• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

Announcement

Collapse

قوانين المنتدى " التعديل الاخير 17/03/2018 "

فيكم تضلو على تواصل معنا عن طريق اللينك: www.ch-g.org

قواعد المنتدى:
التسجيل في هذا المنتدى مجاني , نحن نصر على إلتزامك بالقواعد والسياسات المفصلة أدناه.
إن مشرفي وإداريي منتدى الشباب المسيحي - سوريا بالرغم من محاولتهم منع جميع المشاركات المخالفة ، فإنه ليس بوسعهم استعراض جميع المشاركات.
وجميع المواضيع تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا يتحمل أي من إدارة منتدى الشباب المسيحي - سوريا أي مسؤولية عن مضامين المشاركات.
عند التسجيل بالمنتدى فإنك بحكم الموافق على عدم نشر أي مشاركة تخالف قوانين المنتدى فإن هذه القوانين وضعت لراحتكم ولصالح المنتدى، فمالكي منتدى الشباب المسيحي - سوريا لديهم حق حذف ، أو مسح ، أو تعديل ، أو إغلاق أي موضوع لأي سبب يرونه، وليسوا ملزمين بإعلانه على العام فلا يحق لك الملاحقة القانونية أو المسائلة القضائية.


المواضيع:
- تجنب استخدام حجم خط كبير (أكبر من 4) او صغير (أصغر من 2) او اختيار نوع خط رديء (سيء للقراءة).
- يمنع وضع عدد كبير من المواضيع بنفس القسم بفترة زمنية قصيرة.
- التأكد من ان الموضوع غير موجود مسبقا قبل اعتماده بالقسم و هالشي عن طريق محرك بحث المنتدى او عن طريق محرك بحث Google الخاص بالمنتدى والموجود بأسفل كل صفحة و التأكد من القسم المناسب للموضوع.
- إحترم قوانين الملكية الفكرية للأعضاء والمواقع و ذكر المصدر بنهاية الموضوع.
- مو المهم وضع 100 موضوع باليوم و انما المهم اعتماد مواضيع ذات قيمة و تجذب بقية الاعضاء و الابتعاد عن مواضيع العاب العد متل "اللي بيوصل للرقم 10 بياخد بوسة" لأنو مخالفة و رح تنحزف.
- ممنوع وضع الاعلانات التجارية من دون موافقة الادارة "خارج قسم الاعلانات".
- ممنوع وضع روابط دعائية لمواقع تانية كمان من دون موافقة الادارة "خارج قسم الاعلانات".
- لما بتشوفو موضوع بغير قسمو او فيو شي مو منيح او شي مو طبيعي , لا تردو عالموضوع او تحاورو صاحب الموضوع او تقتبسو شي من الموضوع لأنو رح يتعدل او ينحزف و انما كبسو على "التقرير بمشاركة سيئة" و نحن منتصرف.
- لما بتشوفو موضوع بقسم الشكاوي و الاقتراحات لا تردو على الموضوع الا اذا كنتو واثقين من انكم بتعرفو الحل "اذا كان الموضوع عبارة عن استفسار" , اما اذا كان الموضوع "شكوى" مافي داعي تردو لأنو ممكن تعبرو عن وجهة نظركم اللي ممكن تكون مختلفة عن توجه المنتدى مشان هيك نحن منرد.
- ممنوع وضع برامج الاختراق او المساعدة بعمليات السرقة وبشكل عام الـ "Hacking Programs".
- ممنوع طرح مواضيع او مشاركات مخالفة للكتاب المقدس " الانجيل " وبمعنى تاني مخالفة للايمان المسيحي.
- ممنوع طرح مواضيع او مشاركات تمس الطوائف المسيحية بأي شكل من الاشكال "مدح او ذم" والابتعاد بشكل كامل عن فتح اي نقاش يحمل صبغة طائفية.
- ضمن منتدى " تعرفون الحق و الحق يحرركم " بالامكان طرح الاسئلة بصيغة السؤال والجواب فقط ويمنع فتح باب النقاش والحوار بما يؤدي لمهاترات وافتراض اجوبة مسبقة.


عناوين المواضيع:
- عنوان الموضوع لازم يعبر عن محتوى الموضوع و يفي بالمحتوى و ما لازم يكون متل هيك "الكل يفوت , تعوا بسرعة , جديد جديد , صور حلوة , الخ ....".
- لازم العنوان يكون مكتوب بطريقة واضحة بدون اي اضافات او حركات متل "(((((((((العنوان)))))))))))) , $$$$$$$$$ العنوان $$$$$$$$$".
- عنوان الموضوع ما لازم يحتوي على اي مدات متل "الــعــنـــوان" و انما لازم يكون هيك "العنوان".


المشاركات:
- ممنوع تغيير مسار الموضوع لما بكون موضوع جدي من نقاش او حوار.
- ممنوع فتح احاديث جانبية ضمن المواضيع وانما هالشي بتم عالبرايفت او بالدردشة.
- ممنوع استخدام الفاظ سوقية من سب او شتم او تجريح او اي الفاظ خارجة عن الزوق العام.
- ممنوع المساس بالرموز و الشخصيات الدينية او السياسية او العقائدية.
- استخدام زر "thanks" باسفل الموضوع اذا كنتو بدكم تكتبو بالمشاركة كلمة شكر فقط.
- لما بتشوفو مشاركة سيئة او مكررة او مو بمحلها او فيا شي مو منيح , لا تردو عليها او تحاورو صاحب المشاركة او تقتبسو من المشاركة لأنو رح تنحزف او تتعدل , وانما كبسو على "التقرير بمشاركة سيئة" و نحن منتصرف.


العضوية:
- ممنوع استخدام اكتر من عضوية "ممنوع التسجيل بأكتر من اسم".
- ممنوع اضافة حركات او رموز لاسم العضوية متل " # , $ , () " و انما يجب استخدام حروف اللغة الانكليزية فقط.
- ممنوع اضافة المدات لاسم العضوية "الـعـضـويـة" و انما لازم تكون بهل شكل "العضوية".
- ممنوع استخدام اسماء عضويات تحتوي على الفاظ سوقية او الفاظ بزيئة.
- ممنوع وضع صورة رمزية او صورة ملف شخصي او صور الالبوم خادشة للحياء او الزوق العام.
- التواقيع لازم تكون باللغة العربية او الانكليزية حصرا و يمنع وضع اي عبارة بلغة اخرى.
- ما لازم يحتوي التوقيع على خطوط كتيرة او فواصل او المبالغة بحجم خط التوقيع و السمايليات او المبالغة بمقدار الانتقال الشاقولي في التوقيع "يعني عدم ترك سطور فاضية بالتوقيع و عدم تجاوز 5 سطور بحجم خط 3".
- ما لازم يحتوي التوقيع على لينكات "روابط " دعائية , او لمواقع تانية او لينك لصورة او موضوع بمنتدى اخر او ايميل او اي نوع من اللينكات , ما عدا لينكات مواضيع المنتدى.
- تعبئة كامل حقول الملف الشخصي و هالشي بساعد بقية الاعضاء على معرفة بعض اكتر و التقرب من بعض اكتر "ما لم يكن هناك سبب وجيه لمنع ذلك".
- فيكم تطلبو تغيير اسم العضوية لمرة واحدة فقط وبعد ستة اشهر على تسجيلكم بالمنتدى , او يكون صار عندكم 1000 مشاركة , ومن شروط تغيير الاسم انو ما يكون مخالف لشروط التسجيل "قوانين المنتدى" و انو الاسم الجديد ما يكون مأخود من قبل عضو تاني , و انو تحطو بتوقيعكم لمدة اسبوع على الاقل "فلان سابقا".
- يمنع انتحال شخصيات الآخرين أو مناصبهم من خلال الأسماء أو الصور الرمزية أو الصور الشخصية أو ضمن محتوى التوقيع أو عن طريق الرسائل الخاصة فهذا يعتبر وسيلة من وسائل الإحتيال.


الرسائل الخاصة:
الرسائل الخاصة مراقبة مع احترام خصوصيتا وذلك بعدم نشرها على العام في حال وصلكم رسالة خاصة سيئة فيكم تكبسو على زر "تقرير برسالة خاصة" ولا يتم طرح الشكوى عالعام "متل انو توصلكم رسالة خاصة تحتوي على روابط دعائية لمنتجات او مواقع او منتديات او بتحتوي على الفاظ نابية من سب او شتم او تجريح".
لما بتوصلكم رسائل خاصة مزعجة و انما ما فيها لا سب ولا شتم ولا تجريح ولا روابط دعائية و انما عم يدايقكم شي عضو من كترة رسائلو الخاصة فيكم تحطو العضو على قائمة التجاهل و هيك ما بتوصل اي رسالة خاصة من هالعضو.
و تزكرو انو الهدف من الرسائل الخاصة هو تسهيل عملية التواصل بين الاعضاء.


السياسة:
عدم التطرق إلى سياسة الدولة الخارجية أو الداخلية أو حتى المساس بسياسات الدول الصديقة فالموقع لا يمت للسياسة بصلة ويرجى التفرقة بين سياسات الدول وسياسات الأفراد والمجتمعات وعدم التجريح أو المساس بها فالمنتدى ليس حكر على فئة معينة بل يستقبل فئات عدة.
عدم اعتماد مواضيع أو مشاركات تهدف لزعزعة سياسة الجمهورية العربية السورية أو تحاول أن تضعف الشعور القومي أو تنتقص من هيبة الدولة ومكانتها أو أن يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بزعزعة الأمن والاستقرار في الجمهورية العربية السورية فيحق للادارة حذف الموضوع مع ايقاف عضوية صاحب الموضوع.


المخالفات:
بسبب تنوع المخالفات و عدم امكانية حصر هالمخالفات بجدول محدد , منتبع اسلوب مخالفات بما يراه المشرف مناسب من عدد نقط و مدة المخالفة بيتراوح عدد النقط بين 1-100 نقطة , لما توصلو لل 100 بتم الحظر الاوتوماتيكي للعضو ممكن تاخدو تنبيه بـ 5 نقط مثلا على شي مخالفة , و ممكن تاخد 25 نقطة على نفس المخالفة و ممكن يوصلو لل 50 نقطة كمان و هالشي بيرجع لعدد تكرارك للمخالفة او غير مخالفة خلال فترة زمنية قصيرة.
عند تلقيك مخالفة بيظهر تحت عدد المشاركات خانة جديدة " المخالفات :" و بيوصلك رسالة خاصة عن سبب المخالفة و عدد النقط و المدة طبعا هالشي بيظهر عندكم فقط.


الهدف:
- أسرة شبابية سورية وعربية مسيحية ملؤها المحبة.
- توعية وتثقيف الشباب المسيحي.
- مناقشة مشاكل وهموم وأفكار شبابنا السوري العربي المسيحي.
- نشر التعاليم المسيحية الصحيحة وعدم الإنحياز بشكل مذهبي نحو طائفة معينة بغية النقد السيء فقط.
في بعض الأحيان كان من الممكن أن ينحني عن مسار أهدافه ليكون مشابه لغيره من المنتديات فكان العمل على عدم جعله منتدى ديني متخصص كحوار بين الطوائف , فنتيجة التجربة وعلى عدة مواقع تبين وبالشكل الأكبر عدم المنفعة المرجوة بهذا الفكر والمنحى , نعم قد نشير ونوضح لكن بغية ورغبة الفائدة لنا جميعا وبتعاون الجميع وليس بغية بدء محاورات كانت تنتهي دوما بالتجريح ومن الطرفين فضبط النفس صعب بهذه المواقف.



