• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

Announcement

Collapse

قوانين المنتدى " التعديل الاخير 17/03/2018 "

فيكم تضلو على تواصل معنا عن طريق اللينك: www.ch-g.org

قواعد المنتدى:
التسجيل في هذا المنتدى مجاني , نحن نصر على إلتزامك بالقواعد والسياسات المفصلة أدناه.
إن مشرفي وإداريي منتدى الشباب المسيحي - سوريا بالرغم من محاولتهم منع جميع المشاركات المخالفة ، فإنه ليس بوسعهم استعراض جميع المشاركات.
وجميع المواضيع تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا يتحمل أي من إدارة منتدى الشباب المسيحي - سوريا أي مسؤولية عن مضامين المشاركات.
عند التسجيل بالمنتدى فإنك بحكم الموافق على عدم نشر أي مشاركة تخالف قوانين المنتدى فإن هذه القوانين وضعت لراحتكم ولصالح المنتدى، فمالكي منتدى الشباب المسيحي - سوريا لديهم حق حذف ، أو مسح ، أو تعديل ، أو إغلاق أي موضوع لأي سبب يرونه، وليسوا ملزمين بإعلانه على العام فلا يحق لك الملاحقة القانونية أو المسائلة القضائية.


المواضيع:
- تجنب استخدام حجم خط كبير (أكبر من 4) او صغير (أصغر من 2) او اختيار نوع خط رديء (سيء للقراءة).
- يمنع وضع عدد كبير من المواضيع بنفس القسم بفترة زمنية قصيرة.
- التأكد من ان الموضوع غير موجود مسبقا قبل اعتماده بالقسم و هالشي عن طريق محرك بحث المنتدى او عن طريق محرك بحث Google الخاص بالمنتدى والموجود بأسفل كل صفحة و التأكد من القسم المناسب للموضوع.
- إحترم قوانين الملكية الفكرية للأعضاء والمواقع و ذكر المصدر بنهاية الموضوع.
- مو المهم وضع 100 موضوع باليوم و انما المهم اعتماد مواضيع ذات قيمة و تجذب بقية الاعضاء و الابتعاد عن مواضيع العاب العد متل "اللي بيوصل للرقم 10 بياخد بوسة" لأنو مخالفة و رح تنحزف.
- ممنوع وضع الاعلانات التجارية من دون موافقة الادارة "خارج قسم الاعلانات".
- ممنوع وضع روابط دعائية لمواقع تانية كمان من دون موافقة الادارة "خارج قسم الاعلانات".
- لما بتشوفو موضوع بغير قسمو او فيو شي مو منيح او شي مو طبيعي , لا تردو عالموضوع او تحاورو صاحب الموضوع او تقتبسو شي من الموضوع لأنو رح يتعدل او ينحزف و انما كبسو على "التقرير بمشاركة سيئة" و نحن منتصرف.
- لما بتشوفو موضوع بقسم الشكاوي و الاقتراحات لا تردو على الموضوع الا اذا كنتو واثقين من انكم بتعرفو الحل "اذا كان الموضوع عبارة عن استفسار" , اما اذا كان الموضوع "شكوى" مافي داعي تردو لأنو ممكن تعبرو عن وجهة نظركم اللي ممكن تكون مختلفة عن توجه المنتدى مشان هيك نحن منرد.
- ممنوع وضع برامج الاختراق او المساعدة بعمليات السرقة وبشكل عام الـ "Hacking Programs".
- ممنوع طرح مواضيع او مشاركات مخالفة للكتاب المقدس " الانجيل " وبمعنى تاني مخالفة للايمان المسيحي.
- ممنوع طرح مواضيع او مشاركات تمس الطوائف المسيحية بأي شكل من الاشكال "مدح او ذم" والابتعاد بشكل كامل عن فتح اي نقاش يحمل صبغة طائفية.
- ضمن منتدى " تعرفون الحق و الحق يحرركم " بالامكان طرح الاسئلة بصيغة السؤال والجواب فقط ويمنع فتح باب النقاش والحوار بما يؤدي لمهاترات وافتراض اجوبة مسبقة.


عناوين المواضيع:
- عنوان الموضوع لازم يعبر عن محتوى الموضوع و يفي بالمحتوى و ما لازم يكون متل هيك "الكل يفوت , تعوا بسرعة , جديد جديد , صور حلوة , الخ ....".
- لازم العنوان يكون مكتوب بطريقة واضحة بدون اي اضافات او حركات متل "(((((((((العنوان)))))))))))) , $$$$$$$$$ العنوان $$$$$$$$$".
- عنوان الموضوع ما لازم يحتوي على اي مدات متل "الــعــنـــوان" و انما لازم يكون هيك "العنوان".


المشاركات:
- ممنوع تغيير مسار الموضوع لما بكون موضوع جدي من نقاش او حوار.
- ممنوع فتح احاديث جانبية ضمن المواضيع وانما هالشي بتم عالبرايفت او بالدردشة.
- ممنوع استخدام الفاظ سوقية من سب او شتم او تجريح او اي الفاظ خارجة عن الزوق العام.
- ممنوع المساس بالرموز و الشخصيات الدينية او السياسية او العقائدية.
- استخدام زر "thanks" باسفل الموضوع اذا كنتو بدكم تكتبو بالمشاركة كلمة شكر فقط.
- لما بتشوفو مشاركة سيئة او مكررة او مو بمحلها او فيا شي مو منيح , لا تردو عليها او تحاورو صاحب المشاركة او تقتبسو من المشاركة لأنو رح تنحزف او تتعدل , وانما كبسو على "التقرير بمشاركة سيئة" و نحن منتصرف.


العضوية:
- ممنوع استخدام اكتر من عضوية "ممنوع التسجيل بأكتر من اسم".
- ممنوع اضافة حركات او رموز لاسم العضوية متل " # , $ , () " و انما يجب استخدام حروف اللغة الانكليزية فقط.
- ممنوع اضافة المدات لاسم العضوية "الـعـضـويـة" و انما لازم تكون بهل شكل "العضوية".
- ممنوع استخدام اسماء عضويات تحتوي على الفاظ سوقية او الفاظ بزيئة.
- ممنوع وضع صورة رمزية او صورة ملف شخصي او صور الالبوم خادشة للحياء او الزوق العام.
- التواقيع لازم تكون باللغة العربية او الانكليزية حصرا و يمنع وضع اي عبارة بلغة اخرى.
- ما لازم يحتوي التوقيع على خطوط كتيرة او فواصل او المبالغة بحجم خط التوقيع و السمايليات او المبالغة بمقدار الانتقال الشاقولي في التوقيع "يعني عدم ترك سطور فاضية بالتوقيع و عدم تجاوز 5 سطور بحجم خط 3".
- ما لازم يحتوي التوقيع على لينكات "روابط " دعائية , او لمواقع تانية او لينك لصورة او موضوع بمنتدى اخر او ايميل او اي نوع من اللينكات , ما عدا لينكات مواضيع المنتدى.
- تعبئة كامل حقول الملف الشخصي و هالشي بساعد بقية الاعضاء على معرفة بعض اكتر و التقرب من بعض اكتر "ما لم يكن هناك سبب وجيه لمنع ذلك".
- فيكم تطلبو تغيير اسم العضوية لمرة واحدة فقط وبعد ستة اشهر على تسجيلكم بالمنتدى , او يكون صار عندكم 1000 مشاركة , ومن شروط تغيير الاسم انو ما يكون مخالف لشروط التسجيل "قوانين المنتدى" و انو الاسم الجديد ما يكون مأخود من قبل عضو تاني , و انو تحطو بتوقيعكم لمدة اسبوع على الاقل "فلان سابقا".
- يمنع انتحال شخصيات الآخرين أو مناصبهم من خلال الأسماء أو الصور الرمزية أو الصور الشخصية أو ضمن محتوى التوقيع أو عن طريق الرسائل الخاصة فهذا يعتبر وسيلة من وسائل الإحتيال.


الرسائل الخاصة:
الرسائل الخاصة مراقبة مع احترام خصوصيتا وذلك بعدم نشرها على العام في حال وصلكم رسالة خاصة سيئة فيكم تكبسو على زر "تقرير برسالة خاصة" ولا يتم طرح الشكوى عالعام "متل انو توصلكم رسالة خاصة تحتوي على روابط دعائية لمنتجات او مواقع او منتديات او بتحتوي على الفاظ نابية من سب او شتم او تجريح".
لما بتوصلكم رسائل خاصة مزعجة و انما ما فيها لا سب ولا شتم ولا تجريح ولا روابط دعائية و انما عم يدايقكم شي عضو من كترة رسائلو الخاصة فيكم تحطو العضو على قائمة التجاهل و هيك ما بتوصل اي رسالة خاصة من هالعضو.
و تزكرو انو الهدف من الرسائل الخاصة هو تسهيل عملية التواصل بين الاعضاء.


السياسة:
عدم التطرق إلى سياسة الدولة الخارجية أو الداخلية أو حتى المساس بسياسات الدول الصديقة فالموقع لا يمت للسياسة بصلة ويرجى التفرقة بين سياسات الدول وسياسات الأفراد والمجتمعات وعدم التجريح أو المساس بها فالمنتدى ليس حكر على فئة معينة بل يستقبل فئات عدة.
عدم اعتماد مواضيع أو مشاركات تهدف لزعزعة سياسة الجمهورية العربية السورية أو تحاول أن تضعف الشعور القومي أو تنتقص من هيبة الدولة ومكانتها أو أن يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بزعزعة الأمن والاستقرار في الجمهورية العربية السورية فيحق للادارة حذف الموضوع مع ايقاف عضوية صاحب الموضوع.


المخالفات:
بسبب تنوع المخالفات و عدم امكانية حصر هالمخالفات بجدول محدد , منتبع اسلوب مخالفات بما يراه المشرف مناسب من عدد نقط و مدة المخالفة بيتراوح عدد النقط بين 1-100 نقطة , لما توصلو لل 100 بتم الحظر الاوتوماتيكي للعضو ممكن تاخدو تنبيه بـ 5 نقط مثلا على شي مخالفة , و ممكن تاخد 25 نقطة على نفس المخالفة و ممكن يوصلو لل 50 نقطة كمان و هالشي بيرجع لعدد تكرارك للمخالفة او غير مخالفة خلال فترة زمنية قصيرة.
عند تلقيك مخالفة بيظهر تحت عدد المشاركات خانة جديدة " المخالفات :" و بيوصلك رسالة خاصة عن سبب المخالفة و عدد النقط و المدة طبعا هالشي بيظهر عندكم فقط.


الهدف:
- أسرة شبابية سورية وعربية مسيحية ملؤها المحبة.
- توعية وتثقيف الشباب المسيحي.
- مناقشة مشاكل وهموم وأفكار شبابنا السوري العربي المسيحي.
- نشر التعاليم المسيحية الصحيحة وعدم الإنحياز بشكل مذهبي نحو طائفة معينة بغية النقد السيء فقط.
في بعض الأحيان كان من الممكن أن ينحني عن مسار أهدافه ليكون مشابه لغيره من المنتديات فكان العمل على عدم جعله منتدى ديني متخصص كحوار بين الطوائف , فنتيجة التجربة وعلى عدة مواقع تبين وبالشكل الأكبر عدم المنفعة المرجوة بهذا الفكر والمنحى , نعم قد نشير ونوضح لكن بغية ورغبة الفائدة لنا جميعا وبتعاون الجميع وليس بغية بدء محاورات كانت تنتهي دوما بالتجريح ومن الطرفين فضبط النفس صعب بهذه المواقف.



رح نكتب شوية ملاحظات عامة يا ريت الكل يتقيد فيها:
• ابحث عن المنتدى المناسب لك و تصفح أقسامه ومواضيعه جيداً واستوعب مضمونه وهدفه قبل ان تبادر بالمشاركة به , فهناك الكثير من المنتديات غير اللائقة على الإنترنت .وهناك منتديات متخصصة بمجالات معينة قد لا تناسبك وهناك منتديات خاصة بأناس محددين.
• إقرأ شروط التسجيل والمشاركة في المنتدى قبل التسجيل به واستوعبها جيدأ واحترمها و اتبعها حتى لا تخل بها فتقع في مشاكل مع الأعضاء ومشرفي المنتديات.
• اختر اسم مستعار يليق بك وبصفاتك الشخصية ويحمل معاني إيجابية ، وابتعد عن الأسماء السيئة والمفردات البذيئة ، فأنت في المنتدى تمثل نفسك وأخلاقك وثقافتك وبلدك ، كما أن الاسم المستعار يعطي صفاته ودلالته لصاحبه مع الوقت حيث يتأثر الإنسان به بشكل غير مباشر ودون ان يدرك ذلك.
• استخدم رمز لشخصيتك " وهو الصورة المستخدمة تحت الاسم المستعار في المنتدى " يليق بك و يعبر عن شخصيتك واحرص على ان يكون أبعاده مناسبة.
• عند اختيارك لتوقيعك احرص على اختصاره ، وأن يكون مضمونه مناسباً لشخصيتك وثقافتك.
• استخدم اللغة العربية الفصحى وابتعد عن اللهجات المحكية " اللهجة السورية مستثناة لكثرة المسلسلات السورية " لانها قد تكون مفهومة لبعض الجنسيات وغير مفهومة لجنسيات أخرى كما قد تكون لكلمة في لهجتك المحكية معنى عادي ولها معنى منافي للأخلاق أو مسيء لجنسية أخرى . كذلك فإن استخدامك للغة العربية الفصحى يسمح لزوار المنتدى وأعضائه بالعثور على المعلومات باستخدام ميزة البحث.
• استخدم المصحح اللغوي وراعي قواعد اللغة عند كتابتك في المنتديات حتى تظهر بالمظهر اللائق التي تتمناه.
• أعطي انطباع جيد عن نفسك .. فكن مهذباً لبقاً واختر كلماتك بحكمة.
• لا تكتب في المنتديات أي معلومات شخصية عنك أو عن أسرتك ، فالمنتديات مفتوحة وقد يطلع عليها الغرباء.
• أظهر مشاعرك وعواطفك باستخدام ايقونات التعبير عن المشاعر Emotion Icon's عند كتابة مواضيعك وردودك يجب ان توضح مشاعرك أثناء كتابتها ، هل سيرسلها مرحة بقصد الضحك ؟ او جادة أو حزينه ؟ فعليك توضيح مشاعرك باستخدام Emotion Icon's ،لأنك عندما تتكلم في الواقع مع احد وجها لوجه فانه يرى تعابير وجهك وحركة جسمك ويسمع نبرة صوتك فيعرف ما تقصد ان كنت تتحدث معه على سبيل المزاح أم الجد. لكن لا تفرط في استخدام أيقونات المشاعر و الخطوط الملونة و المتغيرة الحجم ، فما زاد عن حده نقص.
• إن ما تكتبه في المنتديات يبقى ما بقي الموقع على الإنترنت ، فاحرص على كل كلمة تكتبها ، فمن الممكن ان يراها معارفك وأصدقائك وأساتذتك حتى وبعد مرور فترات زمنية طويلة.
• حاول اختصار رسالتك قدر الإمكان :بحيث تكون قصيرة و مختصرة ومباشرة وواضحة وفي صلب مضمون قسم المنتدى.
• كن عالمياً : واعلم أن هناك مستخدمين للإنترنت يستخدمون برامج تصفح مختلفة وكذلك برامج بريد الكتروني متعددة ، لذا عليك ألا تستخدم خطوط غريبة بل استخدم الخطوط المعتاد استخدامها ، لأنه قد لا يتمكن القراء من قراءتها فتظهر لهم برموز وحروف غريبة.
• قم بتقديم ردود الشكر والتقدير لكل من أضاف رداً على موضوعك وأجب على أسئلتهم وتجاوب معهم بسعة صدر وترحيب.
• استخدم ميزة البحث في المنتديات لمحاولة الحصول على الإجابة قبل السؤال عن أمر معين أو طلب المساعدة من بقية الأعضاء حتى لا تكرر الأسئلة والاستفسارات والاقتراحات التى تم الإجابة عنها قبل ذلك.
• تأكد من أنك تطرح الموضوع في المنتدى المخصص له: حيث تقسم المنتديات عادة إلى عدة منتديات تشمل جميع الموضوعات التي يمكن طرحها ومناقشتها هنا، وهذا من شأنه أن يرفع من كفاءة المنتديات ويسهل عملية تصنيف وتبويب الموضوعات، ويفضل قراءة الوصف العام لكل منتدى تحت اسمه في فهرس المنتديات للتأكد من أن مشاركتك تأخذ مكانها الصحيح.
• استخدم عنوان مناسب ومميِّز لمشاركتك في حقل الموضوع. يفضل عدم استخدام عبارات عامة مثل "يرجى المساعدة" أو "طلب عاجل" أو "أنا في ورطة" الخ، ويكون ذلك بكتابة عناوين مميِّزة للموضوعات مثل "كيف استخدم أمر كذا في برنامج كذا" أو "تصدير ملفات كذا إلى كذا".
• إحترم قوانين الملكية الفكرية للأعضاء والمواقع والشركات، وعليك أن تذكر في نهاية مشاركتك عبارة "منقول عن..." إذا قمت بنقل خبر أو مشاركة معينة من أحد المواقع أو المجلات أو المنتديات المنتشرة على الإنترنت.
• إن أغلب المنتديات تكون موجهه لجمهور عام ولمناقشة قضايا تثقيفية وتعليمية . لذلك يجب ان تكون مشاركتك بطريقة تحترم مشاعر الآخرين وعدم الهجوم في النقاشات والحوارات. وأي نشر لصور أو نصوص أو وصلات مسيئة، خادشة للحياء أو خارج سياق النهج العام للموقع.
• المنتدى لم يوجد من أجل نشر الإعلانات لذا يجب عدم نشر الإعلانات أو الوصلات التي تشير إلى مواقع إعلانية لأي منتج دون إذن او إشارة إلى موقعك أو مدونتك إذا كنت تمتلك ذلك.
• عدم نشر أي مواد أو وصلات لبرامج تعرض أمن الموقع أو أمن أجهزة الأعضاء الآخرين لخطر الفيروسات أو الدودات أو أحصنة طروادة.
•ليس المهم أن تشارك بألف موضوع فى المنتدى لكن المهم أن تشارك بموضوع يقرأه الألوف،فالعبرة بالنوع وليس بالكم.
• عدم الإساءة إلى الأديان أو للشخصيات الدينية.
•عند رغبتك بإضافة صور لموضوعك في المنتدى ، احرص على ألا يكون حجمها كبير حتى لا تستغرق وقتاً طويلاً لتحميلها وأن تكون في سياق الموضوع لا خارجه عنه.
•الالتزام بالموضوع في الردود بحيث يكون النقاش في حدود الموضوع المطروح لا الشخص، وعدم التفرع لغيره أو الخروج عنه أو الدخول في موضوعات أخرى حتى لا يخرج النقاش عن طوره.
• البعد عن الجدال العقيم والحوار الغير مجدي والإساءة إلى أي من المشاركين ، والردود التي تخل بأصول اللياقة والاحترام.
• احترم الرأي الآخر وقدر الخلاف في الرأي بين البشر واتبع آداب الخلاف وتقبله، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
• التروي وعدم الاستعجال في الردود ، وعدم إلقاء الأقوال على عواهلها ودون تثبت، وأن تكون التعليقات بعد تفكير وتأمل في مضمون المداخله، فضلاً عن التراجع عن الخطأ؛ فالرجوع إلى الحق فضيلة. علاوة على حسن الاستماع لأقوال الطرف الآخر ، وتفهمها تفهما صحيحا.
• إياك و تجريح الجماعات أو الأفراد أو الهيئات أو الطعن فيهم شخصياً أو مهنياً أو أخلاقياً، أو استخدام أي وسيلة من وسائل التخويف أو التهديد او الردع ضد أي شخص بأي شكل من الأشكال.
• يمنع انتحال شخصيات الآخرين أو مناصبهم من خلال الأسماء أو الصور الرمزية أو الصور الشخصية أو ضمن محتوى التوقيع أو عن طريق الرسائل الخاصة فهذا يعتبر وسيلة من وسائل الإحتيال.
• إذا لاحظت وجود خلل في صفحة أو رابط ما أو إساءة من أحد الأعضاء فيجب إخطار مدير الموقع أو المشرف المختص على الفور لأخذ التدابير اللازمة وذلك بإرسال رسالة خاصة له.
• فريق الإشراف يعمل على مراقبة المواضيع وتطوير الموقع بشكل يومي، لذا يجب على المشاركين عدم التصرف "كمشرفين" في حال ملاحظتهم لخلل أو إساءة في الموقع وتنبيه أحد أعضاء فريق الإشراف فوراً.
See more
See less

الفلسفة عند القدماء - المجموعة الكاملة

Collapse
This is a sticky topic.
X
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • #21
    البير كامو

    ألبير كامو (1913-1960)

    يُعتبَر ألبير كامو من كبار فلاسفة القرن العشرين. ومن ضمن الكثير من الموضوعات التي بحث فيها هناك موضوعا العبث والتمرد.

