في الظروف الصعبة التي كانت سائدة آنذاك والمتمثلة باحتلال بريطانيا لفلسطين والأردن والسيطرة اليونانية على الرئاسة الروحية، قامت سلطة الانتداب بواسطة مندوبها السامي بإصدار (قانون البطريركية الأرثوذكسية لعام 1921) والذي لم يراعِ حقوق الرعية العربية فكان محبطاً ومخالفاً لآمالها الوطنية.

عام 1923 تداعت لمدينة حيفا الفلسطينية الوفود الممثلة لمدن وقرى فلسطين والأردن كافة حيث شاركت وفود من القدس، يافا، بيت لحم، الناصرة، رام الله، غزة، عكا وقضاؤها، نابلس، العفولة، عبلين، الرامة، كفر كنا، جنين، عيلبون، الزبابدة، كفر ياسيف، الرملة، عابود، بيت ساحور، بير زيت وجفنا والطيبة وطولكرم وبيسان وكذلك وفود الأردن من الحصن وتوابعها والسلط وتوابعها والكرك وتوابعها ومأدبا وعُقد (المؤتمر العربي الأرثوذكسي الأول) واُنتخب السيد إسكندر كساب رئيساً وتمخض المؤتمر عن تشكيل لجنة تنفيذية عليا والعديد من القرارات التي تشمل:

- تشكيل مجلس مختلط ثلثاه من العلمانيين الوطنيين وثلثه من الأكليروس (رجال الدين).
- فتح مدرسة أكليريكية وإفساح المجال لأبناء الرعية من الارتقاء إلى أعلى درجات الكهنوت.
- فتح مدارس في مناطق الأردن وفلسطين كافة.
- المطالبة بانتخاب مجالس ملية محلية في جميع المدن والقرى الأردنية والفلسطينية.
- المطالبة بفصل فوري لكل رئيس ديني لا يعرف لغة الشعب.
- ألا تتم سيامة أي شماس أو كاهن دون موافقة المجالس المليّة.
- لا يحق للبطريرك تمثيل الملة الأرثوذكسية إلا بموافقة المجلس المختلط.

كما صدر القسم الأرثوذكسي: "إننا نقسم بالله العظيم وبصليب سيدنا يسوع المسيح الكريم وبإنجيله المقدس أن نحافظ بكل قوانا على قرارات المؤتمر الأرثوذكسي العربي الأول كافة التي سجلت وقائعه، وألا ننحاز إلى الأعداء المناهضين لهذه النهضة. وإن خالفنا هذا العهد نكون مسؤولين بين يدي الله ونشهده على ذلك".

لجنة برترام – يونغ:

نتيجة لاستمرار الخلافات بين البطريرك اليوناني داميانوس والمجمع المقدس اليوناني ومع استمرار اعتراضات واحتجاجات أبناء الرعية العرب واللجنة التنفيذية المنبثقة عن المؤتمر الأرثوذكسي، شكّل المندوب السامي البريطاني لجنة خاصة لدراسة الموضوع برئاسة كبير القضاة أنطون برترام ومساعده يونج عام 1925. خرجت بنتائج أهمها أن الأرثوذكس ضحية تطور تاريخي بعكس الوضع الممتاز الذي يجب أن يكونوا عليه حيث هم سكان البلاد الأصليين موطن انطلاقة الدين المسيحي، وتضيف اللجنة بأن "أخوية القبر المقدس" قد صبغت البطريركية بصبغة يونانية خلال الحكم العثماني الذي امتد 400 عام وهم يعتبرون بطريركية القدس وديعة بين أيدي الأمة اليونانية. ويعتبرون أنفسهم حامية يونانية أمامية دون النظر إلى مسؤولياتهم تجاه الأرثوذكس العرب.