رح نكتب شوية ملاحظات عامة يا ريت الكل يتقيد فيها:
• ابحث عن المنتدى المناسب لك و تصفح أقسامه ومواضيعه جيداً واستوعب مضمونه وهدفه قبل ان تبادر بالمشاركة به , فهناك الكثير من المنتديات غير اللائقة على الإنترنت .وهناك منتديات متخصصة بمجالات معينة قد لا تناسبك وهناك منتديات خاصة بأناس محددين.
• إقرأ شروط التسجيل والمشاركة في المنتدى قبل التسجيل به واستوعبها جيدأ واحترمها و اتبعها حتى لا تخل بها فتقع في مشاكل مع الأعضاء ومشرفي المنتديات.
• اختر اسم مستعار يليق بك وبصفاتك الشخصية ويحمل معاني إيجابية ، وابتعد عن الأسماء السيئة والمفردات البذيئة ، فأنت في المنتدى تمثل نفسك وأخلاقك وثقافتك وبلدك ، كما أن الاسم المستعار يعطي صفاته ودلالته لصاحبه مع الوقت حيث يتأثر الإنسان به بشكل غير مباشر ودون ان يدرك ذلك.
• استخدم رمز لشخصيتك " وهو الصورة المستخدمة تحت الاسم المستعار في المنتدى " يليق بك و يعبر عن شخصيتك واحرص على ان يكون أبعاده مناسبة.
• عند اختيارك لتوقيعك احرص على اختصاره ، وأن يكون مضمونه مناسباً لشخصيتك وثقافتك.
• استخدم اللغة العربية الفصحى وابتعد عن اللهجات المحكية " اللهجة السورية مستثناة لكثرة المسلسلات السورية " لانها قد تكون مفهومة لبعض الجنسيات وغير مفهومة لجنسيات أخرى كما قد تكون لكلمة في لهجتك المحكية معنى عادي ولها معنى منافي للأخلاق أو مسيء لجنسية أخرى . كذلك فإن استخدامك للغة العربية الفصحى يسمح لزوار المنتدى وأعضائه بالعثور على المعلومات باستخدام ميزة البحث.
• استخدم المصحح اللغوي وراعي قواعد اللغة عند كتابتك في المنتديات حتى تظهر بالمظهر اللائق التي تتمناه.
• أعطي انطباع جيد عن نفسك .. فكن مهذباً لبقاً واختر كلماتك بحكمة.
• لا تكتب في المنتديات أي معلومات شخصية عنك أو عن أسرتك ، فالمنتديات مفتوحة وقد يطلع عليها الغرباء.
• أظهر مشاعرك وعواطفك باستخدام ايقونات التعبير عن المشاعر Emotion Icon's عند كتابة مواضيعك وردودك يجب ان توضح مشاعرك أثناء كتابتها ، هل سيرسلها مرحة بقصد الضحك ؟ او جادة أو حزينه ؟ فعليك توضيح مشاعرك باستخدام Emotion Icon's ،لأنك عندما تتكلم في الواقع مع احد وجها لوجه فانه يرى تعابير وجهك وحركة جسمك ويسمع نبرة صوتك فيعرف ما تقصد ان كنت تتحدث معه على سبيل المزاح أم الجد. لكن لا تفرط في استخدام أيقونات المشاعر و الخطوط الملونة و المتغيرة الحجم ، فما زاد عن حده نقص.
• إن ما تكتبه في المنتديات يبقى ما بقي الموقع على الإنترنت ، فاحرص على كل كلمة تكتبها ، فمن الممكن ان يراها معارفك وأصدقائك وأساتذتك حتى وبعد مرور فترات زمنية طويلة.
• حاول اختصار رسالتك قدر الإمكان :بحيث تكون قصيرة و مختصرة ومباشرة وواضحة وفي صلب مضمون قسم المنتدى.
• كن عالمياً : واعلم أن هناك مستخدمين للإنترنت يستخدمون برامج تصفح مختلفة وكذلك برامج بريد الكتروني متعددة ، لذا عليك ألا تستخدم خطوط غريبة بل استخدم الخطوط المعتاد استخدامها ، لأنه قد لا يتمكن القراء من قراءتها فتظهر لهم برموز وحروف غريبة.
• قم بتقديم ردود الشكر والتقدير لكل من أضاف رداً على موضوعك وأجب على أسئلتهم وتجاوب معهم بسعة صدر وترحيب.
• استخدم ميزة البحث في المنتديات لمحاولة الحصول على الإجابة قبل السؤال عن أمر معين أو طلب المساعدة من بقية الأعضاء حتى لا تكرر الأسئلة والاستفسارات والاقتراحات التى تم الإجابة عنها قبل ذلك.
• تأكد من أنك تطرح الموضوع في المنتدى المخصص له: حيث تقسم المنتديات عادة إلى عدة منتديات تشمل جميع الموضوعات التي يمكن طرحها ومناقشتها هنا، وهذا من شأنه أن يرفع من كفاءة المنتديات ويسهل عملية تصنيف وتبويب الموضوعات، ويفضل قراءة الوصف العام لكل منتدى تحت اسمه في فهرس المنتديات للتأكد من أن مشاركتك تأخذ مكانها الصحيح.
• استخدم عنوان مناسب ومميِّز لمشاركتك في حقل الموضوع. يفضل عدم استخدام عبارات عامة مثل "يرجى المساعدة" أو "طلب عاجل" أو "أنا في ورطة" الخ، ويكون ذلك بكتابة عناوين مميِّزة للموضوعات مثل "كيف استخدم أمر كذا في برنامج كذا" أو "تصدير ملفات كذا إلى كذا".
• إحترم قوانين الملكية الفكرية للأعضاء والمواقع والشركات، وعليك أن تذكر في نهاية مشاركتك عبارة "منقول عن..." إذا قمت بنقل خبر أو مشاركة معينة من أحد المواقع أو المجلات أو المنتديات المنتشرة على الإنترنت.
• إن أغلب المنتديات تكون موجهه لجمهور عام ولمناقشة قضايا تثقيفية وتعليمية . لذلك يجب ان تكون مشاركتك بطريقة تحترم مشاعر الآخرين وعدم الهجوم في النقاشات والحوارات. وأي نشر لصور أو نصوص أو وصلات مسيئة، خادشة للحياء أو خارج سياق النهج العام للموقع.
• المنتدى لم يوجد من أجل نشر الإعلانات لذا يجب عدم نشر الإعلانات أو الوصلات التي تشير إلى مواقع إعلانية لأي منتج دون إذن او إشارة إلى موقعك أو مدونتك إذا كنت تمتلك ذلك.
• عدم نشر أي مواد أو وصلات لبرامج تعرض أمن الموقع أو أمن أجهزة الأعضاء الآخرين لخطر الفيروسات أو الدودات أو أحصنة طروادة.
•ليس المهم أن تشارك بألف موضوع فى المنتدى لكن المهم أن تشارك بموضوع يقرأه الألوف،فالعبرة بالنوع وليس بالكم.
• عدم الإساءة إلى الأديان أو للشخصيات الدينية.
•عند رغبتك بإضافة صور لموضوعك في المنتدى ، احرص على ألا يكون حجمها كبير حتى لا تستغرق وقتاً طويلاً لتحميلها وأن تكون في سياق الموضوع لا خارجه عنه.
•الالتزام بالموضوع في الردود بحيث يكون النقاش في حدود الموضوع المطروح لا الشخص، وعدم التفرع لغيره أو الخروج عنه أو الدخول في موضوعات أخرى حتى لا يخرج النقاش عن طوره.
• البعد عن الجدال العقيم والحوار الغير مجدي والإساءة إلى أي من المشاركين ، والردود التي تخل بأصول اللياقة والاحترام.
• احترم الرأي الآخر وقدر الخلاف في الرأي بين البشر واتبع آداب الخلاف وتقبله، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
• التروي وعدم الاستعجال في الردود ، وعدم إلقاء الأقوال على عواهلها ودون تثبت، وأن تكون التعليقات بعد تفكير وتأمل في مضمون المداخله، فضلاً عن التراجع عن الخطأ؛ فالرجوع إلى الحق فضيلة. علاوة على حسن الاستماع لأقوال الطرف الآخر ، وتفهمها تفهما صحيحا.
• إياك و تجريح الجماعات أو الأفراد أو الهيئات أو الطعن فيهم شخصياً أو مهنياً أو أخلاقياً، أو استخدام أي وسيلة من وسائل التخويف أو التهديد او الردع ضد أي شخص بأي شكل من الأشكال.
• يمنع انتحال شخصيات الآخرين أو مناصبهم من خلال الأسماء أو الصور الرمزية أو الصور الشخصية أو ضمن محتوى التوقيع أو عن طريق الرسائل الخاصة فهذا يعتبر وسيلة من وسائل الإحتيال.
• إذا لاحظت وجود خلل في صفحة أو رابط ما أو إساءة من أحد الأعضاء فيجب إخطار مدير الموقع أو المشرف المختص على الفور لأخذ التدابير اللازمة وذلك بإرسال رسالة خاصة له.
• فريق الإشراف يعمل على مراقبة المواضيع وتطوير الموقع بشكل يومي، لذا يجب على المشاركين عدم التصرف "كمشرفين" في حال ملاحظتهم لخلل أو إساءة في الموقع وتنبيه أحد أعضاء فريق الإشراف فوراً.
See more
See less

أنطون سعادة - Antoun Saadeh

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • أنطون سعادة - Antoun Saadeh

    Click image for larger version

Name:	13266-2.jpg
Views:	1
Size:	22.3 KB
ID:	1385378




    هو أنطون بن خليل سعادة مجاعص ، ولد في الأول من آذار عام 1904 في الشوير قضاء المتن (من محافظة جبل لبنان) من أبوين شويريين لبنانيين .
    والده الدكتور خليل سعادة كان طبيباً وعالماً وأديباً ، ومن أبرز القادة الوطنيين في المغترب اللبناني في البرازيل ، أسس عدة جمعيات وأحزاب مهجرية وطنية وقومية ، كما أنشأ صحيفتي (المجلة) و(الجريدة) في سان باولو في البرازيل .

    تلقى أنطون سعادة سنة 1909 المبادئ الأولية للقراءة والكتابة في مدرسة الشوير على يد المعلم حنا رستم ، ثم أكمل دراسته الثانوية في معهد الفرير في القاهرة حيث كان والده قد التجأ ، ثم في مدرسة برمانا في جبل لبنان .

    سنة 1919 ، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، ترك سعادة وطنه ، بعد أن شهد بنفسه آثار المجاعة إبان الحرب ، وغادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ثم في عام 1921 ، انتقل إلى البرازيل حيث أسهم مع والده الدكتور خليل في تحرير جريدة (الجريدة) ومجلة (المجلة) .

    لم يكمل أنطون سعادة تعليمه الجامعي ، لكنه درس على نفسه حتى أصبح يتقن عدداً من اللغات من بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية ، مما أفسح له من خلال مطالعاته بهذه اللغات الحية أن يكمل على نفسه التعمق في العلم والفكر الإنساني في عدة اختصاصات شملت التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية وعلوم الإنسان والأدب .

    أسس سعادة في البرازيل جمعية سرية للعمل على تحرير الوطن من الانتداب ، كما انخرط في عدة جمعيات لهذا الغرض ، لكنه وجد أن النضال الفعلي إنما هو الذي ينطلق من داخل الوطن لا من المهجر .
    لذلك عاد إلى الوطن في تموز سنة 1930م ، ومنها انتقل إلى دمشق سنة 1913 حيث اشترك في تحرير جريدة (الأيام) الدمشقية ، ومن ثم عاد إلى بيروت وهو عازم على إنشاء الحزب الدستوري القومي الاجتماعي ، مفضلاً الشروع في الوسط الملائم وسط الطلاب ، حيث تولى تدريس اللغة الألمانية لطلاب الجامعة الأمريكية .

    في 16 تشرين الثاني/1932 ، أسس أنطون سعادة الحزب السوري القومي الاجتماعي تحت اسم (حزب الشعب السوري) (s.s.n.p) من خمسة طلاب في الجامعة الأمريكية ، ومن هذا الوسط انتشرت دعوته إلى المناطق بحيث انتظم فيه المئات في غضون السنوات الثلاث الأولى من العمل السري .
    وقد انكشف أمر الحزب عام 1935 من قبل سلطات الانتداب الفرنسي ، فاعتقل سعادة وعدد من معاونيه ، وصدرت بحقهم أحكام مختلفة أقصاها السجن لسعادة مدة ستة أشهر .


    • أما مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه سعادة فكانت على الشكل التالي :


    المبدأ الأول : سورية للسوريين ، والسوريون أمة تامة .

    المبدأ الثاني : القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى .

    المبدأ الثالث : القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري .

    المبدأ الرابع : الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي .

    المبدأ الخامس : الوطن السوري هو البيئة الطبيعية الذي نشأت فيه الأمة السورية , وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها ، تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي
    إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة ، ومن البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق .
    ويعبر عنها بلفظ عام : الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص .

    المبدأ السادس : الأمة السورية مجتمع واحد .

    المبدأ السابع : تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي .

    المبدأ الثامن : مصلحة سورية فوق كل مصلحة .


    • أما المبادئ الإصلاحية لهذا الحزب، فتمثلت بما يلي :


    المبدأ الأول : فصل الدين عن الدولة .

    المبدأ الثاني : منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين .

    المبدأ الثالث : إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب .

    المبدأ الرابع : إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة .

    المبدأ الخامس : إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن .



    • أما على صعيد غاية الحزب وخطته فقد عُبر عنها بالتالي:
      إن غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها .


    هذا وخلال وجود أنطون سعادة في السجن عام 1935 ، كتب كتابه الأول (نشوء الأمم) ، وبعد خروجه من السجن أُعيد اعتقاله لإعلانه ما سماه قانون الطوارئ تحدياً للسلطة وذلك في عام 1936 ، وكتب خلال مدة سجنه كتابه الثاني (شرح المبادئ) ، وفي أوائل تشرين الثاني خرج من السجن ليعود إليه في أوائل آذار عام 1937 ، حيث اعتقل وهو في طريقه إلى دمشق لحركة تتعلق في الحزب .

    خرج أنطون سعادة من سجنه الثالث بعد ثلاثة أشهر ، فأسس جريدة النهضة ، والتي صدرت لعام واحد ، كما تابع قيادته لحزبه حتى مغادرته البلاد عام 1938 لتنظيم الحزب في المغتربات .

    أسس سعادة في البرازيل جريدة (سورية الجديدة) ، ثم انتقل من البرازيل إلى الأرجنتين وبقي فيها حتى عام 1947 ، حيث أسس جريدة (الزوبعة) ، وكتب كتابه (الصراع الفكري في الأدب السوري) ، بالإضافة إلى نشره لمبادئ حزبه أينما حلّ .

    لما خرج الفرنسيون من سورية ولبنان ، عاد سعادة إلى الوطن في 2 آذار/1947 ، وأسس جريدة (الجيل الجديد) .
    لقد اتُهم سعادة بتدبير عصيان مسلح في حزيران/1949 ، فقامت السلطة اللبنانية بتدبير خطة بالاتفاق مع حزب الكتائب ، الذي قام بمهاجمة مكاتب الجريدة ومطابعها وتسبب في حرقها ، فعمدت السلطة اللبنانية على إثر هذا الحادث المفتعل والمدبر ، إلى ملاحقة الحزب، فانتقل سعادة إلى دمشق وهناك أًعلن الثورة القومية الاجتماعية الأولى لإسقاط حكم الطغيان والفساد والتزوير في لبنان في 4 تموز/1949 .

    أثناء ذلك نشطت الضغوطات الفرنسية ، ونجحت في دفع حسني الزعيم الذي كان يتسلم مقاليد الحكم في ذلك الوقت في سورية ، إلى تسليم أنطون سعادة إلى السلطات اللبنانية ، في 7 تموز/ 1949 ، حيث استُنطق وحوكم ونفذ فيه حكم الإعدام خلال أربعة وعشرين ساعة ، فكانت وفاته فجر الثامن من تموز/ 1949 .

    هزت هذه المحاكمة الصورية ضمائر الكثيرين ، وأكدت سيطرة حزب الكتائب الذي كان على خلاف شديد مع سعادة على الحكم في لبنان ، وقد قال كمال جنبلاط في وفاة أنطون سعادة في استجواب قدمه في 9 أيلول/1949 إلى الحكومة اللبنانية عبر مجلس النواب اللبناني : (وفي الواقع وفي نظر كل من اطلع على خفايا الأمور ، لقد تدخلت بعض الدول الأجنبية المعروفة في قضية سعادة وضغطت بحيث أن أكثر الأعمال الاعتباطية التي صدرت عن الحكومة اللبنانية بهذا الشأن إزاء الحزب القومي ومن ضمنها المحاكمة والقضاء على سعادة وبعض أتباعه بهذه السرعة وبهذا الشكل والتي قد تمت بناء على توصيات وتدخلات وتأثيرات دول أجنبية وعربية معروفة) .

    ترك أنطون سعادة مجموعة من الكتب أهمها :

    1) . (نشوء الأمم) .
    2) . (الصراع الفكري في الأدب السوري) .
    3) . (المحاضرات العشر) .
    4) . ( قصة فاجعة حب) حيث طبعت مع (قصة عيد سيدة صيدنايا) في كتاب واحد .
    من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
    في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
    كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


    سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
    نعم للأسد ...
    احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...




  • #2
    رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

    Click image for larger version

Name:	312346_10151332619281232_745548391_n.jpg
Views:	1
Size:	6.9 KB
ID:	1318081


    ما قبل التأسيس

    ولد في الأول من آذار عام 1904 في بلدة الشوير - جبل لبنان .
    والده الدكتور خليل سعاده (طبيب، وصحافي معروف، كاتب ومترجم، وله قاموس شهير إنكليزي - عربي) .
    والدته السيدة نايفة نصير خنيصر من مواليد الشوير ، هاجرت أسرتها في أواخر القرن التاسع الى الولايات المتحدة , توفيت عام 1913 في القاهرة اثناء وجود العائلة هناك .

    تلقى علومه الأولى في مدرسة "الفرير" في القاهرة ، وبعد وفاة والدته عاد الى الوطن ليعيش في كنف جدته حيث سافر والده للعمل في الأرجنتين ، وأكمل علومه في مدرسة برمانا، وفيها سجل أبكر مواقفه القومية ضد الاستعمار حيث قام بإنزال العلم التركي عن سارية المدرسة ومزقه .
    عام 1919 هاجر مع اخوته الى خاله في الولايات المتحدة الأميركية ، وهناك عمل عدة اشهر في محطة للقطارات ريثما ينتقل الى البرازيل حيث المقر الجديد لعمل والده .

    في البرازيل اقبل سعاده على نهل العلوم بمواظبة واهتمام بالغين ، متتلمذاً على يد أبيه ، وانكب على دراسة اللغات بجهد شخصي (البرتغالية الألمانية والروسية) .
    ثم اتجهت قراءاته إلى الفلسفة والتاريخ والإجتماع والسياسة , وما لبث أن شارك والده في إصدار جريدة الجريدة ، ثم في مجلة "المجلة" وقد اقتصر دوره في البدء على الطباعة إضافة لبعض الأعمال الإدارية والمالية .