    لقد ناقش فلاسفة كثيرون، على مدى العصور، قضايا تتمثل في موضوعات مثل تناقض العالم والوجود، المغزى الحقيقي للحياة، العلاقة مع الحرية، تقييم مكانة الإنسان ودوره في العالم والمجتمع، لكنها أضحت أكثر حيوية في القرن العشرين، الذي عُرِفَ بعصر التطور التقني، عصر الحروب الكبيرة والمأساوية. وقد اعتمد ألبير كامو على أفكار المدارس الفلسفية المعاصرة عندما شكَّل وجهة نظره الخاصة في مفهومَي العبث والتمرد. وهذا ما يجعل القارئ يستمتع أكثر في دراستهما.

    في بداية مقالته عن العبث، أكد كامو أن مسألة ماهية الحياة هي المسألة الرئيسية التي تبحث فيها الفلسفة. وهنا أراد كامو أن ينظر في عمق إلى علاقة الوجود العبثي والشعور العبثي بالحياة والانتحار وبالأمل والحرية وتأثيرهما فيها.

    حاول كامو أن يفهم الأسباب التي تدفع الإنسان إلى الانتحار، فتوصل إلى مفهوم الشعور العبثي، حيث اعتبر أنه يظهر على أساس التناقض بين الإنسان والمحيط الخارجي، أو كما شبَّهه قائلاً: "بين الممثل والديكورات." ففي حال تمكَّن الإنسانُ من تفسير العالم تفسيرًا مقنعًا، على الأقل، يصبح هذا العالم في نظره مفهومًا ومقبولاً إلى حدٍّ ما. لكن حينما يدرك الإنسان "وهم" هذا التفسير سرعان ما يشعر على الفور بنفسه غريبًا في الكون، فيقف أمام سؤال: هل تستحق الحياة أن أعيشها؟ وهنا يلد الشعور العبثي.

    لقد شرح كامو، في اختصار، العوامل الخاصة المتعلقة بهذا الشعور، معتبرًا أن العبث يتغلغل في وعي الإنسان تغلغلاً مفاجئًا في اللحظة التي يشعر بها الإنسانُ بالفراغ، بإرهاق من الوجود اليومي أو الحياة اليومية، لأن الوعي في هذه اللحظة يتوقف عن استيعاب الغاية من هذه الحياة اليومية، وتنقطع سلسلة التصرفات الاعتيادية والروتينية. وفي هذه اللحظة بالذات، اعتبر كامو أن وعي الإنسان الذي كان راكدًا من قبلُ بدأ بالحركة والنشاط. والوقت هو أيضًا عامل آخر من عوامل العبث: فالإنسان الذي يعيش من أجل المستقبل، يدرك أن الوقت يتحول إلى عدو. وقد عبَّر كامو عن هذا قائلاً: "يظهر ما يشبه ثورة الجسد الموجَّهة ضد تأثيرات الزمن."

    الخطوة التالية هي عبارة عن إحساس الإنسان بغربته في العالم المحيط، فتعكس كثافةُ العالم وغربته عن عبث الوجود. إضافة إلى أن الإنسان يخفي في داخله شيئًا من اللإنسانية، التي تظهر في تصرفاته وحركاته؛ وهذه اللإنسانية ترينا الوجه الحقيقي للإنسان من الناحية الفسيولوجية. وهنا أيضًا نجد العبث. إن موت الإنسان وحتمية الموت تضفيان على العبث وزنًا إضافيًّا.

    توقف كامو عند مسألة العقل والفكر ومعرفة العالم. فمعرفة العالم في نظر الإنسان تتلخص في دمجها بالمفاهيم المتداولة عنده. ولكن هناك تناقضًا بين الإنسان الذي يعتقد أنه يعرف وبين ما يعرفه في الواقع. ولا يمكن الاعتماد على النماذج الإبداعية، كالأدب والرسم وغيرهما، في التوصل إلى المعرفة الكاملة لأنها افتراضية، ولا على العلم لأنه قادر فقط على تمييز ظواهر معينة وتعدادها – علمًا أن كامو اعتبر أن العالم ظاهرة غير عقلانية، وليس ظاهرة عبثية. فالعبثية تتلخص في اصطدام هذه اللاَّمعرفة بالعالم بالتعطش إلى الوضوح الذي يصرخ في روح الإنسان. وإذن، فالعبث إنما يولد من اصطدام رغبة الإنسان بأن يكون سعيدًا ويصل إلى عقلانية العالم، من جانب، مع اللاعقلانية الصامتة لهذا العالم، من جانب آخر. وبهذه النتيجة يكون كامو قد عارض الكثير من المدارس الفلسفية، التي أكدت أن كلَّ ما هو موجود هو عقلاني وأن كلَّ شيء يمكن له أن يُفهَم بواسطة العقل.

    عندما تعمَّق كامو في تحليله لمفهوم العبث، أشار إلى أن الشعور به لا يظهر عند النظر في الحقائق والتأثيرات الأحادية، بل في المقارنة بين الوضع والواقع. وأضاف كامو أن العبث لا يختبئ في الإنسان ولا في العالم، إنما في اختلاطهما، فيصبح العبث هو الخيط الوحيد المشترك بينهما. ثم طوَّر كامو هذه الفكرة، فتوصل إلى نوع من الاتحاد الثلاثي: العبث – الوعي الإنساني – العالم؛ وفي حال استثنينا حدًّا واحدًا منها سيؤدي ذلك إلى تفكيك هذا الاتحاد. إن تصادم حدود هذا الثلاثي أو تصارعها يشير إلى انعدام الأمل والإنكار المستمر وعدم الرضا المدرَك. وإذا تمكنَّا من تجاوُز هذه الظروف فإن العبث يزول، لأن التوافق يزيل الخلاف. فالعبث يُقاس بنسبة عدم توافُقنا.

    وبذلك يصل كامو إلى نتيجة هامة، وهي أن تجربة العبث والانتحار مقولتان غير متوافقتين، حيث إن الإنسان الذي أدرك عبثية الوجود يجد أن معنى الحياة يوجد في النزاع الدائم بين العقل وبين الواقع الذي يفوقه. ووفقًا لذلك، فإن اختزال الواقع وتيسيره يعني إفقار الإنسان لنفسه. وقد اعتبر كامو أن النتيجة الرئيسية للعبث هي ارتقاء الوعي الإنساني تدريجيًّا، ليصبح شاهدًا على الحقيقة التي تتحدى العالم المتفوق عليه.

    وفيما يخص مفهوم العبث، أشار كامو أيضًا إلى أنه يؤدي إلى حذف جميع فرص الإنسان للوصول إلى الحرية الشفافة والأبدية التي جاءت بها الأديان، ولكنه يعيد حرية التصرف ويستلهمها. فبعد إدراك العبث يتفهم الإنسان ما يلي: إن الحرية الأعظم هي حرية الوجود التي تخدم أسُس الحقيقة.

    إن مصدر الحرية الداخلية للإنسان العبثي يأتي من إدراكه عدمَ وجود مفهوم لانتظارِ حدوث أمر بعينه في المستقبل، والعودة إلى إدراك واضح للهروب من حلم يومي – وهذا الإدراك لا غنى عنه للحرية العبثية. وبحسب رأي المفكر، فإن إدراك العبث يتطلب استبدال "كمية" تجربة الوجود بـ"نوعيتها"، وفي عبارة أخرى، أن لا يحيا الإنسان بشكل أفضل، بل أن يعيش لحظات أكثر؛ وهذا، بدوره، يمنحه الإحساس بالحياة والتمرد والحرية بأقوى شكل ممكن. فكما ذكرنا سابقًا، يُظهِر العبث نفسه في الوجود الإنساني في شكل يدفع الوعي والعقل إلى النشاط والعمل، متمخضًا بذلك عن الحرية الداخلية.

    عدا عن ذلك، تساءل كامو عن تأثير العبث على الجانب الأخلاقي للإنسان، وعن كيفية تعايُش العبث مع الأخلاق، فاعتبر أن الإنسان العبثي يستطيع أن يتقبل الأخلاق الإلهية فقط، تلك التي أملاها عليه الرب؛ أما في خصوص أنواع الأخلاق الأخرى، فيعتبرها مجرد أساليب لتبرير الذات، وهو ليس في حاجة إلى التبرير، ولكنه في نفس الوقت يعيش من دون إله.

    ومن الخطأ الظن أن العبث يسمح بالقيام بأية تصرفات كانت، لأن العبث، بحسب كامو، يجعل نتائج التصرفات متكافئة. إن مفهوم الأخلاق يرتكز على قاعدة مُفادها أن التصرف يؤدي إلى نتائج، إما أن يبرِّرها هذا المفهومُ ويتقبلها وإما أن يدينها ويرفضها. أما العبث، فعلى العكس يعتبر أن علينا أن نتقبل نتائج التصرفات في هدوء.

    يعتبر كامو أن جميع أنواع التجارب في الوجود متساوية. لذلك إذا كان الإنسان يملك وعيًا واضحًا فجميع تصرفاته ستصب في خدمته؛ وإذا كان الأمر خلاف ذلك، فستسبِّب تصرفاتُه المشكلات. وهنا تقع المسؤولية على عاتقه هو، وليس على عاتق الظروف.

    الوعي وانعدام الأمل أمران يصف بهما كامو الإنسان العبثي: فهو لا يعرف الشعور بالحزن الناتج عن تصرف ما أو عن أمر لم يتحقق. وهنا استعان المفكر في تحليلاته بشخصية دون جوان، الذي كان يدرك إدراكًا واضحًا أنه مجرد مُغْوٍ عادي لا يطمح إلى إيجاد حبٍّ كامل ومثالي.

    وفي رأي كامو، هناك ظاهرة تبيِّن العبث تبيانًا واضحًا، ألا وهي المسرح: فالمسرحية التي تمثَّل على الخشبة ما هي إلا مرآة تعكس عبثية الوجود. فخلال بضع ساعات، وفي مكان مغلق، يحاول الممثلون أن يجسدوا أقدارًا كاملة وفريدة. فالمقارنة التي يهدف إليها المفكر مفهومة وواضحة، كما هي حياة الإنسان: محددة بفترة زمنية معينة، وتسير في إطار العالم المتفوق عليه.

    هناك مثال آخر يأتي به كامو على ضوء ما ذُكِرَ، ألا وهو البطل–الفاتح أو المغامر. وهذا الإنسان هو بمثابة غاية في حدِّ ذاته: فهو صاحب القرار، وكل ما يريده سيهدف إلى الحصول عليه في حياته، دون أن يعتمد على أحد. والفاتح أو المغامر يعرف مدى عظمته وقدراته على الوصول إلى أكثر ما يطمح إليه الآخرون وعلى نيله. وإذن، فالأشخاص الذين يدركون العبث هم أشخاص يفكرون في وضوح، يعرفون إمكاناتهم، ولا يتكلون على الآمال.

    وعندما وصل كامو إلى تحليل العبث في الإبداع، لاحظ أن العمل الإبداعي (لوحة رسم أو مقطوعة موسيقية أو رواية) يعطي أقل مما كان مفترَضًا فيه أن يعطي في البداية. وهذا يعود، بحسب كامو، إلى أن العالم غير عقلاني ولا يمكن اكتشافه بالعقل. لذا فإن العمل الإبداعي العبقري يرفض ميزات الأفكار ويؤيد أن تبقى مجرد قوى محرِّكة للعقل تؤدي إلى تغيير المظهر الخارجي للظواهر وتحويلها إلى نموذج.

    يتبع المبدع العبثي هدفين في آنٍ واحد: فهو، من جهة، يرفض، ومن جهة أخرى، يؤيد. وكما قال كامو: "على المبدع أن يمنح لونًا للفراغ." الإبداع يعني إعطاء شكل للقدر. وفي حال مَنَحَ الموت المعنى النهائي لجميع أعمال المبدع، فحياته، إذن، هي التي كانت تسكب ضوءًا ساطعًا عليها.

    وفي نهاية تأملاته في العبث، يذكِّرنا كامو بقصة سيسيفوس الذي بمساعدتها كشف عن تأثير العبث على الوجود الإنساني. فيتكلم، من جهة، على العذاب الذي يمر به سيسيفوس تحت وطأة الصخرة الكبيرة، – وهذا هو ذلك العالم المتوافق الذي تكلَّم عليه كامو سابقًا، – ومن جهة أخرى، على العقل الواضح الذي يسمح له بأن يقاوم هذا العالم: فهو يرتقي فوق القدر، مدركًا أن هذا هو طريقه وهو صاحب قراره. يصور كامو سيسيفوس سعيدًا لأنه يدرك جميع الظروف القاهرة التي يمر بها ويعترف بها، وبهذا يتمكن من أن يعلو ويتفوق عليها.

    وبعد تحليل مفهوم العبث، حدَّد كامو ثلاث نتائج له: الوعي الواضح الذي يساعد الإنسان على مقاومة العالم؛ الحرية الداخلية؛ وتعدُّد التجارب الوجودية. فعبر عمل العقل والوعي العبثي يلتفت الإنسانُ إلى قوانين الحياة، وبذا يكتسب الأمرُ، الذي كان في السابق دافعًا إلى الموت، معنى للوجود – وبهذا يرفض خيار الانتحار.

    يمنح الشعور بالعبث الذي يتشكل نتيجة عمل الوعي الإنسانَ فرصةً لتقييم قَدَره. وهذا يمكن أن نعتبره مقدمة، أو شرطًا أوليًّا حتى، لمفهوم آخر نظر فيه كامو، ألا وهو التمرد. فعندما يستيقظ الوعي تتضح للإنسان عبثيةُ الوجود وعدم إدراك المصير الإنساني وظلمه. وهذا ما يولد التمرد، الذي يهدف إلى التغيير. وقد اعتبر كامو أن السبب الرئيسي للتمرد هو أن "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يرفض أن يكون ما هو عليه".

    فالإنسان المتمرد هو الإنسان الذي يقول: لا. وعلى الرغم من هذه الـ"لا"، التي هي عبارة عن معارضته لنظام أمور معينة، فهو في الوقت نفسه يعترف بوجود حدود وخطوط ما سمح، عبرها، للظروف السلبية بأن تتدخل في حياته. يتضمن التمرد، دون أدنى شك، قيمة معينة. فالإنسان المتمرد يعارض كلَّ ما هو غير نافع ومضر به. ولكن تطور التمرد يضفي عليه خاصية جماعية. فقد توصل كامو إلى نتيجة عندما ضرب مثالاً على العبد الذي تمرد على سيده: فالعبد قام على نظام لا يعترف بحقوق مجتمع من الأشخاص المضطهَدين. وهنا تخسر الذات المكانة التي على المتمرد أن يدافع عنها، لأن القيمة هنا تصب في مضمون مجموعة من الأشخاص.

    وهنا يُبعد كامو مفهوم التمرد عن الحقد، لأن الحقد مصدره الحسد، وهو دومًا موجَّه ضد الموضوع الذي يشكل ذلك الحسد. أما التمرد فهو يأخذ وضعية الدفاع عن القناعات: المتمرد يدافع عن نفسه، عن وحدة شخصيته، مطالبًا باحترامها. وبهذا الشكل استنتج كامو أن الحقد يحمل بداية سلبية؛ أما التمرد فينطوي على إيجابية. وبهذا الفكرة يدخل كامو في جدل مع بعض الفلاسفة الذين ساووا بين روح التمرد والحقد.

    عندما نظر كامو إلى مفهوم التمرد من منظار اجتماعي، لحظ أنه من غير الممكن ظهوره في مجتمعات تطغى عليها اللامساواة طغيانًا كبيرًا أو تطغى عليها مساواة مطلقة. وإذن، فالتمرد، بحسب كامو، ممكن في مجتمعات تتوارى فيها لامساواة واقعية وراء مساواة نظرية. عدا عن ذلك، فإن التمرد يخص إنسانًا عارفًا ومطلعًا، وليس جاهلاً، إنسانًا مدركًا لحقوقه. وعليه، فلا يمكن للإنسان المتمرد أن يظهر في مجتمعات بدائية، حيث تسود المعتقداتُ الخرافيةُ والتقاليدُ وتفسَّر الظواهرُ الحياتيةُ على أسُس قدسية وتحريمية.

    ويؤكد كامو أن التاريخ وأحداثه يجبران على الاعتراف بأن التمرد هو إحدى الصفات المبدئية للإنسان، حيث إنه واقع تاريخي للإنسانية. فلا يجوز الهروب من هذا الواقع، بل إيجاد قيم وتجارب تصب في مصلحة الإنسانية. وإحدى قيم التمرد هي أنه يدعو إلى وجود مجتمع إنساني بعيد عن القداسة. ولكي يحيا الإنسان عليه أن يتمرد، ولكن شريطة ألا يتخطى حدود الوجود الحقيقي للبشر.

    إن إدراك عبثية الوجود ولاعقلانية العالم هما بداية التمرد. ولكن في حال العبث فإن العذاب يكون شخصيًّا؛ أما في حال التمرد فهو جماعي. فإذا عبَّرنا عن التمرد في بدايته بعبارة: "أنا أتمرد، إذن أنا موجود"، فبعد تطور التمرد ليصبح جماعيًّا يمكن لنا أن نعبِّر عنه بقولنا: "أنا أتمرد، إذن نحن موجودون." وقد ميز كامو عدة فئات من التمرد، واضعًا لكلٍّ منها صفات وخصائص معينة:

    فالتمرد الميتافيزيقي، كما عرَّف به، هو تمرد الإنسان ضد مصيره وضد الكون أجمع. فإذا كان العبد يتمرد على وضعه، فإن المتمرد الميتافيزيقي يتمرد على قدره المحتَّم عليه كإنسان: فهو يعلن بأنه مخدوع ومظلوم من الخالق نفسه. وهنا يشير كامو إلى أمر مهم: كما أن العبد الذي تمرد على سيده يعترف بوجود السيد وبسلطانه عليه، كذلك فإن المتمرد الميتافيزيقي يتمرد هو الآخر على قوى تسيطر على مساره وتحدِّده، وبذلك يؤكد واقعية هذه القوى. ومن هذا يمكن لنا أن نصل إلى استنتاج مُفاده أن التمرد الميتافيزيقي لا ينطوي على الإلحاد: فالتمرد لا ينكر القوة الإلهية العظمى، بل يتحداها.

    أما الفئة الثانية من التمرد، بحسب كامو، فهي التمرد التاريخي الذي يهدف بشكل رئيسي إلى الحرية والعدالة. فهو يحاول أن يضفي على الإنسان صفة الحاكم للوقت وللتاريخ. وقد عزل كامو مفهوم التمرد عن الثورة، معتبرًا أن الثورة تنبت من فكرة، بينما التمرد هو حركة تبدأ من تجربة ذاتية وتوصل إلى الفكرة. وهنا يأتي كامو بجملة تقول: "الإنسانية لم تعرف بعدُ الثورات الحقيقية." فالثورة الحقيقية تضع أهدافها للوصول إلى اتحاد شامل ونهاية حتمية للتاريخ؛ أما الثورات التي نشبت إلى يومنا هذا فقد تمكنت فقط من تغيير سلطة سياسية بأخرى. حتى الثورة التي بدأت كثورة اقتصادية انتهت لتصبح سياسية. وهنا أيضًا يظهر الفارق بين التمرد والثورة. ناهيك عن أن أهداف كلٍّ من الثورة والتمرد مختلفة جذريًّا: فالثورة تصنع من الإنسان مادةً للتاريخ؛ أما التمرد فهو يؤكد على مفهوم الإنسانية وطبيعة الإنسان غير الخاضعَين لقوى العالم. التمرد يخرج من الإنكار باسم التأكيد؛ الثورة تخرج من الاستنكار المطلق، وبذلك تحكم على نفسها بالعبودية والإرهاب لبلوغ غايتها. ويتوصل كامو إلى نتيجة هامة للغاية، مُفادها أن التمرد أمر خلاق؛ أما الثورة فأمر عدمي، لأن التمرد يدعو الإنسانية إلى العيش بهدف إنشاء نفسها، عوضًا عن أن تقتل وتموت في سبيل إنشاء وجود غير متوافق معها.

    الفئة الثالثة والأخيرة هي فئة التمرد في الفن. إن الفن هو إبداع ينطوي على تمرد يُظهِر الإنكار والتأكيد في آنٍ واحد. فالتمرد في الفن، بحسب كامو، هو خالق الكون. المبدع يعتبر أن العالم غير كامل، ويحاول أن يعيد صياغته ويعطيه ذلك الشكل الذي ينقصه. ويقول كامو إن الفن يجادل الواقع، ولكنه لا يتحاشاه. كما أن الفن يقود المبدع إلى مصدر التمرد بنفس النسبة التي يعطي بها شكلاً للقيم غير المرئية، ولكنها مرئية في نظره ويشعر بها هو كمبدع.

    وفي نهاية بحثه، قام كامو بمقارنة التمرد بمفهوم القتل، كما قارن سابقًا ما بين العبث والانتحار. فقيمة التمرد تتلخص في وضعه حدًّا للاضطهاد؛ وبذلك يكون قد صنع خاصية حميدة للبشر. وإذن، فالتمرد يحمل بداية إبداعية. وبهذا يكون مفهوما القتل والتمرد متناقضين على مستوى المنطق. فإذا ارتكب المتمرد القتل يكون بذلك قد قسم العالم وحطَّم تلك الوحدة البشرية. وهكذا تظهر المعادلة التي تقول: "أنا أتمرد، إذن نحن موجودون."

