• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

Announcement

Collapse

قوانين المنتدى " التعديل الاخير 17/03/2018 "

فيكم تضلو على تواصل معنا عن طريق اللينك: www.ch-g.org

قواعد المنتدى:
التسجيل في هذا المنتدى مجاني , نحن نصر على إلتزامك بالقواعد والسياسات المفصلة أدناه.
إن مشرفي وإداريي منتدى الشباب المسيحي - سوريا بالرغم من محاولتهم منع جميع المشاركات المخالفة ، فإنه ليس بوسعهم استعراض جميع المشاركات.
وجميع المواضيع تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا يتحمل أي من إدارة منتدى الشباب المسيحي - سوريا أي مسؤولية عن مضامين المشاركات.
عند التسجيل بالمنتدى فإنك بحكم الموافق على عدم نشر أي مشاركة تخالف قوانين المنتدى فإن هذه القوانين وضعت لراحتكم ولصالح المنتدى، فمالكي منتدى الشباب المسيحي - سوريا لديهم حق حذف ، أو مسح ، أو تعديل ، أو إغلاق أي موضوع لأي سبب يرونه، وليسوا ملزمين بإعلانه على العام فلا يحق لك الملاحقة القانونية أو المسائلة القضائية.


المواضيع:
- تجنب استخدام حجم خط كبير (أكبر من 4) او صغير (أصغر من 2) او اختيار نوع خط رديء (سيء للقراءة).
- يمنع وضع عدد كبير من المواضيع بنفس القسم بفترة زمنية قصيرة.
- التأكد من ان الموضوع غير موجود مسبقا قبل اعتماده بالقسم و هالشي عن طريق محرك بحث المنتدى او عن طريق محرك بحث Google الخاص بالمنتدى والموجود بأسفل كل صفحة و التأكد من القسم المناسب للموضوع.
- إحترم قوانين الملكية الفكرية للأعضاء والمواقع و ذكر المصدر بنهاية الموضوع.
- مو المهم وضع 100 موضوع باليوم و انما المهم اعتماد مواضيع ذات قيمة و تجذب بقية الاعضاء و الابتعاد عن مواضيع العاب العد متل "اللي بيوصل للرقم 10 بياخد بوسة" لأنو مخالفة و رح تنحزف.
- ممنوع وضع الاعلانات التجارية من دون موافقة الادارة "خارج قسم الاعلانات".
- ممنوع وضع روابط دعائية لمواقع تانية كمان من دون موافقة الادارة "خارج قسم الاعلانات".
- لما بتشوفو موضوع بغير قسمو او فيو شي مو منيح او شي مو طبيعي , لا تردو عالموضوع او تحاورو صاحب الموضوع او تقتبسو شي من الموضوع لأنو رح يتعدل او ينحزف و انما كبسو على "التقرير بمشاركة سيئة" و نحن منتصرف.
- لما بتشوفو موضوع بقسم الشكاوي و الاقتراحات لا تردو على الموضوع الا اذا كنتو واثقين من انكم بتعرفو الحل "اذا كان الموضوع عبارة عن استفسار" , اما اذا كان الموضوع "شكوى" مافي داعي تردو لأنو ممكن تعبرو عن وجهة نظركم اللي ممكن تكون مختلفة عن توجه المنتدى مشان هيك نحن منرد.
- ممنوع وضع برامج الاختراق او المساعدة بعمليات السرقة وبشكل عام الـ "Hacking Programs".
- ممنوع طرح مواضيع او مشاركات مخالفة للكتاب المقدس " الانجيل " وبمعنى تاني مخالفة للايمان المسيحي.
- ممنوع طرح مواضيع او مشاركات تمس الطوائف المسيحية بأي شكل من الاشكال "مدح او ذم" والابتعاد بشكل كامل عن فتح اي نقاش يحمل صبغة طائفية.
- ضمن منتدى " تعرفون الحق و الحق يحرركم " بالامكان طرح الاسئلة بصيغة السؤال والجواب فقط ويمنع فتح باب النقاش والحوار بما يؤدي لمهاترات وافتراض اجوبة مسبقة.


عناوين المواضيع:
- عنوان الموضوع لازم يعبر عن محتوى الموضوع و يفي بالمحتوى و ما لازم يكون متل هيك "الكل يفوت , تعوا بسرعة , جديد جديد , صور حلوة , الخ ....".
- لازم العنوان يكون مكتوب بطريقة واضحة بدون اي اضافات او حركات متل "(((((((((العنوان)))))))))))) , $$$$$$$$$ العنوان $$$$$$$$$".
- عنوان الموضوع ما لازم يحتوي على اي مدات متل "الــعــنـــوان" و انما لازم يكون هيك "العنوان".


المشاركات:
- ممنوع تغيير مسار الموضوع لما بكون موضوع جدي من نقاش او حوار.
- ممنوع فتح احاديث جانبية ضمن المواضيع وانما هالشي بتم عالبرايفت او بالدردشة.
- ممنوع استخدام الفاظ سوقية من سب او شتم او تجريح او اي الفاظ خارجة عن الزوق العام.
- ممنوع المساس بالرموز و الشخصيات الدينية او السياسية او العقائدية.
- استخدام زر "thanks" باسفل الموضوع اذا كنتو بدكم تكتبو بالمشاركة كلمة شكر فقط.
- لما بتشوفو مشاركة سيئة او مكررة او مو بمحلها او فيا شي مو منيح , لا تردو عليها او تحاورو صاحب المشاركة او تقتبسو من المشاركة لأنو رح تنحزف او تتعدل , وانما كبسو على "التقرير بمشاركة سيئة" و نحن منتصرف.


العضوية:
- ممنوع استخدام اكتر من عضوية "ممنوع التسجيل بأكتر من اسم".
- ممنوع اضافة حركات او رموز لاسم العضوية متل " # , $ , () " و انما يجب استخدام حروف اللغة الانكليزية فقط.
- ممنوع اضافة المدات لاسم العضوية "الـعـضـويـة" و انما لازم تكون بهل شكل "العضوية".
- ممنوع استخدام اسماء عضويات تحتوي على الفاظ سوقية او الفاظ بزيئة.
- ممنوع وضع صورة رمزية او صورة ملف شخصي او صور الالبوم خادشة للحياء او الزوق العام.
- التواقيع لازم تكون باللغة العربية او الانكليزية حصرا و يمنع وضع اي عبارة بلغة اخرى.
- ما لازم يحتوي التوقيع على خطوط كتيرة او فواصل او المبالغة بحجم خط التوقيع و السمايليات او المبالغة بمقدار الانتقال الشاقولي في التوقيع "يعني عدم ترك سطور فاضية بالتوقيع و عدم تجاوز 5 سطور بحجم خط 3".
- ما لازم يحتوي التوقيع على لينكات "روابط " دعائية , او لمواقع تانية او لينك لصورة او موضوع بمنتدى اخر او ايميل او اي نوع من اللينكات , ما عدا لينكات مواضيع المنتدى.
- تعبئة كامل حقول الملف الشخصي و هالشي بساعد بقية الاعضاء على معرفة بعض اكتر و التقرب من بعض اكتر "ما لم يكن هناك سبب وجيه لمنع ذلك".
- فيكم تطلبو تغيير اسم العضوية لمرة واحدة فقط وبعد ستة اشهر على تسجيلكم بالمنتدى , او يكون صار عندكم 1000 مشاركة , ومن شروط تغيير الاسم انو ما يكون مخالف لشروط التسجيل "قوانين المنتدى" و انو الاسم الجديد ما يكون مأخود من قبل عضو تاني , و انو تحطو بتوقيعكم لمدة اسبوع على الاقل "فلان سابقا".
- يمنع انتحال شخصيات الآخرين أو مناصبهم من خلال الأسماء أو الصور الرمزية أو الصور الشخصية أو ضمن محتوى التوقيع أو عن طريق الرسائل الخاصة فهذا يعتبر وسيلة من وسائل الإحتيال.


الرسائل الخاصة:
الرسائل الخاصة مراقبة مع احترام خصوصيتا وذلك بعدم نشرها على العام في حال وصلكم رسالة خاصة سيئة فيكم تكبسو على زر "تقرير برسالة خاصة" ولا يتم طرح الشكوى عالعام "متل انو توصلكم رسالة خاصة تحتوي على روابط دعائية لمنتجات او مواقع او منتديات او بتحتوي على الفاظ نابية من سب او شتم او تجريح".
لما بتوصلكم رسائل خاصة مزعجة و انما ما فيها لا سب ولا شتم ولا تجريح ولا روابط دعائية و انما عم يدايقكم شي عضو من كترة رسائلو الخاصة فيكم تحطو العضو على قائمة التجاهل و هيك ما بتوصل اي رسالة خاصة من هالعضو.
و تزكرو انو الهدف من الرسائل الخاصة هو تسهيل عملية التواصل بين الاعضاء.


السياسة:
عدم التطرق إلى سياسة الدولة الخارجية أو الداخلية أو حتى المساس بسياسات الدول الصديقة فالموقع لا يمت للسياسة بصلة ويرجى التفرقة بين سياسات الدول وسياسات الأفراد والمجتمعات وعدم التجريح أو المساس بها فالمنتدى ليس حكر على فئة معينة بل يستقبل فئات عدة.
عدم اعتماد مواضيع أو مشاركات تهدف لزعزعة سياسة الجمهورية العربية السورية أو تحاول أن تضعف الشعور القومي أو تنتقص من هيبة الدولة ومكانتها أو أن يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بزعزعة الأمن والاستقرار في الجمهورية العربية السورية فيحق للادارة حذف الموضوع مع ايقاف عضوية صاحب الموضوع.


المخالفات:
بسبب تنوع المخالفات و عدم امكانية حصر هالمخالفات بجدول محدد , منتبع اسلوب مخالفات بما يراه المشرف مناسب من عدد نقط و مدة المخالفة بيتراوح عدد النقط بين 1-100 نقطة , لما توصلو لل 100 بتم الحظر الاوتوماتيكي للعضو ممكن تاخدو تنبيه بـ 5 نقط مثلا على شي مخالفة , و ممكن تاخد 25 نقطة على نفس المخالفة و ممكن يوصلو لل 50 نقطة كمان و هالشي بيرجع لعدد تكرارك للمخالفة او غير مخالفة خلال فترة زمنية قصيرة.
عند تلقيك مخالفة بيظهر تحت عدد المشاركات خانة جديدة " المخالفات :" و بيوصلك رسالة خاصة عن سبب المخالفة و عدد النقط و المدة طبعا هالشي بيظهر عندكم فقط.


الهدف:
- أسرة شبابية سورية وعربية مسيحية ملؤها المحبة.
- توعية وتثقيف الشباب المسيحي.
- مناقشة مشاكل وهموم وأفكار شبابنا السوري العربي المسيحي.
- نشر التعاليم المسيحية الصحيحة وعدم الإنحياز بشكل مذهبي نحو طائفة معينة بغية النقد السيء فقط.
في بعض الأحيان كان من الممكن أن ينحني عن مسار أهدافه ليكون مشابه لغيره من المنتديات فكان العمل على عدم جعله منتدى ديني متخصص كحوار بين الطوائف , فنتيجة التجربة وعلى عدة مواقع تبين وبالشكل الأكبر عدم المنفعة المرجوة بهذا الفكر والمنحى , نعم قد نشير ونوضح لكن بغية ورغبة الفائدة لنا جميعا وبتعاون الجميع وليس بغية بدء محاورات كانت تنتهي دوما بالتجريح ومن الطرفين فضبط النفس صعب بهذه المواقف.