    ظهرت كتاباته الأولى عندما كان في الثامنة عشرة , ونشر خلال عامي 1922 - 1923 عدة مقالات طالب فيها بإنهاء الاحتلال الفرنسي واستقلال سوريا ، وكان أول من استشرف مشروع الحـركة الصهيونية وخطره على سوريا الطبيعية رابطاً بين وعد بلفور بـ "وطن قومي لليهود في فلسطين" وبين اتفاقية سايكس – بيكو التي قسمت سوريا الطبيعية إلى خمس كيانات ، وكان من جرائها سلخ 180 ألف كلم مربع من أراضيها وإخضاعها للاحتلال التركي ، إضافة إلى إخضاع الأهواز للاحتلال الإيراني .

    حاول عام 1925 تأليف حزب لتوحيد أبناء الجالية السورية في البرازيل باسم "الشبيبة الفدائية السورية" لكنه لم يلاق نجاحاً , وأعاد المحاولة عام 1927 فأسس "حزب السوريين الأحرار" الذي توقف نشاطه بعد ثلاث سنوات .

    وإثر توقف مجلة المجلة عن الصدور (1928) انصرف انطون سعاده إلى التعليم في بعض المعاهد السورية في سان باولو ، كما شارك في بعض اللجان التربوية التي أقامتها الحكومة البرازيلية للإشراف على تطوير المناهج التعليمية ، وفي هذه الفترة كتب رواية "فاجعة حب" التي نشرت فيما بعد في بيروت، وفي صيف 1931 أصدر روايته الثانية "سيدة صيدنايا" .

    تأسيس الحزب

    في تموز 1930 عاد الى الوطن ، وبعد إقامة قصيرة في ضهور الشوير سافر الى دمشق لدراسة إمكانية العمل السياسي فيها ، كونها العاصمة التاريخية لسورية ومركز المعارضة السياسية للانتداب الفرنسي ، فمارس التعليم لتأمين رزقه ، وكتب سلسلة من المقالات في الصحف الدمشقية "اليوم ، القبس ، ألف باء ، لكنه سرعان ما عاد الى بيروت (1931) وبدأ بإعطاء دروس من خارج الملاك في اللغة الألمانية في الجامعة الأميركية.
    وقد أتاح له التدريس ساحة واسعة للحوار الفكري مع الطلبة والوسط الثقافي ، إضافة الى منابر فكرية أتاحتها له عدة جمعيات ثقافية في بيروت، منها : العروة الوثقى - جمعية الاجتهاد الروحي للشبيبة - "النادي الفلسطيني" .
    وقد حفلت هذه المحاضرات ببواكير فكره القومي الاجتماعي في مرحلة ما قبل إعلان الحزب ، وهو ما تمخض عنه فيما بعد العقيدة القومية الاجتماعية ، المنهج الفكري للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه في 16 تشرين الثاني 1932 ، وكان حزباً سرياً بسبب الظروف الصعبة الناجمة عن الانتداب الفرنسي على لبنان والشام .

    عام 1933 أعـاد انطون سعاده إصدار "مجلة المجلة" في بيروت لتساهم في توضيح أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية ، وعلى صفحاتها ظهرت في الوطن ، ولأول مرة ، دراسات تحليلية لموضوع "الأمة" استناداً إلى علم الاجتماع الحديث ، وبرؤية مستقلة عن نظريات الغرب التي فلسفت الأمة من منظور عرقي وسياسي أحياناً أخرى .

    حزيران عام 1935 ، وبعد أن أصبح انتشار الحزب ملموساً في الأوساط الشبابية والثقافية ، أقام سعاده الاجتماع العام الأول رغم سرية الحزب ، وفي هذا الاجتماع ألقى خطاباً مكتوباً هـو من أهم الوثائق الفكرية في العقيدة السورية القومية الاجتماعية ، ودليل عمل حركة النهضة القومية الاجتماعية التي يهدف إليها الحزب ، لكن سلطات الانتداب سرعان ما اكتشفت أمر الحزب نتيجة معلومة نقلها رئيس الجامعة الأميركية بايار دودج إلى السلطة الفرنسية ، فاعتقلت في 16 تشرين الثاني 1935 سعاده وعدداً من الأعضاء بتهمة تشكيل جمعية سرية والإخلال بالأمن العام والإضرار بأمن الدولة وتغيير شكل الحكم .
    وكان هذا الاعتقال الامتحان الأول لمتانة الحزب بعد التأسيس وظهرت خلال تجربة السجن ، ومن ثم المحاكمات ، ميزات شخصية سعاده ، كمفكر وزعيم نهضة ، حيث أعلن لمعتقليه مسؤوليته الكاملة عن تأسيس الحزب شفوياً وخطياً ، فأصدرت سلطات الانتداب الفرنسي قراراً بسجنه ستة اشهر ، أكمل خلالها كتابة مؤلفه العلمي "نشوء الأمم" الذي صدرت طبعته الأولى عام 938 , وخرج من السجن في 12 أيار 1936 .

    أثار انكشاف الحزب المزيد في الاوساط الشعبية ، ونشطت حركة الانتماء الى صفوفه ، مما دفع بالقوى الموالية للانتداب وبالفئات الطائفية والانعزالية والتقليدية إلى التكتل لمحاربته .

    اعتقلت سلطات الانتداب سعاده مرة ثانية في 30 حزيران 1936 (أي بعد أسابيع من الإفراج عنه) وظل في السجن الى 12 تشرين الثاني 1936 وخلال هذه الفترة أنجز سعاده كتابه شرح مبادئ الحزب وغايته .

    أعيد اعتقاله في 9 آذار 1937 وظل في السجن حتى 15 أيار 1936 .

    14 تشرين الأول 1937 اصدر جريدة النهضة التي استقطبت النخبة الثقافية الشابة ، وكانت صفحاتها منبراً للحوار بين السوريين القوميين الاجتماعيين ومختلف الفئات الفكرية والثقافية والسياسية في لبنان وكيانات الأمة السورية ، وكان سعاده يكتب بشكل يومي ، ويتناول مسائل السياسة الخارجية والأمور الفكرية والردّ على القوى السياسية المناوئة ، وقد حظيت ردوده القومية على البطريرك الماروني والأحزاب الانعزالية في لبنان والشام باهتمام كبير من مختلف الأوساط وأضاءت باكراً على المخاطر الناجمة عن الخلط بين الديني والسياسي في لبنان وعلى الطوائف التي تحول دون قيام المجتمع المدني وتقدم حركة النهضة القومية .

    الإغتراب القسري

    في ربيع 1938 ، ونتيجة الانتشار الواسع للعقيدة القومية الاجتماعية في كيانات الأمة ، بادرت سلطات الانتداب الى المزيد من التضييق على الحزب ، وفي 11 حزيران غادر سعاده الوطن في جولة على فروع الحزب في المغتربات . وسافر براً من بيروت إلى الأردن ومنها إلى فلسطين ، حيث اجتمع مع السوريين القوميين الاجتماعيين في عمان وفي حيفا , ثم إلى قبرص ، والمانيا ، ومنها سافر إلى البرازيل ، حيث استقر في سان باولو مرتع صباه (كانون الأول 1938) .
    وفور مغادرته بيروت قامت سلطات الانتداب بمداهمة مركز الحزب ، وعطلت صحيفة النهضة ، وحظرت على السوريين القوميين الاجتماعيين ممارسة العمل الحزبي ، كما أصدرت مذكرة قضائية بمحاكمة سعاده .

    حاولت فرنسا عبر ديبلوماسييها الضغط على الحكومة البرازيلية لمنع سعاده من مزاولة العمل الحزبي في أوساط المغتربين السوريين ، وفي 23 آذار من العام ذاته أقدمت قوات الأمن في البرازيل على اعتقال سعاده وعدداً من رفقائه ، بتهمة "المس بسلامة العلاقات الانترناسيونية للدولة البرازيلية".
    لكن أوساط الجالية السورية وبعض المثقفين البرازيليين سارعوا إلى الدفاع عن سعاده ، فأرسل رئيس جمعية الصحافة في سان باولو رسالة استفسار إلى دائرة الأمن العام ، خصوصاً أن الحكومة الفرنسية كانت قد طلبت عن طريق قنصلها في البرازيل بتسليم انطون سعاده ليمثل أمام محاكم سلطات الانتداب ، لكن الحكومة البرازيلية رفضت ذلك ، وبعد تحقيق قضائي دقيق أعلنت المحكمة البرازيلية براءته من التهم الموجهة اليه ، وأفرجت عنه وعن رفقائه في 30 نيسان 1939 .

    بعد خروجه من السجن بأسبوعين غادر سعاده الى الأرجنتين ومكث فيها حتى أيار 1940 وهناك حاول تجديد جواز سفره ، لكن السفارة الفرنسية في بيونس ايرس رفضت ذلك .
    وفي 20 آب من العام ذاته أصدرت سلطات الانتداب الفرنسي في لبنان حكماً غيابياً قضى بسجن سعاده عشرين عاماً ، ونفيه من لبنان عشرين عاماً أخرى ، فاصبح بحكم الأسير داخل الأرجنتين لا يستطيع مغادرتها ، وظل في مغتربه القسري حتى عام 1947 .
    وأصدر خلال هذه الفترة جريدة "الزوبعة" التي كانت منبرا متميزاً للصوت القومي ، وعلى صفحاتها ظهرت أهم كتاباته السياسية والفكرية والأدبية وكان قد تعرف على الرفيقة جوليت المير، وهي من عائلة طرابلسية مقيمة في الأرجنتين ، فتزوجها عام 1941 ، وأنجب منها في المغترب كريمتاه صفية واليسار ، أما راغدة فولدت بعيد عودة العائلة الى الوطن .

    بعد جلاء القوات الفرنسية عام 1946 حاول العودة الى لبنان لكن تحالف بشارة الخوري (رئيس الجمهورية) ورياض الصلح (رئيس الحكومة) كان يعرقل عودته بحجة الحكم القضائي الصادر بحقه منذ أيام الانتداب .

    العودة إلى الوطن

    في أواخر 1946 قرر سعاده العودة نهائياً إلى لبنان ، ضارباً عرض الحائط ممانعات حكومة رياض الصلح وعراقيلها , فأنهى أعماله التجارية , وكان قد تمكن من الحصول على جواز سفر مؤقت من السفارة الفرنسية في الأرجنتين يتيح له السفر إلى البرازيل ، وهناك تمكن بمساعدة رفقائه من الحصول على جواز سفر لبناني ، وغادر البرازيل جواً إلى القاهرة في 18 شباط 1947 ، وفيها التقى برئيس المجلس الأعلى في الحزب الأمين نعمة ثابت وأسد الأشقر ، حيث تباحث معهما بأمر العودة إلى الوطن، والموقف السياسي المتوجب اتخاذه حيال هذه الخطوة ، في هذا اللقاء تأكد لسعادة أن المجلس الأعلى في الحزب اتخذ قراراً بتكييف سياسته مع النزعة اللبنانية للعهد الذي ورث تركة الانتداب .

    في 2 آذار 1947 وصلت طائرة سعاده إلى بيروت وكان في استقباله حشد شعبي كبير من سائر كيانات الهلال الخصيب ، وألقى في هذا الحشد التاريخي خطاباً نوعياً هز أركان الحكم آنذاك ، حدد فيه موقفه من استقلال لبنان والاحتلال الصهيوني لفلسطين ، معيداً الحزب إلى مبادئه القومية ، وأمام هذا الوضوح الجريء ، لم يكن مستغرباً اندفاع أعداء الحزب في حملة سريعة لاحتواء الموجة القومية العارمة التي هزت أركان الحكم ، فأصدرت الحكومة اللبنانية في أعقاب الاستقبال الكبير مذكرة توقيف بحق أنطون سعاده ، وسيّرت حملات بوليسية لاعتقاله ، لكنه لجأ إلى الجبل في منطقة المتن ، وكانت الحكومة تخشى نتائج عـودة سعاده على الانتخابات النيابية المقررة في أيار 1947 ، فعرقلت نشاطات الحزب ، وأصدرت قراراً بتعطيل جريدة "صدى النهضة" الناطقة باسمه ، لكن سعاده استعاض عنها بجريدة "الشمس" التي عطلت بدورها , فتحول إلى مجلة "الكوكب" حتى آذار 1948 حيث أصدر جريدة "الجيل الجديد" ، وكانت الحكومة قد ألغت مذكرة التوقيف في تشرين الأول 1947 .
    الثورة والاستشهاد

    فور عودة سعادة إلى الوطن خاض معركة إعادة الحزب إلى مساره القومي الاجتماعي في مواجهة بعض أعضاء إدارته العليا وعندما لم تفلح المعالجات الهادئة لعملية الانحراف العقائدي أصدر مرسوماً بطـرد رموز الانحراف وعلى رأسهم نعمة ثابت ومأمون أياس ثم فايز الصايغ لاحقاً .

    بعد انتهاء مفاعيل مذكرة التوقيف وحسم الخلافات الداخلية في الحزب ، تفرغ سعاده للعمل العلني في مواجهة الأوضاع القومية المصيرية ، وبصورة خاصة مسألة الاغتصاب اليهودي لفلسطين ، ومع اقتراب ذكرى وعد بلفور (تشرين الثاني 1948) التي تزامنت مع اجتماع الأمم المتحدة للنظر في الصراع القائم بين أبناء شعبنا في فلسطين والمستوطنين اليهود - الذين كانوا يتوافدون مع أسلحتهم من كافة أنحاء أوروبا وأميركا - أعد سعاده لمهرجان شعبي كبير في بيروت تعبيراً عن الرفض القومي لمشروع تقسيم فلسطين ، لكن الحكومة اللبنانية عطلت المهرجان ، فأصدر سعاده بيانه الشهير حول المسألة الفلسطينية داعياً فيه إلى إطلاق حركـة مواجهة قومية شاملة وإلى تنظيم المقاومة الشعبية المسلحة، مستنهضاً طاقات الأمة لمواجهة الكارثة المقبلة ، في 29 تشرين الثاني 1947 أعلنت الأمم المتحدة قرارها الشهير بتقسيم فلسطين ، وعبثاً حاول الحزب الاشتراك الواسع في الأعمال العسكرية أثناء حرب 1948 ، خصوصاً أن الحكومة اللبنانية حالت دون ذلك بجميع الوسائل ، لكن السوريين القوميين الاجتماعيين في فلسطين ولبنان والشام والأردن تمكنوا من المشاركة في جيش الإنقاذ ، وقدموا عدداً من الشهداء .
    وإزاء النكبة بإعلان قيام "إسرائيل" دولة على أرض فلسطين ، رأى سعاده أن الاعتماد على القوى السياسية المهيمنة على الأنظمة في الكيانات السورية أمر جدوى منه ، وبدأ العمل بهدوء لتشكيل جهاز قيادي من أعضاء الحزب يتولى إطلاق حرب التحرير الشعبية ، وأسس فرقة الزوبعة الحمراء بقيادة الرفيق مصطفى سليمان كنواة لحركة المقاومة القومية ، وبموازاة هذه الخطوة ركز على إعادة بناء الحزب فكرياً وتنظيميا ، باذلاً المزيد من الجهد على إعداد الأجيال الجديدة ، خصوصاً الطلبة الجامعيين ، فأعاد نشاط "الندوة الثقافية" وفتح أبوابها أمام مختلف المثقفين ، وقد نجح بمحاضراته في إطلاق حالة معنوية كبرى في لبنان والشام والأردن وفلسطين ، تحول الحزب جراءها إلى قوة فكرية تنظيمية متفوقة فرضت حضورها القوي على الحياة السياسية في لبنان والشام والاردن، شكلت تياراً ضاغطاً على الأنظمة الكيانية المتخاذلة التي أحست بالحرج الشديد .
    وكان رد فعل الحكومة اللبنانية مباشراً ، إذ أصدرت سلسلة قرارات منعت بموجبها الحزب من عقد الاجتماعات العلنية ، وأدى تعسف حكومة رياض الصلح إلى حدوث عدة صدامات بين أعضاء الحزب والسلطة خلال احتفالات الأول من آذار 1949 .