    وهنا نصل إلى نتيجة مُفادها أن كامو أعطى العبث والتمرد معنى إيجابيًّا وخُلُقيًّا. ففي الواقع، الشعور العبثي يوقظ وعي الإنسان ويرفعه فوق مصيره ويعطيه معنى آخرًا أو بُعدًا آخرًا للوجود. والوعي، بدوره، هو المصدر الأول للتمرد – السعي إلى التغيير. إن تمرد الإنسان بمرور الوقت وتطوره يتحول إلى قيمة للكثير من البشر، واضعًا أسُسًا لاتحادهم كقوة خلاقة.

    * * *

    أعدَّ المادة: هالة رسلان

    في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
    أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
    وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

    Comment


    • #22
      المذهب الكلبي

      الكلبية أو المذهب الكلبي Cynicism
      الكلبيون Cynics

      هم مجموعة فلسفية يونانية وُجِدَتْ بين عامَي 437 و370 ق م. أسَّسها، على ما يقال، أنتيسثينِس الذي كان أحد تلامذة سقراط، وكان أول من استخدم العصا والخِرْج الذي يحمله الشحاذون رمزًا لفلسفته.

      وقد استمرت هذه المدرسة، بهذا الشكل أو ذاك، حتى نهاية العصور القديمة. أما تسميتها بهذا الاسم فله عدة تفسيرات هي:

      - التفسير الأول هو "التحدي"، حيث يعود أصل الكلمة إلى الاسم اليوناني kuon، أي "الكلب".

      - أما التفسير الثاني فيعود، ربما، لكون أتباعها يجتمعون في ملعب رياضي اسمه كينوسارغوس، ومنه جاء اشتقاق الاسم.

      - أو ربما أيضًا – وهذا هو التفسير الثالث – كتذكار عن واحد من أهم فلاسفتهم، وكان يدعى ذيوجينِس ويلقَّب بـ"الكلب" (413-323 ق م).

      ذيوجينِس هذا هو الذي أطلق عليه أفلاطون لقب "سقراط المجنون"، ذاك الذي، من خلال ما يروى عنه من أحاديث وقصص أضحت أسطورية، يعكس العقلية الكلبية، بجمالها ومفارقاتها: كان يعيش في برميل؛ كان يلبس معطفًا خَلِقًا مثقبًا؛ كان يمارس التسول ممارسة عدوانية؛ يقال إنه كسر قصعته بعد أن رأى طفلاً يشرب الماء براحة يده؛ كذلك الأمر فيما يتعلق بفانوسه الشهير الذي كان يسير به مضاءً في رابعة النهار "باحثًا عن إنسان"؛ أو حين أجاب الاسكندر المقدوني بوقاحة، إذ مدَّ إليه يده ليصادقه: "تنحَّ عن شمسي!"

      ويُحكى عنه أيضًا أنه حين حاول زينون ذات يوم البرهان على عدم وجود الحركة فإن كلَّ ما فعله ذيوجينِس كان أن تمشَّى أمامه؛ أو حين عرَّف أفلاطون الإنسان بأنه "حيوان غير مغطى بالريش ويسير على قدمين"، فألقى ذيوجينِس أمام المستمعين إليه بدجاجة منتوفة، وصاح وهو يضحك: "انظروا، هذا هو إنسان أفلاطون!"

      وتستند أخلاقيات الكلبيين، بشكل عام، إلى رفض الأعراف الاجتماعية، التي يميِّزون بدقة بينها وبين الطبيعة التي كانوا يدَّعون الرغبة في الرجوع إليها. من هنا، يمكن تفسير ازدراءهم الكبير بالعلم وتأكيدهم بأن الخير الوحيد إنما هو الفضيلة.

      والكلبية التاريخية، على عكس المفهوم المحقِّر السائد اليوم حولها، إنما تؤدي بمعتنقيها إلى نوع من التزهُّد الصعب والمتشدِّد الذي غالبًا ما كان ينعكس احتقارًا شديدًا للمظاهر ورفضًا وتصعيدًا لوحدانية الإرادة. إن مثل هذه التصرفات التي يمكن أن تكون مضحكة أو لنقل مفارِقة (كطلب الصدقة للتعوُّد على مجابهة الرفض) قد أثَّرت كثيرًا فيما بعد على الفلسفة الرواقية.

      ***

      ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

      تعريب: أكرم أنطاكي.

      مراجعة: ديمتري أفييرينوس.

      في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
      أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
      وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

      Comment


      • #23
        القيمة

        الـقـيـمـة



        تعدّ القيمة مبحثًا مهمًا من مباحث الفكر الإنساني، وهي قديمة قدم الإنسان ذاته، وتمتلك أهمية كبيرة في حياته. اصطبغت القيمة في استعمالها اليومي بصبغة اقتصادية إذ ارتبطت بمسائل البيع والشراء، ومع ذلك مازال بعضهم يتحدّث عن قيمة هذا الفعل الأخلاقي، أو هذا العمل الفني... الخ، ومعنى هذا أنّ هناك قيمًا كثيرة أخرى غير القيم الاقتصادية، إذ يمكن أن نطلق لفظ قيمة على كل ما نرغب فيه، أو نسعى لبلوغه، أو نحرص على تحقيقه، فالصحة قيمة، والثروة قيمة، والنجاح قيمة... الخ. ولعلَّ إعطاء معنى دقيق لمفهوم القيمة مسألة قد تكون في غاية الصعوبة، لأنّ مفهوم القيمة شأنه شأن جميع المفاهيم الفكرية الأخرى يحتمل تفسيرات شتّى.

        القيمة في اللغة العربية مشتقة من الأصل (ق. و. م.)، وقد استعمل جذره للدلالة على معانٍ متعدّدة ومختلفة، فالقيام نقيض الجلوس، يقال: قام يقوم قومًا وقيامًا. ويأتي القيام للدلالة على الوقوف والانتصاب، ويدّل في معنى آخر على الإصلاح والمحافظة. قال تعالى: "الرجال قوامون على النساء". وقد تفيد الاستقامة معنى الاعتدال، يقال استقام الأمر له، وقام الأمر واستقام أي اعتدل واستوى، وقد تأخذ القيم أحيانًا هذا المعنى للاستقامة يقول كعب بن زهير:

        فهم صرفوكم، حين جزتم عن الهدى بأسيافهم حتّى استقمتم على القيم

        وقِوام الأمر بالكسر هو نظام الشيء وعماده، والقَوام حسن الطول. وقد تجمع قامة الإنسان على قامات وقيم، ويقال بأنّه مقصور قيام وقد تغير لأجل حرف العلة. وقوّم السلعة واستقامها أي قدّرها، والقيمة واحدة القيم، وأصله الواو لأنّه يقوم مقام الشيء، فالقيمة إذن هي ثمن الشيء بالتقويم، يقال: تقاوموه فيما بينهم، ويقال: قامت الأمةُ بكذا أي بلغت قيمتها كذا. والأمر القيّم هو الأمر المستقيم، وفي الحديث ورد: ذلك الدين القيّم أي المستقيم الذي لا يزيغ عن الحق.

        ويتبيّن من مختلف المعاني الواردة لهذا المفهوم في اللغة العربية أنّ أهم مدلولاته اللغوية السعر والثمن، وقد يختلف هذا الثمن حسب موضوعه، المعروف بأنّه السلعة، فقد تكون رخيصة أو ثمينة، وقد يتوقف هذا على ما تمتلكه من صفات وخصائص.

        وربّما أسهمت هذه الفكرة الأساسية في انتقال دلالة اللفظ من المادي إلى المعنوي، بمعنى انتقال دلالة المفهوم من المجال المادي (السعر والثمن) إلى المجال الأخلاقي المعنوي الذي يعبر فيه المفهوم عمّا تحمله الأشياء من خير أو شر.

        أما في اللغات الأجنبية فمصطلح القيمة Value يرجع في أصله الاشتقاقي إلى الفعل اللاتيني Valeo الذي يدل على القوّة، ومعناه الأصلي أنا قوي، أو أنا أتمتع بصحة جيدة، فيشتمل من هذه الناحية على معاني الشجاعة والصلابة والقوة، ومعانٍ أخرى مختلفة كالتأثير في الأشياء، والقدرة على ترك بصمات قويّة عليها. ويبدو أنّ معنى القوّة والشجاعة من أقرب المعاني.

        أما المبحث الذي يدرس القيم، فيُطلق عليه الأكسيولوجيا Axiology من اليونانية Axia بمعنى قيمة، وLogos بمعنى علم أو مبحث، فيصبح معنى الكلمة نظرية القيم أو علم القيم، وهي مبحث فلسفي مستقل يدرس مشكلات القيم بمختلف أنواعها، من اقتصادية وأخلاقية... الخ. وعلى صعيد المصطلح لم يظهر هذا الميدان إلا منذ فترة قصيرة نسبيًا، أي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على أيدي إمانويل كانطEmmanuel Kant وغيره ممن اهتموا بالقيمة بشكل مغاير لما سبق. لكن ثمّة مسائل شتّى متعلقة بطبيعة القيم ومشكلاتها كانت قد طرحت على امتداد التاريخ الفلسفي، والأكسيولوجيا من حيث هي مبحث أخلاقي، تدرس مشكلتي الخير والشر، وتطرح مسائل أساسية مثل: ما الخير؟ هل الخير صفة موضوعية يطلق على تصرفات بشرية معينة؟ كيف يقيّم البشر تصرفاتهم بين الخير والشر؟ وما مصدر الخير وطبيعته في الوعي الأخلاقي البشري؟ وقد عرف تاريخ الفكر البشري محاولات عديدة للإجابة على هذه التساؤلات.

        ولعلَّ تحديد معان واضحة لمفهوم القيمة مسألة تكتنفها عدّة صعوبات، لأنّ مفهوم القيمة غالبًا ما يمثل مفهومًا متحركًا، ويشير أندريه لالاند Andre Lalande إلى أنّ للقيمة معنيين:

        الأوّل: المعنى الذاتي الذي يطلق على الأشياء عندما تمتلك طابعًا وخصائصًا يجعلانها مرغوبة لدى شخص من الأشخاص، أو جماعة من الجماعات، وتبقى الرغبة هنا نسبية، وليست مطلقة؛ والثّاني: المعنى الموضوعي للقيمة الذي يطلق على تلك الأشياء التي تتمتع بصفات تستحق أن يسعى الإنسان إليها لذاتها، وليس لأجل غاية تحققها، فهي بذاتها جديرة بأن تطلب لما تملكه بعيدًا عن النفع، أو اللذة التي قد تعطينا إياها.

        ومن جانب آخر، قد نتحدث عن مدلولات متعددة للقيمة: المادي، والمعنوي، والأحكام التقديرية.

        المدلول المادي: أو تلك الخاصة التي تجعل بعض الأشياء مرغوبة وتطلق عادة على الجانب المادي، وقد أسهب كارل ماركس Karl Marx في تبيان ذلك عندما جعل الإنسان مصدر القيم تحت تأثير البنية الاقتصاديّة حيث يعد الأخلاق والقيم والفن والسياسة آثارًا لبنية المجتمع الاقتصاديّة وعلامات عليها وتابعًا لها، وينضوي في هذا المدلول اصطلاحان: القيمة الاستعماليّة الذي يطلق على ما يمتلكه الشيء من قدر وثمن، في نظر الشخص الذي يطلبه، والقيمة التبادليّة: ويطلق على ذلك الثمن الاعتباري الذي يملكه شيء ما في مجتمع وزمن محدّدين، وهذا الثمن هو الذي يسمح بتداوله بين الناس، بسبب ندرته، وليس بسبب منفعته.

        المدلول المعنوي: ويرجع في نشأته إلى اللاهوتي Albrecht Ritschl ريتشل (1822م - 1889م) وكانت الغاية منه حماية الدين من هجمات العلم المتكررة، فحُدّدت الظواهر مجالاً للعلم، والقيم مجالاً للدين، فتمّ فصل المجالين عن بعضهما بعضًا، وتشير كلمة القيمة أحيانًا إلى مجموعة من الأحكام التقديرية، والأوامر والنصائح، وغيرها من الأمور.

        إن دراسة القيم في الفلسفة ليست دراسة موضوعيّة للأفعال أو ذاتيّة للنفس، بل دراسة ذاتيّة – موضوعيّة تقوم على تلك العلاقة المتبادلة بين الذات والموضوع. وتحديد القيمة في المجال الفلسفي يتوقف على عمليّة تقويم ذاتي للأشياء والموضوعات والأفعال وما تحتويه من حقيقة أو جمال، أو ما تنطوي عليه من خير وشر، فما يميز القيمة هنا أنّها علاقة بين ذات وموضوع.

        يؤكّد الاجتماعيون أنّ القيمة طريقة في الوجود أو السلوك، يعترف بها فرد أو جماعة، وينظر إليها على أنّها مثال يُحتذى. وهي بشكل عام مجموعة حقائق تعبر عن التركيب الاجتماعي، ويهتم عالم الاجتماع بتطبيقها على الأفراد والجماعات، بغية معرفة مستوياتهم الاجتماعية. كما يشير بعض المؤرخين، الذين اهتموا بالحضارات والآثار ودراساتها، إلى بعض جوانب القيم في سياق دراستهم للعادات والنظم والتقاليد، ويؤكدون أن القيمة هي ذلك السلوك الخلقي الذي يميز جماعة محددة في فترة زمنية محددة، ويظهر عمليًا في عدة صفات، نذكر منها الكرم والصبر... الخ.

        ويطلق على ميل الإنسان إلى القوّة، واهتمامه بها، مصطلح القيمة السياسية، فهي تهدف إلى السيطرة والتحكم سواء كان بالفرد ذاته أم بالأشخاص الآخرين. ولا يمكن للقيم السياسيّة أن تنفصل عن الناحية العمليّة، فهي تستلزم إنجازها بالفعل. أما القيمة الدينيّة فالمقصود بها ميل الفرد واهتمامه بمعرفة ما وراء العالم الظاهري، فهو يبحث دائمًا عن أصله ومصيره، ويشعر أنّ هناك قوّة ما مستقلة عنه تسيطر عليه وعلى العالم الذي يعيش فيه، ويسعى دائمًا للوصول إلى هذه القوّة بصورة ما. وفي علم الجمال تلازم القيمة الخلق الفني وتذوقه من جهة، وتجربتنا لتلك الصفات التي ترافق الفن بدقّة من جهة ثانية، وتتجسّد القيمة الجمالية في اهتمام الإنسان وميله نحو كل ما هو جميل سواء كان جماله خارجيًا أم داخليًا، فالجمال قيمة اختلفت حولها وجهات النظر ويبدو أنّه لا سبيل لمعرفته أو تحليله.

        ويطلق لفظ القيمة في الدراسات الأخلاقية على ما تدلّ عليه كلمة الخير، إذ يمتلك الفعل قيمة، بقدر ما يمتلك من خيريّة، وكلما ازدادت نسبة الخيريّة في الفعل ازدادت القيمة التي يمتلكها، وفي هذا الصدد تعرّف القيمة الأخلاقيّة بأنّها: "شكل لتجلي العلاقات الأخلاقيّة في المجتمع، وتدلّ القيم أولاً على البعد الأخلاقي للشخص ولتصرفاته...، وثانيًا على التصورات القيمية المتعلقة بميدان الوعي الأخلاقي".

        ويتمحور المعنى الحديث للقيمة الأخلاقيّة في كيفية تصرفنا تجاه من يتعرض للأذى والاستغلال أيًّا كان نوعه ومصدره.

        وتستخدم كلمة القيمة في مجالات أخرى متعددة، فهي مثلاً في الرياضيات تقابل العدد الذي يقيس كميّة ما. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المعاني المتعدّدة للقيمة ترتبط مع بعضها بعضا، وتشكل تنويعات قيمية مترابطة مع بعضها حينًا، ومتمايزة عن بعضها أحيانًا أخرى، فلا شك أنّ القيمة الأخلاقيّة ترتبط مع القيمة الجماليّة، وهناك علاقة وثيقة بين البحث في القيمة الجماليّة، والبحث في القيمة الأخلاقيّة، فكلتاهما تثيران المشكلات القيمية ذاتها، من حيث الإطلاقيّة والنسبيّة، ومدى الارتباط بالإنسان والوجود... الخ، ومع هذا لا يخلو الأمر من التمايز بينهما من حيث المحتوى، فالفعل الجمالي يتصف بالنسبية والتمركز على موضوع القيمة الجماليّة وليس على آثاره أو مضمونه كما في الفعل الخلقي، حيث استقلّ علم الجمال بعد أن عُدّ الجميل موضوعًا له، واستقلت القيمة الجماليّة لموضوع ما عن قيمته الأخلاقيّة من ناحية الماهية، بعد أن كان يكفي لأيّ عمل فني يتحدّث عن قيم أخلاقيّة أن يكون جميلاً، بل أن يكون رائعًا أكثر من أي شيء جمالي آخر ليس له قيمة أخلاقيّة. وهذا يوضح أن القيمة الأخلاقيّة والجماليّة، على علاقة وثيقة، بالرغم من التمايز في المحتوى.

        وعلاقة أخرى مشابهة تلك التي تقوم بين القيمة الاقتصاديّة والقيمة الأخلاقيّة، فقد يظنّ للوهلة الأولى أن لا علاقة بينهما، فهناك فرق بين مجاليهما، إلا أنّ هذا الرأي يفتقر إلى الدقّة إلى حد كبير، فلو بحثنا عن الغايات التي تنزع نحوها القيمة الاقتصاديّة لوجدناها متمثلة بالعدالة والمساواة، التي تنتمي إلى عالم القيم الأخلاقيّة، ولعلَّ أكبر مثال على ذلك هو تحديد ثمن البضائع أو السلع، فليس الهدف منه مقابلة شيء ما بثمن ما، بل عدالة هذا الثمن للبائع والمشتري، منعًا لاستغلال أحدهما للآخر. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنّ القيم الاقتصاديّة ليست قيم ماديّة محضة، بل تحتوي على جانب إنساني رفيع، لأن الإنسان هو من وضعها ليحافظ من خلالها على حياته بتأمين حاجاته، ومتطلباته بشكل أو بآخر.

        أما القيمة في المجال السياسي فترتبط أيضًا مع القيمة الأخلاقيّة، ولا يمكن أن تفترقا، لأنّهما مرتبطتان بجدل لا يمكن تمزيقه، فلا يمكن للفرد أن يحقق قيمه دون الجماعة، والعكس صحيح، الجماعة لا يمكن أن تحقق قيمها دون الفرد، فارتباط أخلاق الفرد بالجملة الأخلاقيّة والسياسيّة التي تمارسها الجماعة التي ينتمي إليها الجميع ليس بأقل من ارتباط هذه الجملة بأخلاق الفرد وقيمه التي يلتزم بها، ولم يعد ممكنًا قبول عدالة مجتمعية تختلف عن عدالة المواطن، وعلى الرغم من هذه العلاقة الوثيقة بينهما، إلا أنّ هناك بذرة التواء، بين القيم السياسيّة، والقيم الأخلاقيّة التي تواكبها، يميل إلى القول بها Raymond Polin ريمون بولان (1910م) فبينما تمتزج القيم الأخلاقيّة كل الامتزاج بنيّة أثرها، لا يمكن أن تنفصل القيم السياسيّة عن إنجازها بالفعل، فإذا لم يتحقق هذا الإنجاز تلاشت قيمتها كلها.

        وإذا كان لكل مجال من المجالات قيمته الخاصة به، فإن لكل من الفلاسفة وجهة نظره الخاصة في القيمة، حيث يخطئ من يعطي القيم تعاليًا وسمة موضوعيّة عند ريمون بولان لأنّ التعالي فعل يلازم الإنسان وحده، لأنّه ينبوع القيمة الوحيد، والقيمة ليست شيئًا معطى إطلاقًا، بل هي إبداع فاعل على الدوام، وهذا الإبداع ثلاثي التجلي، فهو من جهة يتجلى في مسعى نفي المعطى، ومن جهة ثانية يتجلى في مسعى التخيل، الذي يتجاوز المعطى، و يتجلى من جهة ثالثة في فعل إبداع يحقق القيمة في أثر من الآثار، ويمحوها في الوقت ذاته، واختراع القيم هو فاعلية تعالٍ ذاتيّة، تظل وقفًا على الشعور الفردي.

        أما Rene Le Senne رينيه لوسن (1882م - 1954م) فيوضح أنّ القيمة تجربة وإلزام بالتعالي في آن معًا، وهي تمثُل دائمًا وراء التحديدات التي تصنعها بذاتها، لا بوصفها عدمًا، بل بوصفها أكثر من الايجابيّة، ويرفض لوسن جميع المذاهب التي تحاول حبس القيمة في مفهوم، لأنّها تتصل بالشعور كله. وبناءً على هذا، يجب أن ننظر إلى القيمة المحضة نظرتنا إلى توسّع مستمر، وانتشار لا ينضب معينه.

        وتمثل القيمة في نظر لويس لافيل Louis Lavelle علاقة بين الشعور والسرمدي، وهي فكر ناشط واشتراك يتحقق في الحاضر إبداعيًا. ويحتفظ لافيل، أحيانًا، بكلمة القيمة للدلالة على الانتقال بين أقطاب ثلاثة: من الكون إلى الواقع إلى الوجود، وتنفرد القيمة عنده بأنّها تُراد، وما دامت تُراد فهي دائمًا موضع نقاش، وتهدف نظريّة القيم بصورة دقيقة إلى البحث في ما يجعل القيم تُراد بصورة مطلقة في كل زمان ومكان.