وتوصي اللجنة بضرورة إزالة الآثار السلبية التي أحاطت بالعرب الأرثوذكس وتعديل القوانين بحيث تمنح العرب الأرثوذكس مزيداً من المشاركة في الإدارة، وأن يتمتع العرب بأغلبية الثلثين في (المجلس المختلط) والسماح بالتحاق الأرثوذكس العرب "بأخوية القبر المقدس" وإصلاح المحاكم الكنسية وتعديل قوانين انتخاب البطريرك.

وأخيراً قدمت اللجنة البريطانية مسودة قانون جديد للبطريركية ليحل محل القانون العثماني الساري آنذاك.

بالطبع، رفض اليونان جميع توصيات اللجنة بما فيها القانون وادّعوا أن هناك وضعاً قائماً لا يمكن تغييره إطلاقاً، وأن حكومة فلسطين البريطانية (الانتداب) ليس من حقها فرض أي قانون جديد.

أما العرب الأرثوذكس فقد طالبوا بتنفيذ هذه التوصيات موضع التنفيذ إضافةً لمطالبهم التي تمخض عنها المؤتمر الأرثوذكسي الأول في حيفا. واتخذت الأمور منحى جديداً بوفاة البطريرك داميانوس عام 1931م ورفض العرب الأرثوذكس انتخاب بطريرك جديد إلا بعد تلبية حقوقهم التي طالبوا فيها مراراً وتكراراً.

المؤتمر العربي الأرثوذكسي الثاني – يافا 1931:

ولتثبيت هذه الحقوق والمطالب فقد تم عقد المؤتمر العربي الأرثوذكسي الثاني في يافا عام 1931م بحضور المندوبين الممثلين لمدن وقرى فلسطين والأردن كافة وانتُخبت لجنة تنفيذية برئاسة السيد يعقوب فراج حيث تم التأكيد على جميع الحقوق والمطالب التي صدرت عن المؤتمر الأرثوذكسي العربي الأول إضافةً إلى التوصيات التالية:

- بما أن انتخاب بطريرك عربي في الوقت الحالي (رغم أنه من أعز أماني العرب الأرثوذكس) لا يمكن تحقيقه فعلينا السعي لتحقيق ذلك في المستقبل.
- رفع احتجاج شديد اللهجة للمندوب السامي البريطاني لتدخل القنصل اليوناني السافر في شؤون البطريركية والأماكن المقدسة.
- مقاطعة الانتخابات للبطريرك وعدم الاعتراف بأي بطريرك يتم انتخابه إلا بعد تحقيق الرعية لكامل حقوقها.

وبذلك توقف انتخاب البطريرك حتى عام 1935م عندما قامت سلطات الانتداب البريطاني بإصدار قانون البطريركية الأرثوذكسية رقم 25/ 1935، وظل موقف اللجنة التنفيذية على حاله برفض المشاركة في انتخاب البطريرك ومطالبة الكهنة العرب بالالتزام بقرار المقاطعة وعدم مشاركتهم بالانتخابات. قدمت جمعية "النهضة العربية الأرثوذكسية" في الأردن ممثلة برئيسها الشيخ عودة القسوس مذكرة للأمير عبد الله بن الحسين بالمطالب نفسها.

قامت سلطات الانتداب البريطانية بالتنكر لجميع تعهداتها ووعودها كعادتها وأصدرت قانوناً جديداً حمل رقم 26/ 1935 مُنعت بموجبه اللجنة التنفيذية من تقديم اعتراضات لدى المحاكم، تم انتخاب البطريرك اليوناني تيموثاوس، وتصاعدت الاحتجاجات والمطالب بعدم الاعتراف بالبطريرك وعدم ذكر اسمه بالصلوات والمطالبة بإغلاق الكنائس.

هادن البطريرك الرعية العربية وشُكلت لجنة مشتركة للوصول إلى حل ودي وثبت أن هدف المباحثات انتزاع الاعتراف دون تقديم أي مقابل. استمرت الاحتجاجات ومقاطعة البطريرك وجميع الاحتفالات الدينية مما استدعى تعليق المندوب السامي انتخاب البطريرك وأُلفت لجنة لبحث المشكلة مكونة من أعضاء من اللجنة التنفيذية من الأردن وفلسطين ورجال دين يونان.