    في أواخر آذار 1949 قام حسني الزعيم بانقلاب عسكري في دمشق ، وأعلن في حينه أن خطوته تلك جاءت رداً على نكبة فلسطين ، في هذا الوقت كانت السلطة اللبنانية تنسق مع الأحزاب الطائفية والانعزالية الداعمة لها لإنزال ضربة قاصمة بالحزب وكانت الخطة أن يفتعل حزب الكتائب اللبنانية صداماً مسلحاً مع السوريين القوميين الاجتماعيين يكون مبرراً لزج سعاده وأعضاء حزبه في السجن .
    وحسب الخطة ذاتها ، قامت عناصر من الكتائب اللبنانية بمهاجمة مطبعة جريدة "الجيل الجديد" في الجميزة وأحرقتها ، وكان ذلك فاتحة إعلان الحرب على الحزب ، إذ بادرت سلطات الأمن إلى مداهمة مراكز الحزب وبيوت محازبيه ، واعتقلت أعضائه في لبنان ، لكن الحكومة لم تنجح في اعتقال سعاده الذي تمكن من مغادرة بيروت ، وبعد أيام وصل إلى دمشق بعد أن جاءته ضمانات من حسني الزعيم بمنحه اللجوء السياسي .
    وهناك بادر إلى التحضير لعمل منظم يحمي الحزب من الاندثار أمام شراسة السلطة في لبنان ، فأعلن الثورة القومية الاجتماعية الأولى على النظام ولم يكن سعاده يعرف وقتها أنه استدرج إلى فخ في دمشق ، ولكن، لم تمض أسابيع حتى سارع حسني الزعيم بالتنسيق مع السفارة الأميركية في دمشق ، وإثر لقائه مع موشيه شاريت "وزير خارجية الكيان الصهيوني" إلى اعتقال أنطون سعاده في 6 تموز 1949 وسلمه إلى الأمن العام اللبناني في السابع من تموز ، وكان الاتفاق بين حسني الزعيم ورياض الصلح أن تتم تصفية سعاده في الطريق إلى بيروت، لكن الضابط فريد شهاب أبى تنفيذ الأوامر المعطاة لـه. وسلم سعاده إلى نور الدين الرفاعي قائلاً: "إني أسلمك انطون سعاده حياً ولا أريد أن يحمل أحدنا ثأر القوميين" , لكن سعاده أعدم فجر الثامن من تموز بعد محاكمة صورية جرت بسرية تامة ، ولم يعط محامي الدفاع الوقت لإعداد مرافعته ، واعتبرت وصمة في تاريخ القضاء اللبناني ، فقد شكل إعدامه أشهر ملف اغتيال لزعيم سياسي ومفكر قومي تآلبت على نهجه الثوري القوى التقليدية المتحالفة مع أميركا وإسرائيل ، والأنظمة المتضررة من دعوته العنيدة لتوحيد كيانات سوريا الطبيعية وإقامة جبهة عربية واحدة على غرار الوحدة الأوروبية التي نشهد اليوم ارتفاع مداميكها .

    استشهد سعاده فجر الثامن من تموز 1949، قائلاً لجلاديه : أنا أموت أما حزبي فباقٍ . وكان استشهاده أفصح درس تعلمته الأجيال الناهضة في الفداء القومي .

    من مؤلفاته :
    نشوء الأمم - بيروت، مطبعة الاتحاد، 1938، طبعة 2، دمشق، 1959.
    الصراع الفكري في الأدب السوري- بيروت، 1947.
    شروح في العقيدة- بيروت، 1948.
    فاجعة حب وعيد سيدة صيدنايا - بيروت، 1948.
    المحاضرات العشر- دمشق، 1950.
    من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
    في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
    كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


    سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
    نعم للأسد ...
    احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



    Comment


    • #3
      رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

      Click image for larger version

Name:	292728_254293178025953_1300102609_n.jpg
Views:	1
Size:	20.0 KB
ID:	1318082

      شرح المبادئ
      بقلم الزعيم






      غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي :
      غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها ، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية .


      المبادئ الأساسية :
      • المبدأ الأول : سورية للسوريين والسوريون أمة تامة.
      • المبدأ الثاني :القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى.
      • المبدأ الثالث : القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري.
      • المبدأ الرابع : الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي.
      • المبدأ الخامس : الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية. وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق. ويعبر عنها بلفظ عام : الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص.
      • المبدأ السادس : الأمة السورية مجتمع واحد.
      • المبدأ السابع : تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية .
      • المبدأ الثامن : مصلحة سورية فوق كل مصلحة.


      المبادئ الإصلاحية
      :
      • المبدأ الأول : فصل الدين عن الدولة.
      • المبدأ الثاني : منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين.
      • المبدأ الثالث : إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب.
      • المبدأ الرابع : إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة.
      • المبدأ الخامس : إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن.

      شرح المبادئ الأساسية :

      المبدأ الأول :

      سورية للسوريين والسوريون أمة تامة .
      حين ابتدأت أفكر في بعث أمتي ونهضتها وألاحظ الحركات السياسية الاعتباطية القائمة فيها، لاحظت أنه لا يوجد إجماع على تعيين هوّيتنا وحقيقتنا الاجتماعية، ورأيت أن كل عمل قومي صحيح يجب أن يبدأ من هذا السؤال الفلسفي: من نحن ؟ الذي وضعته لأول مرة أمام نفسي، منذ بدء تفكيري القومي الاجتماعي، وطرحته على الشعب في رسالة مني إلى النزالة السورية في البرازيل، بمناسبة وفاة والدي هناك، سنة 1934، والذي شرحت أهميته التأسيسية في أحاديث ومحاضرات عديدة في بداية نشر تعاليمي القومية الاجتماعية. وقد أجبت نفسي بعد هذا التنقيب الطويل فقلت: نحن سوريون ونحن أمة تامة. وكان وضعي هذا المبدأ.

      إن هذه التعاريف المبلبلة التي جزأت حقيقتنا القومية أو أذابتها ومحتها: نحن اللبنانيين، نحن الفلسطينيين،نحن الشاميين، نحن العراقيين، نحن العرب، لم يمكن أن تكون أساساً لوعي قومي صحيح ولنهضة الأمة السورية التي لها دورتها الاجتماعية والاقتصادية في وحدة حياة ووحدة مصير.

      القول بأن السوريين هم أمة تامة، هو إعلان حقيقة أساسية تقضي على البلبلة والفوضى وتضع المجهود القومي على أساس من الوضوح لا يمكن، بدونه، إنشاء نهضة قومية في سورية. والحقيقة أن قومية السوريين التامة وحصول الوجدان الحي لهذه القومية أمران ضروريان لكون سورية للسوريين، بل هما شرطان أوليان لمبدأ السيادة القومية، سيادة الشعب الشاعر بكيانه على وطنه الذي هو أساس حياته وعامل أساسي في تكوين شخصيته. فإذا لم يكن السوريون أمة تامة لها حق السيادة وإنشاء دولة مستقلة، لم تكن سورية للسوريين تحت مطلق تصرفهم، بل كانت عرضة لادعاءات سيادة خارجة عن نطاق الشعب السوري ذات مصالح تتضارب أو يحتمل أن تتضارب مع مصلحة الشعب السوري في الحياة والارتقاء.

      يعني هذا المبدأ سلامة وحدة الأمة السورية وسلامة وحدة وطنها، وانتفاء كل إبهام من الوجهة الحقوقية في أن السوريين أمة هي وحدها صاحبة الحق في ملكية كل شبر من سورية والتصرف به والبت بشأنه.

      ويعني من الوجهة الداخلية أن الوطن ملك عام لا يجوز، حتى ولا لأفراد سوريين، التصرف بشبر من أرضه تصرفاً يلغي، أو يمكن أن يلغي، فكرة الوطن الواحد وسلامة وحدة هذا الوطن الضرورية لسلامة وحدة الأمة السورية.

      كل سوري يرغب في أن يرى أمته حرة، سائدة، مرتقية يجب أن يحفر هذا المبدأ على لوح قلبه حفراً عميقاً.

      إن الذين لا يقولون بأن سورية للسوريين وبأن السوريين أمة تامة يرتكبون جريمة تجريد السوريين من حقوق سيادتهم على أنفسهم ووطنهم، والحزب السوري القومي الاجتماعي يعلنهم باسم ملايين السوريين التائقين إلى الحرية، الراغبين في الحياة والارتقاء، مجرمين.

      المبدأ الثاني :


      القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى .
      يمثل هذا المبدأ فكرة أن جميع المسائل الحقوقية والسياسية التي لها علاقة بأرض سورية أو جماعة سورية هي أجزاء من قضية واحدة غير قابلة التجزئة أو الاختلاط بشؤون خارجية يمكن أن تلغي فكرة وحدة المصالح السورية ووحدة الإرادة السورية. والواقع أن هذا المبدأ هو نتيجة وتكميل للمبدأ الأول. فبما أن سورية للسوريين الذين يشكلون أمة تامة لها حق السيادة، كان من البديهي أن تكون قضيتها، أي قضية حياتها ومصيرها متعلقة بها وحدها ومنفصلة عن كل قضية أخرى تتناول مصالح تخرج عن متناول الشعب السوري. إن هذا المبدأ يحفظ للسوريين وحدهم حق تمثيل قضيتهم والبت في مصير مصالحهم وحياتهم ويجعل قضيتهم قضية كلية غير قابلة التجزئة.

      ويعني هذا المبدأ، من الوجهة الروحية، أن إرادة الأمة السورية التي تمثل مصالحها هي إرادة عامة، وإن مثلهم العليا التي يريدون تحقيقها هي مثل عليا ناشئة من نفسيتهم ــ من مزاجهم الخاص ومواهبهم، لا يمكن أن يسمحوا بتلاشيها أو بالفصل بينهم وبينها أو بخلطها مع أهداف أخرى يمكن أن تضيع فيها. وهذه المثل العليا هي الحرية والواجب والنظام والقوة التي تفيض بالحق والخير الجمال في أسمى صورة ترتفع إليها النفس السورية فلا يمكن أن يمثلها أو يحققها لهم غيرهم، لأن لهم نفسيتهم الخاصة.

      بناء على هذا المبدأ يعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي أنه لا يعترف لأية شخصية أو هيئة غير سورية بحق التكلم باسم المصالح السورية في المسائل الداخلية أو الأنترنسيونية، أو بحق إدخال مصير المصالح السورية في مصالح أمة غير الأمة السورية. إن ملايين الفلاحين والعمال وأصحاب الحرف والمهن والتجارات والصناعات الذين تتألف الأمة السورية منهم لهم إرادة ومصلحة في الحياة يجب أن تبقيا من شأن مجموعهم وحده. لا يعترف الحزب السوري القومي الاجتماعي لأية شخصيّة أو هيئة غير سورية بحق وضع مثلها العليا موضع مثل الأمة السورية العليا.

      المبدأ الثالث :


      القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري .
      يتناول هذا المبدأ تحديد القضية السورية الواردة في المبدأ السابق تحديداً لا يقبل التأويل، وهو يظهر العلاقة الحيوية، غير القابلة الفصل، بين الأمة والوطن. فالأمة بدون وطن معين لا معنى لها، ولا تقوم شخصيتها بدونه، وهذا الوضوح في تحديد القضية القومية يخرج معنى الأمة من الخضوع لتأويلات تاريخية أو سلالية أو دينية مغايرة لوضع الأمة ومنافية لمصالحها الحيوية والأخيرة. إن وحدة الأمة والوطن تجعلنا نتجه نحو فهم الواقع الاجتماعي الذي هو الأمة بدلاً من الضلال وراء أشكال المنطق الصرف وتراكيب الكلام.

      وإن الترابط بين الأمة والوطن هو المبدأ الوحيد الذي تتم به وحدة الحياة ولذلك لا يمكن تصور متحد إنساني اجتماعي من غير بيئة تتم فيها وحدة الحياة والاشتراك في مقوماتها ومصالحها وأهدافها وتمكن من نشوء الشخصية الاجتماعية التي هي شخصية المتحد ــ شخصية الأمة.

      المبدأ الرابع :


      الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي .
      يتبع هذا المبدأ مبدأ التسلسل التحليلي. فهو تحديد لماهية الأمة المذكورة في المواد السابقة. وهو من حيث مدلوله الاثنلوجي يحتاج إلى تدقيق وإمعان. ليس القصد من هذا المبدأ رد الأمة السورية إلى أصل سلالي واحد معين، سامي أو آري، بل القصد منه إعطاء الواقع الذي هو النتيجة الأخيرة الحاصلة من تاريخ طويل يشمل جميع الشعوب التي نزلت هذه البلاد وقطنتها واحتكت فيها بعضها ببعض واتصلت وتمازجت، منذ عهد أقوام العصر الحجري المتأخر السابقة الكنعانيين والكلدان في استيطان هذه الأرض، إلى هؤلاء الأخيرين إلى الأموريين والحثيين والآراميين والأشوريين والأكاديين الذين صاروا شعباً واحداً. وهكذا نرى أن مبدأ الوحدة الاجتماعية الطبيعية لمزيج سلالي متجانس الذي هو المبدأ الوحيد الجامع لمصالح الشعب السوري، الموحد لأهدافه ومثله العليا، المنقذ القضيّة القومية من تنافر العصبيات الدموية البربرية والتفكك القومي.

      إن الذين لا يفقهون شيئاً من مبادئ علم الاجتماع، ولا يعرفون تاريخ بلادهم، يحتجون على هذه الحقيقة بادعاء خلوص الأصل الدموي وتفضيل القول بأصل واحد على الاعتراف بالمزيج الدموي. إنهم يرتكبون خطأين، خطأ علمياً وخطأ فلسفياً. فتجاهل الحقيقة التي هي أساس مزاجنا ونفسيتنا وإقامة وهم مقامها، فلسفة عقيمة تشبه القول بأن خروج جسم يدور على محور عن محوره أفضل لحركته ! أما ادّعاء نقاوة السلالة الواحدة أو الدم فخرافة لا صحة لها في أمة من الأمم على الإطلاق وهي نادرة في الجماعات المتوحشة، ولا وجود لها إلا فيها.

      كل الأمم الموجودة هي خليط من سلالات المفلطحي الرؤوس والمعتدلي الرؤوس والمستطيلي الرؤوس ومن عدة أقوام تاريخية. فإذا كانت الأمة السورية مؤلفة من مزيج من الكنعانيين والآراميين والأشوريين والكلدان والحثيين والأكاديين والمتني فإن الأمة الفرنسية مؤلفة من مزيج من الجلالقة واللغوريين والفرنك الخ. وكذلك الأمة الإيطالية مؤلفة من مزيج من الرومان واللاتين والسمنيين والاتروريين ((الاتروسكيين)) الخ. وقس على ذلك كل أمة أخرى. ((السكسون والدانمركيون والنرمان، هذا ما نحن)) هكذا يقول تنيسن في أمته الإنكليزية. أما أفضلية خلوص الأصل ونقاوة السلالة على الامتزاج السلالي (خصوصاً بين السلالات الراقية المتجانسة) فقد قام الدليل على عكسه، فإن النبوغ السوري وتفوق السوريين العقلي على من جاورهم وعلى غيرهم أمر لا جدال فيه فهم الذين مدنوا الإغريق ووضعوا أساس مدنية البحر المتوسط التي شاركهم فيها الإغريق فيما بعد. لقد كان النبوغ الإغريقي في اثينة المختلطة لا في اسبرطة الفخورة بأنسابها، المحافظة على صفاء دمها.