        وبرزت أصالة Max Scheler ماكس شلر (1874م - 1928م) عندما منح العاطفة دورًا مفارقًا في اكتشاف مفهوم القيمة، فهناك أمر قبلي يسبق الحساسيّة، ويطلعنا على مضمون القيمة قبل ارتباطه بأحد الموضوعات، ومع ذلك ليست القيمة من يستند إلى العاطفة، بل العكس صحيح، العاطفة هي التي تستند إلى القيمة، والقيم ليست علاقات، بل كيفيات ندركها عن طريق العاطفة من حيث علاقتنا بها، وليس في وسع العاطفة المحضة إدراك القيم في شكلها المنفصل، لأنّها ذوات لا عقليّة.

        ويأبى ماكس شلر تعريف القيمة على أنّها موضوع معرفة مباشرة ندركها كما هي، وتفيدنا في تعريف ظواهر أخرى غيرها، فهي تدرك دون وسيط، وليست موضوعًا معطى للمعرفة، بل تعطى لنا في تجربة عاطفيّة قبليّة. على سبيل المثال: نحن لا نحتاج إلى توسُط لإدراك سلوك ما على أنّه سلوك شجاع أو نبيل، لكن يجب التمييز هنا بين التجربة القيمية، والتجربة الحسية، فما نحسّه يختلف عمّا ندركه كتجربة قيمية، فقد نحسّ بحركات المحارب الشجاع، ونصوّر له فيلمًا، لكن لا نستطيع أن نصور تجربة الشجاعة بوصفها قيمة معنويّة، وهذا لا ينفي وجود حامل يحمل القيمة، لكن تجربة القيمة بعينها ليست تجربة لحاملها، وهنا ينبغي أن نقرر أنّ القيمة في وجودها مستقلة عن حواملها، والدليل على ذلك استطاعتنا إدراك أنّ لهذا الشيء قيمة أعلى وأسمى من ذاك، دون معرفة كليهما بدقة، وكذلك للقيمة صفات لا تتغير بتغير الأشياء، أي أنّها لا تتأثر بتغير حواملها، ومن هنا يطلق على القيم طابع الاشتراك، فهي من جهة مرتبطة بحامل، ومن جهة أخرى مستقلة عنه، كونها تدرك بتجربة تختلف عن تلك التي يدرك فيها حاملها.

        ويميز Nicolai Hartmann نيقولاي هارتمان (1882م - 1950م) ثلاث خصائص في القيمة، أولها: نفي صفة الوجود المستقل عن القيمة لأنّها ترتبط بالحامل، بالرغم من أنّ وجوده يختلف عن وجودها، فنحن لا ندرك الجميل، وإنما ندرك الجمال في جسم إنساني أو في منظر طبيعي، وهذا لا يغفل المعنى الكلي للقيمة، فالجميل يظل هو الجميل جمالاً كليًّا، لكن القيمة الكليّة القائمة بذاته لا يمكن إدراكها؛ وثانيها: أنّ وجود القيمة لا يتوقف على وجود الحامل، بالرغم من أنّ إدراكها لا يتم إلا بواسطته، ويمكن الحديث هنا عن عالم للقيم شبيه بعالم المثل الأفلاطونيّة، فالقيم ماهيات وأشياء في ذاتها أي معانٍ مطلقة؛ أما الخاصة الثالثة فناجمة عن معرفتنا بالقيمة معرفة قبليّة، إذ يدركها الإنسان عن طريق رؤيا باطنيّة وجدانيّة يستخدم فيها نوع من الوجدان أو العاطفة، وهذا ما يفسر به هارتمان إدراك القيم من قبل الجميع، الطفل والناضج، المثقف والجاهل.

        ويختلف السؤال عند Ralf Barton Perry رالف بارتون بيري (1876م - 1957م): ما الذي تعنيه القيمة؟ عن السؤال: ما الأشياء ذات القيمة؟ فكثيرًا ما جرى الخلط بينهما، إلا أنّ السؤالين يختلفان فيما بينهما، والبحث يدور دائمًا في محور السؤال الأول إذ يجب معرفة القيمة لكي نطلقها صفة على الأشياء، ولسوء الحظ، حسب بيري، أنّ بعض الفلاسفة يسألون سؤالهم الخاص حول القيمة، وكأنّ المعنى الذي ينطوي عليه هذا المفهوم قد حُدّد مسبقًا، ولم يبقَ إلا أن نوجه النظر إليه، إلا أنّ المشكلة ليست في اكتشاف معنى موجود للقيمة، فما أكثر المعاني الموجودة، كما أنّ المسألة لا تحل بسردها، لأنّ المشكلة هنا البحث عن معنى راجح ومفضل، أي تحديد معنى للمفهوم بطريقتين: إما اختيار أحد المعاني الموجودة بالفعل، أو خلق وابتكار معنى جديد، الأمر الذي يتطلب من الباحث البعد عن الأهواء، والرغبات الشخصيّة، ووجود ضابط أو مجموعة معايير تسوّغ هذا التعريف، أو تنبذه. ويقترح بيري تعريفًا للقيمة: فالشيء -أي شيء له قيمة- هو موضوع اهتمام أو نفع، ومن ثم تعرّف القيمة قياسًا للجدوى، الأمر الذي يجعل تعريفها متوقفًا على تعريف الجدوى، التي يعرّفها بيري بأنّها سلسلة من الأحداث يتحكّم فيها توقع نتيجتها.

        أعد المادة: منقذه العلاّن

        *** *** ***

        في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
        أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
        وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

        Comment


        • #24
          القبالة

          القبَّالة

          هي كلمة عبرية تعني، أول ما تعنيه، مؤلَّفًا مجهول التاريخ، يتضمن عناصر نقلية سرية، كان معاصرًا في بداياته للديانة العبرانية الشعبية.

          لوحة قماشية تحمل رموزًا قبالية

          أو لنقل: هو عقيدة دينية وفلسفية تستند إلى "كتاب الإشراق" أو سِفْر الزاهر (وهو مؤلَّف جُمِعَ حوالى العام 1275) الذي يفسِّر التوراة من منظور باطني، ويصوِّر الألوهة وكأنها سلسلة متدرجة من التجلِّيات المتتالية التي تنبثق عن ماهيتها كلُّ الأشياء. وبهذا يكون الله هو ذلك الكائن الذي لا يمكن وصفُه (إين سوف) والذي يتجلَّى عن طريق جحافل من رؤساء الملائكة. كما وترتبط بهذا الجانب الديني المحض رمزيةٌ معقدة من الحروف والأرقام، إضافة إلى نظرية معقدة في المقابَلات الكونية وإلى تفسير لمفهوم الإنسان كصورة مصغرة عن العالم وموازية للعالم الأكبر.

          مراتب التجلِّي الكوني بحسب القبالة

          وبينما حارب هذه العقيدة العديدُ من الفلاسفة اليهود (وخاصة منهم ابن ميمون) لأنها تتعارض مع التعاليم التلمودية، فقد أسَرَتْ القبالة، في المقابل، عقول وقلوب عدد من إنسانيي عصر النهضة (بيكو ديلاميراندولا، على سبيل المثال)، وطبعت بطابعها الفلسفة الهرمسية للقرنين السادس عشر والسابع عشر؛ كما أنها ساهمت لاحقًا في تشكل مختلف أشكال الحلولية.

          ***

          ملاحظة: تم تعريب هذه المادة عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

          تعريب: أكرم أنطاكي.

          مراجعة: ديمتري أفييرينوس.
          اقرأ مقالة القبالة: معنى تحت المعنى تحت المعنى في إصدار معابر لكانون الثاني 2005.

          في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
          أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
          وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

          Comment


          • #25
            فويرباخ (1804-1872)

            فويرباخ (1804-1872)

            حياة فويرباخ ومؤلَّفاته

            ولد لودڤغ فويرباخ Ludwig Feuerbach في 28 تموز من العام 1804 في مدينة لاندسهوت الألمانية من أعمال باڤاريا. وعلى الرغم من نشأته الكاثوليكية، فقد تربَّى على المذهب الپروتستانتي. وقد أبدى اهتمامًا بالدين وهو ما يزال طالبًا في مرحلة الدراسة الإعدادية. وفي العام 1823، درس في جامعة هيدلبرغ العلوم الدينية الپروتستانتية، لكنه لم يُتم تعليمَه ذلك، فتحول في العام 1824 إلى دراسة الفلسفة في برلين بإشراف أستاذه هيغل (1770-1831). وعلى مدى عامين، واظب لودڤغ فويرباخ على الاستماع إلى محاضرات هيغل في علم المنطق. وفي العام 1826، اضطر إلى العودة لدراسة التاريخ في جامعة إرلَنغن. وبعد سنة دراسية واحدة، كتب أطروحة جامعية في موضوع بعنوان في العقل الواحد، الكلي، اللامتناهي؛ وفي حزيران من العام 1828، تخرَّج من الجامعة في اختصاص الفلسفة، ثم حصل في نهاية العام نفسه على شهادة الدكتوراه، وفي غضون الأسابيع القليلة اللاحقة، باشر وظيفة التدريس في جامعة إرلَنغن.

            كان كتابه خواطر حول الموت والخلود باكورة مؤلَّفاته، وقد نُشِرَ غفلاً من اسمه في العام 1830 بعد الأحداث التي هزت ألمانيا نتيجة ثورة تموز الباريسية. وبحجَّة احتواء الكتاب على آراء ناقدة للدين، تمَّ حظرُه بعد نشره مباشرة، وتعرَّض الكاتبُ بسبب ذلك للملاحقة البوليسية. ونتيجة الإحباط، توقف فويرباخ عن التدريس في الجامعة ابتداءً من ربيع العام 1832.

            كتب فويرباخ في موضوع تاريخ الفلسفة الحديثة من بيكون حتى اسپينوزا. وما إن انتشر صدى تلك الكتابات، حتى استدعت "جمعية النقد العلمي الهيغلية" فويرباخ للمشاركة في تحرير مؤلَّفها السنوي. وقد لفت الأنظار موضوعان مما نشره فويرباخ في الكتاب السنوي، كونهما يتعرَّضان بالنقد إلى مدرسة هيغل المثالية. وألقى فويرباخ آخر محاضراته في الفلسفة في جامعة إرلَنغن ضمن الفصل الشتائي للعام الدراسي 1835-1836.

            في العام 1837، تزوج المالكة الصناعية برتا لوڤ، وسكن معها في جناح من أجنحة مصنع الخزف الذي كانت تملكه في بروكبرغ، مما مكَّنه من التفرغ للتأليف الفلسفي. اهتم بنظريات عالِم الرياضيات والفيلسوف الألماني لايبنتس، وتلقى من أرنولد روغِه دعوةً للعمل معه في "جمعية الهيغليين الشباب"، وذلك بالمشاركة في إصدار الكتاب السنوي للجمعية في العام 1838. وجد فويرباخ في ذلك المطبوع فرصة جيدة للتفاعل مع إيديولوجية عصر النهضة وأفكاره، فنشر كتابيه نقد الفلسفة الوضعية (1838) ونقد الفلسفة الهيغلية (1839). وفي العام 1841، صدر كتابُه الأشهر جوهر المسيحية الذي طوَّر فيه نقدَه للدين تطويرًا كبيرًا. وفي العام 1842، بدأ بكتابة مواضيع معاصرة حول إصلاح الفلسفة، تأخر إصدارُها في كتاب بسبب الرقابة حتى خريف العام 1843. وفي هذا الكتاب، تطرَّق فويرباخ إلى السؤال التقليدي حول كيفية توصُّل الإنسان إلى فكرة الأنا التي كوَّنت الوجود وإلى نشوء الفكرة المطلقة (الحقيقية المطلقة).

            في أثناء ذلك، تعرَّض فويرباخ لضائقة مالية بسبب تراجُع أرباح مصنع زوجته. وفي فرانكفورت، عقد علاقةً مع كتلة برلمانية متطرفة كانت تُعرَف باسم "نادي دونرزبرغ" (يساريين ديموقراطيين). وقد اكتشف فويرباخ في وقت مبكر عدم جدوى الجهود البرلمانية ولم يعول عليها كثيرًا.

            انتقل في خريف العام 1848 إلى هيدلبرغ، بناءً على دعوة طلاب الجامعة هناك، لإلقاء 30 محاضرة فلسفية مفتوحة في موضوع طبيعة الدين، استمرت لغاية آذار من العام 1849، استنادًا إلى كتابه جوهر الدين. وقد تمنَّى طلابُه آنذاك عليه أن ينضم إلى الهيئة التدريسية لجامعة هيدلبرغ، لكن إدارة الجامعة مانعت في شدة وآثرت عدم التعاون معه، بتأثير مباشر من رجال الكنيسة، فقررت عدم السماح له بإلقاء المحاضرات في قاعاتها، مما اضطره إلى استخدام قاعة دار البلدية لهذا الغرض. وقد تنوع زوار محاضراته، الذين بلغ عددُهم 250 مستمعًا، بين طلبة الجامعة، الذين شكلوا نسبة الثلث، وبين المواطنين من خارج الجامعة، الذين شكلوا الثلثين الآخرين. وقد جمع فويرباخ محاضراته الثلاثين التي ألقاها في هيدلبرغ في كتاب صدر في العام 1851 في ثمانية أجزاء أسماه: محاضرات في جوهر الدين.

            وبعد اندلاع ثورة آذار 1848، طُلِبَ من فويرباخ الترشح نائبًا في برلمان فرانكفورت. ثم عاد في العام 1849 إلى بروكبرغ تملأ قلبَه المرارةُ ليراقب انحسار الثورة في عموم القارة الأوروبية. وقد نشر آنذاك مقالتين ساخرتين كتبهما بأسلوب مفعم بالانتقاد اللاذع لقوى الرجعية المنتصرة، اشتُهر في إحداهما – وكانت بعنوان درس في المواد الغذائية للمواطن – بقدرته الفائقة على استخدام العبارات البليغة لأغراض النقد، مثل: "إن الإنسان هو ما يأكل." وفيما هاجر زملاءُ فويرباخ النشطاء إلى كلِّ مكان خارج ألمانيا هربًا من الملاحقة البوليسية، قرر هو الهجرة إلى الولايات المتحدة، لكنه عدل عن الفكرة بسبب عجزه عن الحصول على المال اللازم لتغطية أكلاف الرحلة.

            وفي العام 1859، أفلس مصنع بروكبرغ كليًّا، فلم يخسر فويرباخ وزوجته كلَّ مدخراتهما وحسب، وإنما طُرِدا أيضًا من السكن فيه. وبعد جهود مضنية، استطاع العثور على دار قديمة للسكن في بلدة ريشنبرغ على مقربة من نورنبرغ؛ وقد ساعده أصدقاؤه من زمن الثورة على ترتيب الدار ونقل أثاثه إليها وعلى تغطية نفقات المعيشة، وذلك من خلال جمع التبرعات. وقد انخفض معدَّل كتاباته كثيرًا، واقتصرت على المقالات البسيطة حول الروحيات والماديات وحرية الاختيار. وهزت الحرب بين پروسيا والنمسا التي نشبت في العام 1866 فويرباخ من الأعماق، فبدأ، على غير عادته، يهتم بالأوضاع السياسية. لكنه رفض تمامًا مشروع بسمارك الوحدوي وعدَّه مشروعًا تعسفيًّا لا يترك للناس حرية تقرير مصيرهم. وقد انكب في تلك الفترة من حياته على دراسة الجزء الأول من كتاب رأس المال لكارل ماركس، كما أبدى تضامنه مع الحركة النسوية، المتصاعدة آنذاك في الولايات المتحدة والمطالِبة بتحرر المرأة.

            وفي العام 1868، بدأ كتابة مؤلَّفه الجديد حول الأخلاق وحرية الاختيار، ولكنه لم يتمه. التحق في العام 1869 بحزب العمال الاجتماعي الديموقراطي، استجابةً للعلاقة مع بعض الأصدقاء. وفي نهاية العام 1871، ظهر على صفحات جريدة الحزب نداءٌ يدعو القراء إلى جمع التبرعات للفيلسوف الذي أصابه الفقرُ المدقع، وكررت صحف أخرى نشر النداء، فاستجاب القراء، وتوفَّر لديه مبلغٌ من المال كافٍ لضمان معيشته مع زوجته وابنته حتى رحيله في العام 1872.

            فلسفة فويرباخ

            فتاة ذات عشرين ربيعًا تزوجتْه لأنه شاب يسكن قرب أحد الأضرحة المقدسة – لهذا السبب فقط تزوجته! وبعد عام لا أكثر، طردها من بيته ليتزوج أخرى، وهي الآن تعيش على الصدقة في حيِّنا مع طفلها الرضيع، وقطعان الذئاب تحوم حولها تنتظر متى تسقط. (قصة حقيقية)

            قال إنجلز تعقيبًا على كتاب فويرباخ جوهر المسيحية:

            يجب على المرء أن يختبر بنفسه الفعل المحرِّر لهذا الكتاب لكي يكوِّن فكرةً عنه. كان الحماس عامًّا: صرنا جميعًا فويرباخيين بصفة مؤقتة.

            إنها الفويرباخية الجديدة التي أفرغت الدين من محتواه وجعلتْه يخرج من دوائر الزيف كلِّها. يُعتبَر لودڤغ فويرباخ من أنصار المادية في بداية حياته، لكنه فيما بعد اعتنق المثالية الذاتية في تيارها الملحد، داعيًا إلى فكرة "سقوط الله" وإقامة "مملكة الإنسان الحقيقية" (مدرسة نيتشه). الدين عند فويرباخ هو وعي الذات اللاواعي، والإنسان هو الذي اخترع فكرة الإله الذي لا يمكن أن يُعَد كيانًا ماديًّا، بل هو نتاج الفكر البشري: إن الإله هو ذلك الكائن المجرد الذي ينشأ من الفكر الإنساني المطلق وحده، وهو ليس خالق كلِّ الأشياء لأنه مصنوعة بشرية بحتة. لذا فإن المادة، بحسب فويرباخ، هي تاج الحياة وهي وحدها الخالدة. أما الإنسان فهو ناتج للمادة، يُصنَع فيها ومن خلالها ويتطور منها، لذلك يصح القول: "إن الإنسان هو ما يأكل."

            من ناحية أخرى، اتهم فويرباخ في كتابه الدين بتجريده الإنسان من حريته وبوضعه في حالة اغتراب وفصام مع ذاته وكيانه؛ الأمر الذي يتطلب منه التخلص من الدين ليصبح قادرًا على استيعاب دوره كليًّا وإدراك حقيقة أولوية المادة في الطبيعة. حينذاك فقط يمكن للإنسان أن يستوعب معنى الحياة على هذا الكوكب.

            إن الإنسان، بحسب فويرباخ، هو مقياس واقعي لجميع الأشياء، كما وأنه مقياس للحقيقة. لذا يجب إلغاء جميع التناقضات في الواقع، حيث تُؤنسَن الآلهة وتتحول وهمًا إلى واقع يجري تقديسه. وفيما يتعلق بكيان الإله، رأى فويرباخ أن "وعي اللانهائي لا يعدو أن يكون وعيًا للانهائية الوعي". وعليه، فإن "وعي الإله ما هو إلا الوعي الشخصي للإنسان، ومعرفة الإله ما هي إلا معرفة الإنسان لِذاته". إن الإله هو الاعتراف الصريح بأسرار الحب والخوف المخزونين في داخله وانعكاسها إلى الخارج. وإن الإله هو محض تعبير عن الذكاء البشري والإرادة البشرية، بما فيها الكمال والحب. وفي إمكان خيال الإنسان أن يخلق من القوى والغرائز والرغبات وجودًا حقيقيًّا هو ما سماه "الإله" (الناتج الكلِّي) الذي يجسِّد هذه الأشياء كلها تجسيدًا متكاملاً. إن الدين هو "سلوك الإنسان تجاه ذاته" (عملية إرجاع الشفرات الأصلية إلى وجودها المجرد).

            يُعتبَر فويرباخ الجذر الأول الذي بدأت عنده الماركسية ومصدرها الأول من الناحية الفلسفية: إذ إنه جرَّد مثالية هيغل من مطلقها الغيبي وأعطاها صفة الواقعية. ومن الممكن أن نلخِّص رسالة فويرباخ إلى البشرية بالكلمات الآتية على لسانه في أحد المحافل:

            تحويل الفقهاء إلى علماء إنسان، ورجال الكهنوت إلى فلاسفة، تطوير حكماء كلِّ الأزمنة إلى مستوى طلاب حداثة، وتحرير العبيد من هيمنة الدين والسلطة الأرستقراطية، ليصبحوا مواطنين أحرارًا، مفعمين بالوعي والإرادة الحرة.

            ومن أقوال فويرباخ أيضًا:

            الدين ما هو إلا محاولة بدائية بائسة لإضفاء صفة الإطلاق على السلوك البشري.

            المقبرة البشرية هي المكان الذي تولد فيه الآلهة.