رح نكتب شوية ملاحظات عامة يا ريت الكل يتقيد فيها:
• ابحث عن المنتدى المناسب لك و تصفح أقسامه ومواضيعه جيداً واستوعب مضمونه وهدفه قبل ان تبادر بالمشاركة به , فهناك الكثير من المنتديات غير اللائقة على الإنترنت .وهناك منتديات متخصصة بمجالات معينة قد لا تناسبك وهناك منتديات خاصة بأناس محددين.
• إقرأ شروط التسجيل والمشاركة في المنتدى قبل التسجيل به واستوعبها جيدأ واحترمها و اتبعها حتى لا تخل بها فتقع في مشاكل مع الأعضاء ومشرفي المنتديات.
• اختر اسم مستعار يليق بك وبصفاتك الشخصية ويحمل معاني إيجابية ، وابتعد عن الأسماء السيئة والمفردات البذيئة ، فأنت في المنتدى تمثل نفسك وأخلاقك وثقافتك وبلدك ، كما أن الاسم المستعار يعطي صفاته ودلالته لصاحبه مع الوقت حيث يتأثر الإنسان به بشكل غير مباشر ودون ان يدرك ذلك.
• استخدم رمز لشخصيتك " وهو الصورة المستخدمة تحت الاسم المستعار في المنتدى " يليق بك و يعبر عن شخصيتك واحرص على ان يكون أبعاده مناسبة.
• عند اختيارك لتوقيعك احرص على اختصاره ، وأن يكون مضمونه مناسباً لشخصيتك وثقافتك.
• استخدم اللغة العربية الفصحى وابتعد عن اللهجات المحكية " اللهجة السورية مستثناة لكثرة المسلسلات السورية " لانها قد تكون مفهومة لبعض الجنسيات وغير مفهومة لجنسيات أخرى كما قد تكون لكلمة في لهجتك المحكية معنى عادي ولها معنى منافي للأخلاق أو مسيء لجنسية أخرى . كذلك فإن استخدامك للغة العربية الفصحى يسمح لزوار المنتدى وأعضائه بالعثور على المعلومات باستخدام ميزة البحث.
• استخدم المصحح اللغوي وراعي قواعد اللغة عند كتابتك في المنتديات حتى تظهر بالمظهر اللائق التي تتمناه.
• أعطي انطباع جيد عن نفسك .. فكن مهذباً لبقاً واختر كلماتك بحكمة.
• لا تكتب في المنتديات أي معلومات شخصية عنك أو عن أسرتك ، فالمنتديات مفتوحة وقد يطلع عليها الغرباء.
• أظهر مشاعرك وعواطفك باستخدام ايقونات التعبير عن المشاعر Emotion Icon's عند كتابة مواضيعك وردودك يجب ان توضح مشاعرك أثناء كتابتها ، هل سيرسلها مرحة بقصد الضحك ؟ او جادة أو حزينه ؟ فعليك توضيح مشاعرك باستخدام Emotion Icon's ،لأنك عندما تتكلم في الواقع مع احد وجها لوجه فانه يرى تعابير وجهك وحركة جسمك ويسمع نبرة صوتك فيعرف ما تقصد ان كنت تتحدث معه على سبيل المزاح أم الجد. لكن لا تفرط في استخدام أيقونات المشاعر و الخطوط الملونة و المتغيرة الحجم ، فما زاد عن حده نقص.
• إن ما تكتبه في المنتديات يبقى ما بقي الموقع على الإنترنت ، فاحرص على كل كلمة تكتبها ، فمن الممكن ان يراها معارفك وأصدقائك وأساتذتك حتى وبعد مرور فترات زمنية طويلة.
• حاول اختصار رسالتك قدر الإمكان :بحيث تكون قصيرة و مختصرة ومباشرة وواضحة وفي صلب مضمون قسم المنتدى.
• كن عالمياً : واعلم أن هناك مستخدمين للإنترنت يستخدمون برامج تصفح مختلفة وكذلك برامج بريد الكتروني متعددة ، لذا عليك ألا تستخدم خطوط غريبة بل استخدم الخطوط المعتاد استخدامها ، لأنه قد لا يتمكن القراء من قراءتها فتظهر لهم برموز وحروف غريبة.
• قم بتقديم ردود الشكر والتقدير لكل من أضاف رداً على موضوعك وأجب على أسئلتهم وتجاوب معهم بسعة صدر وترحيب.
• استخدم ميزة البحث في المنتديات لمحاولة الحصول على الإجابة قبل السؤال عن أمر معين أو طلب المساعدة من بقية الأعضاء حتى لا تكرر الأسئلة والاستفسارات والاقتراحات التى تم الإجابة عنها قبل ذلك.
• تأكد من أنك تطرح الموضوع في المنتدى المخصص له: حيث تقسم المنتديات عادة إلى عدة منتديات تشمل جميع الموضوعات التي يمكن طرحها ومناقشتها هنا، وهذا من شأنه أن يرفع من كفاءة المنتديات ويسهل عملية تصنيف وتبويب الموضوعات، ويفضل قراءة الوصف العام لكل منتدى تحت اسمه في فهرس المنتديات للتأكد من أن مشاركتك تأخذ مكانها الصحيح.
• استخدم عنوان مناسب ومميِّز لمشاركتك في حقل الموضوع. يفضل عدم استخدام عبارات عامة مثل "يرجى المساعدة" أو "طلب عاجل" أو "أنا في ورطة" الخ، ويكون ذلك بكتابة عناوين مميِّزة للموضوعات مثل "كيف استخدم أمر كذا في برنامج كذا" أو "تصدير ملفات كذا إلى كذا".
• إحترم قوانين الملكية الفكرية للأعضاء والمواقع والشركات، وعليك أن تذكر في نهاية مشاركتك عبارة "منقول عن..." إذا قمت بنقل خبر أو مشاركة معينة من أحد المواقع أو المجلات أو المنتديات المنتشرة على الإنترنت.
• إن أغلب المنتديات تكون موجهه لجمهور عام ولمناقشة قضايا تثقيفية وتعليمية . لذلك يجب ان تكون مشاركتك بطريقة تحترم مشاعر الآخرين وعدم الهجوم في النقاشات والحوارات. وأي نشر لصور أو نصوص أو وصلات مسيئة، خادشة للحياء أو خارج سياق النهج العام للموقع.
• المنتدى لم يوجد من أجل نشر الإعلانات لذا يجب عدم نشر الإعلانات أو الوصلات التي تشير إلى مواقع إعلانية لأي منتج دون إذن او إشارة إلى موقعك أو مدونتك إذا كنت تمتلك ذلك.
• عدم نشر أي مواد أو وصلات لبرامج تعرض أمن الموقع أو أمن أجهزة الأعضاء الآخرين لخطر الفيروسات أو الدودات أو أحصنة طروادة.
•ليس المهم أن تشارك بألف موضوع فى المنتدى لكن المهم أن تشارك بموضوع يقرأه الألوف،فالعبرة بالنوع وليس بالكم.
• عدم الإساءة إلى الأديان أو للشخصيات الدينية.
•عند رغبتك بإضافة صور لموضوعك في المنتدى ، احرص على ألا يكون حجمها كبير حتى لا تستغرق وقتاً طويلاً لتحميلها وأن تكون في سياق الموضوع لا خارجه عنه.
•الالتزام بالموضوع في الردود بحيث يكون النقاش في حدود الموضوع المطروح لا الشخص، وعدم التفرع لغيره أو الخروج عنه أو الدخول في موضوعات أخرى حتى لا يخرج النقاش عن طوره.
• البعد عن الجدال العقيم والحوار الغير مجدي والإساءة إلى أي من المشاركين ، والردود التي تخل بأصول اللياقة والاحترام.
• احترم الرأي الآخر وقدر الخلاف في الرأي بين البشر واتبع آداب الخلاف وتقبله، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
• التروي وعدم الاستعجال في الردود ، وعدم إلقاء الأقوال على عواهلها ودون تثبت، وأن تكون التعليقات بعد تفكير وتأمل في مضمون المداخله، فضلاً عن التراجع عن الخطأ؛ فالرجوع إلى الحق فضيلة. علاوة على حسن الاستماع لأقوال الطرف الآخر ، وتفهمها تفهما صحيحا.
• إياك و تجريح الجماعات أو الأفراد أو الهيئات أو الطعن فيهم شخصياً أو مهنياً أو أخلاقياً، أو استخدام أي وسيلة من وسائل التخويف أو التهديد او الردع ضد أي شخص بأي شكل من الأشكال.
• يمنع انتحال شخصيات الآخرين أو مناصبهم من خلال الأسماء أو الصور الرمزية أو الصور الشخصية أو ضمن محتوى التوقيع أو عن طريق الرسائل الخاصة فهذا يعتبر وسيلة من وسائل الإحتيال.
• إذا لاحظت وجود خلل في صفحة أو رابط ما أو إساءة من أحد الأعضاء فيجب إخطار مدير الموقع أو المشرف المختص على الفور لأخذ التدابير اللازمة وذلك بإرسال رسالة خاصة له.
• فريق الإشراف يعمل على مراقبة المواضيع وتطوير الموقع بشكل يومي، لذا يجب على المشاركين عدم التصرف "كمشرفين" في حال ملاحظتهم لخلل أو إساءة في الموقع وتنبيه أحد أعضاء فريق الإشراف فوراً.
See more
See less

فـي حـال ومـآل المسيحيين المشـرقيـين

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • فـي حـال ومـآل المسيحيين المشـرقيـين


    فـي حـال ومـآل المسيحيين المشـرقيـين
    01/03/2012


    تقدمة المحامي بسام صباغ

    المؤرخ الكاتب غسان الشامي

    فـي حـال ومـآل المسيحيين المشـرقيـين



    غسان الشامي

    دراسة-وثيقة





    تجيء هذه الدراسة ــ الوثيقة فـي وقت نشعرُ فـيه بضغط التاريخ وتوَّحش السياسة ونزوع الأمم الصقور أكثر إلى شريعة الغـاب بما تستجرِّه من حروبٍ، تبدأ ولا تنتهي، فـي تناقضٍ مع رسـالات السـماء وأخـلاق الأنبيـاء والرسـل والمـؤدّى الأخير للمنـاقب الدينـية. كما تجيء لتســاهم مع الكنيسـة وآبائـها فـي الإضـاءة على الغـاية التـي يسـعى إليها السينودس المنعـقـد من أجـل المشـرق ورسـالـة قداسـة البـابـا، وثيقـة (آلية العمل) حوله، على اعتبار أن الكنيسة مؤلفة من جموع المؤمنين، وتقوم على خدمتهم، فهي ليست هياكل ومعابد فقط، بل إن السبت جاء من أجل الإنسان وليس العكس.



    تروي كتب التاريخ العربي عن قسّ بن ساعدة،(القس بالآرامية مرادف للأسقف بلغة الروم) أسقف نجران، المنطقة الواقعة بين الجزيرة العربية واليمن، والمتوفى عام 600 للميلاد، أن قيصر الروم (الإمبراطور البيزنطي) سأله:



    ما أفضل العقل؟ فأجابه، معرفة المرء بنفسه.



    قسُّ بن ساعدة هذا الذي أجمَعَت كتب الرواة على وصفه بحكيم العرب وبليغها، وربما اعتبره البعض مقارباً للنبوة، قال عنه النبي العربي محمد بن عبدالله، وكان قد شهده خطيباً فـي مكة قبل انطلاق الدعوة الإسلامية: “يرحم الله قساً، أما إنه سيبعث يوم القيامة أمة وحده”.



    إطلاق سهم البداية مما قاله أسقف عربي بليغ وحكيم دلالة تقول إن المسيحيين المشرقيين يعرفون بيئتهم وتاريخهم وتراثهم وأبناء بلادهم وعلاقاتهم بهم جيداً، وإنهم يستطيعون إلى حدٍّ كبير توصيف الحالة التي وصلوا إليها والبحث فـي سبلِ تدبير الحاضر ورسمِ آفاق المستقبل، على القاعدة العربية نفسها “أهل مكة أدرى بشعابها”، مع ترحيبهم الشديد بكل ما يمكنه أن يساهم فـي جعلهم متجذّرين فـي مشرقهم، وبخاصة إذا أتى من الكنيسة الجامعة ومن يؤمن برسالتها فـي السلام والمحبة.



    لقد أرسل السيد المسيح تلامذته إلى كل الأمم، لم يستثنِ أحداً، انطلاقاً من فلسطين. وفـي أنطاكيا، سموّا مسيحيين، الصفة التي لا نزال نحملها، كما نحمل معها رسالة السلام التي أطلقها فـي عالم ما زال القوي فـيه يأكل الضعيف وفلس الأرملة، وفـيه الكتبة والفريسيون يزوّرون الحقائق، وما زال صيارفة كثر فـي الهيكل يحوّلونه من العبادة إلى مغارة لصوص. ومن هذه الأرض انطلق فـيلسوف المسيحية بولس، وفـيها استشهد الآلاف على يد الرومان ومنها شعّ القديسون الأوائل الذين لا يعدّون، من حنانيا الذي عمّد بولس الرسول فـي دمشق إلى مار سركيس )الضابط سرجيوس( ورفـيقه باخوس، إلى مار سمعان العمودي ومار مارون الناسك ومدارس النُسك الأولى، وفـيها كنيستا المهد والقيامة فـي بيت لحم والقدس، وأول بيت/ كنيسة بني من الطين فـي العالم بدورا أوروبوس على نهر الفرات شرق سورية (235م)، وأول بيت/كنيسة بني من الحجر أيضاً فـي كركبيزة بمحافظة إدلب السورية )316م(، وأول كنيسة مؤرخة فـي أمّ الجمال فـي الأردن )345م(، وأول مذبح مسيحي فـي معلولا، وأول مذبح على اسم السيدة العذراء فـي طرطوس، وفـيها ما تزال الآرامية، لغة السيد المسيح، والسريانية وريثتها على قيد الحياة، وآلاف المواقع التي ما تزال شاهدة على عمقِ الجذور المسيحية إيماناً وفكراً وفلسفة وشهادة وقداسة فـي هذا المشرق.



    الواقع التاريخي

    طبعـاً، لبلوغ مـآل المسيحـيـين فـي المشـرق ودورهـم ومستقبلهـم، لا بد من فاتـحةٍ تاريخـيةٍ سريعـةٍ لاستكـنـاه ماضيهم وصولاً إلى وضـعهم الحالي، تنطـلـق من سيرورتـهم فـي المنطـقة، وذلـك قبل التــوجه إلى المسلمـيـن فـيـما يجـمـع بين الديانتين المشرقيتين نصّاً وروحاً وتاريخاً وثقافة.



    والحال أن ما قبل مرسوم ميلانو (313م) الذي أصدره الإمبراطور قسطنطين الكبير، الذي جعل المسيحية ديانة معترفاً بها فـي الإمبراطورية البيزنطية، غير ما بعده، حيث كانت المسيحية رغم الاضطهادات، تجتاح بقداسة المؤمنين فـيها بلاد المشرق. ولقد اعتمد البيزنطيون على قبائل مسيحية، أهمّها “غسّان” فـي صراعهم السياسي والعسكري ضد الفرس الذين اعتمدوا أيضا على “المناذرة” اللخميين المسيحيين فـي ذلك الصراع، وانتشرت المسيحية بين القبائل الضاربة فـي بلاد الشام التي كان غالبية سكانها من الآراميين داخل المدن وفـي الأرياف والبادية، ومن قبائلهم الكبرى تغلب وغسّان )شفـيعهما والعلَم الذي يرفعانه، مار سركيس(، وقبائل كلب وبكر ولخم وجذام وطي وقضاعة وتنوخ والضجاعم من بني سليح وغيرها، وكانت علاقاتهم مع قبائل شبه الجزيرة العربية متواصلة، بفعل الترحال والقرابة والتجارة، حيث وُجدت المسيحية فـي نجران واليمن والبحرين ومكة نفسها، التي تعبّد فـيها النبي محمد والقس )الأسقف( ورقة بن نوفل فـي غار حراء.



    كانت المسيحية رسالة رسولية على خطى السيد المسيح، رغم تفشّي الخلافات اللاهوتية، لكن ما أن مدّ الأباطرة أيديهم إليها حتى تغيّر الحال، فمنذ قسطنطين ومجمع نيقية )325م( بات للسلطة الزمنية اليد الطولى فـي الشأن الكنسي، والدليل على ذلك النزاع مع آريوس )336-256م( الذي قال إن الكلمة ليس إلهاً، فبعد أن حرّم المجمع تعاليمه، واعتبرها بدعة، وأمر بنفـيه، اضطر الإمبراطور إلى التراجع عن القرارات التي صدرت ضده تحت وطأة اللعبة السياسية ومصلحة السلطة، فـيما أوغلَ خلفاء قسطنطين فـي تدخّلهم بشؤون الكنيسة وفـي تعيين وعزل البطاركة حسب الهوى السياسي والمذهبي. ونجم عن تدخلهم صراع مذهبي مرير ألقى بظلاله حتى وقت متأخر لم يحسمه حتى مجمع خلقيدونية )451م(، أو حتى انسحاب هرقل أمام الجيش العربي عام 638م، حيث يقول المؤرخ أوسترغروسكي إن الإمبراطور لم يبقَ كبير القضاة بل بات “حاكما مستبداً، لم يعد يستمد سلطته من قوة على الأرض بل من الله” وصار له سلطان على الكنيسة، وإن “من خصائص الدولة البيزنطية، سيطرة السلطة الإمبراطورية على الكنيسة”.