      ومع ذلك لا بد من الاعتراف بواقع الفوارق السلالية، ووجود سلالات ثقافية، وسلالات منحطة، وبمبدأ التجانس والتباين الدموي أو العرقي. وبهذا المبدأ يمكننا أن نفهم أسباب تفوق السوريين النفسي الذي لا يعود إلى المزيج المطلق بل إلى نوعية المزيج المتجانس الممتازة والمتجانسة تجانساً قوياً مع نوعية البيئة.

      إن مدلول الأمة السورية يشتمل على هذا المجتمع الموحد في الحياة، الذي امتزجت أصوله وصارت شيئاً واحداً، وهو المجتمع القائم في بيئة واحدة ممتازة عرفت تاريخياً باسم سورية وسماها العرب ((الهلال الخصيب)) لفظاً جغرافياً طبيعياً محض لا علاقة له بالتاريخ ولا بالأمة وشخصيتها. فالأصول المشتركة: الكنعانية ــ الكلدانية ــ الآرامية ــ الأشورية ــ الأمورية ــ الحثية ــ المتنية ــ الأكادية ــ التي، وجودها وامتزاجها حقيقة علمية تاريخية لا جدال فيها، هي أساس اتني ــ نفسي ــ تاريخي ـ ثقافي، كما أن مناطق سورية الطبيعية (الهلال الخصيب) هي وحدة جغرافية ــ زراعية ــ إقتصادية ــ إستراتيجية.

      إن هذه الحقيقة الإتنية والجغرافية كانت ضائعة ومشوشة لتبعثرها في الحوادث التاريخية المتعاقبة، التي طمست الآثار وأقامت التعاريف الأجنبية المتعددة مقام حقيقة الواقع، ولتنوع الترجمات المتعددة لحوادث التاريخ القومي. فإن عدداً من المؤرخين قصر تعريف سورية على سورية البيزنطية أو الإغريقية المتأخرة الممتدة من طوروس والفرات إلى السويس، فأخرج الأشوريين والكلدان وتاريخ بابل ونينوى من تاريخ سورية. وإنّ عدداً آخر قصر تعريف سورية على البقعة ما بين كيليكية وفلسطين، فأخرج فلسطين أيضاً من تحديد سورية. وجميع هؤلاء المؤرخين هم أجانب لم يدركوا واقع الأمة السورية وواقع بيئتها وتطورات نشوئها. وقد جاراهم أكثر المشتغلين بالتاريخ من السوريين المتعلمين من التواريخ الأجنبية بلا تحقيق فالتبست علينا الحقيقة وضاعت معها قضيتنا الحقيقية، إلى أن أكملت تنقيبي وتحليلي وتعليلي، وحددت النتيجة في هذه المبادئ وأفصلها بكاملها في كتاب علمي على حدة. إن تاريخ الدول السورية القديمة الأكادية والكلدانية والأشورية والحثية والكنعانية والآرامية والأمورية تدل كلها على اتجاه واحد: الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الهلال السوري الخصيب.

      هذه الحقيقة تجعلنا نفهم الحروب الأشورية والكلدانية للسيطرة على جميع سورية فهماً جديداً يخالف الفهم المستمد من التحديدات غير الصحيحة. فهذه الحروب هي حروب داخلية. هي نزاع على السلطة بين قبائل الأمة الآخذة في التكون والتي استكملت فيما بعد تكونها. وإن الكلدان والآراميين هم شعب واحد في الأصل، ولسان واحد، فاللغة الآرامية هي الكلدانية، والأشوريون هم شق منهم أيضاً.

      لا ينافي هذا المبدأ، مطلقاً، أن تكون الأمة السورية إحدى أمم العلم العربي، أو إحدى الأمم العربية. كما أن كون الأمة السورية أمة عربية لا ينافي أنها أمة تامة لها حق السيادة المطلقة على نفسها ووطنها. ولها، بالتالي، قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى. الحقيقة أن الغفلة عن هذا المبدأ الجوهري هي التي أعطت المذاهب الدينية في سورية المدية، التي قطعتها بين نزعة محمدية عربية ونزعة مسيحية فينيقية ومزقت وحدة الأمة وشتّتت قواها.

      إن هذا المبدأ ينقذ سورية من النعرات الدموية، التي من شأنها إهمال المصلحة القومية العامة والإنصراف إلى الانشقاق والفساد والتخاذل. فالسوريون الذين يشعرون أو يعرفون أنهم من أصل آرامي، لا يعود يهمهم إثارة نعرة دموية آرامية ضمن الأمة والبلاد، ما دام هنالك اتباع لمبدأ الوحدة القومية الاجتماعية والتساوي في الحقوق والواجبات المدنية والسياسية والاجتماعية بدون تمييز بين فارق دموي أو سلالي سوري.

      وكذلك الذي يعلم أنه منحدر من أصل فينيقي (كنعاني) أو عربي أو صليبي لا يعود يهمه سوى مسألة متحده الاجتماعي، الذي تجري ضمنه جميع شؤون حياته، والذي على مصيره يتوقف مصير عياله وذريته وآماله ومثله العليا. هذا هو الوجدان القومي الصحيح. فإذا كانت النعرة الفينيقية هي الـThese والنعرة العربية هي الـAntithese أو بالعكس، أي إذا كانت النعرتان الدينيتان تضعان نظريتين متعارضتين، فمما لاشك فيه أن مبدأ وحدة الأمة السورية المؤلفة من سلالتين أساسيتين مديترانيّة وآرية، من العناصر التي كونت في مجرى التاريخ المزاج السوري والطابع السوري النفسي والعقلي، هو المبدأ الذي يقدم الـSynthese أو المخرج النظري من تعارض النظريتين مذهباً واحداً هو القومية. إن في هذا المبدأ إنهاء جدل عقيم يهمل الواقع المحسوس ويتشبث باللاحسي. جدل يحل علم الكلام محل علم الاجتماع. لا يمكن أن يؤول هذا المبدأ بأنه يجعل اليهودي مساوياً في الحقوق والمطالب للسوري، وداخلاً في معنى الأمة السورية. فتأويل كهذا بعيد جداً عن مدلول هذا المبدأ الذي لا يقول، مطلقاً، باعتبار العناصر المحافظة على عصبيات أو نعرات قومية أو خاصة، غريبة، داخلة في معنى الأمة السورية. إن هذه العناصر ليست داخلة في وحدة الشعب.

      إن في سورية عناصر وهجرات كبيرة متجانسة مع المزيج السوري الأصلي، يمكن ان تهضمها الأمة إذا مر عليها الزمن الكافي لذلك، ويمكن أن تذوب فيها وتزول عصبياتها الخاصة. وفيها هجرة كبيرة لا يمكن بوجه من الوجوه أن تتفق مع مبدأ القومية السورية هي الهجرة اليهودية. إنها هجرة خطرة لا يمكن أن تهضم لأنها هجرة شعب اختلط مع شعوب كثيرة فهو خليط متنافر خطر وله عقائد غريبة جامدة وأهدافه تتضارب مع حقيقة الأمة السورية وحقوقها وسيادتها ومع المثل العليا السورية تضارباً جوهرياً. وعلى السوريين القوميين أن يدفعوا هذه الهجرة بكل قوتهم.

      المبدأ الخامس :


      الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية , وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة , ومن البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص , إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق , ويعبر عنها بلفظ عام : الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص. .
      هذه هي حدود هذه البيئة الطبيعية، التي حضنت العناصر الجنوبية والشمالية المتجانسة التي نزلت واستقرت فيها واتخذتها موطناً لها تدور فيه حياتها، ومكنتها من التصادم ثم من الامتزاج والاتحاد وتكوين هذه الشخصية الواضحة، القوية، التي هي الشخصية السورية، وحبتها بمقومات البقاء في تنازع الحياة. وكما تنبه الكلدان والأشوريون إلى وحدة هذه البلاد، من الداخل، وسعوا لتوحيدها سياسياً، لعنايتهم بالدولة البرية، وكما عرف هذه الحقيقة كل شعوب هذه البيئة واهتموا بالمحالفات وإنشاء نوع من اللامركزية في بعض الأزمنة، كذلك تنبه العرب في دقة ملاحظتهم السطحية إلى وحدتها الجغرافية الطبيعية فسموها " الهلال الخصيب ".

      إن سر بقاء سورية وحدة خاصة وأمة ممتازة، مع كل ما مر عليها من غزوات من الجنوب والشمال والشرق والغرب، هو في هذه الوحدة الجغرافية البديعة وهذه البيئة الطبيعية المتنوعة الممكنات من سهول وجبال وأودية وبحر وساحل، هذا الوطن الممتاز لهذه الأمة الممتازة. وهي هذه الوحدة الجغرافية، التي جعلت سورية وحدة سياسية، حتى في الأزمنة الغابرة، حين كانت هذه البلاد مقسمة إلى كنعانيين وآراميين وحثيين وأموريين وأشوريين وكلدانيين. وقد ظهرت هذه الوحدة السياسية في عقد المحالفات أثناء أخطار الحملات المصرية وغيرها، وفي الحملات السورية على مصر من أيام "الهكسوس"، كما ظهرت مكتملة نهائياً، فيما بعد، في تكوين الدولة السورية في العهد السلوقي، التي صارت امبراطورية قوية بسطت سلطتها على آسية الصغرى وامتدت فتوحاتها إلى الهند.

      إن فقد الأمة السورية سيادتها على نفسها ووطنها، بعامل الفتوحات الخارجية الكبرى، وإخضاع البلاد السورية لسيادات خارجية عرّض البلاد إلى تجزئة وإطلاق تسميات سياسية متجزئة عليها. ففي العهد البيزنطي ــ الفارسي بسطت الدولة البيزنطية سيادتها على سورية الغربية كلها واقتصر اسم سورية على هذا القسم، وبسطت الدولة الفارسية سيادتها على سورية الشرقية (ما بين النهرين أو أراضي أشور وبابل القديمة) وأطلقت عليها اسم "ايراه" الذي عربه العرب فصار العراق. وبعد الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918) بسطت السيادة الأجنبية المثناة (بريطانية وفرنسة) على سورية الطبيعية وجزئت حسب المصالح والأغراض السياسية وحصلت التسميات: فلسطين، شرق الأردن، لبنان، سورية (الشام)، كيليكية، العراق. فتقلص اسم سورية إلى منطقة الشام المحدودة. وكانت قد أخرجت جزيرة قبرص من حدود سورية مع أنها قطعة من أرضها في الماء. إن سورية الطبيعية تشمل جميع هذه المناطق التي تكون وحدة جغرافية ــ زراعية ــ إقتصادية ــ إستراتيجية لا يمكن قيام قضيتها القومية الاجتماعية بدون اكتمالها.

      أشرت في شرح المبدأ الرابع إلى تضارب التواريخ الأجنبية في تحديد سورية ومتابعة المؤلفين والكاتبين في التاريخ من السوريين التواريخ الأجنبية في تعاريفها واعتمادهم بالأكثر التحديد الذي عرف في العهد البيزنطي ــ القارسي، الذي جعل حدود سورية الشمالية الشرقية نهر الفرات وسمى القسم الشرقي، ما بين النهرين، "ايراه".

      وإن اقتسام البيزنطيين والفرس سورية فيما بينهم وإقامة الحواجز بين سورية الشرقية وسورية الغربية عرقل كثيراً، وإلى مدة طويلة، النمو القومي ودورة الحياة الاجتماعية والاقتصادية ونتج عن ذلك إبهام في حقيقة حدود سورية.

      وزاد الطين بلة هجوم الصحراء ودخولها في تجويف الهلال السوري الخصيب بعامل تناقص السكان وتقلص العمران بسبب الحروب والغزوات، وبعامل قطع الغابات وتجريد مناطق واسعة جداً من البلاد من حرجاتها. وإن عدم وجود دراسات سابقة، موثوقة في أسباب زيادة الجفاف في تجويف الهلال السوري الخصيب وتناقص العمران فيه، ساعد على اعتبار التمدد الصحراوي حالة طبيعية دائمة، الأمر الذي أثبت بطلانه تحقيقي الأخير.

      إن تحقيقي أثبت وحدة البلاد وأعطى التعليل الصحيح لوضعها وأسباب تجزئتها الخارجة عن حقيقتها. فثبت منطقة ما بين النهرين ضمن الحدود السورية وأصلحت التعبير الأول "ضفاف دجلة" الذي كنت اعتمدته، بجعله أوضح وأكمل بإعطائه مدى معنى منطقة ما بين النهرين التي تصل حدودها إلى جبال البختياري، إلى الجبال التي تعين الحدود الطبيعية بين سورية الشرقية وإيران.

      أما جزيرة قبرص فقد أحتلها الفينيقيون من قديم الزمان، وصارت من مراكزهم الهامة، وفيها ولد الفيلسوف السوري الفينيقي زينون صاحب المدرسة الرواقية.

      إن سورية الوطن هي عنصر أساسي في القومية السورية وكل سوري قومي يجب أن يعرف حدود وطنه ويبقي صورة بلاده الجميلة ماثلة لعينيه، ليجدر به أن يكون سورياً قومياً صحيحاً. ولكي يقدر السوري القومي الاجتماعي أن يحفظ حقوقه وحقوق ذريته في هذا الوطن الجميل، يجب عليه أن يفهم جيداً وحدة أمته، ووحدة حقوقها، ووحدة الوطن، وعدم قابلية تجزئته.

      قلت في كتابي الأول من "نشوء الأمم" إن فاعلية الأمة وحيويتها تعدل حدودها الطبيعية، فإذا كانت الأمة قوية نامية تغلبت على الحدود وامتدت وراءها فتوسع حدودها، وإذا كانت الأمة ضعيفة ذاوية تقلصت عن حدودها الطبيعية. وبعد انهيار الدول السورية العظمى طمت على الأمة السورية موجة ضعف وتقلص، فتراجعت عن حدودها، وخسرت قبرص لليونان ومن أتى بعدهم وخسرت شبه جزيرة سيناء لمصر، وكيليكية للأتراك، وجزأتها الدول التي غزتها واحتلت وطنها أو بعض أجزائه. إن النهضة القومية الاجتماعية تعبر عن عودة فاعلية الأمة السورية وحيويتها إليها، لتعود إلى القوة والنمو واستعادة ما خسرته من بيئتها الطبيعية.

      المبدأ السادس :


      الأمة السورية مجتمع واحد .
      إلى هذا المبدأ الأساسي تعود بعض المبادئ الإصلاحية التي سيرد ذكرها وتفصيلها (فصل الدين عن الدولة، إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب). وهذا المبدأ هو من أهم المبادئ التي يجب أن تبقى حاضرة في ذهن كل سوري.فهو أساس الوحدة القومية الحقيقي، ودليل الوجدان القومي، والضمان لحياة الشخصية السورية واستمرارها. أمة واحدة ــ مجتمع واحد. فوحدة الممجتمع هي قاعدة وحدة المصالح، ووحدة المصالح، هي وحدة الحياة. وعدم الوحدة الاجتماعية ينفي المصلحة العامة، التي لا يمكن التعويض عنها بأية ترضيات وقتية.

      في الوحدة الاجتماعية تضمحل العصبيات المتنافرة والعلاقات السلبية وتنشأ العصبية القومية الصحيحة، التي تتكفل بإنهاض الأمة.