            حقًّا يختلف الرجل والمرأة جسديًّا وعقليًّا، الأمر الذي جعل هذا الفرق يقود إلى هيمنة الرجل على المرأة، وعزلها عن النشاطات الفكرية عمومًا، ووضعها بين جدران المنزل. وأنا على ثقة من أنها لو مارست السياسة ستكون مثل الرجل، وربما ستصنع سياسةً مختلفة، سياسةً أفضل من السياسات التي يصنعها الرجال.

            سأذهب إلى هيدلبرغ لإلقاء محاضرات حول جوهر الدين. ولو أن بذرة واحدة فقط مما سوف أزرع هناك نبتت بعد مئة عام وأصبحت شجرة، فإنني أكون قد أديت خدمة إلى البشرية.

            أعدَّ المادة: عماد الربيعي

            في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
            أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
            وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

            Comment


            • #26
              فيثاغوراس (582–500 ق م) والفيثاغوريون

              فيثاغوراس (582–500 ق م) والفيثاغوريون



              حكيم ورياضي إغريقي، ولد في جزيرة ساموس (قرب شواطئ آسيا الصغرى)، وجال في منطقة شرق المتوسط، مقيمًا، على ما يُشاع، في مصر ردحًا من الزمن، ثم هاجر إلى كروتونا (جنوب إيطاليا)، حيث أسَّس تنظيمًا ذا طابع باطني مُسارَري.

              يُعتبَر فيثاغوراس، من حيث الجوهر، فيلسوف النفس – الخالدة وذات الجوهر الإلهي – التي خُلِقَتْ كماهية حقيقية، متمايزةً بذلك تمامًا عن الجسد الفاني الذي يحتضنها، ومتقمِّصةً، على التوالي، سلسلة من الأجساد، مكفِّرةً بذلك عن ذنوبها السابقة. لذا فعنده أن ممارسة الفضيلة، التي يمكن اعتبارها عملية تطهير، تحرِّر النفس من "دورة الولادات" المتتالية (راجع الباب الأول من كتاب أفلاطون فيذون).

              يعتقد فيثاغوراس أنه لا يمكن فصل الفضيلة عن العلم، الذي أسماه – للمرة الأولى في التاريخ – فلسفة (كلمة تعني "محبة الحكمة")، باعتباره تلك المعرفة التي تتحقق من خلال التعرُّف إلى التناغم الذي يحكم الكون؛ وهو تناغم يجد تعبيره الأكمل فيما عرَّف به فيثاغوراس بوصفه العدد، الذي يفسِّر، في نظره، النظام المتمثِّل بحركة النجوم والكواكب؛ لذلك بوسعنا أن نقول إن فيثاغوراس هو الذي أوجد بحق علم العدد. كما أنه هو واضع تلك النظرية التي باتت تُعرَف باسمه ("مربع وتر المثلث القائم يساوي مجموع مربَّعي ضلعيه القائمين"). كما اكتشف أيضًا السلَّم الموسيقي، وجدول الضرب، والنظام العشري، وجعل من الحساب علمًا نظريًّا. أما فيما يتعلق بعالم ما تحت القمر، الذي هو "عالم الكون والفساد"، عالم الأشياء الفانية، والخاضعة جزئيًّا للفوضى، فهو عالم يتناقض، على ما يبدو، مع التناغم العددي، ويتضمن قسطًا من اللامنطق، وذلك على الرغم من احتوائه تلك الروح الدائمة الحركة، التي تبقى مشعة بنارها الخالدة.



              لقد كانت الفيثاغورية بحق المحاولة الفلسفية الأولى للدخول إلى عالم النفس، ولتجاوز المحسوس. وقد أعيد إحياؤها فيما بعد، ليس فقط عبر فلسفة أفلاطون، وإنما أيضًا عبر جميع أولئك الذين – كديكارت، مثلاً - حاولوا اكتشاف التناغم بين الكون وقوانين العدد الرياضي.

              ***

              ملاحظة أولى: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

              تعريب: أكرم أنطاكي

              مراجعة: ديمتري أفييرينوس



              في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
              أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
              وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

              Comment


              • #27
                الغريزة، السليقة، الميل الفطري Instinct

                الغريزة، السليقة، الميل الفطري Instinct

                فيما يتعلق بالحيوان، تشير الغريزة إلى ذلك السلوك التلقائي، الوراثي، والعيني، الذي يؤمِّن تكيُّفه مع البيئة المحيطة وبقائه الفردي والجماعي. لكن الدراسات الجارية، في إطار علم السلوك الحيواني بشكل خاص، بيَّنت أن وصف الغريزة الكلاسيكي (الذي نجده مثلاً عند ج.هـ. فابر)، الذي يؤكد على نظاميتها ونجاعتها، إنما يحتاج إلى المزيد من التدقيق: حيث نلاحظ أننا بمقدار ما نرتقي على الصعيد الزوولوجي (الحيواني) فإن السلوك الغريزي الذي تولِّده المنبِّهات يُظهِر المزيد من المطاوعة، وخاصة حين يتعلق الأمر بتوسُّط حركات تتطابق مع كلِّ حالة؛ ما قد يعني، بالنسبة للأنواع العليا، أن الغريزة يمكن أن تترافق مع نوع من التدريب.

                أما بالنسبة لشَمْلِ الإنسان ضمن مفهومها، وحين لا يتعلق الأمر بسلوكيات أو تصرفات مكتسبة بشكل عادي أو ثقافي (كغريزة الأمومة مثلاً)، فإنه ينبغي توخِّي منتهى الحذر بسبب تواجُد معطيات طبيعية لدى الإنسان قد تتفوق على تلك المعطيات المكتسبة – ونحن نعني هنا التعريف الراسخ للإنسان.

                لذا يفضَّل اليوم، في مجال علم النفس تحديدًا، الكلام على الدوافع، عوضًا عن الغريزة، كما كانت تفعل الترجمات الأولى للألماني تريخ، حين كان يذكر تلك القوى غير الواعية التي تشكِّل الشيء أو الثنائية - والتي قبلها فرويد في النهاية – والمترنِّحة بين ذلك الميل إلى تدمير الذات أو العدوانية.

                [راجع: برغسون، إيروس وثاناتوس، طبيعة (بشرية)، منعكس.]

                ***

                ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

                تعريب: أكرم أنطاكي.

                مراجعة: ديمتري أفييرينوس.

                في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                Comment


                • #28
                  العلمانية

                  العلمانية



                  نقصد بالعلمانية، بشكل عام، الضرورة الاجتماعية والسياسية لفصل الممارسات الحكومية أو الدستورية أو القضائية عن الدين و/أو عن المعتقدات الدينية، لكن التعبير يستعمل أيضًا للدلالة على ذلك المبدأ الداعي، سواء في الممارسات العامة أو الخاصة، إلى تفضيل الأفكار والقيم العلمانية على الطرائق والقيم الدينية.

                  ما يعني، أنه من أحد جوانبها، يمكن أن تفهم العلمانية بأنها المبدأ الداعي إلى الانعتاق من القوانين الدينية وما تبشر به، وإلى الانعتاق من فرض المؤسسات والحكومات الدين على الناس ضمن إطار دولة تتخذ موقفًا حياديًا في قضايا الإيمان، ولا تعطي الأديان أية امتيازات و/أو أية مساعدات خاصة.

                  وقد اختلفت الحجج التي تؤيد العلمانية من بلد إلى آخر ومن عصر إلى آخر. ففي أوروبا ارتبطت العلمانية بحركة التنوير والحداثة التي أدت في نهاية المطاف إلى الابتعاد عن القيم الدينية التقليدية وإلى فصل المؤسسات الدينية عن الدولة التي أضحت ملكًا لجميع مواطنيها بغض النظر عن معتقداتهم الدينية أو الفلسفية، وهي في الولايات المتحدة ارتبطت بتأسيس الدولة وساهمت في حماية الدين من التدخلات الحكومية.

                  جورج هولي أوك (1817 – 1906)

                  وقد استخدم التعبير لأول مرة عام 1846 من قبل الكاتب والفيلسوف البريطاني جورج هولي أوك. لكن، ورغم أن هذا التعبير كان حديثًا بحد ذاته، إلاّ أننا نجد دائمًا عبر التاريخ تلك المفاهيم العامة التي استند إليها، والمرتبطة بحرّية التفكير؛ وخاصةً بالنسبة لنا كعرب، نجد هذه المفاهيم لدى أولئك الفلاسفة الذين كانوا يدعون إلى التمييز بين الفلسفة وبين الدين كابن رشد ومدرسته على سبيل المثال.

                  في علمانية الدولة

                  بوسعنا أن نقول، من الناحية السياسية، أن العلمانية هي اتجاه وفهم وممارسة يهدف إلى فصل الدين عن الحكومة، ما يعني تخفيف الصلات بين هذه الأخيرة وبين ما يمكن تصوّره دينًا للدولة بحيث تستبدل القوانين المستندة إلى الكتب المقدسة (كالتوراة والأناجيل والقرآن) بقوانين مدنية تلغي أي تمييز بين الأفراد على أساس ديني؛ ما يعني، على أرض الواقع، تعميق الديموقراطية وحماية حقوق الأقليات الدينية.

                  من هذا المنطلق، يفضل العلمانيون أن تتخذ مؤسسات الدولة والقضاء، ومن خلالها السياسيون، قراراتها من منطلقات علمانية وليس دينية؛ ويمس هذا، بشكل خاص، مفاهيم مدنية واجتماعية كالزواج والطلاق والأرث، إلخ... وقد أضحى هذا المفهوم مقبولاً، بشكل أو بآخر، في معظم أرجاء العالم، ولم يعد يرفضه في أيامنا هذه إلاّ الأصوليون (من المسيحيين والمسلمين واليهود) الذين ما زالوا إلى اليوم في مجتمعاتنا -ومع الأسف- قوة سلبية مؤثرة.

                  في المجتمع العلماني

                  تتجلى العلمانية في المجتمعات المعاصرة، وخاصة الغربية منها، بقبول مبدأ الحرّية الدينية الكاملة. حيث بوسع المرء أن يؤمن بأي دين أو أن لا يؤمن على الإطلاق، أن يبقى على دينه أو أن يتحول إلى دين آخر بكل حرّية. وهذا لأنها مجتمعات لا تقرر الأديان فيها سياسات الدولة التي يفترض أن تخدم المصالح المشتركة لجميع مواطنيها - مع التأكيد أن هذا لا يعني البتة رفض الأديان و/أو محاربتها.

                  من هذا المنطلق يمكن تعريف المجتمعات العلمانية بأنها:

                  - المجتمعات التي ترفض التماهي الكلّي مع أية رؤية أو مفهوم محدد لطبيعة الكون ولدور الإنسان فيه.

                  - المجتمعات التعددية وليست المجتمعات المتجانسة وذات اللون الواحد.

                  - المجتمعات التي تؤمن بالتسامح وتمارسه، ما يعطي هامشًا أوسع للحرية الفردية.

                  ما يعني أن القيم التي تستند إليها المجتمعات العلمانية هي:

                  - الاحترام الكبير لحقوق الأفراد والأقليات.

                  - العدالة بين الجميع.

                  - المساواة في الفرص المؤمنة أيضًا للجميع.

                  - تخطي كل الحواجز العرقية والإثنية والطبقية.

                  الخلاصة

                  يمكن أن تكون العلمانية أخلاقيًا، بشكل عام، وكما عرّفها ذات يوم جورج هولي أوك مجرد:

                  مدوّنة واجبات مدنية تنطلق من اعتبارات إنسانية محضة... وتستند إلى ثلاث مبادىء أساسية تقول:
                  1 – أن تحسين هذه الحياة ممكن بوسائط مادية.
                  2 – أن العلم يمكن أن يكون طريقًا لتحقيق هذا الهدف.
                  3 – أنه من الجيد فعل الخير، وسواء وجد شكل آخر للخير أم لم يوجد، فإنه من الجيد السعي لتحقيق هذا الخير.

                  *** *** ***

                  ملاحظة: تمت تهيئة هذا النص استنادًا إلى موسوعة ويكيبيديا على الانترنت.

                  ترجمة: أكرم أنطاكي

                  في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                  أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                  وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                  Comment


                  • #29
                    اليوطوبيا أو الطوباوية Utopia

                    اليوطوبيا أو الطوباوية Utopia

                    من اليونانية u-topos، أي "ليس في أيِّ مكان" – وهو التعبير الذي استخدمه بالمعنى نفسه توماس مور (في كتابه يوطوبيا: أو حول الدستور الأمثل للجمهورية، 1516) ليصف مدينة مثالية وخيالية في نفس الوقت؛ حيث نجد أن ما يتضمَّنه هذا الكتاب من أوصاف – ومنها بعض ملحوظات أفلاطون – إنما يستعملها لنقد النظامين الملكيين الإنكليزي والفرنسي آنذاك؛ وفي نفس الوقت، لرسم لوحة لمجتمع بالمقلوب: حيث يُحتقَر الذهب ويحيا الناس نوعًا من الشيوعية السعيدة. ونستنتج من هذا المثال، أول ما نستنتج، أنه ليس بوسع هذا البنيان اليوطوبي أن يقوم إلا على جزيرة محمية ومنعزلة في الوقت نفسه.

                    كذلك، إن وسَّعنا المفهوم، فإنه يصير بوسعنا أن نشمل فيه كلَّ مجتمع خيالي غير قابل للتحقيق – مع التأكيد أنه يمكن أن تكون اليوطوبيا، في الوقت نفسه، محرِّضًا للفكر السياسي (كمدينة أفلاطون الفاضلة، ومدينة الشمس لتوماسو كامبانيلا، وفالانستير شارل فورييه، مثلاً).

                    وبوسعنا هنا أيضًا، وتحديدًا، أن نميز، من جهة، بين اليوطوبيا التي تُستعمَل لوصف نظام سياسي يعمل وفق ميكانيكية الساعة، لكن على حساب الفرد وحريته، ومن جهة أخرى، بين اليوطوبيا المضادة التي تبني هي أيضًا مدنها المثالية، لكن على أساس الرغبة والحلم.

                    ***

                    ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

                    تعريب: أكرم أنطاكي.

                    مراجعة: ديمتري أفييرينوس.
                    في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                    أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                    وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                    Comment


                    • #30
                      الصداقة

                      الصداقة أفراح رائعة. نفهم ذلك من غير عناء إذا ما لحظنا أن الفرح يسري. حسب حضوري أن يوفر لصديقي القليل من الفرح الحق حتى يجعلني مشهد فرحته هذه أشعر بدوري بفرحة؛ وبذا فإن كل واحد يسترجع الفرح الذي يبذله؛ في الوقت نفسه، يُطلَق سراحُ كنوز من الفرح، وكلاهما يقول للآخر: "كانت بي سعادة لم أكن أفعل بها شيئًا".

                      ينبوع الفرح في الداخل، أقرُّ بذلك؛ ولا شيء محزن أكثر من رؤية أناس ساخطين على أنفسهم وعلى كل شيء، يدغدغون بعضهم بعضًا ليتضاحكوا. لكنْ لا بدَّ من القول أيضًا إن الإنسان المسرور، إذا كان وحده، سرعان ما ينسى أنه مسرور؛ فرحه كله سرعان ما يخمد؛ فينتهي به الأمر إلى نوع من البلادة يكاد أن ينعدم فيها الحس. الشعور الداخلي بحاجة إلى حركات خارجية. إذا اتفق لأحد الطغاة أن يسجنني لكي يعلِّمني احترام السلاطين، لاتخذت لنفسي قاعدة للصحة أن أضحك وحدي كل يوم، ولخصصت لفرحي من الرياضة ما أخصص لساقيَّ.

                      هاكم حزمة من الأغصان اليابسة. إنها جامدة في الظاهر كالتراب؛ وإذا تركتموها هناك صارت ترابًا. غير أن توقدًا خفيًّا يكمن فيها قد استمدتْه من الشمس. قرِّبوا منها أصغر لهب، وسرعان ما تحصلون على أجيج نار زافرة. كان يكفي هزُّ الباب فقط لإيقاظ السجين.

                      هكذا لا بدَّ من نوع من الشروع في العمل لإيقاظ الفرح. حين يضحك الرضيع للمرة الأولى، فإن ضحكته لا تعبِّر عن شيء البتة؛ إنه لا يضحك لأنه سعيد؛ أقول بالأحرى إنه سعيد لأنه يضحك؛ الضحك يلذ له، كما يلذ له الأكل؛ لكنه يجب أن يأكل أولاً. لكن هذا لا يصح على الضحك وحسب؛ فالمرء بحاجة إلى الكلام أيضًا لكي يعرف ما يفكر فيه. مادام المرء وحده ليس بوسعه أن يكون نفسه. المغفلون من فقهاء الأخلاق يقولون بأن المحبة هي نسيان النفس: نظرة مغالية في السذاجة؛ كلما خرج المرء من نفسه أكثر كان نفسَه أكثر، وشعر بنفسه حيًّا أكثر أيضًا. لا تترك حطبك يتعفن في قبوك.

                      27 كانون الأول 1907

                      المترجم عن الفرنسية: ديمتري أڤييرينوس

                      *** *** ***



                      horizontal rule

                      ٭ Alain, « Amitié », in Propos sur le bonheur (1928), Gallimard, coll. « Idées », 1964, pp. 193-194.

                      ٭٭ لقب أستاذ الفلسفة الفرنسي إميل شارتييه (1868-1951). كاتب مقالة لامع، تفصح مقالاته القصار – وهي جنس أدبي-فلسفي برع فيه – عن مذهب إنساني روحي تتخلله السخرية الرفيعة والملاحظة الدقيقة. قال بضرورة مزاولة الفيلسوف العملَ اليدوي وبضرورة اطلاعه على العلوم حتى لا تفارق الفلسفةُ الحياةَ العملية، كما أدان الحرب بكل أشكالها.
                      في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                      أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                      وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                      Comment


                      • #31
                        باروخ اسبينوزا


                        باروخ اسبينوزا٭



                        "أستطيع تحمُّل فكرة أن تنخر الديدان عما قريب جسدي، غير أنني أرتجف وأنا أتخيل أن ينخر فلسفتي معلمو الفلسفة." مستشعرُ هذه المخاوف هو شوبنهاور، وجوزيف ماسي -سكارون هو من ذكَّرنا بها في افتتاحية لوماغازين ليتيرير بداية هذه السنة الجديدة، دون أن ينوي مواصلة الحديث عن هذا الفيلسوف، الذي شهد أنه نجا مما كان يخشى منه، وإنما ليثير فيلسوفًا آخر أحاط به القراض من كل الجهات، مبرزين أنيابهم ليبعثروا معنى فلسفته. إنه اسبينوزا. أشار جوزيف إلى أن هَمَّ المجلة هو جعل هذا الفيلسوف في متناول عموم القراء، دون إغفال ما يشوب فلسفته من تعقيد. إذ يجب تجنب المعرفة المتأتية من السماع بمعناه السلبي، أي مما يشيع بين الناس دون سند متين، في العلاقة مع نظرية اسبينوزا نفسه حول الواقع والخيال بخصوص المعرفة.

                        طفق اسبينوزا، كما أورد ماكسيم روفير، يُبعث من تحت ثقل الأساطير التي طالما غلَّفته. إذ توالت، في أيامنا هذه، إصدارات معاصرة لأعماله، ترجمات وشروحات. حيث تألقت من جديد متعة القراءة وشاع زهو التفكير. فما طالب به اسبينوزا الفلسفة، لم يكن بالضرورة هو إيجاد حل للألغاز الميتافيزيقية التي تلفُّ الإنسان والكون، وإنما منهجًا للمعرفة والفعل. أراد أن يحدث ثورة في علاقة الإنسان بالنص - من هنا تفريقه ما بين الفلسفة والدين، إذ يتشكل كلٌّ منهما أيضًا من نصوص أدبية - كطريقة في التفكير وفي القراءة والكتابة، وهما أيضًا طريقا الخلاص. فإذا كان الأول، أي الفلسفة، طريق "العلماء" في استعمالها للعقل، فإن الثاني، الدين، هو طريق "الجهلة" المعد للذين يرضخون للتعاليم بشكل أعمى.

                        فمن يكن اسبينوزا إذن؟

                        إنه باروخ اسبينوزا (ويطلق عليه أيضًا بينيديكتوس دو اسبينوزا) المولود يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1632 بمدينة أمستردام الهولندية، من أب برتغالي يهودي يمتهن تصدير واستيراد التوابل والفواكه الجافة. تعلَّم العبرية ولكنه لم يتابع دراساتها العليا، ما فوَّت عليه دراسة التوراة. خلف والده في التكفل بشؤون تجارته لزمن قصير. ثم طرد فيما بعد من الطائفة اليهودية وفرض عليه عدم الاتصال بأفرادها جميعهم. ويروى عنه أنه تعرض لمحاولة اغتيال، واحتفظ بردائه الذي مزقته ضربات الخنجر، مستدلاً به، كلما سنحت له مناسبة معينة، للتأكيد على أن الدين يؤدي إلى الجنون!

                        اتهم بالإلحاد وبإنكار كل الديانات أثناء إقامته بمدينة فوربورغ. مات سنة 1677 بعدما عانى طويلاً من داء السل الرئوي المتوارث في عائلته. وقد أنجز خلال هذا العمر القصير (45 سنة) ما شكَّل ما سماه هيجل النقطة الحاسمة والمركزية في الفلسفة الحديثة.