    ساعدت السلطة الإمبراطورية على تفتيت المسيحيين فـي المشرق عبر تدخّلها فـي تسعير الصراع اللاهوتي، وحتى دورها الصارخ فـي الاضطهادات بين المونوفـيزيين والخلقيدونيين (المؤمنون بالطبيعة الواحدة أو بالطبيعتين للسيد المسيح)، رغم حاجتها الماسة لكل جهد ومدد بشري أمام التغلغل والنفوذ الفارسي الذي كان يستشري آنذاك، فـيما بقي المسيحيون المؤمنون غالباً على مبعدة من هذا الصراع، وساهم النسّاك والقديسون فـي ضخّ روح المسيحية فـي المشرق بعيداً عن الصخب السياسي. لكن كُرهاً عميقاً للسلطة البيزنطية كان يترسّخ فـي نفوس السكان تجلّى بمساعدة بعضهم للفرس خلال اجتياحهم للمنطقــة ووصولـهـم إلى القــدس )614م(، وأخذهــم خشبــة الصليب، ومن ثم فـي اعتبــار السكــان أن الجيــش العربــي ليس جيشــاً غريبــاً عندما بدأ بالدخول إلى بلاد الشــام منذ العام 634م.



    ما من غرابة أن تقرأ فـي كتب التاريخ عن مساعدة المسيحيين المشرقيين للجيش العربي الإسلامي ابتداء من بصرى الشام وصولاً إلى مساعدَةِ منصور بن سرجون، جدّ القديس يوحنا الدمشقي للعرب، على فتح دمشق أمام خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح. وتسليم البطريرك القديس صفرونيوس القدس سِلماً للخليفة عمر بن الخطاب، وحتى ثورة الأرمن فـي جيش هرقل فـي معركة اليرموك الفاصلة. وما كتبه ميخائيل السوري البطريرك المونوفـيزي المؤرخ “إنَّ ربَّ الانتقام استقدم من المناطق الجنوبية أبناء إسماعيل لينقذنا بهم من أيدي اليونان وقد أصابنا خير ليس بالقليل بتحررنا من قَسوة الرومان وشرورهم ومن غضبهم علينا من جهة أخرى” يعدُّ دليلاً على طريقة استقبال المسيحيين للعرب المسلمين، فـيما يصف المؤرخ البريطاني إدوارد جيبون فـي كتابه )تاريخ أفول وسقوط الدولة الرومانية( حال المصريين عند الفتح قائلاً: “إن العرب استُقبلوا فـي مصر كالمنقذين للكنيسة اليعقوبية، وفـي أثناء حصار (عمرو بن العاص) لمنف عقدت معاهدة سرية بين جيش منتصر وشعب من العبيد”، حيث مارس البيزنطيون اضطهاداً شديداً على الأقباط بحجة الاختلاف المذهبي. ويقول المؤرخ البريطاني ألفرد بتلر “ قال مطران نسطوري: وهؤلاء الذين أعطاهم الله السلطان فـي أيامنا لا يحاربون المسيح ودينه بل هم يدافعون عن ديننا ويجلّون قسوسنا وقديسينا ويهبون الهبات لأديرتنا”.



    استمرَّ الحضور المسيحي طاغياً فـي المشرق طيلة القرن الهجري الأول. ويقول السير توماس أرنولد (1930-1864) صاحب فكرة كتاب “تراث الإسلام” “ لا يسعنا إلا الاعتراف بأن تاريخ المسيحيين فـي ظل الحكم الإسلامي يمتاز ببعده بعداً تاماً عن الاضطهاد الديني”، ويضيف أن المسيحيين حازوا على ثروات، وتمتعوا بنجاح عظيم فـي العصور الإسلامية الأولى بفضل ما كفل الإسلام لهم من حرية الحياة والتملك والعقيدة، حتى كان منهم أصحاب النفوذ العظيم فـي قصور الخلفاء.



    ومـن جـهـتــه يـقــول صــاحـب قـصــة الحـضـــارة ول ديـورانـت (1981-1885) “إن المسيحيين والزردشتيون واليهود والصابئة كانوا يستمتعون فـي عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا تجد لها نظيراً فـي البلاد المسيحية فـي هذه الأيام، فلقد كانــوا أحــراراً فـي ممــارسة شعــائرهم الدينـية، واحتفـظوا بكنائــسهم ومعابدهم”، فيمــا يورد المسـتشــــرق آرثـــر ستــانلــي تريتـون (1974-1885)، مؤلف كتاب “الخلفاء ورعاياهم من غير المسلمين” إن كتاب المسلمين أسخياء في تقدير فضائل هؤلاء ممن على غير دينهم، حتى أنهم يصفون حنين ابن اسحق برأس أطباء عصره، و هبة الله بن تلميذ بأبو قراط عصره وجالينوس دهره”.



    ويقول الأب اليسوعي هنري لامانس: إن “عدد المسلمين فـي آخر القرن الأول الهجري لم يكن يتجاوز 200 ألف مقابل 4 ملايين سوري” وقد تبوأ المسيحيون مواقع مهمة فـي الدولة وتولوّا حركة التأليف والنسخ والترجمة والعلوم والطب والتجارة، والأسماء فـي هذه المجالات كثيرة لا تحصى، ما يعني أن العرب لم يضطهدوا المسيحيين، ما عدا انقلاب الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي حكم ثلاث سنوات، عليهم، رغم أنه مدفون فـي أرض لهم على بعد خطوات من صومعة القديس سمعان العتيق فـي الدير الشرقي قرب مدينة معرة النعمان السورية، وقد طردَ بعضهم من الوظائف الرسمية وحوّل عدداً من الكنائس إلى مساجد، ومنعَ بناء الكنائس الجديدة ولبس العمائم، وفرض عليهم جزَّ نواصيهم، ولبس ملابس وأحزمة خاصة، وركوب الخيل من دون سروج، وانتهت هذه الإجــراءات بوفــاته، لكن ما قـام به بــدا ناجماً عن مزاجٍ شخصي لا عن توجه ديني.



    وعملياً فإن أول اضطهادٍ حقيقي للمسيحيين تم خلال عهد الخليفة العباسي العاشر، المتوكل على الله )861-847م(، وهو من أمٍّ تركية، وأول خليفة يتمذهب بالمذهب الشافعي، وشهدت فترة حكمه بداية تداعي الدولة العباسية. حيث أعاد تطبيق ما فرضه عمر بن عبد العزيز على المسيحيين وأضاف إليه منعهم من الاحتفال بأعيادهم خارج بيوتهم وعدم احترام ملكياتهم أو كنائسهم، وأكرهَ مجموعةً على الإسلام قرب حلب. لكن هذا الخليفة الذي شهدت فترة حكمه صراعاً مريراً مع البيزنطيين، جرى خلاله قتل أسرى عرب بعد الطلب منهم العودة عن إسلامهم ورفضهم التنصّر، لم يكتفِ باضطهاد بالمسيحيين بل طال اضطهاده الشيعة والعلويين، وكان أمر بهدم قبر الحسين بن علي فـي كربلاء.



    وقام الحاكم بأمر الله الفاطمي (1021-985م) بإصدار أوامر إضافـية مثيرة للضحِك، فحدد للمسيحيين أطوال الصلبان التي يتقلدونها فـي أعناقهم وأوزانها، ومنعَهم من ركوب الخيل والاكتفاء بركوب البغال والحمير، ومن دون سروج. وقد اشتهر بغرابة أطواره وسفكه للدماء، ومع أن أمَّه مسيحية أمرَ بهدم كنيسة القيامة، مقدماً الذريعة لبدء الحروب الصليبية. لكنه كذلك هدم جامع عمرو بن العاص فـي الإسكندرية واضطهد اليهود والمسلمين الذين يخالفونه المذهب.



    صحيح أن المتوكل والحاكــم بأمر الله تراجـعا عن قرارات كثيــرة جائــرة فـي فتــرة لاحقــة، لكن هذا الأمر أثرّ ســلباً على علاقــة المســـلمين بالمسيحـيين فـي تلك العصور.



    حــلّت الحــروب الصلـيبـيـة (1291-1096م) وبــالاً على المشــرق انطلاقاً من مسيحييه أولاً، الذين لم يَسْلموا فـي أنطاكية والقدس من الصليبيين فقُتلَ الكثيرون منهم لأنهم مغايرون فـي أغلبيتهم الساحقة للعقيدة الدينية للقادمين بحجة تحرير القدس، واحتلت أديرة كثيرة فـي ظاهر أنطاكية وأماكن أخرى، حتى أن شكل الكثير من الكنائس قد بُدّل.



    وعندما خرج الصليبيون من المشرق لم يَسْلَم المسيحيون منهم ولا من بقايا السلاجقة والمماليك الآتين إلى الإسلام من بربرية فظة، فقد اعتبر السلاطين أن قسماً من المسيحيين، وتحديداً الموارنة، قد ساعد الصليبيين، ما جعلهم يقومون بالتنكيل بهم فهاجر جزء من الموارنة إلى قبرص، وتعرّض بقية المسيحيين المشرقيين للعقاب والاضطهاد، الذي طال المسلمين الشيعة والدروز والعلويين بشكل واسع حيث توسّل المماليك فتوى لقاضي دمشق الشهير ابن تيمية، الذي ما زال المسلمون التكفـيريون يعتمدون على بعض فتاويه، لتنفـيذ حملات عسكرية تشبه الإبادة الجماعية على هذه الطوائف، منها حملة عسكرية على منطقة كسروان فـي لبنان، التي كانت معقلاً للشيعة وتنفـيذ مذبحة بشعة بحقهم، جعلتهم ينزحون من المنطقة التي باتت لاحقاً موئلاً للرهبانيات المسيحية المارونية.



    وليس أدلّ على تدهور الحال آنذاك إلاّ الاضمحلال النهائي لأكبر تجمعٍ مسيحي مشرقي معرفـي عمراني زراعي متمدّن ومستقر، فـي ما يعرف حالياً بـِ “المدن الميتة” فـي شمال سورية، التي تضم بقاياها أكثر من 1600 كنيسةٍ وآبدةٍ أثرية ومدناً وقرى كانت معصرة وخابية الزيت الأولى للعالم القديم، وفـيها كاتدرائية سمعان العمودي الكبرى التي تبلغ مساحتها حوالي 12 ألف متر مربع، وكاتدرائية جوليانوس فـي براد، إضافة إلى خراب عاصمة المشرق، أنطاكية، التي كان عدد سكانها يتجاوز فـي القرن الميلادي الأول 300 ألف نسمة، وخراب أفاميا وتقلّص حلب ودمشق وبيروت والقدس.



    بَدَت فترة حكم المماليك (1517-1250م) الأشد حلكةً فـي تاريخ المشرق ككل حيث انهار العمران وتدهورَ عديد السكان بشكلٍ مريع فهبط عددهم فـي الهلال الخصيب من أكثر من 4 ملايين فـي العام 900م، نصفــهم من المسيحـيـيـن، إلى 1.2 ملــيون شخــص فـي عــام 1343م، لدرجـة أنه لــم يكـن من داعٍ لأن يُكــرِه الممــاليك أحــداً على تغيير دينه.



    لم تكن حال المسيحيين المشرقيين بعد مجيء العثمانيين، إثر معركة مرج دابق قرب حلب عام 1516م، أفضل كثيراً من حالهم أيام المماليك، رغم خضوع بعض السلاطين لمتطلباتٍ سياسية وإصدارهم “فرمانات” تزعم تحسين أوضاع المسيحيين، لكن الأمور فـي الواقع تدهورت وأدت إلى دخول الغرب فـي لعبة قوقعة المسيحيين وربطِ بعضـهم بعواصمــه منذ الاتفاقية الأولى بين السلطـان العثمــاني سليمان القانوني الذي حكم بين 1566-1520م والسفـير الفرنسي جان دي لا فوريه، التي جددت مرات عدة، وتضمنت توسيع البنود المتعلقة بالأشخاص والملكيات الفرنسية لتشمل مسيحيي المشرق، وبخاصة الكاثوليك، لكن الواقع يدلُّ على أن حالهم بقيت فـي أدنى مستوياتها، وبقوا مواطنين هامشيين لا حول لهم ولا قوة حتى رحيل الدولة العثمانية عام 1916.



    وجرّاء هذا الوضع التاريخي المأزوم هَرَعَ المسيحيون المشرقيون مجدداً إلى بثِّ الروح فـي النهضة العربية خلال فترة النزْع الأخير من حكم “الرجل المريض” العثماني، فساهموا كمؤسسين فـي نَشرِ الوعي عبر الجمعيات والصحف وإعادة إحياء اللغة العربية فـي مواجهة التتريك وقدموا شهداء فـي ساحات بيروت ودمشق على شفا غروب الاحتلال العثماني. والأسماء أكثر من أن تعدّ فـي هذا المجال، كما هرعوا لتأسيس، أو المساهمة فـي تأسيس الأحزاب على أسس المواطنة وفصل الدين عن الدولة، وبعضها على أساس طائفـي مغلف بنزعة ليبرالية، وكانت غاية الكثيرين منهم التحرر من صفة “أهل الذمة” عبر السعي إلى إنشاء دول قومية أو ليبرالية تعتمد على مبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية، وشاركوا بفعالية فـي الثورات الفلاحية بجبل لبنان (1857-1780)، وجبل حوران فـي سورية. أما بعد معاهدة سايكس - بيكو وتقسيم المشرق والحرب العالمية الثانية وظهور الدول الوطنية فقد انخرط المسيحيون فـي مجمل الحِراك الوطني من خلال تأسيس الأحزاب العلمانية والحركات الوطنية، وأدّوا قسطهم فـي الصراع مع إسرائيل بعد تأسيسها كدولة، واحتلالها قسماً من أرض فلسطين وتهجير الفلسطينيين منها مسلمين ومسيحيين.