      في الوحدة الاجتماعية تزول الحزبيات الدينية وآثارها السيئة وتضمحل الأحقاد وتحل المحبة والتسامح القوميان محلها، ويفسح المجال للتعاون الاقتصادي وللشعور القومي الموحد، وتنتفي مسهلات دخول الإرادات الأجنبية في شؤون أمتنا الداخلية.

      إن الاستقلال الصحيح، والسيادة الحقيقية، لا يتمان ويستمران إلا على أساس وحدة اجتماعية صحيحة. وعلى أساس هذه الوحدة فقط، يمكن إنشاء دولة قومية صحيحة وتشريع قومي اجتماعي مدني صحيح، ففيه أساس عضوية الدولة الصحيحة وفيه يؤمن تساوي الحقوق لبناء الأمة.

      المبدأ السابع :


      تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي .
      قصد واضع تعاليم الحزب السوري القومي الاجتماعي بهذا المبدأ تأسيس الاستقلال الروحي، الذي يمثل الشخصية القومية ومزاياها ومثلها العليا وأهدافها. فالحزب السوري القومي الاجتماعي يعتقد أنه لا يمكن توليد نهضة سورية إلا بعامل نفسية سورية أصلية مستقلة. والحقيقة أن من أهم عوامل فقدان الوجدان السوري القومي، أو من عوامل ضعفه، إهمال نفسية الأمة السورية الحقيقية، الظاهرة في إنتاج رجالها الفكري والعملي، وفي مآثرها الثقافية، كاختراع الأحرف الهجائية، التي هي أعظم ثورة فكريّة ثقافية حدثت في العالم، وإنشاء الشرائع التمدنية الأولى، ناهيك بآثار الاستعمار والثقافة السورية الماديّة ــ الروحية والطابع العمراني، الذي نشرته سورية في البحر السوري، المعروف في الجغرافية بالمتوسط، وبما خلّده سوريون عظام كزينون وبار صليبي ويوحنا فم الذهب وافرام والمعري وديك الجن الحمصي والكواكبي وجبران وطائفة كبيرة من مشاهير الأعلام قديماً وحديثاً.

      أضف إلى ذلك قوادها ومحاربيها الخالدين من سرجون الكبير إلى أسرحدون وسنحاريب ونبوخذ نصر وأشور باني بال وتقلاط فلاصر إلى حنون الكبير إلى هاني بعل أعظم نابغة حربي في كل العصور وكل الأمم إلى يوسف العظمة الثاوي في ميسلون.

      إننا نستمد مثلنا العليا من نفسيتنا، ونعلن أن في النفس السورية كل علم وكل فلسفة وكل فن في العالم.

      إذا لم تقو النفسية السورية وتنزه عن العوامل الخارجية وسيطرة النفسيات الغريبة، فإن سورية تبقى فاقدة عنصر الإستقلال الحقيقي وفاقدة المثل العليا لحياتها.

      المبدأ الثامن :


      مصلحة سورية فوق كل مصلحة .
      ليس هنالك أثمن من هذا المبدأ في العمل القومي. فهو أولاً، دليل النزاهة للعاملين. ومن جهة أخرى يوجه العناية إلى الغاية الحقيقية من العمل القومي، التي هي مصلحة الأمة السورية وخيرها. إنه مقياس الحركات والأعمال القومية كلها. وبهذا المبدأ الواقعي يمتاز الحزب السوري القومي الاجتماعي على كل الفئات السياسية في سورية، فوق ما يمتاز بمبادئه الأخرى، في أنه يقصد المصلحة المحسوسة المعينة التي تتشارك فيها حاجات ملايين السوريين وحالات حياتهم. إنه ينقذنا من الحوم حول معان للجهاد القومي هي من باب اللامحسوس أو غير المفيد.

      إن هذا المبدأ يقيد جميع المبادئ بمصلحة الشعب فلا يعود الشعب يقاد بالدعوات لمبادئ تخدم مصالح غير مصلحته هو.

      إن حياة الأمم هي حياة حقيقية، لها مصالح حقيقية وإذا كان الحزب السوري القومي الاجتماعي قد تمكن من إحداث هذه النهضة القومية الباهرة في وطننا، فالفضل في ذلك يعود إلى أنه يمثل مصلحة الأمة السورية الحقيقية وإرادتها في الحياة.

      وإن سورية تمثل لنا شخصيتنا الاجتماعية ومواهبنا وحياتنا المثلى ونظرتنا إلى الحياة والكون والفن، وشرفنا وعزنا ومصيرنا، لذلك هي لنا فوق كل اعتبار فردي وكل مصلحة جزئية.


      شرح المبادئ الإصلاحية :


      المبدأ الأول :

      فصل الدين عن الدولة .
      إن أعظم عقبة في سبيل تحقيق وحدتنا القومية وفلاحنا القومي هي تعلق المؤسسات الدينية بالسلطة الزمنية وتشبث المراجع الدينية بوجوب كونها مراجع السيادة في الدولة وقبضها على زمام سلطاتها أو بعض سلطاتها، على الأقل. والحقيقة أن معارك التحرر البشري الكبرى كانت تلك، التي قامت بين مصالح الأمم ومصالح المؤسسات الدينية المتشبثة بمبدأ الحق الإلهي والشرع الإلهي في حكم الشعوب والقضاء فيها. وهو مبدأ خطر استعبد الشعوب للمؤسسات الدينية استعباداً أرهقها.

      ولم تنفرد المؤسسات الدينية باستعمال مبدأ الحق الإلهي والإرادة الإلهية، بل استعملته الملكية المقدسة أيضاً، التي ادعت استمداد سلطانها من إرادة الله وتأييد المؤسسات الدينية لا من الشعب. في الدولة التي لا فصل بينها وبين الدين، نجد أن الحكم هو بالنيابة عن الله، لا عن الشعب. وحيث خف نفوذ الدين في الدولة عن هذا الغلو نجد السلطات الدينية تحاول دائماً أن تظل سلطات مدنية ضمن الدولة.

      الدولة الدينية، التيوكراطية، منافية للمبادئ القومية، لأنها تقول بسيطرة المؤسسة الدينية على مجموع المؤمنين كمزاعم البابوية والخلافة. فالبابا هو أمير المؤمنين أينما وجدوا وكذلك الخليفة. ليس في الدين أمة ومصالح شعوب، بل مجموع من المؤمنين تسيطر عليه مؤسسة دينية ممركزة. ومن هذه الوجهة نرى الدين شيئاً دنيوياُ، سياسياً، إدارياً تحتكره المؤسسة الدينية المقدسة. هذه هي الوجهة الدنيا من الدين. هي الوجهة التي كان الدين ولا يزال يصلح لها حين كان الإنسان لا يزال في طور بربريته أو قريباُ منها، أما في عصرنا الثقافي فإنه لم يعد يصلح.

      هذه هي الوجهة التي يحاربها الحزب السوري القومي الاجتماعي، لا الأفكار الدينية الفلسفية أو اللاهوتية، المتعلقة بأسرار النفس والخلود والخالق وما وراء االمادة.

      إن فكرة الجامعة الدينية السياسية منافية للقومية عموماُ وللقومية السورية خصوصاً، فتمسك السوريين المسيحيين بالجامعة الدينية يجعل منهم مجموعاً ذا مصلحة متضاربة مع مصالح مجاميع دينية أخرى ضمن الوطن، ويعرض مصالحهم للذوبان في مصالح الأقوام التي تربطهم بها رابطة الدين. وكذلك تشبث السوريين المحمديين بالجامعة الدينية يعرض مصالحهم للتضارب مع مصالح أبناء وطنهم الذين هم من غير دينهم، وللتلاشي في مصالح الجامعة الكبرى، المعرضة أساسياً، لتقلبات غلبة العصبيات، كما تلاشت في العهد العباسي والعهد التركي. ليس من نتيجة للقول بالجامعة الدينية سوى تفكك الوحدة القومية والأنخذال في ميدان الحياة القومية.

      القومية لا تتأسس على الدين، ولا تتأسس عليه الدولة القومية. لذلك نرى أن أكبر جامعتين مدنيتين سياسيتين، كما نجحتا بصفة كونهما جامعتين روحيتين ثقافيتين. إن الجامعة الدينية الروحية لا خطر منها ولا خوف عليها. أما الجامعة الدينية، المدنية والسياسية، فتجلب خطراً كبيراُ على الأمم والقوميات ومصالح الشعوب، ولنا في العهد التركي الأخير (العثماني) أكبر دليل على ذلك.

      إن الوحدة القومية لا يمكن أن تتم على أساس جعل الدولة القومية دولة دينية، لأن الحقوق والمصالح تظل حقوقاُ ومصالح دينية، أي حقوق ومصالح الجماعة الدينية المسيطرة. وحيث تكون المصالح والحقوق مصالح وحقوق الجماعة الدينية، تنتفي الحقوق والمصالح القومية التي تعتبر أبناء الأمة الواحدة مشتركين في مصالح واحدة وحقوق واحدة. وبدون وحدة المصالح ووحدة الحقوق لا يمكن أن تتولد وحدة الواجبات ووحدة الإرادة القومية.

      بهذه الفلسفة القومية الحقوقية تمكن الحزب السوري القومي الاجتماعي من وضع أساس الوحدة القومية وإيجاد الوحدة القومية بالفعل.

      المبدأ الثاني :


      منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين .
      الحقيقة أنه ليس لهذا المبدأ صفة مجردة عن المبدأ السابق، ولم يكن لزوم لوضع معناه في مادة مستقلة، لولا ما ذكرناه من محاولة المؤسسات الدينية الاحتقاظ بصفة السلطة المدنية، أو اكتساب هذه الصفة، حتى بعد وضع مبدأ فصل الدين عن الدولة موضع التنفيذ. والمقصود منه هو وضع حد لتدخل المؤسسات الدينية مداورة (غير مباشرة) في مجرى الشؤون المدنية والسياسية وبسط نفوذها بقصد تحويل سياق الأمور ليكون في مصلحتها.

      إن هذا المبدأ يعين ما يفهم من فصل الدين عن الدولة، لكي لا يبقى المعنى حائراً معرضاُ لتأويلات غير صحيحة. فالإصلاح يجب ألا يقتصر على الوجهة السياسية وأن يتناول الوجهة الحقوقية ــ القضائية أيضاً.

      إن الأحوال القومية المدنية والحقوق العامة لا يمكن أن تستقيم حيث القضاء متعدد أو متضارب ومقسم على المذاهب الدينية الأمر الذي يمنع وحدة الشرائع الضرورية لوحدة النظام.

      لا بد، للدولة القومية الاجتماعية، من وحدة قضائية ــ وحدة شرعية. وهذه الوحدة، التي تجعل جميع أعضاء الدولة يحسون أنهم متساوون أمام القانون الواحد، هي أمر لا غنى عنه.

      لا يمكن أن تكون لنا عقلية واحدة ونعمل بمفاهيم مختلفة متنافية مع وحدة المجتمع.

      المبدأ الثالث :


      إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب .
      مما لا شك فيه أن بين طوائف ومذاهب أمتنا حواجز تقليدية ليست من الضروريات الدينية. إن في أمتنا تقاليد متنافرة، مستمدة من أنظمة مؤسساتنا الدينية والمذهبية، كان لها أكبر تأثير في إضعاف وحدة الشعب الاجتماعية والاقتصادية وتأخير نهضتنا القومية الاجتماعية. وما دامت هذه الحواجز التقليدية قائمة، تذهب دعواتنا إلى الحرية والإستقلال صيحات ألم وتأوهات عجز. إنه لا يحسن بنا أن نعرف الداء ونتجاهل الدواء. نحن السوريين القوميين الاجتماعيين لا نفعل كالدجالين، الذين يدعون إلى الاتحاد ويجهلون روابط الاتحاد، وينادون بالوحدة ولا يقصدون منها سوى غرض في النفس.

      كل أمة تريد أن تحيا حياة حرة مستقلة تبلغ فيها مثلها العليا يجب أن تكون ذات وحدة روحية متينة. والوحدة الروحية المتينة لا يمكن أن تنشأ في حال انعزال كل جماعة من جماعات الأمة الدينية ضمن نطاق اجتماعي ــ حقوقي انعزالاً يجعل منها نفسية وعقلية مستقلتين عن نفسيات وعقليات الجماعات الأخرى لئلا ينشأ من ذلك اختلاف في الأغراض والأهداف.

      إن الوحدة القومية لا يمكن أن تتم إلا بإزالة أسباب الاختلاف. والحواجز الاجتماعية ــ الحقوقية بين مذاهب وطوائف الأمة الواحدة هي المانع من الوحدة القومية الروحية ــ المادية.

      الوحدة شيء حقيقي لا وهمي، فلا تتركن الحقيقة وتتعلقن بالوهم.

      يجب أن نقف في العالم أمة واحدة، لا أخلاطاً وتكتلات متنافرة النفسيات.

      الحواجز الاجتماعية ــ الحقوقية بين طوائف الأمة تعني إبقاء داء الحزبيات الدينية الوبيل. فيجب تحطيم الحواجز المذكورة لجعل الوحدة القومية حقيقة، ولإقامة النظام القومي الاجتماعي الذي يهب الأمة الصحة والقوة.

      المبدأ الرابع:


      إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة .
      هل في سورية إقطاع ونظام إقطاعي؟ لا ونعم. لا، لأن الإقطاع غير معترف به قانونياُ. ونعم، لأن في سورية، في جهات متفرقة، حال إقطاعية من الوجهتين الاقتصادية والاجتماعية. إن في سورية إقطاعات حقيقية تؤلف جزءاً لا يستهان به من ثروة الأمة، ولا يمكن بوجه من الوجوه حسبانها ملكاُ شخصياُ، ومع ذلك فهي لا تزال وقفاً على "بكوات" إقطاعيين يتصرفون بها أو يهملونها كيفما شاؤوا، مهما كان في ذلك من الضرر للمصلحة القومية. ومنهم فئة تهمل هذه الإقطاعات وتغرق في سوء التصرف بها إلى حد يوقعها في عجز مالي ينتهي بتحويل الأرض إلى المصارف الأجنبية، الرسمال الأجنبي، البلوتكراطية الأجنبية. والحزب السوري القومي الاجتماعي يعتبر أن وضع حد لحالة من هذا النوع تهدد السيادة القومية والوحدة الوطنية، أمر ضروري جداً.

      إن هذه الإقطاعات كثيراً ما يكون عليها مئات وألوف من الفلاحين يعيشون عيشة زرية في حالة من الرق يرثى لها. وليست الحالة التي هم عليها غير إنسانية فحسب، بل هي منافية لسلامة الدولة بإبقائها قسماً كبيراً من الشعب العامل والمحارب في حالة مستضعفة، وخيمة العاقبة على سلامة الأمة والوطن، فضلاً عن إبقائها قسماً كبيراً من ثروة الأمة في حوزتها وفي حالة سيئة من الاستعمال. إن الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يستطيع السكوت على هذه الحالة. أما تنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج فهو الطريقة الوحيدة لإيجاد التوازن الصحي بين توزيع العمل وتوزيع الثروة. كل عضو في الدولة يجب أن يكون منتجاً بطريقة من الطرق.

      وفي حالة من هذا النوع يتوجب تصنيف الإنتاج والمنتجين، بحيث يمكن ضبط التعاون والاشتراك في العمل على أوسع قياس ممكن، وضبط نوال النصيب العادل من النتاج، وتأمين الحق في العمل والحق في نصيبه.