ثبت فشل الاجتماعات الذريع فوجدتها السلطات البريطانية فرصة وأصدرت قانوناً جديداً عام 1941 مغيبة الرعية العربية الأرثوذكسية واعترفت بالبطريرك واستمر العرب الأرثوذكس بالاعتراض والاحتجاج.

المؤتمر العربي الأرثوذكسي الثالث – القدس 1944:

تُوجت الاحتجاجات عام 1944 بعقد (المؤتمر الأرثوذكسي العربي الثالث) في القدس، الذي أكد على جميع مطالب الرعية الأرثوذكسية الواردة بالمؤتمرات السابقة ورفض القانون الصادر عن سلطات الاحتلال البريطاني، واُنتخبت لجنة تنفيذية جديدة برئاسة السيد عيسى العيسى.

المؤتمر العربي الأرثوذكسي الرابع – القدس 1956:

بقي الوضع على ما هو عليه حتى حلول النكبة الكبرى عام 1948م، وضم الضفة الغربية إلى الأردن عام 1950م. أخذت الأمور تتأرجح بين مد وجزر حتى وفاة البطريرك تيماثاوس حيث عُقد المؤتمر الأرثوذكسي العربي الرابع عام 1956م في القدس، وهو أول مؤتمر يعقد بعد وحدة الضفتين تحت الحكم العربي الهاشمي وبوجود موقف رسمي وشعبي عام متضامن بالكامل مع مطالب العرب الأرثوذكس واعتبار القضية الأرثوذكسية جزءاً لا يتجزأ من القضية العربية الوطنية، فصدرت التوصيات التي تتفق مع جميع التوصيات والقرارات السابقة، وشُكلت لجنة تنفيذية جديدة برئاسة السيد أنطون عطا الله فُوضت بالسعي لإصدار تشريع يحل محل التشريعات السابقة العثمانية والبريطانية بحيث تكفل هذه التشريعات تحقيق مطالب الرعية العربية وإقرار حقوقها التاريخية.

نجحت اللجنة التنفيذية بالتعاون مع حكومة السيد سليمان النابلسي بإصدار قانون 1957 باسم (قانون البطريركية الأرثوذكسية) أُقر من مجلس النواب ثم مجلس الأعيان لكنه سُحب - قبل استكمال المراحل الدستورية- من قبل حكومة سمير الرفاعي واستُبدل بقانون آخر حمل رقم 27/ 1958.

وللتاريخ، فإن قانون 1957 الذي أُقر من قبل الحكومة التي ترأسها النابلسي قد كان قانوناً متوازناً أعاد الحقوق إلى مستحقيه. ومن يقرأ الأسباب الموجبة التي تقدمت بها الحكومة يجد أن هذه الحكومة قد فهمت الوضع التاريخي وجذور القضية الأرثوذكسية حيث قالت: (تعتبر الحكومة الأردنية أن الوقت قد حان لوضع حد لهذا النزاع الطويل ومنح الطائفة العربية حقوقها الطبيعية العادلة).

تقدم رئيس اللجنة التنفيذية آنذاك بمذكرة طويلة للحكومة الأردنية وضح فيها المحاذير من إقرار هذا القانون (قانون 27/ 1958) لكن أحداً لم يهتم.

رغم أن قانون 27/ 1958 لا يلبي طموحات وحقوق الرعية العربية إلا أن رجال الدين اليونان لم يطبقوا هذا القانون بشكل كامل منذ صدوره عام 1958 وحتى اليوم.

اُنتخب البطريرك اليوناني فينيذكتوس الذي اضطر لتنفيذ أجزاء من قانون 27/ 1958 فشكّل مجلس مختلط اُنتخب عام 1962 كما اُنتخبت المجالس المحلية في المدن الأردنية/ الفلسطينية عام 1966. وجاء عام 1967 واحتُلت بقية فلسطين والقدس فوجد البطريرك الفرصة سانحة لتجميد نشاط المجلس المختلط والمجالس المحلية.