    الخارطة الحالية للمسيحيين فـي المشرق



    يتمحور الوجود المسيحي تاريخياً فـي دول المشرق بشكل أساسي فـي مصر وسورية ولبنان والعراق والأردن وفلسطين، فـيما دخلت المسيحية إلى جنوب السودان عبر البعثات التبشيرية، كما ذهب مسيحيون مشرقيون إلى الدول العربية الخليجية بقصدِ العمل. ويوجد بقية ضئيلة من المسيحيين فـي تركيا وإيران.



    للأسف، لا تتوفر إحصائيات رسمية، أو شبه رسمية عن العدد الحقيقي للمسيحيين فـي دول المشرق، ولا حتى إحصائيات عالمية دقيقة، وفـي جميع الأحوال فإن الأرقام تقريبية دائماً، حيث لا نملكُ رقماً موَّحداً عن عدد المسيحيين الأقباط فـي مصر، لا بل يختلف الباحثون حول نسبتهم من عدد سكانها. كما أن بلداً مثل لبنان لم يقم بإحصاء عدد سكانه منذ 1932، بينما تقوم سورية بتنظيم إحصاءات بشكل دوري، لكنها لا تَعتَبرُ المسيحي أو المسلم المهاجر متنازلاً عن جنسيته. أما فـي العراق فلا إحصاءات دقيقة لعدد من بقيَ من المسيحيين فـيه بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، ولا إلى أي مكان آخرَ هاجر أغلبيتهم، رغم معرفتنا بأن أكبر نسبة منهم ما تزال فـي سورية، لكن هذا لن يثنينا عن الوصول إلى رقم تقريبي مأخوذٍ من تقاطع مجموعة من الإحصاءات الخاصة ومن بحثنا الشخصي.



    ينقسمُ المسيحيون فـي البلدان المشرقية، عدا مصر، إلى 11 طائفة، فـيما ينقسم الأقباط إلى 3 طوائف، كما يتوزع المسيحيون أيضاً على أقليات تاريخية أثنية، مثل الآشوريين والكلدان والأرمن وقلّة قليلة من الأكراد. ويقدر عدد المسيحيين فـي العالم العربي بحوالي 12 مليون نسمة من أصل حوالي 330 مليوناً، لكن أغلبيتهم الساحقة تتواجد فـي دول المشرق، ويتوزعون فـي مصر، لبنان، سورية، العراق، الأردن، فلسطين، ويبلغ مجموع عدد سكان هذه الدول، حسب الإحصاءات الرسمية حوالي 150 مليون نسمة، أي أن معدلهم يساوي 8 ٪ من مجموع سكان المشرق، مع الإشارة إلى أن عدد سكان الدولة العبرية بلغ فـي آخر إحصاء رسمي حوالي 7,5 مليون نسمة، 19 ٪ منهم من العرب، عدد المسيحيين منهم 148 ألف نسمة، ما يعادل 2.1 ٪ من مجموع السكان، كما بلغ مجموع المسيحيين فـي تركيا وإيران نحو ربع مليون، هاجر الكثيرون منهم فـي السنوات الأخيرة إلى مختلف دول العالم.



    هجرة المسيحيين المشرقيين تاريخياً



    إن البحث فـي تاريخية الهجرة من المشرق يقود إلى معارج متعددة، فهي لم تقتصر على المسيحيين فقط بل طالت مكوّنات أخرى من المجتمع، لكنها لفتت الأنظار لدى المسيحيين لقلة عددهم فـي بعض البلدان، أما أسباب الهجرة فمتعددة فـي سياقها التاريخي كتعدد أسبابها والعوامل التي أدَّت إليها.



    لم تعد الهجرة ظاهرة مقتصرة على بعض دول العالم، أو تختص بعرقٍ أو دين أو مذهب معين، بل تطال مختلف الأديان والأعراق، ولا تجوز مقاربتها من زاوية واحدة كالسياسة أو الاضطهاد الديني أو الخوف من الآخر، لأن هذا يجعل المقاربة تنمُّ عن جهل وقصر نظر وعن غاية مخبوءة لغرض ما، فأغلب الباحثين والمختصين بالإحصاءات يرون أنها ناجمة عن قرار فردي يقوم به شخص ما، قبل أن تكون هاجساً جماعياً، وهي حق للفرد الذي يستنسبُ عيشاً له فـي مكان يرى فـيه راحته. وهنا يكمن الفرق بين المهاجِر والمهجَّر، فالأول اختار إرادياً أن يرتحلَ للعيش والكسب أو تبديل الانتماء، على اعتبار أن ما يطمح إليه لا يتحقق فـي وطنه الأم، والبعض من المهاجرين يذهب وكأنه لن يعود، نظراً لانعدام الانتماء لديه، لذلك يبحث عن جنسية أخرى يعتبرها ملجأً له ولطموحاته. والثاني مهجّر قسراً وعنوة، أُجبر على ترْك أرضه، وهذا ينطبق على المسيحيين وغيرهم كحالتي فلسطين والعراق، وبالإجمال فإن التهجير القسري الناجم عن التعصب الديني حالة نادرة فـي المشرق.



    تُجمع الأدلة على أن هجرة المسيحيين الأولى من لبنان مثلاً بدأت لدى اندلاع الحرب الأهلية فـي العام 1854م، لكنها بقيت على الأغلب ضمن المشرق حيث انزاح بعضهم فـي هجرة داخلية، فاتجه قسم إلى فلسطين وآخرون إلى مصر، مع اتجاه البعض نحو أمريكا اللاتينية. وأول هجرة فلسطينية من مدينة بيت لحم إلى البرازيل كانت فـي العام 1880م، واتسع نطاق الهجرة المشرقية إلى أمريكا الجنوبيـة منذ العـام 1892م، وبلغــت حـداً كبيـراً بين الأعـوام 1930-1903م جراء المجاعة والحرب العالمية الأولـى وما عـرف بـ “سفر برلك” خلال أفول شمس الدولة العثمانية، وتشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد المهاجرين اللبنانيين فـي البرازيل وصل عام 1970 إلى 1.8 مليون مهاجر، فـيما تشير أرقام لوزارة الهجرة البرازيلية إلى أن عدد اللبنانيين والمنحدرين من أصل لبناني يبلغ حوالي 5.8 ملايين نسمة.



    ورصد مجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط ومركز دراسات الوحدة العربية والمؤتمر القومي العربي، وبعض الجامعات المسيحية الخاصة فـي لبنان، أسباب الهجرة بشكل عام وقالوا إن النسب على النحو التالي: )44 ٪ بداعي العمل، 30 ٪ بداعي تكوين الأسر المختلطة، 15 ٪ بداعي الدراسة فـي الخارج واختيار وطن بديل، 10 ٪ بداعي الخوف من التطرف، وأسباب أخرى ثانوية(، ما يشير إلى أن الأسباب الدينية تأتي فـي أسفل سلّم الترتيب، وهو ما يحتّم علينا العودة إليها لاحقاً وبالتفصيل، وضمن كل بلد على حده، لا بل ضمن المجموعات الأثنية المسيحية والأسباب التي أدت إلى تهجير الأقوام التاريخية.



    أسباب الهجرة



    1 - السبب الاقتصادي



    يدفع العامل المادي وشحّة فرص العمل والفقر وضعف البنية الدولتية الحاضنة للشهادات العلمية والكفاءات والمهارات وتدنّي معدّل دخل الفرد والتخلف الإداري والمحسوبية، بالشباب، وحتى المتزوجون منهم إلى الهجرة، التي تبدو حلاً لمواجهة المشكلات الاقتصادية والنفسية والفكرية للشباب، حيث تلبي طموحاتهم بحياة كريمة مكتفـية مالياً، كما تلبي نزوعاً نحو المغامرة وأعطاباً نفسية تتمثل بالخجل من العمل فـي وظائف أقلّ شأناً فـي الوطن الأم، لكن هذه الهجرة فـي أحد أوجهها تشي بأن الكثيرين ممن يبحثون عن جنسية ثانية ليسوا فقراء، وهم يسعون إليها انطلاقاً من نزعة تحوّطية وتخوّف من المستقبل.



    2 - ضعف الانتماء



    ساهم التشويش التاريخي على الهوية، وعدم تبلورها فـي المشرق عموماً، لا بل تشظّيها بين عربية ولبنانية وسورية ومصرية فرعونية وفـينيقية وسريانية وآشورية وكلدانية وكردية وأرمنية ومسيحية متشرّقة أو متغرّبة وإسلامية متشعبة وما إلى ذلك، فـي خفضِ منسوب الانتماء، كما أن الكثيرين من الشباب مغترب فـي داخله، مهاجر فـي روحه، محبط من السياسة والفكر والاقتصاد والتقدم العلمي، ما يؤدي إلى تضارب الهوية داخله، بين الجَمْعية منها والفردية الخاصة، فـيصبح الوطن عنده جواز سفر وقاعة ترانزيت نحو مكان آخر يُشَرعِنُ “الحلم” ولا يسأل عن الجذور، وبدلاً من المواجهة يلقي بأفشاله على وطنه ويرحل.



    وبالنسبة للمسيحي المؤمن فهذا مخالفٌ تماماً للإيمان بالبشارة والمسيح، بمعنى أنه يجب أن يشهد مع يسوع على الحق، وعلى أن البقاء هو كالصخرة التي طلب يسوع من بطرس أن يكونها، فاستمرارية الوجود المسيحي فـي المشرق ليس منّة من أحد، بل واجبٌ ينبع من أن المسيح نفسه من هذه الأرض بالمعنى الجسدي، وهذه استمرارية فـي الحياة مع الآخرْ منذ ألفـي عام، فالمسيحيون ليسوا جواليَ وحجاجاً فـي المشرق، بل هم فـي صُلبه ونخاعه الشوكي، وهم بعض ملح الأرض، وإذا كانت الهجرة حلاً لوضع مالي أو لأعطابٍ نفسية فهي حلّ آني، لأن السؤال هو هل يجد المسيحي المشرقي مسيحيته متجلّية فـي ديار الاغتراب؟. أم هل يجد أنه أسسَ أسرة تحمل هوية أخرى... وهل هذه الهوية مسيحية حقاً؟



    3 - الأصولية الدينية



    بدأت الأصولية الإسلاموية تطلُّ برأسها بوضوح منذ الخمسينات، وهي ناجمة عن قراءة أحادية للنصِّ الديني، وهي أيضاً تكفـيرية لمن لا يشاركها الإيديولوجيا نفسها ضمن الإسلام، وقد استفادت من دعم الغرب المطلق لإسرائيل فـي تجييش أنصار لها، وقسمت العالم إلى فسطاطين، واحدٌ يقتصر على رؤيتها المبتسرة والمجتزأة للنص القرآني، والمغلقة على الحوار فـي آن. والآخر هو عدوّ فـي الزمكان، وتطورت هذه الحركات متكئة على المفهوم الجهادي، ضد الماركسية أولاً ومن ثم الغرب، والأمريكي منه تحديداً، وكانت ساحتها الأساسية فـي أفغانستان، قبل أن ينتقل بعضها إلى العراق، لكن انتشارها فـي المفهوم والعدد ضمن المشرق صغير ولا يدعو للخوف، لأن البنية الذهنية العامة فـي هذه المنطقة من العالم لا يمكن أن تذهب باتجاه الفِكر المتطرّف، وبخاصة النموذج التكفـيري، لأنه ينسحب على الكثير من المسلمين قبل المسيحيين، لكنها فـي واقع الحال خلّفت نقزة فـي العلاقات الإسلامية ـ المسيحية، لأنها ساوَت بين المسيحيين الوطنيين المشرقيين الذين هم أهلُ البلاد وبين الإدارات الغربية، أو بين بعض الكنائس الغربية التي تعتمد النصّ التوراتي أكثر من الإنجيل، معوِّلة على قراءة ساذجة واتهام أحولَ للمسيحيين بـ“الصليبية”، وهو تفسير ينمّ عن ضحالة ثقافتهم القرآنية، وأنهم دخلاء على العلاقات الإسلامية ـ المسيحية التاريخية، فهم فـي غالبيتهم جاؤوا من مناطق باتت أحادية الانتماء الديني منذ قرون طويلة، ومن مذاهب اتكأت على هذه الأحادية التي تقارب التكفـير. وقد ساهمت هذه الأفكار بشكلٍ ضئيل، جراء وجودها الفعلي خارج إطار المشرق جغرافـياً، فـي إثارة بعض القلق لدى المسيحيين، وتحديداً فـي العراق بعد الاجتياح الأمريكي له، وضرب التكفـيريين للبنى التحتية المادية والمعنوية للمسيحيين فـيه، ما جعــل هجــرة العراقـيـين المسيحـيـين، أقـرب إلى التهجـيـر الناجم عن الخوف، لا الهجرة.



    الهجرة السياسية، التي شكلت مجزرة ديمغرافية



    تبدو المجزرة الديمغرافـية هنا مبنية على تصورٍ مسبق لتسهيل تهجير الأقوام التاريخية من المشرق وتأمين أماكن لجوء وعمل وجنسية لهم خارج إطارهم الطبيعي والجغرافـي والتاريخي واللغوي والتراثي، ولذلك يتوجب الإضاءة على هجرة الآشوريين، الذين يُعدّون مع الكلدان أقدم حضارات الرافدين والجزيرة السورية، وقد اعتنقوا المسيحية فـي غرّة ظهورها، وتم تهجيرهم من شمال العراق بموجب اتفاق بين فرنسا وإنكلترا اللتين كانتا منتدبتين على سورية والعراق فـي العام 1939، إثر محاولة انقلاب على الملك غازي، فنقل آلاف الآشوريين إلى ضفاف نهر الخابور، أحد روافد نهر الفرات بين مدينة الحسكة وبلدة رأس العين السورية، فبنوا وزرعوا وصارت منطقتهم تلقب بباريس الشرق، لنظافتها وجمال جنائنها، وبقي عددهم حتى العام 1980 حوالي 50 ألف شخص، وبقدرة عليمٍ بالأمن والتهجير فُتحت لهم كوى تأشيرات الدخول إلى أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا، ولم يبق منهم هناك اليوم أكثر من 6 آلاف آشوري معظمهم من الشيوخ. وهذا ما حصل مع الكلدان، فمن بلدة تل فائق فـي شمال العراق وحدها هاجر 125 ألف شخص. وبلغ عدد المهاجرين السريان من العراق والجزيرة السورية، وهم أبناء هذه المشرق الأصليين، حفظةُ التراث العربي، ورواد الترجمة والطب، حوالي 400 ألف شخص، حيث فتحت لهم أبواب السويد والنروج وأستراليا وأمريكا، ونقل بعضهم إليها لغته ومدارسه وكتبه، حتى أن مدينة القامشلي فـي شرق سورية التي كانت ذات أغلبية سريانية منذ مطلع القرن العشرين وحتى الستينات منه تكاد تكون خاوية منهم. ونجمَ عن هذه الهجرة، التي تقارب التهجير الممنهَجْ تغيير الواقع الديمغرافـي، حتى لتخال أن المطلوب قطعَ حلقة الاتصال بين مسيحيي سورية والعراق، وطيَّ صفحة الأقوام التاريخية ومحوَِ أثرها من بلادها، وتحويلها إلى جوالي فـي بلاد الغرب، أو صورة مَتْحَفـية على نموذج الهنود الحمر. وما زال هناك مكتب فـي تركيا يعمل حتى الآن على تأمين تأشيرات وطرائق لهجرة من تبقّى من هؤلاء المسيحيين المشرقيين من بلادهم.