      يضع هذا المبدأ حداً للتصرف الفردي المطلق في العمل والإنتاج، الذي يجلب أضراراً اجتماعية كبيرة، لأنه ما من عمل أو إنتاج في المجتمع إلا وهو عمل أو إنتاج مشترك أو تعاوني. فإذا ترك للفرد الرسمالي حرية مطلقة في التصرف بالعمل والإنتاج، كان لا بد من وقوع إجحاف بحق العمل وكثير من العمال. إن ثروة الأمة العامة يجب أن تخضع لمصلحة الأمة العامة وضبط الدولة القومية.

      لا يمكن تنمية موارد القوة والتقدم في الدولة إلى الحد الأعلى إلا بهذا المبدأ وهذه الطريقة. إن الحزب السوري القومي الاجتماعي يريد وحدة قومية متينة، قوية تثبت بها الأمة السورية في معترك الحياة والتفوق. وهذه الوحدة القومية القوية لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اقتصادي سيء، كما أنه لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اجتماعي سيء. فإقامة العدل الاجتماعي ــ الحقوقي والعدل الاقتصادي ــ الحقوقي أمر ضروري لفلاح النهضة السورية القومية الاجتماعية.

      إن الإنتاج المشترك هو حق عام لا حق خاص. والرسمال الذي هو ضمان استمرار الإنتاج وزيادته هو، بالتالي، وبما أنه حاصل الإنتاج، ملك قومي عام مبدئياً، وإن كان الأفراد يقومون على تصريف شؤونه بصفة مؤتمنين عليه وعلى تسخيره للإنتاج. وإن الاشتراك في الإنتاج، اشتراكاُ فعلياُ، شرط للاشتراك في الحق العام. بهذا التنظيم الاقتصادي نؤمن نهضتنا الاقتصادية وتحسين حياة ملايين العمال والفلاحين وزيادة الثروة العامة وقوة الدولة القومية الاجتماعية.

      المبدأ الخامس :


      إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن .
      إن تنازع موارد الحياة والتفوق بين الأمم هو عبارة عن عراك وتطاحن بين مصالح القوميات. ومصلحة الحياة لا يحميها في العراك سوى القوة، القوة بمظهرها المادي والنفسي ( العقلي ). والقوة النفسية، مهما بلغت من الكمال، هي أبداً محتاجة إلى القوة المادية، بل إن القوة المادية دليل قوة نفسية راقية. لذلك فإن الجيش وفضائل الجندية هي دعائم أساسية للدولة.

      إن الحق القومي لايكون حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة الأمة. فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره.

      وإن ما نعنيه بالجيش هو جميع أقسامه البرية والبحرية والجوية، فإن الحرب التي ارتقى فنها ارتقاء كبيراُ توجب أن يكون تأهبنا كبيراُ.

      الأمة السورية كلها يجب أن تصبح قوية مسلحة.

      لقد اضطررنا إلى النظر بحزن إلى أجزاء من وطننا تسلخ عنه وتضم إلى أوطان أمم غريبة لأننا كنا فاقدين نظامنا الحربي، وقوتنا الحربية. إننا نريد أن لا نبقى في هذه الحالة من العجز. إننا نريد أن نحول جزرنا إلى مد نستعيد به كامل أرضنا وموارد حياتنا وقوتنا.

      إن اعتمادنا في نيل حقوقنا والدفاع عن مصالحنا على قوتنا. نحن نستعد للثبات في تنازع البقاء والتفوق نصيبنا!

      غاية الحزب وخطته :

      يتضح جلياً من نص هذه المادة أن النهضة القومية، البعث القومي، هي محور اهتمام الحزب السوري القومي الاجتماعي، ويتضمن معنى النهضة القومية الاجتماعية تأسيس فكرة الأمة وتأمين حياة الأمة السورية ووسائل تقدمها وتجهيزها بقوة الاتحاد المتين والتعاون القومي الصحيح، وإقامة نظام قومي اجتماعي جديد.

      فغاية الحزب بعيدة المدى، عالية الأهمية، لأنها لا تقتصر على معالجة شكل من الأشكال السياسية، بل تتناول القومية من أساسها واتجاه الحياة القومية. إن غرض الحزب هو توجيه حياة الأمة السورية نحو التقدم والفلاح، هو تحريك عناصر القوة القومية فيها لتحطيم قوة التقاليد الرثة وتحرير الأمة من قيود الخمول والسكون إلى عقائد متهرئة، والوقوف سداً منيعاً ضد المطامع الأجنبية تهدد مصالح ملايين السوريين وكيانهم، وإنشاء تقاليد جديدة ترسخ فيها نظرتنا الجديدة إلى الحياة ومذهبنا القومي الاجتماعي.

      إن غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها ومن جميع وجوهها. إنها غاية تشمل جميع قضايا المجتمع القومي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية والمناقبية وأغراض الحياة الكبرى. فهي تحيط بالمثل العليا القومية وبالغرض من الاستقلال وبإنشاء مجتمع قومي صحيح. وينطوي تحت ذلك تأسيس عقلية أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقبي جديد، وهو ما تشتمل عليه مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الأساسية والإصلاحية التي تكون قضية ونظرة إلى الحياة كاملة، أي فلسفة كاملة.

      وإن إيجاد جبهة من أمم العالم العربي تكون سداً ضد المطامع الأجنبية الاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار المسائل السياسية الكبرى، هو جزء متمم لغاية الحزب السياسية من الوجهة الخارجية. إن سورية هي إحدى أمم العالم العربي، وإنها هي الأمة المؤهلة لقيادة العالم العربي، وما النهضة السورية القومية الاجتماعية إلا البرهان القاطع على هذه الأهلية.

      من البديهي أن الأمة التي لا عصبية لها تكفل القيام بنهضتها هي نفسها، ليست بالأمة التي ينتظر منها أن تنهض الأمم وتقودها في مراقي الفلاح. إن القومية السورية هي الطريقة العملية الوحيدة والشرط الأول لنهضة الأمة السورية وتمكينها من الاشتغال في القضية العربية.

      إن الذين يعتقدون أن الحزب القومي الاجتماعي يقول بتخلي سورية عن القضية العربية، لأنهم لا يفهمون الفرق بين النهضة السورية القومية الاجتماعية والقضية العربية، ضلالاً بعيداً.

      إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي. ولكننا نريد، قبل كل شيء، أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بمهمتها الكبرى. إن الفكرة الشاملة التي أوجدها الحزب السوري القومي الاجتماعي تكون قضية مثالية في الحياة القومية. وليس يريد الحزب حصر هذه الفكرة السامية ونتائجها الخطيرة في سورية بل هو يريد حملها إلى الأمم العربية الشقيقة عن طريق العمل الثقافي وتبادل الآراء والتفاهم، لا عن طريق إلغاء شخصيات الأمم العربية وفرض النظريات عليها فرضاً.

      أما الوجهة السياسية من غاية الحزب، فمن الناحية الداخلية يعتبر الحزب أن المسألة اللبنانية نشأت لمبررات جزئية كانت صحيحة حين كانت فكرة الدولة دينية. ولكن مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي قد أوجدت الأساس الاجتماعي ــ الحقوقي القومي. وبتحقيق مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي تزول المبررات التي أوجبت انعزال لبنان.

      ومن ناحية العالم العربي يرى الحزب سلك طربق المؤتمرات والمحالفات التي هي الطريق العملية الوحيدة لحصول تعاون الأمم العربية وإنشاء جبهة عربية لها وزنها في السياسة الانترنسيونية.

      ولكن السيادة القومية مبدأ يجب المحافظة عليه في جميع المحالفا
      ت والعقود .
      من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
      في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
      كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


      سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
      نعم للأسد ...
      احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



      Comment


      • #4
        رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

        Click image for larger version

Name:	251497_212882965418085_3913120_n.jpg
Views:	1
Size:	38.5 KB
ID:	1318083


        ما دفعني إلى إنشاء الحزب السوري القومي الاجتماعي
        أنطون سعادة


        كنت حدثاً عندما نشبت الحرب الكبرى سنة 1914 ولكني كنت قد بدأت أشعر وأدرك وكان أول ما تبادر إلى ذهني ، وقد شاهدت ما شاهدت وشعرت بما شعرت وذقت ما ذقت مما مني به شعبي .
        هذا السؤال : ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟.

        ومنذ وضعت الحرب أوزارها أخذت أبحث عن جواب لهذا السؤال وحل للمعضلة السياسية المزمنة التي تدفع شعبي من ضيق إلى ضيق فلا تنقذه من دب إلا لتوقعه في جب.

        وكان أن سافرت أوائل سنة 1920 وقد بعثت الأحقاد المذهبية من مراقدها والأمة لما تدفن أشلاءها.

        ولم تكن الحال في المهجر أحسن إلا قليلاً , فقد فعلت الدعاوات فعلها في المهاجرين فانقسموا شيعاً , وكانوا كلهم سوريين. ولكن فئة كبيرة منهم خضعت للنعرات المذهبية فنشأت هناك أيضاً الفكرة اللبنانية التي هي نتيجة بقاء زعامة المؤسسات الدينية وسلطانها ونفوذها.

        وبديهي أني لم أكن أطلب الإجابة على السؤال المتقدم من أجل المعرفة العلمية فحسب. فالعلم الذي لا يفيد كالجهالة التي لا تضر. وإنما كنت أريد الجواب من أجل اكتشاف الوسيلة الفعالة لإزالة أسباب الويل، وبعد درس أولي منظم قررت أن فقدان السيادة القومية هو السبب الأول في ما حل بأمتي وفي ما يحل بها. وهذا كان فاتحة عهد درسي المسألة القومية ومسألة الجماعات عموماً والحقوق الاجتماعية وكيفية نشوئها. في أثناء درسي أخذت أهمية معنى الأمة وتعقدها في العوامل المتعددة تنمو نموها الطبيعي في ذهني. وفي هذه المسألة ابتدأ انفرادي عن كل الذين اشتغلوا في سياسة بلادي ومشاكلها القومية. هم اشتغلوا للحرية والاستقلال مطلقين فخرج هذا الاشتغال عن العمل القومي بالمعنى الصحيح أما أنا فأردت "حرية أمتي واستقلال شعبي في بلادي". والفرق بين هذا المعنى التعييني والمعنى السابق المطلق المبهم واضح. وكنت أحاول في جميع الأحزاب والجمعيات السورية التي اتفق لي الانخراط فيها أو تأسيسها أو الاتصال بها أن أوجه الأفكار إلى ما وصلت إليه فلم أوفق كثيراً.

        يمكنني أن أعين موقفي بالنسبة إلى موقف المتزعمين السياسيين من قومي بأن موقفي أخذ يتجه رويداً حتى ثبت على الأساس القومي بينما موقفهم كان ولم يزل على الأساس السياسي. والسياسة من أجل السياسة لا يمكن أن تكون عملاً قومياً.

        بناء عليه، ولما كان العمل القومي الشامل المتناول مسألة السيادة القومية ومعنى لأمة لا يمكن أن يكون عملاً خالياً من السياسة رأيت أن أسير إلى السياسة باختطاط طريق نهضة قومية اجتماعية جديدة تكفل تصفية العقائد القومية وتوحيدها وتوليد العصبية (Esprit De Corps) الضرورية للتعاون القومي في سبيل التقدم والدفاع عن الحقوق والمصلحة القومية.

        ولما كانت دروسي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وقد أوصلتني إلى تعيين أمتي تعييناً مضبوطاً بالعلوم المتقدمة وغيرها، وهو حجر الزاوية للبناء القومي، وإلى تعيين مصلحة أمتي الاجتماعية والسياسية من حيث حالاتها الداخلية ومشاكلها الداخلية والخارجية وجدت أن لا بد لي من إيجاد وسائل تؤمن حماية النهضة القومية الاجتماعية الجديدة في سيرها. ومن هنا نشأت فيَّ فكرة إنشاء حزب سري يجمع في الدرجة الأولى عنصر الشباب النزيه البعيد عن مفاسد السياسة المنحطة. فأسست الحزب السوري القومي الاجتماعي ووحدت فيه العقائد القومية في عقيدة واحدة هي "سورية للسوريين والسوريون أمة تامة" ووضعت مبادئ الجهة الإصلاحية كفصل الدين عن الدولة وجعل الإنتاج أساس توزيع الثروة والعمل وإيجاد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن واتخذت الصفة السرية للحزب صيانة له من هجمات الفئات التي تخشى نشوءه ونموه ومن السلطات التي قد لا ترغب في وجوده. وجعلت نظامه فردياً في الدرجة الأولى مركزياً متسلسلاً (Hierarchique) منعاً للفوضى في داخله واتقاء نشوء المنافسات والخصومات والتحزبات والمماحكات وغير ذلك من الأمراض السياسية والاجتماعية، وتسهيلاً لتنمية فضائل النظام والواجب. ولقد وضعت كل ذلك وأسست الحزب بصرف النظر عن وجود الانتداب أو عدم وجوده. فالحزب لم ينشأ خصيصاً لأن الانتداب موجود بل لجعل الأمة السورية موحدة وصاحبة السيادة على نفسها والإرادة في تقرير مصيرها. ولما كان الانتداب أمراً عارضاً فإن النظر في موقفه وموقف الحزب منه يأتي في الدرجة الثانية أو الطور الثاني، السياسي. ولذلك فالحزب ليس مؤسساً على مبدأ كره الأجانب (Chauvinisme) بل على مبدأ القومية الاجتماعية. وأما أن تطبيق الانتداب قد ساعد كثيراً على انتشار الحزب في مدة وجيزة وقوى الدوافع على إنشائه فذلك من المسائل الفرعية التي لها أهميتها المحدودة.

        وإذا كانت المسألة القومية تتجه بطبيعتها نحو تنازع البقاء بين السيادة القومية والانتداب فذلك أمر من طبيعة القومية وطبيعة الانتداب.

        سجن الرمل 10 كانون الأول 1935
        من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
        في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
        كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


        سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
        نعم للأسد ...
        احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



        Comment


        • #5
          رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

          Originally posted by Ibrahem View Post
          [ATTACH=CONFIG]99544[/ATTACH]




          هو أنطون بن خليل سعادة مجاعص ، ولد في الأول من آذار عام 1904 في الشوير قضاء المتن (من محافظة جبل لبنان) من أبوين شويريين لبنانيين .
          والده الدكتور خليل سعادة كان طبيباً وعالماً وأديباً ، ومن أبرز القادة الوطنيين في المغترب اللبناني في البرازيل ، أسس عدة جمعيات وأحزاب مهجرية وطنية وقومية ، كما أنشأ صحيفتي (المجلة) و(الجريدة) في سان باولو في البرازيل .

          تلقى أنطون سعادة سنة 1909 المبادئ الأولية للقراءة والكتابة في مدرسة الشوير على يد المعلم حنا رستم ، ثم أكمل دراسته الثانوية في معهد الفرير في القاهرة حيث كان والده قد التجأ ، ثم في مدرسة برمانا في جبل لبنان .

          سنة 1919 ، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، ترك سعادة وطنه ، بعد أن شهد بنفسه آثار المجاعة إبان الحرب ، وغادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ثم في عام 1921 ، انتقل إلى البرازيل حيث أسهم مع والده الدكتور خليل في تحرير جريدة (الجريدة) ومجلة (المجلة) .

          لم يكمل أنطون سعادة تعليمه الجامعي ، لكنه درس على نفسه حتى أصبح يتقن عدداً من اللغات من بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية ، مما أفسح له من خلال مطالعاته بهذه اللغات الحية أن يكمل على نفسه التعمق في العلم والفكر الإنساني في عدة اختصاصات شملت التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية وعلوم الإنسان والأدب .