                        يجدر بنا التذكير بأن اسبينوزا، وإن كان هولنديًّا، قد حرَّر كتاباته باللغة اللاتينية، التي تعتبر حينها، كما هو معروف، اللغة العالمية لفطاحل الشأن العلمي. لم يتخرج من أية جامعة لكنه تعلَّم اللاتينية في مدرسة فان دين إيدن الحرة. وقرأ أهم الكتاب اللاتينين، ونجد أثر ذلك بوضوح في كتاباته، على شكل استشهادات متكررة، مع تأثره البالغ بتيرونس على وجه الخصوص.

                        التقى في تلك المدرسة، على ما يبدو، بصديقيه الأكثر قربًا منه وهما لودفيدج مايير ويوهان بوفميستر، وقد كان الأول هو من عهد له اسبينوزا بمهمة مراجعة كتابه عن ديكارت، كما عمد، بعد رحيل الفيلسوف، إلى نشر مؤلفاته الأخرى بما فيها الأخلاق. أما الثاني فقد كان قليل النشر، ويذكر له أنه ترجم من اللاتينية إلى الهولندية مذ ذاك كتاب حي بن يقظان لصاحبه ابن طفيل الذي لا يجهله أحد منا.

                        ركز بييت ستينباكرس في البدء على خصوصية أسلوب اسبينوزا الفلسفي، مؤكدًا على شعريته وتأثر الكثير من الشعراء والمفكرين وإعجابهم به، وذكر أسماء هامة بدءًا بنوفاليس وانتهاء بمالامود. وأشاد بهاينريش هاين الذي وصف كتابة الفيلسوف بأنها تشبه ثمرة اللوز، فما يغلف استدلالات اسبينوزا الرياضية وصلابتها يخبئ في الداخل طراوة هائلة. بدءًا بتحريه حول فكرة الإله (الذي يعني الطبيعة هنا) وصولاً إلى الحرية والسعادة الإنسانيتين كهدف. ما يطالعنا كثيرًا في تسلسلاته المنطقية المعروفة. فهو ينتهج النسق الهندسي الأقليدي في مجمل براهينه، ليس فقط لأنه لا يحتمل الدحض، إذ استعمله أيضًا في خلافه مع فلسفة ديكارت وهو يعرض بشكل هندسي مبادئ فلسفة هذا الأخير، وإنما لأن النسق الفلسفي، كما كتب، لا يمكن إلا أن يعيد تخطيط نظام الطبيعة الذي تزعم الفلسفة الإحاطة به.

                        تُظهر لنا استنتاجات الاستدلالات كيف أن كل شيء يصدر بشكل منتظم وضروري عن قوانين الطبيعة. يبدأ التعريف الأقليدي بعرض بعض المبادئ؛ من تعريفات ومسلمات، والتي يرتكز عليها البنيان كله ولا يمكن الاستغناء عن أية فقرة مشكلة للسلسلة بأكملها. إضافة إلى ما تشكله الحواشي، التي وضعها بنفسه، من تسلسل منطقي آخر مواز، - في حين كان رياضيون آخرون هم من وضعوا حواشي "عناصر" أقليدس - إلى درجة أن جيل دولوز - الذي يسمي اسبينوزا أمير الفلسفة - اعتبر أن كتاب الأخلاق لسبينوزا هو، في الحقيقة، كتابان: الأول يشكله الاستدلال الخطي المركزي والثاني تؤسسه الحواشي في برهنتها المتقطعة.

                        بغض النظر عن كتاب الأخلاق فقد نشر اسبينوزا أيضًا، ضمن كتب أخرى، كتابا سماه المبحث الديني-السياسي والذي سعى فيه إلى الدفاع أكثر عن حرية التفلسف. وإن انشغل فيه بدراسة الكتاب المقدس وكشف أسرار رسالته، ليخلص في الأخير إلى التفرقة الراديكالية ما بين علاقات السياسي والديني. وبفضل هذا لقي الكتاب حينها صدى طيبًا في فرنسا، على عكس كتابه الأول. وكان، نظرًا لإشادته فيه بحرية التفكير، أكثر كتبه حظوة لدى فولتير.

                        ظلت فلسفة اسبينوزا فريسة المعلقين عليها والمؤولين لها منذ سنة 1677 تاريخ حدثي وفاته وصدور أعماله الكاملة، كما أتى ماكسيم روفير على ذلك، إذ سيسعى كل واحد منهم إلى تدبر تقريب فلسفته إلى مشروعه الفكري، أو الذي يتبناه. من هنا كان من الأَوْلَى أن تنسب إليه عبارة شوبنهاور التي استهللنا بها هذا التركيب. وإن لم يكن هناك من سوء في أغلب تلك المقاربات.

                        تمكَّن مفكرون من أمثال جيل دولوز (المعروف بمحاضراته حول الفيلسوف في جامعة فانسان الباريسية بداية الثمانينيات)، أليكساندر ماثورون، وبعض تلاميذة ألتوسير مثل بيير ماشوري، بفضل تعاليقهم، من إدخال سبينوزا إلى حلقة الفلاسفة الكبار. وكان ما يشغلهم حينئذ هو فهم كيفية تغيير المجتمع، مع تحديد، استنادًا إلى اسبينوزا، دور الفكر بشكل عام، والفلسفة بشكل خاص، في التاريخ. في حين ظلت مقاربته اليوم شخصية ومحلية.

                        يقترح روفير قراءة اسبينوزا عبر مقاربةٍ لا تعتبر فكرةً معينة حقيقية إلا إذا كانت تُحدث حقًا الأثر الذي ننتظره منها. كتب: "لا تكمن قوة كتاب الأخلاق إذن في بسط الحقائق حول الطبيعة والانفعالات الإنسانية، وإنما في تتبع آلياتها الذاتية سعيا إلى تغيير ذهنية القارئ بشكل تدريجي. لأنه إذا ما بدأنا نفهم كيف يشتغل انفعال ما فإنه سيتحول إلى فعل". ذلك أن اسبينوزا لم يحاول أن يصف في الأخلاق الواقع، بشكل موضوعي، نهائيًا.

                        فإذا كان فكر اسبينوزا في الأخلاق يلوح على أنه نسق صارم مثل استدلال رياضي، فهو ليس، في واقع الأمر، من ذلك في شيء، لأنه "كتاب بلا مذهب".

                        وتناول أنطونيو نيغري في مقال سبق أن نشر منذ أكثر من عقد على صفحات المجلة نفسها، المراجعات التي أُلحقت في نهاية الستينيات بتأويل السبينوزية القديم والذي بُني على القراءة التي قامت بها الرومانسية الألمانية من جهة وتلك التي أدلى بها الفيلسوف هيجل من جهة أخرى. مراجعة الفكر وتحديدًا تجربة الملازمة، ما يفضي إلى إمكان التقاء الضرورة والحرية. ثانيًا: تصور الغائية، بتحرير الغاية المنطقية من كل افتراض ميتافيزيقي. أما المراجعة الثالثة فهي سياسية، تؤسس لحكم ديمقراطي. وكانت الرابعة ميتافيزيقية ودينية والتي فسحت المجال لاستخلاص الخامسة والأخيرة التي انصبت على تناول فكرة المادية.

                        أثار فيليبو منيهو قضية الإله في فلسفة اسبينوزا، مؤكدًا على اعتراف هذا الأخير بوجوده، غير أن طبيعته مخالفة للكيفية التي يقدمه بها الدين. إذ تسعى فلسفته في هدفها الأسمى إلى تبيان شروط حياة إنسانية كريمة، مطمئنة وحرة قدر الإمكان، خليقٌ بها أن تُعاش.

                        لم يوظف اسبينوزا مفردة "الرب" إلا لكي يتفاهم ويتواصل مع قرائه، حيث أن المعنى الذي يمنح لها مغايرٌ تمامًا لما هو متعارف عليه في سياق الدين المسيحي الغربي. وكان يدل به لدى استعماله لهذا المصطلح أول الأمر على مبدأ كل شيء أي اللانهاية المطلقة، ما أراد به فيما بعد الجوهر الحقيقي أي المادة المطلقة.

                        انكفأ لييبنز، ربما في العلاقة مع هذه الأفكار نفسها، على أعقابه، وصار يهاجم فلسفة اسبينوزا التي سبق أن كان من حملة مشعلها، قبل أن يتعمق فيها جيدًا. مع أن اسبينوزا كان استضافه في بيته، وتداولا طويلاً حول برهنة وجود الله معًا وحول قوانين الحركة ومجمل الإشكاليات التي تطرحها الفيزياء الديكارتية، ودارت بينهما مراسلات عديدة، نذكر منها رسالته إلى اسبينوزا حول البصريات.

                        أورد موغينس لارك، كون لييبنز قد وصف اسبينوزا بأنه خطير وأن أفكاره غامضة وعقله أخرق. وضرب على ما قاله مثالاً بالمقطع التالي: "يفكر الرب لكنه لا يملك إرادة ولا إدراكًا. فالأشياء تحدث حسب ضرورة قدرية معينة. ولا يتصرف الرب وفق غاية معينة ولكن حسب ضرورة من ضرورات الطبيعة".

                        يلزم التذكير، في الأخير، بما ذهب إليه بيير فرونسوا مورو، بشأن المشاكل التي أحاطت بترجمة اسبينوزا، خاصة فيما يتعلق باللغة اللاتينية التي دبج فيها مباحثه الفلسفية، والتي تختلف تمامًا حسب علماء فقه اللغة، عن لاتينية القرن العشرين التي تستعيد اللغة القديمة. كل هذا سبَّب في جر المترجم إلى اقتراف تحريفات في المضامين خاصة عندما يختلق مصاعب متخيلة. أما كارل جيباردت فقد انساق، أكثر من ذلك، في ترجمته إلى تعديل وتصحيح وإتمام النص. لذلك ليس هناك ما هو أفضل من العودة إلى النص الأصلي منه إلى إضفاء تحسينات لدن ترجمة متسرعة ساعية إلى إعادة البناء عوض النظر، بكل بساطة، في المتن المكتوب. وقد قدم مورو عدة أمثلة مقنعة على ما ذهب إليه.

                        كانت مداخلات الملف مع ذلك مبعثرة ولم توفق في تقديم أهم الخطوط العريضة لفلسفة اسبينوزا، مخلفة بذلك وعد المجلة، إذ تفرع أغلبها، كل منها في جدال متعلق بجانب من جوانب عالم اسبينوزا. حاولت، وفي ابتسار، غالبًا، تقريب القارئ ولو من شبح اسبينوزا. دون إغفال كون فلسفة الرجل صعبة وما يزال يكتنفها غموض مدلهم. ألم يكن هو من استشهد مرارًا بعبارة أوفيد التي مفادها: "أرى الأمثل وأستحسنه، فأقوم بالأسوأ!".

                        إعداد: عبدالله كرمون

                        *** *** ***

                        ايلاف

                        horizontal rule

                        ٭ العنوان الأصلي للمقال هو الحاجة إلى اسبينوزا، إعداد عبدالله كرمون، إيلاف.
                        في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                        أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                        وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                        Comment


                        • #32
                          سقراط

                          سقراط (469–399 ق م)

                          مازال سقراط، الذي يمكن اعتباره أبا الفلسفة الغربية، شخصية يكتنفها الغموض بشكل عام؛ وذلك عائد، ربما، إلى أنه لم يترك لنا أيَّ أثر مكتوب. فقد عرفناه إما من خلال المشنِّعين عليه (كأرستوفانِس في كتابه السحب الجشاء Les Nuées)، الذين صوَّروه كشخص مثير للسخرية و/أو كسفسطائي خطير، و/أو من خلال أتباعه المتحمِّسين (ككسينوفانِس وأفلاطون وأرسطو)، الذين صوَّروه، وفق المنقول المعروف، كـموقظ استثنائي للنفوس وللضمائر. لذلك نرى أفلاطون (الذي كان تلميذه) طارحًا عقيدته على لسانه؛ فسقراط كان بطل معظم حوارات هذا الأخير. من تلك الحوارات الأفلاطونية نذكِّر تحديدًا بـدفاع سقراط وفيذون، اللذين تَرِدُ فيهما كلُّ المعلومات المتعلقة بحياة أبِ الفلسفة وموته. ونتذكَّر هنا، للطرافة، ما جاء على لسان ألكبياذِس في نهاية محاورة المأدبة، حين قارن بين قبح سحنة سقراط العجوز وبين جمال أخلاقه، مشبهًا إياه بالتمثال المضحك لسيليني الذي كان يتوارى خلفه أحد الآلهة.

                          ولد سقراط في أثينا من أب نحَّات وأمٍّ قابلة؛ وقد مارس في البداية مهنة والده، مكتفيًا بالعيش عيشة بسيطة برفقة كسانتيبي، زوجته التي لا تطاق، حتى وقع ذلك الحدث الذي أيقظ موهبته الفلسفية، حين أخبرت البيثيا، كاهنة هيكل ذلفُس، أحدَ أصدقائه ذات يوم بأن سقراط هو أكثر البشر حكمةً؛ الأمر الذي دفع به، وقد بدا مشكِّكًا في ذلك بادئ الأمر، لأن يندفع في محاولة تلمُّس أبعاد تلك الكلمات التي حدَّدتْ مسار حياته. وهكذا بدأ مسيرته، متلمسًا طريقه من خلال مواطنيه، محاولاً استكشاف مكامن تفوُّقه المفترَض – ذلك المسار الذي أوصله إلى تلك النتيجة التي مفادها أن "كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئًا، بينما يعتقد الآخرون أنهم يعرفون ما لا يعلمون". تلك الحقيقة التي جعلت من فكره الثاقب أمرًا مزعجًا، حينما يقارَن بالامتثالية الفكرية للكثير من معاصريه. فقد كانت نقاشاته التي لا تنتهي تلقى اهتمامًا كبيرًا من قبل الشبيبة، مما أثار قلق أولياء الأمور، الذين سرعان ما اتَّهموه بالإلحاد وبالتجديف وبإفساد أبنائهم؛ الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى محاكمته والحكم عليه بالموت – تلك المحاكمة الشهيرة التي حاول سقراط عبثًا الدفاع عن نفسه خلالها (راجع دفاع سقراط لأفلاطون).

                          كانت فلسفة سقراط، أولاً وقبل كلِّ شيء، إجابة على طروحات أناكساغوراس، الذي كان يعتقد بأن فطنة الإنسان إنما تعود فقط لامتلاكه يدين (أدوات عمل). أما سقراط فقد كان يعتقد بأن فطنة الكائن البشري إنما علَّتُها تلك الروح العاقلة القوَّامة على الجسد، والتي تشارك الإله في طبيعته. انطلاقًا من هذه القناعة ومن هذا الاعتقاد انبثق العديد من تعاليمه؛ لأنه إن كانت نفس الإنسان ذات أصل إلهي (ونشير هنا إلى أن سقراط، خلافًا للمعتقدات السائدة، لم يكن يعتقد بأن الآلهة تعاني من انفعالات بشرية)، فإنه يصير بوسعنا قبول ذلك المفهوم الداعي إلى ضرورة تفهُّم أفضل للنفس، أي "اعرف نفسك"، العبارة المنحوتة على واجهة هيكل ذلفُس، التي اتخذها سقراط شعارًا: "حياة لا يُفحَص عنها لا تستحق أن تعاش". لأن أكثر ما يشدِّد العزيمة، حينما يتعلق الأمر بفناء الجسد، هو الإيمان بخلود الروح (راجع فيذون لأفلاطون). ونشير هاهنا، بالإضافة إلى ما سبق، إلى شجاعة سقراط وهدوئه قبل أن يجرع كأس السمِّ الذي وضع حدًّا لحياته؛ ونستذكر أقواله حين قارن نفسه بالبجعة التي تغني قبل أن تموت، ليس لأنها تخاف الموت، وإنما بدافع ما تتطلَّع إليه من سعادة ومن أمل.

                          يعتقد سقراط أن الكرامة الحقيقية للنفس إنما تنبثق من العلم الذي هو ميراثها الحق. لكن العلم الذي يعتقد به لم يكن يرتكز، كما هي حالنا اليوم، على ظواهر العالم الخارجي: فقد اتخذ سقراط، منذ البداية، موقفًا معارضًا من منظِّري الطبيعة لافتقارهم إلى الحسَّ الإنساني؛ واتخذ أيضًا، في الوقت نفسه، موقفًا معارضًا من مذهب السفسطائيين، الذين لا يمتلكون موهبة الحسِّ العلمي. فقد جمع سقراط بين المبادئ المقبولة للفيزياء وبين إتقان الجدل – جمع ما بين الشكل العلمي للمذهب الأول وبين الهمِّ الإنساني للثاني – جاعلاً من علم الأخلاق في القلب من مسعاه الفلسفي. لأنه، وفق مفهومه، بات يجب على الروح، التي تخلَّت عن محاولة فهم الكون، الهبوطُ إلى أعماق نفسها، كي تستنبط الحقائق الأساسية الكامنة في تلك الأعماق على شكل حالات بالقوَّة (راجع النظرية الأفلاطونية المتعلقة بالتذكُّر reminiscence)؛ الأمر الذي يجعل النفس قادرة على الإحاطة بالمعرفة، بدون أن تقع أسيرة للأشياء الخارجية (وهذا ما سيبرهن عليه لاحقًا كلٌّ من ديكارت وكانت). إذ إنه أضحى من واجب العلم الرافض للانفعالات البشرية أن يركِّز على ماهية المعاني المجردة (أو الـconcepts)، التي كان سقراط أول من اكتشف مفهومها. فعن طريق السكينة والاستقرار الداخليين، نتوصل إلى استنباط جوهر الأشياء، ونتمكَّن من التعبير عنه بواسطة التعريفات. وكان هذا ما فعله سقراط – ممهدًا بذلك الطريق للنظرية الأفلاطونية التي ستليه – حين حاول، على سبيل المثال، تعريف مفهومي "الشجاعة" lachès و"الصداقة" lysis.

                          وبما أن موهبة (فنَّ) العيش السليم، كطريق إلى السعادة (والخير هو السعادة وفق المأثور القديم)، مرتبطة بمعرفة النفس، فإنها، متجاوزةً حذاقة السفسطائيين، تكشف ضلال البشر الذين لا يهتمون، في معظم الأحوال، إلا بالأشياء التافهة الزائلة (كالثروة، والسمعة، إلخ)، ويتجاهلون ما هو أساسي، أي الحقيقة الكامنة في نفوسهم. وتبدأ المعرفة، بحسب سقراط، بفعل تطهُّر (سبق أن دعا إليه الأورفيون والفيثاغوريون)، يُظهِر، من خلال التخلُّص من الأفكار المسبقة بإظهار بطلانها، مختلف الخصال الحميدة (كالاعتدال، والعدالة، إلخ)؛ تلك التي، إنْ أحسن المرء استعمالها، تتحول إلى فضائل؛ إذ "لا أحد شرير باختياره"، وإنما بسبب الجهل. هذا وترفض طريقة سقراط لبلوغ المعرفة كلَّ وحي يتجاوز العقل – فـ"شيطان" سقراط هو في المقدرة على الإقناع، وليس في الإبداع – وتعتمد الجدلية dialectique؛ لأن هذه الأخيرة، عِبْر مرحلتيها اللتين هما التهكُّم والتوليد (الذي هو، على طريقة سقراط، استيلاد الحقيقة من النفس maïeutique) تسمح – وسط أجواء من الصداقة – باستخلاص نقاط التلاقي بين المتحاورين، أي الحقائق الكونية المتعارَف عليها وفق متطلَّبات المنطق.

                          لقد كان سقراط بحق مؤسِّس فلسفة الأخلاق وأول منظِّر للعقلانية (الأمر الذي سيُكسِبُه عداء نيتشه). كما كان داعية إلى حرية الرأي والتفكير الفردي؛ مما جعل منه، بالتالي، مثالاً يُحتذى في كلِّ موروث فلسفي لاحق.

                          ***

                          ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

                          تعريب: أكرم أنطاكي.

                          مراجعة: ديمتري أفييرينوس.




                          مراجع المادة

                          - J. BRUN, Socrate (PUF).

                          - M. SAUVAGE, Socrate et la conscience humaine (Le Seuil).
                          في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                          أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                          وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                          Comment


                          • #33
                            أمونيوس ساكاس

                            أمونيوس ساكاس (؟؟؟ م – ما بين 240 و245 م)



                            أمونيوس ساكاس Ἀμμώνιος Σακκάς فيلسوف يوناني من الإسكندرية، كان أستاذ أفلوطين ومؤسس المدرسة الأفلاطونية الجديدة التي انطلقت من روما.

                            سيرته:

                            ما نعرفه عنه قليل جدًا. ويقال على لسان تلاميذه أنه ولد في الاسكندرية من أبوين مسيحيين، وأنه كما يدلّ اسمه ساكاس (من اليونانية σακκοφόρος) عمل خلال فترة من حياته حمالاً في مرفأ الاسكندرية.

                            هل كان مسيحيًا؟ يقول بورفيريوس أنه تنكّر لمسيحيته. أما أوزيبيوس والقديس جيروم فيؤكدان أنه بقي مؤمنًا بها.