    أما الهجرة البَيْنية للمسيحيين السوريين نحو لبنان فهي تاريخية جرّاء التداخل العائلي وحركة المصالح، فالمسيحيون من شمال سورية، وبعد خراب «المدن الميتة» خلال الحروب بين العرب والبيزنطيين وبعد الحروب الصليبية والزلازل والقلاقل جاء قسم منهم إلى لبنان، كما أنه منذ أربعينات القرن الماضي قصدَته موجة أخرى من حوران بقصد العمل، لكن الموجة السورية الواسعة جاءت إليه ونزلت فـيه كمحطة أولى للهــجرة إلى أمـكــنة أخرى كانت بين الأعــوام 1958–1962، حيث وصل قسمٌ كبيرٌ من البورجوازية السورية إبّان الوحدة بين مصر وسورية، خوفاً على مصالحهم وهرباً من التأميم وتغيير طبيعة النظام السياسي، ويُقدّر البعض عددهم بـ200 ألف شخص، هاجر القسم الأكبر إلى خارج لبنان، وبقي حوالي 50 ألف شخص فـيه، حصل أغلبهم على الجنسية اللبنانية، وأسسوا تجارة وصناعة ما تزال مزدهرة.



    وتوالت هجرة المسيحيين من سورية بعد حرب عام 1967 وتنامَت بعد حوادث الأخوان المسلمين عام 1980، وتمكّن الكثيرون من ذوي الكفاءات والشهادات العليا، وحتى بعض الموجودين فـي الإدارة من الحصول على تأشيرات عبر أقرباء لهم ويمموا شطرَ أمريكا وكندا والسويد وبعض البلدان الأوروبية الغربية الأخرى، وعمل البعض على الهجرة تحت حجة اللجوء الإنساني من خلال مهربين وسماسرة، وعلى الأغلب كانت وجهة هؤلاء ألمانيا الغربية عبر إقامة مؤقتة فـي ألمانيا الشرقية، حيث وضعوا فـي معسكرات، وطالت إقامات بعضهم فـيها سنوات حتى تمت تسوية أوضاعهم. ويذكر أحد التقارير أن واحداً من هذه المعسكرات كان يضمُّ أكثر من 10000 سوري. لكن سورية حتى الآن لا تسمح بالتنازل عن جنسيتها ولو حصل المرء على جنسية ثانية، وعليه الواجبات وله الحقوق نفسها للمقيم.



    لكن لا يمكن أبداً قياس هجرة المسيحيين المشرقيين على مسطرة واحدة، ففـي الأردن وسورية لم يتعرض المسيحيون لأي ضغط سلطوي أو عسف ديني. وفـي لبنان كانت بدايات الهجرة كما فـي المشرق عامة ناجمة فـي أغلبها عن الواقع الاقتصادي السيئ فـي ظل الحكم العثماني، لكنها تنامت أيضاً خلال الانتداب الفرنسي، وتعاظمت خلال الحرب الأهلية، من دون أن ننسى أن العقل الغربي الأحادي الوجهة عرض على المسيحيين اللبنانيين مغادرة بلادهم، عبر السفن، وهذا جزء من رؤية بائسة للحلول السياسية أو دعوة لإلحاق هؤلاء بالأقوام التاريخية التي هاجرت أو هجّرت.



    أما وضع المسيحيين فـي فلسطين فهو خاضع أيضاً لظروف الاحتلال الإسرائيلي، الذي يزعم أن القدس عاصمة أبدية للدولة اليهودية، ويهدف إلى تفريغ المدينة من مسيحييها عبر مجموعة من الوسائل تتراوح بين الترغيب والترهيب والتضييق والتيئيس، فـيما لعبت السياسة الغربية دوراً فـي تهجير المسيحيين العراقيين، وتنامى الأمر فـي ظل الاحتلال الأمريكي.



    وساهم الوضع الاقتصادي المزري فـي مصر بهجرة الكفاءات الوطنية. وذكر تقرير حكومي مصري حديث أن نحو 700 ألف مواطن معظمهم من الشباب تقدموا بطلبات للهجرة خلال العام 2009، طلب 120 ألفاً منهم الهجرة إلى الولايات المتحدة فـيما توزع الباقون على أوروبا وأستراليا وكندا وتركيا، من بينهم 7000 يحملون درجة الدكتوراه و4000 حاصل على الماجستير فـي أقسام الهندسة والكيمياء والفـيزياء. وتشير أرقام وزارة القوى العاملة والهجرة إلى أن عدد المصريين فـي الخارج يبلغ 6 ملايين و619 ألفاً.



    لكن الهجرة الحقيقية للمسيحيين الأقباط بدأت بعد وصول الرئيس الراحل أنور السادات إلى السلطة ونزاعه مع المرجعية الدينية المسيحية الكبرى (الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية)التي رفضت الذهاب إلى القدس والتطبيع مع إسرائيل فـي ظل احتلالها للأراضي العربية. وهنا يلاحظ أيضاً أن تدهور وضع المسيحيين المشرقــيين يتبدى عنــدما يتدخل الغرب فـي الشــؤون الداخلية لدول المشرق.



    وعند مراقبة ومقاطعة نتائج الإحصاءات والدراسات نجد أن الأقباط الذين يعدّون حوالي نصف المسيحيين المشرقيين، يبلغون حاليا أكثر من 7 ٪ من سكان مصر، ويصل عددهم، إذا قاطعنا أرقام الإحصاءات الرسمية والكنسية والأهلية، إلى حوالي 6 ملايين نسمة، وقد هاجر منهم خلال الثمانين عاما المنصرمة حوالي 1,5 مليون شخص.



    بقيت نسبة المسيحيين تتراوح بين 15 و20 ٪ من سكان أكثر من دولة مشرقية حتى الخمسينات من القرن الفائت، فـيما تقارب نسبتهم حالياً 8 ٪ من مجموع السكان العام فـي البلدان المشرقية، حيث تتفاوت النسبة بين بلد وآخر. ولنبدأ بلبنان فقد كانت نسبة المسيحيين فـيه فـي إحصاء عام 1932 تنوف عن 55 ٪، انحدرت فـي العام 1975 مع بداية الحرب الأهلية إلى أكثر من 42 ٪، وتراجعت فـي العام 1994 إلى حوالي 30 ٪، فـيما أشار تقرير للكونغــرس الأمــريكي صدر قبل حــوالي ثــلاث سنوات إلى أن النسبة تعادل 28 ٪.



    وأفادت دراسة سابقة لوزارة المغتربين أن هجرة المسيحيين اللبنانيين بين الأعوام 1990-1975 بلغت 26 ٪ للموارنة و25 ٪ للأرثوذكس و19 ٪ للكاثوليك، من دون الإشارة إلى هجرة الأرمن اللبنانيين بكثافة منذ العام 1975 إلى أمريكا الشمالية. وتشير بعض الدراسات إلى وجود أكثر من 6 ملايين مهاجر لبناني بينهم 3.5 مليون من المسيحيين.



    وفـي سوريا كانت نسبة المسيحيـيـن فـي مطــلع القــرن العشــرين تبلغ حوالي 32 ٪ من الســكان، انحــدرت فـي العــام 1980 إلى 16،5 ٪ ووصلت حالياً إلى حوالي 10 ٪. فـيما يبلغ عدد المسيحيين فـي الأردن حوالي 245 ألفاً، حسب إحصاءات تعود للعام 2008، أي ما نسبته حوالي 4 ٪ من عدد السكان، لكن مصادر أخرى تشير إلى أن النسبة لا تتجاوز الـ3 ٪.



    يتبدّى الوضع الكارثي للهجرة المسيحية فـي بلدين، أوّلهما فلسطين التاريخية، فقبل الهجرة اليهودية المكثفة كان المسيحيون فـيها يشكلـون حـوالي 20 ٪ من مجموع عدد السـكان، ومع الحــروب والضغوط ومغريات الهجرة تناقصوا بشكل مريع، فعشية النكبة عام 1948 هاجر 50 ألف مسيحي فلسطيني. ومن 400 ألف مسيحي مسجّل فـي فلسطين يوجد حوالي 50 ألفاً فـي الضفة الغربية، وحوالي 10 آلاف فـي القدس، و3500 فـي قطاع غزة، و130 ألفاً من فلسطينيي 1948، داخل ما يسمى الخط الأخضر، ومن تبقى منهم بات مهاجراً، ففـي مدينة القدس التي كانت نسبة المسيحيين فـيها عام 1922 تصل إلى 53 ٪ باتت اليوم 2 ٪ من عدد السكان. أما فـي بيت لحم، مهد السيد المسيح، فقد كانت نسبتهم 85 ٪ فـي العام 1948 وهي لا تتعدى حالياً 12 ٪.



    البلد الثاني هو العراق، فحسب إحصاء يعود للعام 1977 بلغَ عدد المسيحيين فـيه 2 مليون و48 ألف نسمة، تراجعوا إلى 1 مليون و250 ألف نسمة عام 1987، وبعد حرب الخليج الأولى والحصار هاجر قسم كبير منهم، وبخاصة من شماله، ومنذ الاجتياح الأمريكي والغربي فـي العام 2003 تناقص عدد المسيحيين إلى حوالي 700 ألف نسمة، بنسبة 3 ٪ من عدد السكان الذين كان عددهم فـي ذلك الوقت حوالي 25 مليوناً، نزح منهم بعد الاعتداءات التي تمّت تحت سمع ونظر قوات التحالف الغربي أكثر من 350 ألفاً إلى سورية والأردن، قبل أن تنتقل عائلات كثيرة إلى أمريكا وكندا، عبر هجرة مدروسة أو لجوء سياسي.



    وفـي تركيا التي كان عدد المسيحيين فـيها عام 1920 يقارب مليوني نسمة، أي ما نسبته 15 ٪ من عدد السكان، باتوا حالياً 70 ألفاً، بنسبة 1 ٪ من إجمالي عدد الأتراك. أما فـي إيران فقد كان عدد المسيحيين عشية الثورة الإسلامية عام 1979 حوالي 300 ألف نسمة هبطوا حالياً إلى 100 ألف، مع أن عدد الإيرانيين تضاعف منذ ذلك الوقت.



    وتجدر الإشارة، إلى أن ثقافة خفض وتحديد النسل عند المسيحيين وتراكمها منذ أكثر من نصف قرن ساهم فعلياً فـي تدني عديدهم فـي المشرق، فأغلب العائلات المسيحية تكتفـي بولدين، أو ثلاثة فـي أحسن الأحوال، ومقارنة هذه النسبة مع ارتفاع عديد العائلات المسلمة فـي المشرق يوضح لنا أن هذا الأمر يسهم عملياً فـي تدهور نسبتهم وتراجعها فـي المنطقة.



    مفاعيل الهجرة



    ساهم المسيحيون المشرقيون تاريخياً فـي إقامة توازن اجتماعي ثقافـي معرفـي فـي بلدانهم، فخلال الألفـي سنة ونيف الماضية احتلوا موقعاً رئيساً فـي بناء وتطوير الحضارة العربية، لغةً ومعماراً وثـقافـة وإبـداعـاً واقـتـصـاداً، لا كمكــوّن منعـزلِ فـي المجتمع، بل كعنصر أساسي فاعل فـي العمل الإنساني والمعرفـي والعملي. وعبر تشابك المصالح فـي المجتمع كانوا يقربون بين مكوناته فـي العادات والتقاليد والتراحم، وشكلوا جسراً للتواصل مع المنتج المعرفـي فـي الغرب، مساهمين فـي خفض منسوب النظرة السوداوية والسيئة التي انتشرت فـيه بعد الحروب الصليبية، ويرى مستشرقون مثل نورمان دانييل ومالفـيزي وليفـي ديللا فـيدا أن فضلاً كبيراً يعود للمسيحيين الموارنة فـي تغيير الصورة النمطية التي رسمها الغرب للإسلام ووقف السُباب والتعابير المسيئة التي كان يطلقها الأوروبيون على المسلمين، وليس من باب المصادفة أن أول ترجمة يعتد بها للقرآن إلى اللاتينية طبعت فـي العام 1668م هي للإيطالي لويجي ماراتشي الذي كان تعلم العربية والسريانية على راهب مسيحي ماروني فـي روما.

    وساهم المسيحيون بفعالية قصوى منذ مطلع القرن الماضي بضخِّ روح التحديث السياسي، انطلاقاً من وحدة المجتمع المصلحية والفكرية وحتى الدينية أمام الأخطار الخارجية، لذلك تبدو الهجرة فـي حال استمرارها عاملاً يفتك بالمجتمعات المشرقية، وهي تساهم فـي:



    -1 تخريب النسيج الاجتماعي المشرقي



    تظهر الأرقام أن الهجرة تشكل خطراً على توازن المجتمع ديمغرافـياً، أو لنقل على غناه وتنوعه، وهذا الخطر لا ينسحب على المسيحيين وحدهم جراء نقص عددهم المضطرد ما يؤدي مع الوقت إلى تغلغل ثقافة الانعزال الأقلوي، وبالتالي تشكيل حركات طاردة أو انفصالية أو استعلائية، وهي موجودة لدى البعض جراء شعور واهم وخلّبي بالتفوق الغربي. بل فـي الواقع يقع الخطر على المقيم، والهجرة تضعِفُ المقيم أيّا يكن انتماؤه، فهجرة الأدمغة والمثقفـين والأيدي المدربة تنعكس على المجتمع بكل مكوناته، وبخاصة فـي ظل تنامي اقتصاد المعرفة، ما يسهم فـي تراجع التقدم الاقتصادي وضرب مبدأ الوحدة التاريخية. ولأن المشرق مكوَّن من نموذج فسيفسائي أثني وطائفـي ومذهبي، فإنه سيصل فـي خاتمة الأمر إلى دَرْك الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.



