن هوية الكنيسة يطال الرئاسة الروحية لا الرعية العربية ويبين التاريخ الأرثوذكسي أن الرئاسة الروحية للكنيسة الأرثوذكسية المقدسية كانت عربية منذ العصور الأولى للمسيحية وحتى القرن السادس عشر عندما نُصب اليوناني جرماونس بطريركاً وعمل على صبغ الرئاسة الروحية بالصبغة اليونانية واستمر الوضع من يومها وحتى يومنا الحاضر.

2- أبناء الرعية العرب الأرثوذكس لم يتوقفوا عن النضال والمقاومة ومحاولات النهضة منذ استيلاء جرمانوس على الرئاسة وحتى وقتنا الحاضر. فقد انتفضوا عدة مرات وتواصلت احتجاجاتهم الشعبية طيلة الخمسة قرون الماضية وقدموا الشهداء على مذبح قضيتهم العادلة، ولم يهن أبناء الرعية ولم يستكينوا بل استمر بالنضال والكفاح جيلاً بعد جيل وهم على استعداد لمواصلة الكفاح والجهاد.

3- طيلة القرون الخمسة الماضية تشكلت قيادات شرعية عربية أرثوذكسية قادت الشعب وحاولت الحصول على الحقوق أو بعضها، وعززت القيادات وجودها بمؤتمرات أرثوذكسية جامعة مع وجود القلة القليلة المرتبطة بالرئاسة الروحية اليونانية لأسباب عدة ظلت معزولة وغير مؤثرة لأنها رفضت شعبياً لارتباطاتها المشبوهة.
استخدمت القيادات الأرثوذكسية على مر التاريخ جميع الإمكانيات المتاحة سواء كانت دبلوماسية، سياسية، انتفاضات شعبية أم مقاومة مدنية بالمجابهة حيناً والتفاوض أحياناً أُخر فشهدت الحركة الأرثوذكسية بعض النجاحات المحدودة، ولم تتحقق الإنجازات الكبرى المطلوبة لأسباب مختلفة مرتبطة بالسياقات التاريخية والسلطات السياسية الحاكمة على مر العصور المتعاقبة.

4- خلال الـ500 سنة المنصرمة شهدنا تحالفات معلنة وسرية بين السلطات المختلفة التي أدارت فلسطين والأردن وبين الرئاسة الروحية اليونانية حيث كان التحالف دائماً ضد مصالح وحقوق أبناء الرعية العرب وقمع انتفاضاتهم المتكررة.
يتضح ذلك جلياً خلال الحكم العثماني (الإسلامي) والحكم البريطاني (المسيحي) والاحتلال الصهيوني (اليهودي). بينما خلال سيادة السلطة السياسية العربية كان أبناء الرعية العرب أقرب ما يكونون لتحقيق آمالهم والحصول على مطالبهم وحكومة سليمان النابلسي عام 1957م أبلغ دليل على ما نقول.
لذا فإن حل القضية الأرثوذكسية وتحقيق أماني ومطالب أبناء الرعية لن يتحقق بشكل كامل إلا بتحقق السيادة العربية على فلسطين والقدس. فالارتباط أساسي بين القضية الأرثوذكسية والقضية الوطنية العربية لأن القضية الأرثوذكسية قضية وطنية بامتياز.

5- إن المتتبع للانتفاضات المتكررة والمؤتمرات الأرثوذكسية المتتابعة وتوصياتها يجد أن المطالب والحقوق نفسها لم تتغير منذ 500 عام وتشمل: الحفاظ على الأوقاف الأرثوذكسية ورفض بيعها أو تأجيرها باعتبارها ميراثاً عربياً أرثوذكسياً وخطاً أحمر لا يحق لأي كان تجاوزه، والمطالبة المستمرة بالنهضة الروحية الأرثوذكسية والسماح بدخول العرب سلك الرهبنة والمشاركة في الإدارة عبر المجلس المختلط للحد من الفساد.
المطالب التي بدأت في القرن السادس عشر هي نفسها التي ذكرت في المؤتمر الأرثوذكسي الخامس عام 1993 في عمان وهي نفسها قرارات مؤتمر عمان في أيار 2007 والمؤتمر الموسع في كانون الثاني 2008 المنعقد في عمان وهي الحد الأدنى الذي يقبل به الأرثوذكس العرب وهي مطالب جماعية غير قابلة للتصرف ولا يحق لأي كان التنازل عنها أو عن أي جزء منها فهي حقوق تاريخية لا تزول بالتقادم أو لأي سبب آخر و هي قائمة إلى أبد الآبدين.

6- عدم تحقيق المطالب وإحقاق الحقوق رغم النضال الطويل للرعية العربية لا يعني بأي حال التخلي عنها أو الاستكانة للأمر الواقع وقبول الذل والمهانة والخضوع للعنصرية. فقد رفض أبناء الرعية العرب الأرثوذكس المهانة والظلم طوال 500 عام وسيستمرون بالنضال ورفض التسويات المذلة رغم أن الأوضاع الآنية قد تبدو غير مواتية لتحقيق الإنجازات الكاملة.
إن مواصلة النضال واستمرار الصراع ورفض الاستكانة يُبقي الباب مفتوحاً للأجيال القادمة لتحقيق جميع هذه المطالب وإقرار الحقوق الطبيعية فإن توقف النضال فستمعن الرئاسة الروحية في تماديها وفي تصرفاتها المشبوهة روحياً ووطنياً، لذا فالنضال مستمر على الأقل لضبط الأوضاع الآنية وفتح نوافذ الأمل للمستقبل.
كما أن تحقيق المطالب العربية الأرثوذكسية مرتبط بشكل عضوي وجوهري بقضايا الأمة العربية الكبرى فالقضية الأرثوذكسية الوطنية لن تحل نهائياً إلا بحل القضية العربية.

7- العرب المسيحيون والمسلمون أبناء أمة واحدة وأبناء وطن واحد، وقد ثبت ذلك بموقف المسلمين العرب خلال الأحداث المهمة الخاصة بالقضية الأرثوذكسية طوال 500 عام، فبدءاً من الجمعيات الإسلامية المسيحية في القرن العشرين في فلسطين، ثم المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس ومواقف جلالة الملك عبد الله الأول ابن الحسين المعظم وسماحة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني والرئيس الشهيد ياسر عرفات إضافةً إلى المواقف الحالية لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، والمؤتمر القومي العربي والمؤتمر العربي الإسلامي والقوى والأحزاب الأردنية كافة ومؤسسات المجتمع المدني، والقوى والفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية.
فإن هذه المواقف تؤيد بشكل كامل ومطلق جميع المطالب العربية الأرثوذكسية وتعتبر القضية الأرثوذكسية جزءاً من القضية الوطنية.

لذا فإن جميع أبناء الأمة وقواها الحية وحكوماتنا الوطنية مدعوة لتقديم كافة أشكال الدعم كافة كذلك المساندة والمشاركة حيثما يلزم لتحقيق بعض التوازن ضمن معادلة التوازن المختلة لصالح الرئاسة الروحية اليونانية المعتمدة على الدعم الصهيوني والأمريكي المباشر.

تأخرت العدالة مئات السنين رغم وضوح القضية الأرثوذكسية وعدالتها، ولكن إرادة الشعوب الحية وإصرارها على نيل حقوقها ومنطق التاريخ ينبئنا بأنه لا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر.

يقول السيد المسيح "من له أذنان للسمع فليسمع".