بقي الوضع على ما هو عليه خصوصاً باستمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين - داخل الخط الأخضر وكذلك الضفة الغربية والقدس وغزة- حتى وفاة البطريرك فينيذكتوس عام 1980. دعت "أخوية القبر المقدس" إلى انتخاب بطريرك جديد فهب رجالات الأرثوذكس العرب في الأردن وفلسطين للتصدي للموضوع ورفضوا إجراء الانتخابات وطالبوا بضرورة تحقيق مطالب أبناء الرعية العرب خصوصاً إيقاف تسرب الأراضي والأوقاف الأرثوذكسية إلى اليهود، والكشف عن الصفقات السرية وإبطالها بعد معرفة العديد من الصفقات التي تمت بالتأجير لمدة (99) عاماً.

رغم هذه المواقف والاعتراضات منحت الحكومة الأردنية العديد من الرهبان اليونان الجنسية الأردنية ليتم انتخاب البطريرك رغم أنف الرعية العرب وأصبح (ذيوذوروس) بطريركاً للكنيسة المقدسية الأرثوذكسية، الذي كان قد قدّم تعهدات ووعود كثيرة للرعية الأرثوذكسية العربية أهمها عدم بيع أو تأجير أي شبر من أملاك البطريركية إضافةً إلى تسهيل انخراط الأرثوذكس العرب في سلك الرهبنة و"أخوية القبر المقدس" وإِشراك الرعية الأرثوذكسية في اتخاذ القرارات.

تشكلت لجنة مشتركة للبحث في تنفيذ هذه الالتزامات لكن دون جدوى حيث استمر التعنت اليوناني وتسرب الأراضي وبقي الحال على ما هو عليه رغم اعتراض الرعية العربية ومحاولاتهم العديدة لمنع تسرب الأراضي.

توالت المعلومات عن بيوعات وتأجيرات طويلة الأمد للعدو الصهيوني، منها الاستيلاء على دير مار يوحنا وإقامة اسكانات يهودية على الأراضي الأرثوذكسية بيافا إضافةً إلى تسريب مئات الدونمات من أراضي مار إلياس قرب القدس لوزارة الإسكان اليهودية وقضايا عديدة أخرى مماثلة.

المؤتمر العربي الأرثوذكسي الخامس – عمان 1992:

واصلت الرعية الطلب من البطريرك ضرورة عقد المجلس المختلط لكن ذلك لم يتحقق مما استدعى قيام لجنة المبادرة العربية الأرثوذكسية – القدس بالدعوة لعقد (المؤتمر الأرثوذكسي العام الخامس) في عمان عام 1992.

عُقد المؤتمر بحضور الممثلين والمندوبين من جميع المدن والقرى الأردنية والفلسطينية بشقيها (داخل الخط الأخضر وفي القدس والضفة وغزة) واتخذ المؤتمر شعاراً له هو (من أجل نهضة أرثوذكسية شاملة).

شُكل مجلس مركزي أرثوذكسي في الأردن وفلسطين واعتُبر ممثلاً شرعياً لأبناء الرعية العرب الأرثوذكس في مواقع البطريركية كافة، إضافة لتشكيل لجنة تنفيذية عليا برئاسة الدكتور رؤوف أبو جابر.

أعاد المؤتمر الأرثوذكسي الخامس التذكير بالمطالب والحقوق المسلوبة كافة ومن أهمها عدم التفريط بحقوق البطريركية أو تأجير ممتلكاتها إضافةً لضرورة التحسين المستمر للكنائس والمدارس والمحاكم مع السماح لأبناء الرعية العرب بدخول سلك الرهبنة والتأكيد على الوحدة الوطنية المسيحية والإسلامية.
.