    -2 تفتيت هوية المُهاجر



    لم تكن الهجرة قدراً محتوماً فـي أحيان كثيرة، بل كانت خياراً وهاجساً فردياً للبعض، ولذلك فإنه لا يجوز النظر بعين واحدة إلى أصحاب هذين الخيارين. وللحقيقة فقد حاول عدد كبير من المهاجرين الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم وكنيستهم فـي المهجر، ضمن جهد مضنٍ للحفاظ على الهوية الأصلية، لكن طبيعة الحياة فـي المَهاجِر واختلاف طرق التفكير والثقافة والعادات والتقاليد ساهم فـي خلخلة الهوية المشرقية إلى حدٍّ كبير، وكلما طَعَنَ الوقت بالمُهاجر وعائلته كلما أمعَنت هويته الأصلية ابتعاداً، لأن الثقافة السائدة فـي الغرب تقدّسُ الفرد، فـيما العائلة والتكافل الاجتماعي من صفات الثقافة المشرقية، ولذلك لا يمكن للمُهاجِر أن يعيش فـي «غيتو» منعزل على النموذج اليهودي قديماً، لأنه مضطر للانخراط فـي العمل والمجتمع، وتحديداً فـي ظل العولمة، ولأن تُزج عائلته فـي الثقافة السائدة. وقد قال المطران جورج خضر ذات مرة لصحيفة الرأي «لم يبق غرب مسيحي، فهناك فتورٌ كبيرٌ فـي التدين لدى الغربيين. الغرب هو علماني بالدرجة الأولى ولا معنى لمقارنة شرق إسلامي بغرب مسيحي».



    إن المجمــوعات المشــرقية قد تــبدّلت، ولذلك نــرى فـي المهــجر اللاتــيني وحتى الأمريــكي الشمــالي، أننا بـتنا أمـام الجيـل الثــالث والــرابع، ففقــدت اللــغة كوسيلـة تواصـل، واقــتصرت العــلاقة مع الوطــن الأم على نــوع من النوسـتالجـيــا، يكابــده بعض الشــيوخ الذيـن يروون ذكريــاتهم أو ذكــريات آبـائــهم وأجدادهم، ولذلك تـبدو هــوية المُهــاجِر تعاني من شرخٍ كبير، وهذا من طبيعة الاجتماع البشري، وفـي يوم ما سيكون المُهاجِر المشرقي واحداً من نسيج اجتماعي متنوع فـي البلد الذي هاجر إليه، أي أن الكثيرين من المهاجرين حالياً يعانون من «هوية قلقة» قبل احتضار الهوية الأصلية.



    -3 تفكك المسيحية المشرقية



    لنبدأ من الأسئلة: هل من مسيحٍ بلا قدس وبيت لحم والناصرة؟، وهل من مسيحية من دون الرُسل وبولس ودمشق وأنطاكية والقدس والإسكندرية؟. وهل من موارنة من دون مار مارون وبراد ولبنان أو هل من آشوريين وكلدان من دون بابل وبغداد ونينوى والموصل؟.



    صحيح أن الإيمان علاقة بين المخلوق والخالق، لكن هذه العلاقة تمارس على الأرض، وتحوّلت مع الزمن إلى عادات وتقاليد وطقوس، نحييها داخل أمكنة محددة، وإلاّ ما نفعُ الكنائس الخاوية من المصلين؟، وعلى من يلقي رجال الدين عظاتهم؟.



    أمام خيار الهجرة يقع المُهاجر فـي حيرةٍ واضحة، فالغرب ليس كله مسيحياً بمعنى التدين، لا بل أن بعضه ينفـي المسيحية من دستوره، فـيما تنتشر فـي بلدان كثيرة منه بِدع وشِيع تقول إنها مسيحية، لكنها لا تقارب الكثلكة ولا الأرثوذكسية بشيء، لا بل هي أقرب إلى الشيع التوراتية البحت. مع الاعتراف أن الإيمان فـي الغرب متروك للحرية الفردية، ومن هنا تبدو الهجرة انسلاخاً عن الأصل والتقاليد والعادات وحتى الموسيقى والتراتيل الدينية والتراث المدني، نحو أصول من نوع آخر.



    من الواجب القول أن أغلب المسيحيين المشرقيين يجاهدون فـي سبيل عدم التخلّي عن إيمانهم فـي المَهاجر، لكنهم لم يستطيعوا المحافظة على مشرقيتهم وخصوصيتها فـي حمأة العمل والبحث عن القوت وفـي مستوجبات الانخراط فـي النظام الاجتماعي للبلدان الجديدة، وهذا يدلُّ أيضاً على أنهم يواجهون صعوبات جمّة وتحدّيات فـي الوطن البديل، يمكن أن تعادل التحديات التي ينبغي مواجهتها لبناء الوطن الأم.



    خطوات ومسؤوليات



    منذ سنوات طويلة رفع بعض الحريصين على مستقبل المنطقة أصواتَهم محذرين من عواقب الهجرة على البيئة المشرقية عموماً والمسيحيين فـيها على وجه الخصوص، لكن هذه الأصوات لم تؤخّر مهاجراً حتى الساعة عن موعدِ إقلاع طائرته، ولم تُعِد مغترباً إلى وطنه، ما يعني وجود خللٍ فـي الممارسة والمخاطبة والتوجه وفـي آليات العمل، لا بل فـي التدريس والتعليم والتوجيه، وأن الرسالة لم تصل إلى عموم الناس، ولذلك لا بد من ممارسة نقدٍ حقيقي لوسائل العمل وطريقة الخطاب وآلية التوجه، قبل أن نعود لنتوجه إلى المواطن المسيحي طالبين منه البقاء فـي أرضه والتشبث بمشرقيته. وهنا تقع المسؤوليات على:



    -1 الدول المشرقية



    انطلاقاً من أن الدولة لكل أبنائها، وأن السلطة مستمدّة من الشعب، فإن القانون يجب أن يطبّق على جميع الناس فـي الحقوق والواجبات، وعلى الدول أن تؤمّن فرص العمل للشباب كي يبقوا فـي أرضهم حسب مبدأ تكافؤ الفرص، لا بناءً على المحسوبيات والاستزلام والطائفـية والفساد الذي يعمُّ دول المنطقة. وفـي المكان الذي ترى فـيه الدولة أن مكوّناً وازناً من شعبها يدق أبواب السفارات طالباً الهجرة، عليها تقصّي الأمر وإلغاء أسبابه، لا أن تدفن رأسها فـي الرمال وتمارس سياسة النعامة، فالمشرق عموماً مكوّن من موزاييك طائفـي وأثني، وفقدان واحدٍ منه سوف يفقده غناه وتنوّعه وفرادته ورسالته ويضعف اقتصاده ويخلخل بنيانه الاجتماعي، لذلك مطلوب من الجهات السياسية الحاكمة فـي المشرق الالتفات إلى موضوع الهجرة المسيحية، ليس من منظور ديني فقط، بل من منظور وطني، ترى فـيه ملامح أزمة تلوح أشرعتها فـي الأفق. وعليها المبادرة وطنياً للجم وإزالة الأسباب التي تجعل الشباب المسيحي يهاجر. والمطلوب من سورية والأردن حالياً احتضان المسيحيين العراقيين مؤقتاً وتمكينهم. لا أن تكونا محطة عبور لهم إلى مغترب بعيد، والسعي لإعادتهم إلى ديارهم، ففـي حال هجرة المسيحيين من العراق، لن تحل المشكلة بل ستطلُّ أخرى مذهبية أو أثنية، سنية ـ شيعية، أو عربيةـ كردية، لأن الفتنة تجر الفتنة.



    وما من سبيل لبقاء الناس فـي أرضهم إلاّ الشعور بأن الوطن لجميع أبنائه، وبأن فرص الحياة الحرّة الكريمة مفتوحة أمامهم على مصراعيها، وهذا لا يتم إلاّ بالحرية والتنمية، كما على الدول إنتاج كتب تاريخ ومناهج تربوية تظهر ما يجمع بين مكوناتها ودياناتهم ليترعرع عليها الجيل الجديد.



    -2 الكنائس المشرقية



    قال بطاركة المشرق الكاثوليك فـي رسالتهم بمناسبة انعقاد اجتماعهم الأوَّل فـي لبنان عام 1991 إن «آفة الهجرة الخطيرة تنخر جسمنا وتعطّل مسيرتنا، وتحرم كنائسنا وأوطاننا من عطائنا، وإسهامنا وتعاوننا. إننا بحاجة إلى أوطاننا، لأنها بيئة دعوتنا ورسالتنا، وأوطاننا بحاجة إلينا كي نثريها بأصالة حضورنا النشط والعامل».



    بعد حوالي عشرين عاماً من هذا التوصيف، ماذا كانت خطوات العمل للحدِّ من هذه الآفة؟، وهل لو تمَّت خطوات فعلية فـي هذا الاتجاه كان هذا السينودس معقوداً الآن؟، وهل إذا لم يخرج السينودس بآليات عملٍ، لا مناشدات وخطابات سيتوقف النزف البشري؟.



    من الواضح أن الكنائس المشرقية جميعها، وهي ليست كلها كاثوليكية، تتحمل بطريقة أو بأخرى وِزر الهجرة، فالخطاب الكنسي الإنشائي، والعمل الراعوي التقليدي، والاجتماعي الذي ينضح بالفلوكلورية، والتربوي القائم على معادلة الربح فـي المدارس، والخطاب القائم على الكثير من التخويف من الآخر، وعدم تثبيت مفهوم الانتماء التاريخي والمجتمعي، ساهم إلى حدٍّ كبير فـي تعميق ظاهرة هجرة المسيحـيـين، فالكنيسة ليست برجاً عاجــياً للآبــاء والرهبــان، وليست ترَفــاً مضافــاً وصلاة وبخــور، بل هي انغمـاس فـي المجتمع لمقاربة همومه، كما كان السيد المسيح يقارب همومَ الناس، وكما فعل عندما اقتضى الأمر فـي طـرد الصيــارفة من الهـيـكل عندما لــوّح بالسُـــوط، وكما فعل القديـسون والنسّاك فـي شفاء الروح والجـسد، لا بل فـي صــدّ الهـجمــات التي تـتعرض لها المـجـتمعــات، فالكـثيــرون من آبـــاء الكنيسـة وقـفوا بوجـه الحاكــم المستبـد وقضوا دفــاعــاً عن إيــمــانـهم بالعدالة.



    وتجدر الإشارة إلى أن سينودس الكنيسة الكاثوليكية من أجل لبنان الذي عقد فـي النصف الأول من التسعينات، كما السينودس الماروني الذي انعقد مطلع الألفـية الثانية ركز على وعي المسيحيين اللبنانيين لمسؤولياتهم وفـي إنشاء مؤسسات للتضامن الاجتماعي مثل التعاونيات والضمان وبناء المنازل ودعم مؤسسات «كاريتاس» لكن هذا بقي فـي الحد الأدنى من التطبيق.



    من جهة أخرى يقع على رجال الكنيسة العمل على تطوير فكرٍ يذيعونه بين المؤمنين كي يعرفوا أنفسهم وأنهم يرثون حقاً مجدَ السلام والمحبة على هذه الأرض التي مشى عليها السيد المسيح، وتصليــب فكــرة الإيمــان بأنهـم ملــح الأرض، حتى لا تتــحوّل الكنائس إلى ملاجئ للمسنين، دافعيــن بالشبــاب إلى الانخــراط بالشــأن العام، لا الانسحاب الانــهـزامي من الحضــور الفــاعل فـي المجــتمـع، كشهــودٍ على الحق الذي يحررهم، وكأصحاب انتماءٍ اجتماعي وطني وإيماني، فالإنتماء عملٌ تربوي وثقافـي يحتاج إلى جهد كي يستشري فـي المجتمع.

    ليس الأمر صعباً إذا ما تمّ تجديــد الخطــاب، وساهمــت الكنـيسة فـي إيجاد وسائل تجذير المؤمنين فـي أرضهم، لكـن الكنائــس المشــرقية التي تعانــي كل واحــدة منها من التغــريد فـي سربـهـا الخــاص، رغم الكلام المعســول العلنــي، لن يستقيـم لها العمــل، فـيما مدارسهــا تبغي الربحيــة، وفـيما أوقــافها موقـــوفة للكـنـيســة وليـس لخدمــة مجتمعــها، وهي ما تــزال مختـلفـة حتى على تحـديـد يوم موحد لقيامة السيد المسيح.



    ذكرَ بطاركة الشرق الكاثوليك فـي ختام مؤتمرهم السادس عشر فـي خريف العام 2006 أن المسيحيين فـي هذه البلاد «شرقيو الإنتماء والمواطنة وملتزمون قضايا بلدانهم»، ولذلك لا بُدَّ للكنيسة من العمل على تعميق مفهوم مشرقيتها وزجّ أبنائها داخل حنايا مجتمعاتهم ليساهموا فـي العمل الوطني والاجتماعي والفكري والتربوي، وأن تساعدهم بشتى السُبل على البقاء فـي أرض آبائهم وأجدادهم ليساهموا فـي تطوير انتمائهم الديني والوطني والاجتماعي، بدلَ تحوّلهم إلى متسولي تأشيرات على أبواب السفارات.



    -3 الفاتيكان



    وَصَفتْ الوثيقة التي قدّمها قداسة البابا أثناء زيارته لقبرص المسيحيين المشرقيين، مع تحفظنا على استخدام مصطلح «مسيحيي الشرق الأوسط» لأنه مصطلح سياسي، بأنهم «مواطنون أصليون ينتمون حقاً وقانــوناً إلى النسيج الاجتماعي وإلى الهوية ذاتها لبلادهم الخاصة»، وهذا توصيف حقيقي، لكن الوثيقة التي أشارت إلى أن المسلمين زاوجوا بين الغرب والمسيحية، ذكرت أن الغرب له تقليد مسيحي وإن حكوماته علمانية ولا تستلهم السياسة من الإيمان المسيحي بل كثيراً ما تحارب بعض تعبيراته.