                            بعد مرحلة طويلة من الدراسة والتأمل، افتتح أمونيوس في الاسكندرية مدرسته الفلسفية التي كان من أهم تلاميذها هيرينيوس، أوريجينوس الأفلطوني، لونجينوس، وخاصةً أفلوطين الذي يقال أنه تتلمذ على يده ما يقارب العشر سنوات حيث

                            أخذه أحد أصدقائه لزيارة أمونيوس الذي لم يكن يعرفه بعد. فما أن دخل واستمع إليه، حتى قال لصديقه: هذا هو الإنسان الذي كنت أبحث عنه τοῦτον ἐζήτουν. ومنذ ذلك اليوم دأب على معاشرة أمونيوس وهيرينيوس وأوريجينيوس الذين اتفق معهم على الحفاظ على سرّانية العقائد التي كان أمونيوس قد شرحها لهم بوضوح[1]

                            لا نعرف تاريخ ميلاده، كما أننا لسنا متأكدين من تاريخ وفاته الذي يقال أنه كان ما بين 240 و245 ميلادية.

                            فلسفته:

                            لم يترك أمونيوس أي عمل مكتوب. إذ أنه، وبمعونة تلاميذه، حافظ، كما كان يفعل الفيثاغوريون، على سرّانية تعاليمه. لذلك فإن ما نستخلصه عنه مصدره -خاصةً- كتابات تلميذه أفلوطين. منه ومما يقوله دارسوه بوسعنا أن نقول أن عقيدته كانت أقرب إلى الأفلاطونية منها إلى أفلوطين. حيث يقول هيروكلس الاسكندراني الذي كان من المعجبين به أن عقيدته التي كانت بشكل رئيسي انتقائية وتوفيقة، استندت إلى دراسة نقدية لأرسطو وأفلاطون وحاولت التوفيق بين مدرستيهما:

                            أخيرًا أشعت حكمة أمونيوس، الذي يبجّل فيطلق عليع اسم "الملهم من الله". لأنه كان هو الذي طهّر أفكار الفلاسفة القدماء فبدد الأوهام التي انبثقت من كل جانب، وأعاد الانسجام في الأمور الأساسية ما بين فلسفتي أفلاطون وأرسطو. لقد كان أمونيوس الاسكندراني، الملهم من الله، أول من تمسّك بحماس بالفلسفة الحقيقية، وترفع عن الآراء العامّية التي جعلت من الفلسفة موضوع احتقار، فتفهم عقيدة أفلاطون وأرسطو، وجمعهما في روح واحدة، وقدّم الفلسفة بسلام لتلاميذه أفلوطين، وأوريجينوس ومن خلفهما[2].

                            وفيما يتعلّق بالوحدة التي تجمع بين الروح وبين الجسد، كتب نيميسيوس الحمصي عن أمونيوس ساكاس، الذي يعتبره أفلاطونيًا، يقول:

                            هكذا كان أمونيوس، أستاذ أفلوطينّ، يشرح هذه المسألة التي تشغلنا (مسألة العلاقة بين الروح وبين الجسد)، بأنه من طبيعة المدرَك أن يتحد مع من بوسعه استقباله بحميمية تشبه تلك التي تتحد بها الأشياء التي تتفاعل مع بعضها، وفي نفس الوقت، أن يبقى (أي المدرَك) طاهرًا غير ملوث، كما هي حال الأشياء غير المحاذية. وبالفعل، فإن ما نلاحظه بالنسبة للأجسام أن الوحدة تؤثر على تلك الأجزاء التي تتقارب لتشكل أجسام أخرى؛ فهكذا تتحول العناصر إلى أجسام مركبة، ويتحول الطعام إلى دمٍ، والدمُ إلى لحمٍ وإلى أجزاء أخرى من الجسم. أمّا بالنسبة للمدرَك فإن الاتحاد يتم من دون تغيير، لأنه من طبيعة المدرَك الجوهرية ألاّ تقبل التغيير. فهو قد يزول أو يختفي من الوجود لكنه لا يتغير. لكن المدرك لا يزول، لأنه إن كان يزول لما كان أزليًا؛ وكما الروح هي الحياة، فإنها إن تغيرت بسبب اتحادها مع الجسد، تصبح شيئًا آخر ولا تبقى هي الحياة. عندها ما الذي بوسع الروح أن تقدمه للجسم، إن لم تعطه الحياة؟ ما يعني أن طبيعة الروح لا تتغير حين تتحد بالجسد[3].

                            *** *** ***

                            ملاحظة: تمت ترجمة وإعداد هذا النص استنادًا إلى موسوعة ويكبيديا الفرنسية على الإنترنت.

                            تعريب: أكرم أنطاكي

                            horizontal rule

                            [1] سيرة أفوطين لبورفيريوس.

                            [2] من المكتبة لبلوتيوس، نقلاً عن هيروكليس الاسكندراني.

                            [3] من طبيعة الإنسان، لنيميسيوس الحمصي.
                            في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                            أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                            وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                            Comment


                            • #34
                              جان پول سارتر (1905-1980)

                              جان پول سارتر (1905-1980)

                              حياته:

                              جان پول سارتر Jean-Paul Sartre فيلسوف وأديب فرنسي، وُلد في 21 حزيران 1905 في باريس، وعاش في طفولته حياة باذخة. بعد مولده بعام واحد فَقَد والده الذي توفي في الهند الصينية، فتزوجت أمه مرة أخرى من مهندس في البحرية، وانتقل للعيش معهما في مدينة لاروشيل، وفيها خَبِرَ حياة البورجوازية التي انتقدها لاحقًا. ثم عاد إلى باريس، وحصل فيه على شهادة البكالوريا، وتخرج في العام 1925 من دار المعلمين العليا École Normale Supérieure، ثم نال شهادة الـAgrégation في الفلسفة. عُيِّن أستاذًا في مدرسة Lycée le Havre الثانوية في العام 1931.

                              وهنا نلحظ كيف بدأت حياة سارتر الراشدة في فترة ما بين الحربين، وإبانها بدأت حياته الأدبية أيضًا. إذ اتصل بپول نيزان، ونشر بعض المقالات والكتب والروايات، ومنها رواية الغثيان ومسرحيتا الذباب والجلسة المغلقة. وقد جعل من الأدب وسيلةً لطرح أفكاره الفلسفية، وكان هدفه تقريب أفكاره من الجمهور. وله كتاب شهير بعنوان ما الأدب؟ يتكشف فيه اطلاع سارتر على مختلف المذاهب الأدبية ونقده لها.

                              حاول سارتر الاضطلاع بالعمل السياسي سنة 1948، فأسَّس حزب "التجمع الديموقراطي الثوري"، ثم اختلف مع الحزب. وحدثت هنا القطيعة بينه وبين ألبير كامو، فيما التقى مع مارتن هيدغِّر.

                              ثم تقرَّب من الماركسية والشيوعية، واحتج على تعذيب الشرطة الفرنسية للثوار الجزائريين. وفي سنة 1964، مُنح جائزة نوبل للآداب، لكنه رفض استلامها، زاعمًا أن هدفه من الكتابة ليس التشريفات الرسمية والجوائز، بل ينبع من التزامه الأدبي بحمل آلام العصر على كتفيه، وتحمَّل مأساة الجيل بفكره اللاذع وحسِّه الأخلاقي الشجاع.

                              كان سارتر شخصية محورية في احتجاجات أيار 1968 التي اجتاحت الجامعات الفرنسية وبعض الجامعات الأوروبية. وقد توفي في العام 1980 في مستشفى في فرنسا، وأُحرِقَتْ جثته تنفيذًا لطلبه.

                              الوجود يسبق الماهية:

                              تنادي الوجودية بمبدأ أسبقية الوجود existence على الماهية essence. ونقصد بالماهية مجموعة ثابتة من الخصائص والصفات. وهي بهذا تُعارِضُ ما كان سائدًا في التفكير السابق عليها (الذي يعود إلى أصل ديني) حول أسبقية الماهية على الوجود.

                              ويعدُّ سارتر أن الطبيعة الإنسانية توجد عند جميع البشر: أي أن كلَّ فرد من الناس هو مثال جزئي لتصور كلِّي هو الإنسان. وتقول الوجودية بأن الإنسان يوجد أولاً، ثم يكوِّن ماهيته بعد ذلك ويبني مشروعه الحر الذي يكوِّن وجوده؛ وبذلك فهو الذي يختار ماهيته.

                              يميِّز سارتر بين الماهية الإنسانية، التي تعطي الإنسانَ صفةَ الإنسانية وتميِّزه عن باقي الكائنات، وبين الماهية الفردية التي تميِّز فردًا بعينه عن غيره من الأفراد. فالإنسان يوجد وليست له أية صفة محددة، ثم يحاول بأفعاله أن يكوِّن شخصيته في المستقبل. وبذا لا تكون لدى الإنسان في البدء أية طبيعة إنسانية، لكنه يكوِّنها بأفعاله واختياراته. ولقد أفضى هذا البحث بسارتر إلى نتائج تتناقض حتى تبلغ درجة المحال واللامعقول إذا أخذناها على محمل الحرف:

                              الإنسان هو كائن أولاً، ثم يتحول فيصير هذا الإنسان أو ذاك؛ وعلى الإنسان أن يخلق ماهيته الخاصة.

                              ولكن الذي نخلقه ليس الماهية الشاملة، إنما الماهية التي تميِّزنا كأفراد.

                              ومع ذلك، فقد جعل سارتر فلسفته مزيجًا من الوجود والماهية. لذا لا يجوز اتهام فلسفته بأنها اهتمت بالوجود وأهملت الماهية، على أن نفهم هذه الثنوية القائمة بين الوجود في ذاته lʼêtre-en-soi (وهو العالم الموضوعي) المؤلَّف من سلسلة من الظواهر، وهو وجود مُعتم ليس له داخل، وبين الوجود لذاته lʼêtre-pour-soi الذي يمثِّل وجود الشعور أو الحكم. وإن العلاقة بينهما هي علاقة حضور: إذ إن وجود المادة (الوجود في ذاته) وجود مستقل، ولها شخصيتها المستقلة؛ وهو وجود عصي ينفر من الذات، وهو، في الوقت ذاته، مغاير للوجود ويقاومه. وإن التوتر الذي يسود هذه العلاقة إنما يرجع عند سارتر إلى هذه المقاومة التي تقوم بها المادة تجاه الشعور.

                              الحرية

                              إن من نتائج القول بأسبقية الوجود على الماهية فكرة الحرية، لأن الإنسان لم يكن شيئًا في بدء وجوده. فهو الذي سيصمِّم نفسه، لأنه حر، بل هو الحرية ذاتها. ونحن وُجِدْنا مع هذه الحرية، ولا مهرب لنا منها، وبها يخلق الإنسان نفسه بنفسه. ويعد سارتر الحرية حكمًا فُرِضَ على الإنسان؛ فهي بمثابة المكوِّن الأساسي لوجوده. ومن الواجب على الفلسفات أن تصبح فلسفة للحرية، وبذلك تكون فلسفة للوجود، أي وجود الوعي والقيم والفكر.

                              إن الحرية تتحقق في اختيارها وممارستها. وعندئذٍ يكون الإنسان مسؤولاً عنها. ولكنها ليست مجرد اختيار إمكانية بين إمكانيات عدة، بل هي خلق للذات، ولا شيء يعيِّنها إلا ذاتها.

                              الإنسان الحر هو الذي تحرَّر من المؤثرات الخارجية كلها. والحرية هي أساس المعرفة. إن الحرية عند سارتر لا تخضع لأيِّ قانون سوى أن تكون هي هي: إنها تحمل ذاتها. ولذلك يقصد أن الحرية هي الله، وذلك في قوله:

                              أن أكون إنسانًا، هذا يعني أن أنحو لكي أكون الله.

                              وبما أن الإنسان أُلقي في هذا الوجود بلا سبب ولا مبرِّر فهو لم يخترْ هذا الوجود. وبذا فهو يشارك في العبث الكلِّي. فالحرية، إذن، عبث. ومن هنا كان قول سارتر:

                              إنني مَقضيٌّ عليَّ بأن أكون حرًّا.

                              لقد أُعطِيَ الوجودُ للإنسان من دون إرادته، وهو مجبر على تقبُّله. وهذا يحمِّل الإنسان مسؤولية حمل عبء العالم كلِّه، فيكون مسؤولاً عن نفسه وعن العالم. ومن هنا تكون مسؤوليته بمثابة استرداد لحريته.

                              هنا يأتي دور الحرية في هذه المهمة الصعبة كأساس فريد للقيم كي لا تنقلب إلى هدم، على اعتبار أن الحرية ليست سوى اسم آخر للوجود لذاته. فالإنسان هو الموجود الذي توجد به القيم.

                              ويتساءل سارتر عن إمكانية أداء الحرية مع هذه القيود التي تحيط بالقيم، مع أن هذه القيم من صنع الحرية ذاتها. ويجيب سارتر على هذا التساؤل في كتابه الوجود والعدم:

                              إن الإنسان هو الكائن الذي به جميع القيم، وتضطرب حريته وتتألم إذ ترى أنها الأساس الذي لا أساس له لهذه القيم.

                              وهنا يبدو الإنسان كمبدع للقيم، وتبدو الحرية وكأنها العدم، فيظهر الوجود مكتفيًا بذاته. ومن ذلك يبرز الإنسان بوصفه حرية: هو القيمة المطلقة، وكل اختيار يقوم به ذو قيمة.

                              الوعي والاختيار والمسؤولية

                              بما أن الوجود عند سارتر يسبق الماهية فإن الإنسان يوجد أولاً، ثم يصنع وجوده ومستقبله بيده تبعًا للأفعال التي يؤديها في حياته؛ وبذا يكون مسؤولاً مسؤولية تامة عن اختياره، ليس لكونه فردًا، إنما يمتد ذلك إلى جميع الناس، وذلك لأن القرار الذي اختاره بنفسه قد اختاره لجميع الناس. فهو يؤكد ذاته باختياره الحر، ويرسم تصوُّره للإنسان كما يريد أن يكون، ويؤكد في الوقت نفسه قيمة ما يختاره.

                              وهذه المسؤولية الهائلة التي تمس جميع الناس تثير القلق حول صحة القرار الذي اتخذه. ويضع سارتر لهذه المسؤولية معنيين: أحدهما طبيعي، بأن ينظر الإنسان إلى نفسه كمؤلِّف لجميع الأشياء؛ والثاني أخلاقي يؤكد على حرية الإنسان وقدرته على الاختيار، مما يجعله مسؤولاً عن الأعمال التي لم يفعلها ولم يرتكبها، وحتى عن المواقف التي لم يوجِدها ولم يتخذها، لأنه بمقدار ما هو حر حرية كاملة فهو مسؤول كذلك مسؤولية كاملة، وكأنه يحمل عبء العالم على كتفيه. فأنا موجود بلا سبب، وقد أُلقي بي في هذا العالم دون أن أعرف لماذا. والحقيقة أنني مسؤول عن كلِّ شيء، ولكنني لست مسؤولاً عن مسؤوليتي، لأنني لست أساس وجودي.

                              إن القول بأنني "مَقضيٌّ عليَّ بأن أكون حرًّا"، والقول بأنني "مرغم على أن أكون مسؤولاً" – إن مؤدى هذين القولين واحد. فأنا وحدي في قلب العالم، وأنا أتحمل مسؤولية هذا العالم دون أن أستطيع التنصل من هذه المسؤولية: إذ إنني، مهما فعلت، ينبغي لي أن أختار نفسي؛ ولا أستطيع أن أختار نفسي إلا بوصفي وجودًا في العالم.

                              الإنسان

                              إن الإنسان، برأي سارتر، قد قُذِفَ في عالم لا يريده ووضع لم يخترْه. يقول:

                              كل موجود يولد بلا سبب، ويستطيل به العمر عن ضعف منه، ويموت بمحض المصادفة.

                              ويشعر الإنسان أنه يفقد نفسه من حيث هو إنسان. ويعبِّر سارتر عن ذلك بقوله:

                              إن الإنسان حماسة لا فائدة منها.

                              يجد الإنسان نفسه دومًا في مصاعب الحياة التي تُشعِرُه بالقلق. فإذا أراد الانتصار، عليه الاستمرار في طلب الحياة واختيارها بحريته – وكأن سارتر يقصد بذلك رفض جميع القيم القَبْلية a priori، زاعمًا أن من واجب الإنسان أن يخلقها بنفسه. وهذا دليل على أن الإنسان هو كاتب عصر ينفصل عن فكرة التقاليد، ليجعل من الحضارة تجددًا، لا حفظًا للقوانين ومراعاة لها، ومن الحياة مغامرة، لا نظامًا قائمًا. فالإنسان السارتري إنسان متحلِّل من كلِّ إلزام قَبْلي، وهو لا يقبل أيَّ تصور مسبَّق ولا أيَّ نموذج. فهو، إذن، حر كلَّ الحرية مادام يعتبر أن ليس ثمة شيء مكتسب.

                              ولكن سارتر، مع ذلك، يمجِّد الإنسان، وذلك لعدم وجود عالم غير العالم الإنساني، الذي يحاول دومًا أن يحقق به ذاته وأن يعلو عليها لتحقيق إمكانات خارج نطاقها. وهذا ما يسميه سارتر باسم النزعة الإنسانية الوجودية humanisme existentialiste؛ وهي "إنسانية" لأنه ليس ثمَّ مشروع غير الإنسان، ولأنها تدعوه إلى أن يحقِّق نفسه خارج نفسه.

                              ولن يكون الإنسان إنسانًا، برأي سارتر، إذا لم يكوِّن وجوده الشخصي الخاص، بعيدًا عن مهزلة الحياة وأوضاعها. وهكذا فإن فلسفة سارتر تدور حول الإعلاء من مكانة الإنسان.

                              وتبرز هنا نقطة هامة في فلسفة سارتر، وهي الصلة بين الذات والآخر، الذي هو إنسان، تنتظم حوله الأشياء. هذا الآخر ينظر إليَّ باستمرار بحيث أُصبح موضوعًا بنظره، مما يجعلني أعلو فوق ذاتي. وهكذا تبدو نظرة الآخر إلي هي التعالي عن علوِّي الخاص. ومن هنا ينشأ قلقي على نفسي، وكأن الآخر عدوي؛ إذ إنه يهددني، ويهدد إمكاناتي. لكنني، في المقابل، عندما أنظر إليه، أشلُّه، ويصبح الآخر موضوعًا بنظري. ومن هنا كانت عبارة سارتر الشهيرة في مسرحية الجلسة المغلقة:

                              الجحيم هو الآخرون.

                              ولكن سارتر يعود ليُعنى بالآخر: فنحن محتاجون إلى الآخرين لنكوِّن شخصيتنا، كوننا في نظرهم كالأشياء، وحياتنا تقوم على أساس الصورة التي يأخذونها عنا. لذا نحن نسعى وراء الأهمية في عيون الآخرين التي هي أسهل تحصيلاً من موافقة وعينا. وبهذا تبرز قيمة أخرى، بالإضافة إلى قيمة الحرية عند سارتر، هي قيمة التضامن الإنساني عبر التاريخ: التضامن مع المظلومين (من هنا المقدمة التي عقدها على كتاب فرانتز فانون ملعونو الأرض). بذا يكون ما هو خير للفرد خير للمجموع. وهذا ما كرَّس سارتر أدبه وحياته لخدمته من خلال المقاومة والثورة.

                              أهم مؤلَّفاته:

                              1936: التصور. 1937: الحائط (قصة). 1943: الذباب (دراما من ثلاثة فصول)؛ الوجود والعدم: محاولة أونطولوجية ظاهراتية؛ دروب الحرية؛ الجلسة المغلقة. 1946: الوجودية فلسفة إنسانية؛ موتى بلا قبور؛ المومس الفاضلة. 1947: بودلير؛ مواقف؛ الشيطان والله؛ الأيدي القذرة؛ سجناء التونا. 1960: نقد العقل الجدلي. 1962: ماركسية ووجودية.

                              * * *

                              أعدَّت المادة: سوزان إدريس



                              المراجع

                              - ألبيريس، ر.م.، سارتر والوجودية، بترجمة سهيل إدريس، دار الآداب، بيروت، ط 2: 1960.

                              - بدوي، عبد الرحمن، دراسات في الفلسفة الوجودية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 1: 1980.

                              - جوليڤيه، ريجيس، المذاهب الوجودية من كيركيجور إلى سارتر، بترجمة فؤاد كامل، دار الآداب، بيروت، 1988.

                              - زيادة، معن (محرِّر)، الموسوعة الفلسفية العربية، معهد الإنماء العربي، 1988؛ مج 2، القسم الثاني، مادة "الوجودية"، ص 1504-1516.

                              - سارتر، جان پول، الغثيان، بترجمة فارس ضاهر، عدنان منافيخي، ط 2: 2006.

                              - سارتر، جان پول، الوجود والعدم: بحث في الأونطولوجيا الظاهراتية، بترجمة عبد الرحمن بدوي، دار الآداب/دار بيروت، بيروت، 1953.

                              - الصباغ، رمضان، فلسفة الفن عند سارتر، مطبعة فاكوس، الإسكندرية، ط 1: 1994.

                              - العشري، جلال، صرخات في وجه العصر، دار المعارف، القاهرة، 1982.

                              - فولكييه، پول، هذه هي الوجودية، بترجمة محمد عيتاني، دار بيروت، بيروت، 1953.