    وهنا يقع على الكنيسة الغربية دورُ هامٌ فـي تثقيف المؤمنين الغربيين بهذا الشأن، فـي ظل حملة شعواء تقودها تحت جنح الظلام وفـي العلن، قوى ووسائل إعلام لشيطنة الإسلام، مما ينعكس سلباً على المجتمعات الأصلية التي تحدّث عنها قداسة البابا.



    لكن قداسته فـي الوثيقة يقارب الأمر أيضاً من زاوية أن «اختفاء المسيحيين فـي الشرق سيكون خسارة للتعددية التي ميّزت بلاد الشرق الأوسط»، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إيمانياً لا يمكن القبول بمفهوم «الاختفاء» انطلاقاً من الشهادة للمسيح بأنه باقٍ مع المؤمنين إلى أبد الدهر، وأن البيعة التي أقيمت على الصخرة و«أبواب الجحيم لن تقوى عليها»، ولأن المُسلم المشرقي ليس فـي وارد التطهير الديني، لا نصاً مقدساً ولا عملاً، فالأمر ليس مجرد «اختفاء» لأسباب غيبية بل إن الوصول إلى عدم وقوع هذا الاختفاء يتطلب قراءة واقعية وعملانية لتدهور الحضور المسيحي فـي المشرق، ومن أجل ذلك تجب الإشارة الصريحة إلى السياسات الغربية الداعمة لإسرائيل، والتي قاربها قداسته من زاوية لينة، لا بل إدانة إسرائيل وجعلها تنصاع للقانون الدولي والإنساني، فقد ذكرت الوثيقة أن «الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يجعل الحياة اليومية صعبةً فـي حرية الحركة وفـي المجال الاقتصادي وفـي الحياة الاجتماعية والدينية».



    إن السؤال هنا، هل بقيت حياة يومية للفلسطينيين كي تصبح صعبة، فأرقام الأمم المتحدة تفـيد بأن عدد الحواجز العسكرية الإسرائيلية فـي الضفة الغربية التي تبلغ مساحتها 5760 كلم مربعاً بلغ خلال العام الجاري 505 حواجز، تشي بأن كلمة «صعوبة» لا تفـي بالغرض. وهل الحروب والمجازر بحق الفلسطينيين منذ ثلاثة أرباع القرن والتهجير الذي طالهم قسراً، يشي فقط بـ «الصعوبة»؟. وهل أن انحدار نسبة المسيحيين قرب كنيسة القيامة والجلجلة ودرب الصليب من 53 ٪ إلى 2 ٪ أو أنهم باتوا 12 ٪ قرب كنيسة المهد مجرد «صعوبة»؟. كلّا طبعاً، هنا تجب الإشارة إلى المسؤولية المباشرة لـ«التطهير الديني» الذي يقع مباشرة ومداورة على الاحتلال الإسرائيلي حسب القانون الدولي، وعلى الغرب الذي يتلقف هؤلاء المسيحيين فـي تأشيرات تسمح لهم بالهجرة. وبالتالي تقع على الكنيسة الكاثوليكية أيضاً مسؤولية محاولة منع هجرة من تبقّى من مسيحيين فـي الأراضي المقدسة، وعدم التسامح فـي بيع أو تأجير أوقاف وممتلكات الكنيسة للإسرائيليين، كما على الكنيسة الأرثوذكسية وقف بيع وتأجير ممتلكاتها لجهات إسرائيلية.



    وحسناً جاء فـي الوثيقة أن «بعض الجماعات الأصولية المسيحية» التي «تبرر الظلم السياسي الواقع على الفلسطينيين استناداً إلى الكتاب المقدس ما يجعل وضع المسيحيين العرب أكثر حرجاً»، لأن الأصوليات لا تقتصر أبداً على المسلمين بل تطال مختلف الديانات.



    لقد تناولت الوثيقة وضع المسيحيين فـي العراق، منتقدة اللامبالاة الدولية بهم، وأنهم كانوا «من بين الضحايا الرئيسيين»، لكنها لم تُشر أبداً إلى دور الاحتلال الأمريكي، الذي يجب أن يتقيّد بمقتضيات القانون الدولي فـي حماية السكان وتأمين عيشهم واستقرارهم، لا تأمين تأشيرات خروج لهم، فالموضوع ليس «لا مبالاة دولية» بل غضّ نظر مدروسٍ على تهجير المسيحيين من العراق. وكذلك لم تُُشر الوثيقة إلى نهب التراث العراقي الإبراهيمي والمسيحي على حدٍّ سواء وتشريد الصابئة.



    لبنانياً، وصفت الوثيقة المسيحيين بأنهم «منقسمون على الصعيدين السياسي والطائفـي ولا أحدَ عنده مشروعٌ مقبول لدى الجميع»، لكن هذا الانقسام السياسي تاريخيٌ ناجم عن خيارات أهمها التغريب الثقافـي وتأرجح الخيارات بين الغرب والمشرق سياسياً، حيث تعتبر بعض الأحزاب والشخصيات السياسية اللبنانية أن ربط البلد بالنهج والسياسـة الغربية ينجيه من أتون أزمــة الشــرق الأوسـط، وكأن لبنــان جزيـرة منعـزلة فـي الكاريــبي، من دون الالتفــات إلى عِبَر التاريخ أو على الأقـل إلى ما قاله نابليـون بأن «السياسة ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافـيا، والجغرافـيا لا تتغيّر» وأن «سياسة الدول هي فـي جغرافـيتها".



    كما غاب الاختلاف الضمني للكنائس فـي لبنان عن مقاربة حالة المسيحيين فـيه، وعن تثبيت رسالة السينودس من أجل لبنان كأرضيّة عمل فـي نموذج علاقتهم مع المسلمين، فلمجرد أن قامَ طرفٌ مسيحي بتوقيع اتفاق مكتوب مع مكوّن إسلامي وقفت قوى سياسية وكنسية علناً وضمناً ضد هذا الاتفاق، لا بل سعى البعض إلى أبلسته، وهو اتفاق مكتوب حصّن البلد فـي مرحلة من المراحل القلقة التي مرّ بها لبنان مؤخراً، من حرب أهلية.



    وتحدثت الوثيقة عن «تصــاعد الإســلام السياسي فـي مصر وانعزال المسيحيين عن المجتمع المدني»، من دون البحث فـي الأسباب الحقيقية لما يحصل، مع ضرورة الإشارة إلى واقع البؤس الاقتصادي وتطور العلاقة المتوترة بين الكنيسة القبطية والدولة المصرية منذ انزياح الأخيرة إلى الغرب وتحوّلها إلى دولة تعتمد على المعونات الآتية منه.



    ومن الملاحظ أن الوثيقة لم تتناول وضع المسيحيين فـي سورية والأردن، حيث يشكّلون فـي الأولى نسبة 10 ٪ من السكان البالغ عددهم أكثر من 20 مليون نسمة وفـي الثانية حوالي 4 ٪، إضافة إلى تحمّل البلدين عواقب تهجير النسبة الأكبر من العراقيين، وبخاصة المسيحيون منهم الذين جاء معظمهم إلى سورية.



    وانطلاقاً من هذه المعطيات، تقع على الكنيسة الكاثوليكية نسبة عالية من المسؤولية تتمثل فـي حشدِ الرأي العالمي الكاثوليكي لمساعدة المسيحيين المشرقيين على البقاء فـي أرضهم، وتوصيف حالتهم بشكل واقعي، كي لا تصبح الأرض المقدسة أولاً أحادية الدين، حسبما تريد إسرائيل التي تسعى علناً إلى يهودية الدولة، وكي لا يؤخذ الأمر فـي منتهاه إلى صراع ديني بين المسيحية والإسلام، فـيدخل العالم فـي حروب صليبية جديدة، مبنية على نظريات مبتسرة تدور حول صراع الحضارات ونهاية التاريخ، فما من أحدٍ يعلم متى تحلّ الدينونة التي يؤمن بها المسيحي والمسلم معاً.



    -4 الأحزاب السياسية والهيئات المدنية



    هناك أنواع من الأحزاب السياسية فـي المشرق، منها ما هو فـي السلطة، ومنها ما هو فـي المعارضة، ومنها سلطات أنشأت أحزاباً على قياسها. منها العلماني، ومنها أحزاب تتستّر بالدين، ومنها أحزاب دينية وطائفـية، وعلى الجميع يترتب سؤال كبير حول تحديد هوية المواطنة، والسعي لعدم فصل مكوّنات المجتمع عن بعضها.



    فـي الواقع، أدّى انحدار حضور الأحزاب العلمانية والوطنية والقومية إلى تقدّم الأحزاب الدينية، وساهم فـي ذلك أن الأحزاب التي وصلت إلى السلطة لم تتقدم كثيراً فـي الرفاه الاجتماعي أو فـي الصراع مع إسرائيل. لكن فـي مطلق الأحوال على هذه الأحزاب جميعاً التأكيد على روحية الإنتماء الوطني، لأن المشرق يتشكل من مجموعة كبرى من الأقليات، وعملياً لا أكثريات ساحقة فـيه، وإن اقتضى الأمر دفع المحازبين إلى عدم الهجرة، والمساهمة فـي تأمين مورد حياة لهم، وعلى الأحزاب الدينية الإسلامية تنفـيذ تعاليم القرآن الكريم تجاه أبناء بلادهم المسيحيين، فـيما على الأحزاب المسيحية الإقلاع عن التقوقع والانعزال وتقديس المعطى الغربي. كما على الجمعيات الأهلية المساهمة فـي تعزيز فكرة الإنتماء والتشبث بالوطن.



    المسلمون المشرقيون والعلاقة مع المسيحيين

    (كلمة سواء(

    "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...")آل عمران 64(.

    إن الإسلام الحقيقي هو الإسلام الذي يدعو إلى «كلمة سواء»، لا الإسلام الذي توسل خطاباً سياسياً تكفـيرياً اجتزأ من القرآن والحديث ما شاء له ليحاول فرض تطرّفه وانغلاقه على المسلمين قبل المسيحيين، ولذلك يتحمّل المسلمون المشرقيون عبء وضع الإسلام فـي إطاره الصحيح، إطار الدعوة التي لا تفرّق بين الأنبياء والرسل، القائمة على احترام العقائد «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا» )النساء 136(.



    ويتابع القرآن الكريم مطالباً المؤمنين «قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ» )البقرة 136,آل عمران 84(. و«لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ» )المائدة 68(. فالله هو من أراد أن لا يجعل الناس على دين واحد، لا بل ترك ملايين البشر من دون كتاب أو وَحي «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً» )هود 118(، وهو الذي يقول «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» )الحج 17(، فحتى الذين أشركوا يفصل الله بهم فـي الساعة، فليس من أحد ديّان إلاّ هو، ومن هنا لا مكان للتكفـيريين فـي الإسلام، فكيف إذا كان هؤلاء يكفّرون المسيحيين ويصفونهم بالصليبيين والكفّار والمشركين؟، ففـي القرآن الكريم مائة وأربع عشرة ســورة ورد فـيها السيد المسيح. وفـي التفصيـل وردت كلمة )المسيح( فـي القرآن 11 مرة، وكلمة )عيسى( 25 مرة، فـيما وردت كلمة )مريم( 34 مرة، حيث ميّز القرآن الكريم المسيح بصفات عظيمة لم يعطها لنبي آخر، فهو المولود من عذراء «قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا» )مريم 20(، وهو رسول الله وكلمته «إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ...» )النساء 171( «يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ...» )آل عمران 45(. وهو من روح الله «إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ» )النساء 171(. وهو المعصوم الوجيه المقرّب «وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» )آل عمران 45(. وهو العجائبي «أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه» )آل عمران 49( «وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ...» )آل عمران 49(. والعارف بالأسرار «وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ» )آل عمران 49(، ويحيـي المـوتى «وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ» )آل عمران 49(، وهو الذي يقوم من بين الأموات «وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» )مريم 33(، لا بل كرّم القرآن المسيحيين الذين آمنوا بعيسى «وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» )آل عمران 55(، وفـي سورة المائدة، التي هي سورة مدنية ومن أواخر السور التي نزلت فـي القرآن يمكن إضافتها إلى سورتي مريم وآل عمران، لأنها تضم بين آياتهــا كيفــية المعاملة مع أهل الكتاب، إجمال لمـا ورد آنفــاً «إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتــِكَ إِذْ أَيَّدتُــّكَ بِــرُوحِ الْقُــدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتــُكَ الْكِتَــابَ وَالْحِكْمــَةَ وَالتَــوْرَاةَ وَالإِنــجِيلَ وَإِذْ تَخْـلُـقُ مِنْ الطِّــينِ كَهَيْئَــةِ الطَّيْــرِ بِإِذْنِي فَتَنفُـخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْــرًا بِإِذْنــِي وَتُبــْرِئُ الأَكْمَــهَ وَالأَبْــرَصَ بِإِذْنــِي وَإِذْ تُخْــرِجُ الْمَوْتَــى بِإِذْنــِي وَإِذْ كَــفــَفْــتُ بَنِــي إِسْــرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيــِّنَاتِ فَقَاــلَ الَّذِيــنَ كَفَــرُوا مِنْـهُـمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ» )المائدة 110(.



    لم يكتفِ القرآن بتكريم العذراء مريم بسورة عدد آياتها (98)بل اتبعها بسورة آل عمران التي تكرّم آلَها وعدد آياتها (200) ويكفـي أنها المرأة الوحيدة المذكورة فـي القرآن، وهي التي اصطفاها الله على نساء العالمين جميعاً «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ» (آل عمران 42)، ويقابلها فـي الإنجيل «مباركة أنت فـي النساء» (لوقا 1: 28) ، وجعلها مع ابنها المسيح آية، «وَجَعَلنا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمّه آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ» (المؤمنون 50) ، فالبتول مريم هي الاسم الأنثوي الوحيد الذي ذكره القرآن، وكرّمها المسلمون فـي كل بلد حلوّا فـيه، من نجران إلى الحيرة وطرطوس وإنطاكية، ولم يقربوا الكنيسة المريمية، معقد صلاة ورسامة قبيلتي تغلب وغسّان فـي دمشق. وكلمة مريم هي بالآرامية صفة تعني «الطاهرة» صارت اسماً يعني السيدة، والله بالآرامية والسريانية «موريو» والسيد «مار»، وهي تمرّ إنجيلياً فـي مفاصل البشارة والولادة وعرس قانا الجليل والتبشير الأول والجلجلة، وهذا دليل إضافـي على أن الإسلام يقترب من المسيحية إلى حدٍّ كبير انطلاقاً من المسيح ومريم وحتى القسوس والرهبان «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ» (المائدة 82)، مع احترام كبير للإنجيل الذي أتى المسيح من عند الله «وآتيناه الإنجيل فـيه هدىً ونور» (المائدة 46)، حتى أن الله طلب من نبيّه محمد «فَإِن كُنتَ فِـي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ» (سورة يونس 94(.



    وفـي علاقــة النبــي العربــي بأهــل الكتــاب، وبالمسيحـيـين منهـم على وجـه الخصــوص عِبــرة وخارطـة طريـق للمسلمـين فـي علاقـتـهم بالمسيحيين، فبعيــداً عن الأحاديــث ذات الطابع الإشكالي نأخذ ما ورد فـي المساند والصحــاح عن النبــي محمــد «إني لمعاقب من يجحف نصراني ذمي أو يفرض عليه واجبات مرهقة».



    طبعاً خارطة العلاقة واضحة فـي التعامل منذ أولّ يوم للمسلمين فـي المشرق بين مجموعة فاتحة والمسيحيين فـيه، فعهدة النبي محمد لدير القديسة كاترينا تقول «لا يغيّر أسقف من أسقفـيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سايح من سياحته ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شيء من بناء كنايسهم فـي بناء مسجد ولا فـي منازل المسلمين فمن فعل شيء من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله ولا يحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزيةً ولا غرامة وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من برّ أو بحر فـي المشرق والمغرب والشمال والجنوب وهم فـي ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه... »، كتابة علي بن أبي طالب، وشهود منهم: أبو بكر بن أبي قحافة، عمر بن الخطاب ، عثمان بن عفان، علي بن أبى طالب، عبد الله بن مسعود، العباس بن عبد المطلب، الزبير بن العوام. ومنها عهد النبي لأهل أيلة، وعهده لأهل أذرح ومقنا، ودير مار جرجس الحميراء فـي سورية، وعهدة خالد بن الوليد لأهل دمشق، وعهدة الخليفة عمر فـي فتح القدس، وعهد أبي عبيدة بن الجراح لأهل بعلبك، وعهدة عبد الله بن سعد لعظيم النوبة.



    وقد روى البخــاري ومســلــم أَن النَّبــِي محمـد قَــال «مــَنْ شَهـِدَ أَنْ لا إِلَــهَ إِلا اللَّهُ وَحْـدَهُ لا شَـرِيـكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَـمَّــدًا عَبْــدُهُ وَرَسُــولُهُ، وَأَنَّ عِيســَى عَبــْدُ اللَّهِ وَرَسُــولُهُ، وَكَلِمَتُــهُ أَلْقَــاهَا إِلَى مَــرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّـــةُ حَــقٌّ، وَالنَّــارُ حَــقٌّ، أَدْخَــلَــهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْــوَابِ الْجَــنَّــةِ الثَّمَانِيَةِ شَاء».



    أما أبو بكر الصديق فقد قال لجيشه عند إرساله لفتح بلاد الشام «وسترون فـي طريقكم رجالاً متوحدين ناسكين فاحتفظوا بهم ولا تمسوا أديارهم بضرر».



    ومن وصية أخرى له «لا تخونوا ولا تغــلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخــاً كبيراً ولا تقطعوا نخــلاً ولا تحرقــوه ولا تقطــعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شــاة ولا بقــرة ولا بعيــراً إلا لمــأكلة، وسوف تمــرون على قــوم فــرغوا أنفســهم فـي الصــوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».



    إن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين لا تقوم إلاّ على الحوار ولا تستقيم إلاّ به ، حسب ما يوصي به القرآن «وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ، وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (العنكبوت 46)، فمن هو الذي ظلم من أهل الكتاب (المسيحيون واليهود) طيلة التاريخ المشترك الذي يربط بينهما ويتجاوز الألف وأربعمائة عام؟.



    وعندما عانى المؤمنون الأُوَل بالدين الإسلامي من بني قومهم، توجهوا إلى ملك مسيحي فـي الحبشة، أمّا النبي محمد نفسه فصلّى على النجاشي ملك الحبشة النصراني فـي البقيع، ولم يكن كثيراً على النبي أن يوسع حيّزاً لوفد نجران النصراني ليصلي صلاة الفصح فـي جامع المدينة المنورة عام 631م.



    ولذلك فإن خروج أي مسلم عن هذا المنحى فـي التعامل مع المسيحيين عموماً والمشرقيين منهم خصوصاً، هو خروج عن أسس الإسلام وركائز الدين، فليس منّة أبداً التعامل المبني على الاحترام بين الديانتين السماويتين المتوازيتين فالمسيحيون هم «مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ» (آل عمران 113(.



    ولذلك أيضاً لا يستطيـــع غــلاة المســلمين والمتطــرفون التكفـيريون أن يجعلوا من علاقـتـهم المتـوترة مع أبنــاء دينــهم أصلاً، وعلاقــتهم مع جزء من الغــرب لم يفهم القــرآن أو يتدبره، كما لم يتدبروه هم، مقياساً لعلاقتــهم مع بني وطنهم وقومهم المؤمنين بالله وأنبيائه واليوم الآخر، فالبعض فـي الغرب ليس على المسيحية بشيء، وإن تلطّى ببعض تعاليمها، بل هؤلاء يقرؤون الإنجيــل مقرونــاً برؤى تؤمن بصراع ينتهي بمعركــة «هرمجــدون» الفاصــلة والقاتــلة. لكن المسيحية هي احترام لحياة الناس ودعوة للسلام «المــجــد لله فـي الأعـــالي وعلى الأرض الســلام وفـي النــاس المســرّة» وكما تكــون التحيــة لدى المسلمــين بـ«الســلام عليــكم» كانت تحية المسيحيين قبلها بـ«السلام لكم»، حتى مجيء الدينونة.



    وهنا يقع على عاتق المسلمين المشرقيين عبء العمل بجد على تعميم فهم الأجيال الطالِعة لدور المسيح والمسيحيين فـي النص القرآني وفـي الحياة المشتركة للوصول إلى «كلمة سواء»، عبرَ نشر ثقافة ما يجمع أبناء الوطن، فليس بالقليل أن الكثيرين من المسلمين حالياً هم فـي جذورهم من المسيحيين، كما أن الكثيرين من المسيحيين المشرقيين كانوا من ديانات ما قبل التوحيد، لكن «وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ»، وفـي حال عدم نشر هذه الثقافة فإن المسلمين قد يجدون أنفسهم ذات يوم يحاربون قوى تقتنع بأنهم هم من يريدون جعل العالم وحيد النظرة، وإن جسر الإسلام الحقيقي إلى الكون هو المسيحية المشرقية التي تعرفه بحكم القرابة والتاريخ والبيت الواحد.



    ذَكرتْ الوثيقة البابوية أن الكنيسة «تنظر إلى المسلمين بتقدير».ونحن بصفتنا مواطنين لبلد واحد ووطن واحد، نتقاسم اللغة نفسها والثقافة عينها كما أفراح بلداننا وآلامها ما يعني ضرورة توحيد التوجه وعدم الإنقسام لأنه يضعف الجميع «فَإِذَا انْقَسَمَتْ مَمْلَكَةٌ مَّا عَلَى ذَاتِهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَصْمُــدَ. وَإِذَا انْقَسَــمَ بَيْــتٌ مَا عَلَى ذَاتــِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَصْمُدَ» (مرقس30-20/3) وما أتى فـي الوثيقــة ترجيع لــرأي المجمــع المسكــوني الفاتيكــاني الثانــي (1965-1962) الذي يقــول «تنظــر الكنيســة بتقدير إلى المسلمين الذين يعـبــدون الله الأحد الحيّ القيّوم الرحمــن القدير فاطــر السمــوات والأرض الذي كلّم الناس».



    تحتاج هذه الرؤية إلى خطوات تطبيقية وعملية ترتكز على حملة إعلامية واسعة لتعميم ثقافة الانفتاح والحوار والقواسم المشتركة على الجيل الجديد من المسيحيين والمسلمين، وعلى رجال الدين المسلمين مقاربتها، كما يقع على الكنيسة تطبيقها، حيث أن دور الكنيسة تبيان هذه الخصائص الإسلامية فـي المجتمعات التي تؤثر على سياقها الثقافـي، فـيما على قادة المسلمين وضع روحية القرآن فـي نظرته إلى المسيحية أمام الجمهور والفصل بين السياسي والديني، فالوثيقة قالت أيضاً إن «الصراعات السياسية القائمة فـي المنطقة تؤثر تأثيراً مباشراً على حياة المسيحيين بصفتهم مواطنين كما بصفتهم مسيحيين مما يجعل وضعهم بشكل خاص هشاً وغير مستقر»، متناولة ما يسمى بالإسلام السياسي وتصاعده فـي المنطقة اعتباراً من عام 1970، واصفة إياه بأنه «ظاهرة بارزة تؤثر على المنطقة وعلى وضع المسيحيين فـي العالم العربي»، مستدركة أنه «يستهدف هذا الموقع المجتمع الإسلامي أولاً غير أن له نتائج على الحضور المسيحي فـي الشرق وبالتالي تشكل هذه التيارات المتطرفة تهديداً للجميع، المسيحيين واليهود والمسلمين وينبغي علينا أن نواجهها معاً». أي أن على السينودس مناقشة المسلمين المشرقيين الذين يعترفون أيضاً بأخطار التطرف هذا، والعمل على صياغة خطوات تنفـيذية له، تبتعد كثيراً عن فلوكلور الاجتماعات ولجان الحوار الشكلانية، والجنوح نحو خطىً عملانية، لا صُوَرية تجمع المتحاورين، فكل هذا لم يوقف هجرة مسيحي أو مسلم واحد متضررٍ من هذا التطرف، حيث يجب أن يوحد همّ الهجرة مسيحيي المشرق ومسلميه، لأن أخطارها تطالهما معاً فـي المواطنة والحياة.



    إن تساؤلاً طرحه وأجاب عليه ذات يوم المؤرخ الفرنسي جاك بانفـيل يقول «من هو رجل الدولة الذي يجهل التاريخ؟... هو طبيب لم يذهب إلى المستشفى ولا إلى العيادة، ولم يدرس الحالات ولا السوابق»، لينطبق أيضاً على رجال الدين وآباء الكنيسة، فالكنيسة المشرقية المتعددة والمتداخلة فـي النسيج الاجتماعي لبلدانها لا يمكنها أبداً أن تكون منفردة وخارج سياقها الوطني وهموم شبانها وشاباتها، أو أن تتركهم لمصير التغرّب على أرصفة العالم، لذلك عليها أن تساهم فـي صنع تاريخهم المستقبلي فـي أوطانهم ليكونوا شهوداً لما آمنوا به لأن «التاريخ سياسة الماضي، وسياسة الحاضر هي تاريخ المستقبل» وهذا ما يتوجب على الجميع من مسيحيين ومسلمين صنعه، عبر اتخاذ خطوات سريعة وحازمة.



    هناك حكمة قديمة حول الرأي تقول «فـي مواجهة الرأي..الضعيف يرتجف منه، والجاهل يخالفه، والحكيم يدرسه، والحازم يقرره» فهلاّ جمع السينودس الحكمة والحزم معاً للخروج برأي، أو الاستئناس بآراء تفضي إلى أجندة عملياتيــة لوقــف نزيــف من آمنوا أنهــم ملح الأرض «أنـتــم ملــح الأرض، ولكــن إن فســد المـلــح فـبمــاذا يُملَّح» (متى 5: 13)، فـي زمن يطال الفساد الأرواح والحجر، وأنهم نور العالم «أنتم نور العالم... لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل» (متى 14:5) والسراج المضيء الذي سيكون من الصعوبة بمكان وضع مكيالُ عليه أبداً «لا يُوقَدُ سِراجٌ وَيُوضَعُ تَحْتَ المِكيال، بل عَلى المَنــارَة» (متى 15:5)، وأنهــم يشهــدون للحــق «وتعرفونَ الحَقَّ والحَــقُّ يُحــَرِّرُكُمْ» (يوحنا 32:8) الذي سيحــررهم ويترك بلادهم حرة ومركز إشعاع إلى دهر الداهرين «... فَاكْتُـبْنـَا مَعَ الشَّاهِدِين» (المائدة 83)... آمين.

    ـــــــــــــــــــــــــــــ

    1- كشف التراث في لبنان والمشرق على اعتبار أن هذه المنطقة هي البؤرة الحضارية الأولى ومنبع الديانات والثقافات والكتابة والفن.

    2- توّسل النتاج الحضاري-الفكري للتواصل بين المشرقيين والعالم عبر الدراسات والترجمات والمعارض والصور والأفلام والمحاضرات وبعثات التنقيب، من خلال إظهار مكامن الحقيقة والجمال وما يجمع بين الناس ومحاولة إعادة ضخه في شرايين المعرفة والبحث عن إشراقات معاصرة تعيد ضخ المشرق في الكون.

    3- عدم الانضواء تحت أي يافطة تعصبية أو فئوية على اعتبار أن المشرقيين لا يفرقون بين أبناء الوطن لأي دين أو طائفة أو مذهب انتموا أو لون أو عنصر.

    4- الانفتاح على تيارات الوعي الجمعي التي تنحو إلى التعامل مع الآخر على أساس المواطنة وبلغة لا نبذ فيها ولا تفرقة.

    5- اعتماد الحوار وسيلة وحيدة للتأسيس على المشترك من التراث فيما بين المشرقيين من خلال إظهار ما يجمع ونبذ ما يفرق .

    6- الترحيب بكل أطياف المجتمع من علمانيين ومتدينين على قاعدة الشرط الحضاري في اعتبار أن الإيمان بالخالق أمر خاص وأن المواطنة للجميع .

    7- إصدار الكتب والنشرات والأفلام وإقامة المحاضرات والندوات والمعارض والأمسيات الموسيقية ومحاولة ترجمة أمهات الكتب التي تعنى بالتاريخ والتراث المشرقي التي تساهم في تعميق التجذر بالأرض وتخدم الحضارة المشرقية.

    ــــــــــــــــ


    المصدر: syriasteps (سيرياستبس)

    كــــــــف عدس
    يسعد الله
    كل شي بيتاكل بينحط عليه مايونيز
    و بحبكن أكثر ما بحب المايونيز


Working...
X