                              - هويدي، يحيى، دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، دار الثقافة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1990.

                              في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                              أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                              وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                              Comment


                              • #35
                                السفسطة، السفسطائيون

                                السفسطة، السفسطائيون



                                السفسطة عبارة عن محاجَجة تبدو وكأنها موافقة للمنطق، لكنها تصل في النهاية إلى استنتاج غير مقبول، سواء لتعذُّره، أو لاستعماله الإرادي المغلوط لقواعد الاستنتاج. وبالتالي فإنه يمكن اعتبارها قولاً مموَّهًا، أو قياسًا له شكل صحيح، لكن نتيجته باطلة، والقصد منه تضليل الآخرين – مشيرين هنا إلى أن ابن رشد كان يسمي السفسطة بالمغالطة والقياس السفسطائي بالقياس المغلوط.

                                هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أنه كان يوجد تقليديًّا فرق يميز بين السفسطة وبين المغالطة: ألا وهو الرغبة الإرادية في التضليل (لدى السفسطة)، بينما تبقى المغالطة لاإرادية. كما أنه من المكن أن تُستعمَل السفسطة في النقاش بهدف إحداث صدمة لدى المستمع لدفعه إلى التعمق في حججه الفكرية.

                                خاصةً وأن تسمية "سفسطائي" كانت تُستعمَل في بداية الأمر للدلالة على صاحب مهنة الكلام، ولم تكن تُستعمَل البتة بمفهومها المنتقص الذي أضحى شائعًا فيما بعد – وقد ظلَّ هذا المفهوم شائعًا حتى جاء أفلاطون الذي دمغ السفسطائيين بتلك السمعة السيئة التي جعلتْهم مجرَّد مشعوذين، إن لم نقل مجرَّد سطحيين "أصدقاء للمظاهر"، غير مهتمين كثيرًا بالحقيقة؛ الأمر الذي يميِّزهم، بحسب أفلاطون، عن الفلاسفة.

                                وبالتالي، كان علينا انتظار مجيء مدارس النقد الحديثة لنتبيَّن بأن ما تركه هؤلاء لم يكن بالشيء المحتقَر إجمالاً، خاصةً حين يتعلق الأمر بقضايا اللغة: لأنهم كانوا في الحقيقة أول من اخترع علم اشتقاق الكلمات (الإيتيمولوجيا) ووضع القواعد اللغوية؛ كما أنهم كانوا أول من حاول دراسة مختلف أنواع الحجج وتحليل مختلف أنواع البراهين.

                                وبصرف النظر عن معرفتهم في هذا المضمار أو ذاك، كان السفسطائيون سادة فنِّ الكلام. وبالتالي، ومن هذا المنطلق، كانوا وقتذاك، على ما يبدو، قادرين على بيع خطبهم حول أيِّ موضوع بأثمان غالية، حتى وإن كانت تلك الخطب تتعلق بمواضيع متناقضة. من هنا يمكن اعتبارهم بحق مؤسِّسي فنِّ الخطابة أيضًا. فهم ما كانوا ليترددوا البتة في استعارة الحجج والأمثال من مفكرين سابقين أو حتى من الأساطير (التي كان بروذيكوس، المحبِّذ للنقد الديني، يعتقد أنها مجرد سِيَرٍ ذاتية مجمَّلة)، محوِّلين كلَّ شيء إلى مناسبات لإلقاء خطبهم الجميلة؛ الأمر الذي أدى، بسبب موقفهم النقدي، من جهة، وغير الامتثالي، من جهة أخرى، إلى تبنِّي السياسيين لهم وإلى استقطابهم عداء الأثينيين، وعلى رأسهم سقراط (الذي كان يُعتبَر واحدًا منهم).

                                كان أشهرهم غورغياس (485-380 ق م)، الذي كان متأثرًا بأمباذوقليس، وبروتاغوراس الأدبيري (480-411 ق م) الذي، مستوحيًا هيراقليطس، كان يرفض كلَّ حقيقة مطلقة ويقبل مبدأ التحول؛ فالإنسان، في نظره، كان مقياس كلِّ الأشياء.

                                ***

                                ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

                                تعريب: أكرم أنطاكي.

                                مراجعة: ديمتري أفييرينوس.




                                مرجع المادة

                                - G. ROMEYER-DHERBEY, Les sophistes, (PUF).
                                في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                                أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                                وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                                Comment


                                • #36
                                  الرواقية

                                  الرواقية



                                  ربما أمكن اعتبار العقيدة الرواقية، التي تحتفظ من الصلفية بفكرة أن السعادة تكمن في التمايز عن كلِّ حالة خارجية، بأنها ابتكار جماعي. ولدت الرواقية القديمة على يد زينون الكيتيومي (335-264 ق م)، الذي كان قبرصيًّا، ثم جاء إلى أثينا، حيث تتلمذ على يد فيلسوف صلفي، حتى طفق يعلِّم تلاميذه في ظلِّ ممرٍّ مكشوف مسقوف بعقود على أعمدة (أو رواق)، ما أسمى فلسفته بـ"الرواقية" أو "فلسفة الرواق". ثم تبعه كليانثوس (331-232 ق م)، الذي كتب نشيدًا إلى زيوس. ثم أتى بعد ذلك، وبشكل خاص، تلميذه كريسيبوس (280-204 ق م)، الذي وضع منظومة العقيدة والذي يمكن اعتباره بحق الأب الثاني للرواقية.

                                  زينون

                                  أما أكابر الفلاسفة الرواقيين إبان القرنين الأول والثاني الميلاديين (أي ما يُعرَف بالرواقية الجديدة) فقد كانوا لاتينيين، أهمهم سينيكا وإبكتيتوس والإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد طوَّروا، بصفة خاصة، حكمة تقوم على الجهد والقيمة الأخلاقية للنية.

                                  سينيكا

                                  لأنه بحسب الشرع أو لِنَقُلْ المنطق الرواقي، فإن كلَّ معرفة إنما تنبع عن الحواس؛ لكن الذهن الفعَّال هو الذي يضع أولى معطيات هذا التوجُّه؛ حيث، مصادقًا على الإحساس، يتلمَّس وجود الشيء المحسوس؛ ومن ثم، عن طريق التلمُّس المتفهِّم، يشكِّل أفكارًا عامة، قبل أن يصل به الأمر إلى العلم الذي هو معرفة منهجية.

                                  أما الفيزياء أو فلسفة الطبيعة عندهم فقد تميَّزتْ بالحلولية الطبيعية؛ حيث يشكل العالم والألوهة وجهان لواقع واحد. ويخضع العالم المادي لسلطة عقل قائم كلِّي (هو الله)؛ وتحرِّكه حياة كونية خاضعة لصيرورة وقدر إلهيين يجب على الإنسان – الذي ما هو إلا جزيء من هذا الكون – أن يخضع له.

                                  ماركوس أوريليوس


                                  إبيكتيتوس

                                  ونصل هنا إلى مفهوم الحكيم الرواقي الذي يعيش في تناغم مع عقله، أي مع الطبيعة، بحيث يجد راحة نفسه (أو الـ"أتاراكسيا" ataraxia وفق المصطلح اليوناني) عبر الابتعاد عن كلِّ ما يكدِّره، وخاصة عبر الابتعاد عن الأهواء، التي كان الرواقيون يتعاملون معها كنوازع غير طبيعية، إن لم نقل كعلل نفسية. من هنا تأتي الفضيلة – المستندة استنادًا أساسيًّا على انعدام الأهواء أو الـ"أباثيا" apathia – وما تستدعيه من تحكم بالإرادة وبالمحاكمة الداخلية من أجل قبول القدر والترفُّع المتسامي عن الأشياء وسفالات البشر، الأمر الذي كان يؤكد عليه بقوة الرواقيون الرومان.

                                  لقد كان للحكمة الرواقية أثرها الكبير جدًّا على مرِّ القرون: فالموضوعات المنبثقة من الرواقية قد ألهمت، إضافة إلى العديد من الكتَّاب الكبار، كمونتين وكورنيي وألفريد دُهْ فينيي وميترلينك، العديد من الفلاسفة، كديكارت وكانط. ونسجل أخيرًا أنه كان للأخلاق الرواقية أثرها الكبير على الأخلاق المسيحية، بشكل دفع هذه الأخيرة أحيانًا باتجاه التشدد، وخاصة حين يتعلَّق الأمر بقضايا الجنس.

                                  ***

                                  ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

                                  تعريب: أكرم أنطاكي.

                                  مراجعة: ديمتري أفييرينوس.




                                  مراجع المادة

                                  - J. BRUN, Le Stoïcisme (PUF).

                                  - G. RODIS-LEWIS, La Morale stoïcienne (PUF) ; Les Stoïciens (Gallimard, Pléiade).

                                  في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                                  أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                                  وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                                  Comment


                                  • #37
                                    الديموقراطية

                                    الديموقراطية

                                    هي نظام سياسي يمارس السيادةَ فيه الشعبُ، أي مجموع المواطنين، عن طريق الاقتراع العام. وبحسب روسو، فإن الديموقراطية – التي تحقق الاتحاد بين الأخلاق والسياسة – هي دولة القانون التي تعبِّر عن الإرادة العامة لمواطنيها الذين هم، في نفس الوقت، مشرِّعون ورعايا يخضعون لقوانين دولتهم.

                                    وكنقيض للاستبداد والأوليغارخية (أي حكم الأقلية)، كانت تسمية "ديموقراطية" تُطلَق على بعض نُظُم الحكم في العصور القديمة (ديموقراطية أثينا مثلاً). أما في العصر الحديث، فنحن نميز بين الديموقراطية المباشرة، حيث تمارَس السلطة بلا وسيط من قبل الشعب، وبين الديموقراطية البرلمانية أو التمثيلية، التي يفوِّض الشعبُ فيها سلطاتِه لهيئة منتخَبة (برلمان). أما تعبير الديموقراطية الشعبية، فقد كان يُطلَق على الدول التي كانت تعتمد المبادىء "الاشتراكية" المستمَدة إلى حدِّ ما من الفلسفة الماركسية.

                                    وفي شكل عام، فإن الديموقراطية، كما تُفهَم في الغرب، تقتضي فصلَ السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بعضها عن بعض، وتضمن الحقوق الأساسية للكائن البشري.

                                    ***

                                    ملاحظة: تم تعريب هذه المادة عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

                                    تعريب: أكرم أنطاكي

                                    مراجعة: ديمتري أفييرينوس

                                    في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                                    أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                                    وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                                    Comment


                                    • #38
                                      داماسكيوس أو الدمشقي (458 م. – 538 م.)

                                      داماسكيوس أو الدمشقي (458 م. – 538 م.)

                                      إنه داماسكيوس المعروف بالخليفة (أي خليفة أفلاطون) وآخر معلمي المدرسة الأفلاطونية الجديدة في أثينا. وقد أغلقت هذه المدرسة التي كان داماسكيوس مديرها عام 529 بأمر من الإمبرطور ستينيانوس. ولد في دمشق حوالي عام 458 م. وتوفي في مصر عام 538. من أتباعه أوليمبيودوروس الشاب.

                                      سيرته: لا نعرف الكثير عن سيرة داماسكيوس. ولكن، من مقدمة مؤلفه المبادىء الأولى نستقي عن لسان سويداس أن "داماسكيوس كان فيلسوفًا رواقيًا من أصول سورية، وثيق الصلة بسمبليسيوس وأولاميوس من فريجيا. وقد عاش في أيام يوستينيانوس" (ما بين 527 م. و565 م.). أمّا بلوتويس فقد كان أكثر تحديدًا حول هذ النقطة حيث قال إنه ولد في دمشق، ودرس علم البلاغة في الاسكندرية، ثم الفلسفة على يد زينودوت، أحد خلفاء بروكلوس الذي كان من مدرسة أثينا الأفلاطونية الجديدة، ثم عاد إلى الاسكندرية، ليتابع الدراسة على يد المعلق الشهير أمونيوس ابن هيرمياس. بعدها درس الجدلية على يد أيزودوروس الغزّاوي الذي كان أيضًا أفلاطونيًا جديدًا. ثم أصبح مديرًا لمدرسة أثينا التي أغلقها يوستينيانوس عام 529 م. مما دفع معلّمي هذه المدرسة (داماسكيوس، سمبليسيوس من سيليسيا، بريسيان من ليديا، أولاميوس من فريجيا، هرمياس من فينيقيا، ديوجينوس من فينيقيا، وإيزودوروس من غزة) إلى اللجوء إلى بلاط ملك الفرس (خوروس الأول أنوشيريان). حيث ساهموا، ومعهم داماسكيوس، في ترجمة أعمال أفلاطون وأرسطو. هناك، وكما هو واضح من التفاصيل التي يعطيها في المبادىء الأولى، تعرّف داماسكيوس على الديانات الشرقية وعلى المجوسية والزاردشتية. ثم غادر بلاد فارس ولم يسمع عنه شيء بعد ذلك.

                                      فلسفته: تنطلق فلسفة دماسكيوس من نقده لبروكلوس بهدف تجاوز الواحد للوصول إلى ذاك الذي لا يوصف ولا يمكن معرفته. فبالنسبة لداماسكيوس لا يمكن وصف المطلق. ما يعني أن الواحد النسبي بالنسبة للأشياء التي هو خالقها، ليس مطلقًا. وأن فكرة المبدأ الكلّي متناقضة بحد ذاتها. فقد كان داماسكيوس يرفض تسمية الإله الأول بالواحد. لأنه، متجاوزًا هذا الواحد، كان يحاول الوصول إلى ذلك الذي لا يوصف. إن هذه النظرية المعادية لبروكلوس التي عرضها داماسكيوس في كتابه حول المبادىء هي التي جعلت منه مؤسس لتلك الثيولوجيات المتعلقة بالمعرفة غير الموضوعية للألوهة.

                                      أعماله الرئيسية:

                                      - حياة إيزودوروس الغزاوي.

                                      - تاريخ المبادىء الانتقائية.

                                      - أسئلة وأجوبة حول المبادىء الأولى.

                                      - تعليق حول البارامينيد لأفلاطون.

                                      - تعليق حول فيليبوس لأفلاطون.

                                      - تعليق جول فيدون لأفلاطون.

                                      *** *** ***

                                      ملاحظة: تمت ترجمة وإعداد هذا النص استنادًا إلى موسوعة ويكبيديا الفرنسية على الإنترنت.

                                      تعريب: أكرم أنطاكي
                                      في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                                      أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                                      وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                                      Comment


                                      • #39
                                        الدولة العلمانية

                                        الدولة العلمانية



                                        الدولة العلمانية هي الدولة التي تتخذ، رسميًا، موقفًا محايدًا فيما يتعلق بالشؤون الدينية؛ بمعنى أنها الدولة التي لا تؤيد ولا تعارض أي معتقد ولا أية ممارسة دينية خاصة، فهي تعامل مواطنيها بالتساوي وبغض النظر عن دياناتهم، فلا تميز أحدهم عن الآخر من منطلق دينه أو معتقده؛ ما يعني بشكل عام أنها دولة لا دين لها. إما إذا كانت للدولة طابع ديني معين -أغلبية عددية-، فإن هذا الطابع لا يتعدى كونه، من حيث المضمون، طابع رمزي لا يؤثر البتة على موقف الدولة من مواطنيها الذين تتعامل معهم دون تمييز.

                                        تعرّف الدولة العلمانية بأنها الدولة الحامية للحرّية الدينية، وفي نفس الوقت، بأنها الدولة التي تمنع الدين من التدخل في قضاياها، إذ تمنعه من التحكم بالحكومة ومن ممارسة السلطة السياسية. فقوانينها تحمي كلّ مواطنيها أيًّا كان دينهم، وسواء كانوا أقلية أو أكثرية، دون أي تمييز على أساس ديني أو مذهبي. ما يعني أن الدولة العلمانية ليست دولةً ملحدة (كما كانت الحال في ألبانيا أو روسيا أبان الحكم الشيوعي. فهناك كانت الدولة تعارض، رسميًا، الإيمان والممارسات الدينية).

                                        وتصبح الدول علمانية لدى نشوئها (الولايات المتحدة مثلاً)، أو بعد علمنة الدولة (كما في فرنسا). وتتم علمنة الدولة عبر الإقرار بالحرّية الدينية، وإلغاء الطابع الديني لها، ومنع مدّ المؤسسات الدينية بالمال العام، وتحرير القضاء من سلطة هذه المؤسسات وشرائعها، وتحرير التعليم من تسلطها، والسماح للمواطنين بتغيير دينهم أو بعدم اعتناق أي دين، والسماح بأن تكون القيادة السياسية في متناول أي مواطن بغض النظر عن دينه أو معتقده. لا تتأثر بهذا التغيير، بالضرورة، العطل الرسمية التي كانت في الأساس عطلاً دينية، إنما هي فقط مؤسسات الدولة التي تصبح بمنأى عن أي تسلط ديني.

                                        نشير هنا إلى أن درجة أو شكل العلمانية قد يختلف من دولة إلى أخرى. ففي فرنسا مثلاً ما تزال الأعياد الدينية تعامل كعطل رسمية، وما زال المعلمون في المدارس الكاثوليكية يتلقون رواتبهم من الدولة. كذلك الأمر في إنكلترا حيث ما زال قَسَم رأس الدولة (الملكة أو الملك) يؤدى على أساس الإيمان المسيحي البروتيستانتي.

                                        ونشير أيضًا إلى أن التوجه العام في العالم الحديث اليوم يسير لصالح العلمانية رغم أن بعض الدول (كإيران) قد تحولت عن طابعها العلماني لتصبح، وحتى إشعار آخر، دولة دينية.



                                        *** *** ***

                                        ملاحظة: تمت ترجمة وإعداد هذا النص استنادًا
                                        في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                                        أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                                        وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                                        Comment


                                        • #40
                                          داروين

                                          داروِن، والداروِنية



                                          بالاستمرار على نهج لامارك، أعاد عالم الطبيعيات الإنكليزي تشارلز داروِن (1809-1882) تبنِّي فرضية تطور الأنواع، مستندًا استنادًا أساسيًّا على الفروق بين النباتات الطبيعية في جزر غالاباغوس وبين النباتات الزراعية القارية، من جهة (مما يعني أن استقلالية التطور على علاقة بالبيئة الجغرافية)؛ وعلى تجارب الانتقاء الصنعي في البستنة وتربية الحيوان، من جهة أخرى. ثم، بالاعتماد، كأساس نظري، على "قانون مالتوس" القائل بأن السكان يتزايدون وفق متوالية هندسية، بينما تتزايد الموارد وفق متوالية حسابية، تصوَّر داروِن وجود تنافس حيوي يُقصي الكائنات الأضعف: وهذا ما أسماه بـ"الانتقاء الطبيعي"، الذي يتم لصالح الكائنات ذات التفوق الفردي؛ الأمر الذي يؤدي إلى تحول النوع بكامله وتطوره بسبب تراكم الطفرات الإيجابية.

                                          ونشير هنا إلى أن داروِن، وإن لم يكن أول من تطرَّق إلى دور العوامل السلبية المتعلِّقة بالانتقاء، فإنه كان أول من بيَّن بقوة جانبه الإيجابي؛ حيث أدت البراهين الحديثة على نظرية التطور، وخاصة المتعلق منها بالإنسان والناجم عن علم الأحافير (الباليونتولوجيا) – التي كانت في بداياتها أيام داروِن –، عبر اكتشاف أشكال وسيطة بين الأنواع الحية والأنواع المتحجِّرة، إلى تفجير فضيحة آنذاك.

                                          لكن من الجدير القول هنا إن وراثة الصفات المكتسبة، كما افترضتها تحولية داروِن، لم تعد مقبولة اليوم: حيث تمَّ البرهان على أن التغيرات الفسيولوجية لا تلعب أيَّ دور في سيرورة التطور؛ إنما فقط تؤدي إليه التغيرات التي تتم على مستوى البنية الوراثية والتي تُعرَف باسم "الطفرات" mutations: وهي طفرات (ذات طابع استثنائي) تحصل بسبب تغيير في تركيبة الجينات.

                                          استنادًا إلى ما سبق، يمكن القول، إذن، بأن الداروِنية – وهي النظرية البيولوجية لداروِن – هي إجمالاً نظرية تحولية يلعب الانتقاء الطبيعي فيها دورًا هامًّا.

                                          المؤلَّفات الرئيسية: في أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي (1859)، في تنوع الحيوانات والنباتات المدجنة (1868)، في تحدُّر الإنسان (1877).

                                          ***

                                          ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

                                          تعريب: أكرم أنطاكي.

                                          مراجعة: ديمتري أفييرينوس.


                                          في كل يوم يصلب الانسان الف مرة ومرة ويصلب الوطن على طريق الجلجلة يسير شعب يحمل المسمار والصليب لانه يعيش في موطنه الحنون كالغريب وزهرة الخلاص في يديه مقصلة وسائر على طريق الجلجلة قد كللته المحنة السوداء بالسواد ومزقته اربا رصاصة الاحقاد
                                          أنا لا أحد وأنت،من تكون؟هل أنت أيضاً لا أحد وإذاً فثمة إثنان منا، إياك أن تخبرأحدا!وإلاألقوا بنا في المنفى
                                          وراء كل فوضى واشنطن وتل أبيب

                                          Comment

                                          Working...
                                          X