          أسس سعادة في البرازيل جمعية سرية للعمل على تحرير الوطن من الانتداب ، كما انخرط في عدة جمعيات لهذا الغرض ، لكنه وجد أن النضال الفعلي إنما هو الذي ينطلق من داخل الوطن لا من المهجر .
          لذلك عاد إلى الوطن في تموز سنة 1930م ، ومنها انتقل إلى دمشق سنة 1913 حيث اشترك في تحرير جريدة (الأيام) الدمشقية ، ومن ثم عاد إلى بيروت وهو عازم على إنشاء الحزب الدستوري القومي الاجتماعي ، مفضلاً الشروع في الوسط الملائم وسط الطلاب ، حيث تولى تدريس اللغة الألمانية لطلاب الجامعة الأمريكية .

          في 16 تشرين الثاني/1932 ، أسس أنطون سعادة الحزب السوري القومي الاجتماعي تحت اسم (حزب الشعب السوري) (s.p.p) من خمسة طلاب في الجامعة الأمريكية ، ومن هذا الوسط انتشرت دعوته إلى المناطق بحيث انتظم فيه المئات في غضون السنوات الثلاث الأولى من العمل السري .
          وقد انكشف أمر الحزب عام 1935 من قبل سلطات الانتداب الفرنسي ، فاعتقل سعادة وعدد من معاونيه ، وصدرت بحقهم أحكام مختلفة أقصاها السجن لسعادة مدة ستة أشهر .

          • أما مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه سعادة فكانت على الشكل التالي :

          المبدأ الأول : سورية للسوريين ، والسوريون أمة تامة .

          المبدأ الثاني : القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى .

          المبدأ الثالث : القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري .

          المبدأ الرابع : الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي .

          المبدأ الخامس : الوطن السوري هو البيئة الطبيعية الذي نشأت فيه الأمة السورية , وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها ، تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي
          إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة ، ومن البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق .
          ويعبر عنها بلفظ عام : الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص .

          المبدأ السادس : الأمة السورية مجتمع واحد .

          المبدأ السابع : تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي .

          المبدأ الثامن : مصلحة سورية فوق كل مصلحة .

          • أما المبادئ الإصلاحية لهذا الحزب، فتمثلت بما يلي :

          المبدأ الأول : فصل الدين عن الدولة .

          المبدأ الثاني : منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين .

          المبدأ الثالث : إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب .

          المبدأ الرابع : إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة .

          المبدأ الخامس : إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن .


          • أما على صعيد غاية الحزب وخطته فقد عُبر عنها بالتالي:
            إن غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها .

          هذا وخلال وجود أنطون سعادة في السجن عام 1935 ، كتب كتابه الأول (نشوء الأمم) ، وبعد خروجه من السجن أُعيد اعتقاله لإعلانه ما سماه قانون الطوارئ تحدياً للسلطة وذلك في عام 1936 ، وكتب خلال مدة سجنه كتابه الثاني (شرح المبادئ) ، وفي أوائل تشرين الثاني خرج من السجن ليعود إليه في أوائل آذار عام 1937 ، حيث اعتقل وهو في طريقه إلى دمشق لحركة تتعلق في الحزب .

          خرج أنطون سعادة من سجنه الثالث بعد ثلاثة أشهر ، فأسس جريدة النهضة ، والتي صدرت لعام واحد ، كما تابع قيادته لحزبه حتى مغادرته البلاد عام 1938 لتنظيم الحزب في المغتربات .

          أسس سعادة في البرازيل جريدة (سورية الجديدة) ، ثم انتقل من البرازيل إلى الأرجنتين وبقي فيها حتى عام 1947 ، حيث أسس جريدة (الزوبعة) ، وكتب كتابه (الصراع الفكري في الأدب السوري) ، بالإضافة إلى نشره لمبادئ حزبه أينما حلّ .

          لما خرج الفرنسيون من سورية ولبنان ، عاد سعادة إلى الوطن في 2 آذار/1947 ، وأسس جريدة (الجيل الجديد) .
          لقد اتُهم سعادة بتدبير عصيان مسلح في حزيران/1949 ، فقامت السلطة اللبنانية بتدبير خطة بالاتفاق مع حزب الكتائب ، الذي قام بمهاجمة مكاتب الجريدة ومطابعها وتسبب في حرقها ، فعمدت السلطة اللبنانية على إثر هذا الحادث المفتعل والمدبر ، إلى ملاحقة الحزب، فانتقل سعادة إلى دمشق وهناك أًعلن الثورة القومية الاجتماعية الأولى لإسقاط حكم الطغيان والفساد والتزوير في لبنان في 4 تموز/1949 .

          أثناء ذلك نشطت الضغوطات الفرنسية ، ونجحت في دفع حسني الزعيم الذي كان يتسلم مقاليد الحكم في ذلك الوقت في سورية ، إلى تسليم أنطون سعادة إلى السلطات اللبنانية ، في 7 تموز/ 1949 ، حيث استُنطق وحوكم ونفذ فيه حكم الإعدام خلال أربعة وعشرين ساعة ، فكانت وفاته فجر الثامن من تموز/ 1949 .

          هزت هذه المحاكمة الصورية ضمائر الكثيرين ، وأكدت سيطرة حزب الكتائب الذي كان على خلاف شديد مع سعادة على الحكم في لبنان ، وقد قال كمال جنبلاط في وفاة أنطون سعادة في استجواب قدمه في 9 أيلول/1949 إلى الحكومة اللبنانية عبر مجلس النواب اللبناني : (وفي الواقع وفي نظر كل من اطلع على خفايا الأمور ، لقد تدخلت بعض الدول الأجنبية المعروفة في قضية سعادة وضغطت بحيث أن أكثر الأعمال الاعتباطية التي صدرت عن الحكومة اللبنانية بهذا الشأن إزاء الحزب القومي ومن ضمنها المحاكمة والقضاء على سعادة وبعض أتباعه بهذه السرعة وبهذا الشكل والتي قد تمت بناء على توصيات وتدخلات وتأثيرات دول أجنبية وعربية معروفة) .

          ترك أنطون سعادة مجموعة من الكتب أهمها :

          1) . (نشوء الأمم) .
          2) . (الصراع الفكري في الأدب السوري) .
          3) . (المحاضرات العشر) .
          4) . ( قصة فاجعة حب) حيث طبعت مع (قصة عيد سيدة صيدنايا) في كتاب واحد .

          شكراً كتير ع الموضوع القييم ابراهيم.. زعيم متل انطون سعادة لازم الكل يعرف عنه

          بس في شغلة انه الحزب السوري القومي الاجتماعي SSNP مو SPP

          Syrian Social Nationalist Party

          مشكور
          احبــــــــــــــــــــــي كما لم تحب امراة و انســــــــــــــــــي كما ينسى الرجال


          " إن الخلاص لا يبحث عنه في الحكومات بل في الشعب في إيقاظ وجدانه القومي لحقيقته ومصالحه ومصيره."




          انطون سعادة
          .

          انا علماني بس يمكن انت ما عِلمان فيي







          Comment


          • #6
            رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

            Originally posted by جلنار View Post



            شكراً كتير ع الموضوع القييم ابراهيم.. زعيم متل انطون سعادة لازم الكل يعرف عنه

            بس في شغلة انه الحزب السوري القومي الاجتماعي SSNP مو SPP

            Syrian Social Nationalist Party

            مشكور
            منيح أنو الموضوع نال إعجابك . . . وأكيد لازم الكل يعرفوا هاد الشخص العظيم .

            للصراحة وأنا كمان علقت على هاد الموضوع وصار عندي رأيين بالموضوع .
            الأول : متل ما أنت قلتي .
            التاني : حزب الشعب السوري = Syrian People's Party

            متل مو كان اسم الحزب قبل ما يتم الإعلان عنو بعد المرحلة السرية .

            أنا عدلت الموضوع فوق ... لحتى يكون الوجهين متكاملين .
            من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
            في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
            كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


            سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
            نعم للأسد ...
            احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



            Comment


            • #7
              رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

              Click image for larger version

Name:	antun11.jpg
Views:	2
Size:	24.0 KB
ID:	1318084

              المحاضرات العشر

              في الندوة الثقافية 1948
              الفهرس
              المحاضرة الأولى
              7 كانون الثاني عام 1948
              المحاضرة الثانية
              18 كانون الثاني عام 1948
              المحاضرة الثالثة
              25 كانون الثاني عام 1948
              المحاضرة الرابعة
              أول شباط عام 1948
              المحاضرة الخامسة
              15 شباط عام 1948
              المحاضرة السادسة
              22 شباط عام 1948
              المحاضرة السابعة
              7 آذار عام 1948
              المحاضرة الثامنة
              14 آذار عام 1948
              المحاضرة التاسعة
              21 آذار عام 1948
              المحاضرة العاشرة
              4 نيسان عام 1948


              من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
              في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
              كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


              سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
              نعم للأسد ...
              احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



              Comment


              • #8
                رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                Click image for larger version

Name:	ssnp02.jpg
Views:	1
Size:	33.4 KB
ID:	1318085


                المحاضرة الأولى


                في 7 كانون الثاني 1948





                في أول اجتماع عقد في هذا المكان وكان مخصصاً للطلبة القوميين الاجتماعيين في الجامعة الأميركانية ، وعدت الطلبة بإعادة النشاط الثقافي في الحزب القومي الاجتماعي بإعادة الندوة الثقافية التي كانت تأسست في الحزب قبل سفري واستمرت نحو سنتين ، ثم تركت أعمالها بسبب الحرب والاعتقالات والمعارك السياسية التي تعرض الحزب لها .

                في الاجتماع الأول المذكور أعلنت للرفقاء الطلبة أني أرى أن انتشار الحركة القومية الاجتماعية ، في السنوات الأخيرة ، كان مجرد انتشار أفقي ، سطحي ، يعرضها بقاؤها عليه للميعان والتفسخ والتفكك ولذلك أرى الإسراع بإعادة الندوة الثقافية ودرس تعاليم النهضة القومية الاجتماعية والقضايا التي تتناولها ، ضرورة لا يمكن إغفالها .

                أما الحضور إلى الندوة فيجب أن يعتبر ، خصوصاً في الأوساط الثقافية ، واجباً أولياً أساسياً في العمل للحركة القومية الاجتماعية، لأنه إذا لم نفهم أهداف الحركة وأسسها والقضايا والمسائل التي تواجهها لا نكون قادرين على فعل شيء في سبيل الحركة والعقيدة والغاية التي اجتمعنا لتحقيقها , فالمعرفة والفهم هما الضرورة الأساسية الأولى للعمل الذي نسعى إلى تحقيقه .

                وإذا كنا نريد، فعلاً ، تحقيق النهضة القومية الاجتماعية وتأسيس المجتمع الجديد بتعاليمها ودعائمها ، كان الواجب الأول على كل قومي اجتماعي في الأوساط الثقافية ، الاطلاع على الأمور الأساسية ، وفي صدر وسائل الاطلاع والمعرفة الصحيحة ، الندوة الثقافية. فيجب أن نطبق نظامنا على اجتماعات الندوة الثقافية وإذا كنا لا نقدر أن نطبق النظام في الأوساط المثقفة ، اعترفنا بأن هذه الأوساط غير صالحة لحمل أعباء حركة فكرية ذات نظرة واضحة إلى الحياة وليست أهلاً للاطلاع بعمل عظيم كالذي وضعناه نصب أعيننا ، وهو إيجاد مجتمع جديد نير في هذه البلاد وإيصال هذه النظرة إلى كل مكان .
                يجب علينا أن نفهم هدفنا فهماً صحيحاً لنكون قوة فاعلة محققة ولكي نتمكن من العمل المنتج .

                بعد الاطلاع يمكن تكوين رأي , وحينئذ لا يبقى مجال لحدوث بلبلة كما حدث في الماضي في غيابي وعلى أثر مجيئي وأخذي الأمور بالنقد والتحليل وأخذي التدابير للقضاء على الفوضى والانحرافات التي كانت آخذة في التفشي وتهديد مستقبل هذه النهضة العظيمة القائمة بالإيمان وآلام ألوف العاملين بإيمان وإخلاص .
                فلا بد من الاعتراف أنه كان في الدوائر العليا تفسخ في الأفكار والروحية وفي النظر إلى الحركة ومراميها .

                ولكي لا نعود القهقرى يجب أن نكون مجتمعاً ، واعياً ، مدركاً ، وهذا لا يتم إلا بالدرس المنظم والوعي الصحيح .
                إن محاضرة تشتمل على كل الأسس في الحركة القومية الاجتماعية لا تعطي النتيجة الثقافية المطلوبة ، لأن الثقافة عمل طويل لا يمكن أن يتم برسالة واحدة أو كتاب واحد ، و لأن الأمور تحتاج إلى تفصيل وتوضيح بالنسبة للمسائل التي نواجهها , علينا أن نفهم فلسفة الحركة لندرك كيف يمكن أن نعالج الأمور .
                في الاجتماع الأول للطلبة قلت شيئاً أريد أن أذكر الطلاب به وهو : عندما نقول نهضة نعني شيئاً واضحاً لا التباس فيه ولا مجال لتضارب التأويلات في صدده , النهضة لا تعني الاطلاع في مختلف نواح ثقافية متعددة وفي التيارات الفكرية الموزعة في هذه البلاد والتي جاءت مع بعض المدارس من انقلوسكسونية ولاتينية وغيرها ، وإنها لا تعني مجرد الاطلاع والتكلم في المواضيع المتعددة أو المتضاربة بدون غاية وقصد ووضوح .

                التكلم فيما نعرفه عن بعض الفلاسفة الغربيين أو المفكرين السياسيين الغربيين أو الذين اكتشفوا اكتشافات علمية لا يكفي ليكون نهضة منا نحن .

                إن النهضة لها مدلول واضح عندنا وهو : خروجنا من التخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جلية صحيحة واضحة نشعر أنها تعبر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا القومية الاجتماعية إلى نظرة جلية ، قوية ، إلى الحياة والعالم .

                إذا وصلنا إلى الاقتناع بأننا أصبحنا ننظر إلى الحياة وإلى الكون الماثل أمامنا وإلى الخلق الذي ينبثق منا بالنسبة إلى الإمكانيات كلها في العالم ونستعرض مظاهرها ونفهم كل ذلك فهماً داخلياً ، بنظر اصلي ينبثق منا نحن بالنظر لحقيقتنا ، حينئذ يمكننا القول إن لنا نهضة ، أن لنا أهدافاً .

                أما التكلم المبعثر على وولتار وموليار ولنكلن وهيقل ووليم جايمس وكانت وشوبنهور ... الخ , وعلى مختلف المدارس الفكرية بدون أن يكون لنا رأي وموقف واضح في تلك الأفكار وأولئك المفكرين ، فلا يعني أن لنا نهضة , إن ذلك لا يعني إلا بلبلة وزيادة تخبط , إن الفكر البعيد عن هذه القضايا هو أفضل من الفكر المضطرب المتراوح الذي لا يقدر أن ينحاز أو أن يتجه ، لأنه متخبط وليس له نظرة أصلية ، ولا يدرك ماذا يريد .

                الفكر المضطرب يبتدئ بالتأثر بأحد المفكرين ثم ينتقل إلى آخر ثم يحصر نفسه ضمن نطاق بعض الأفكار ولا يعود يخرج ويبدأ بمناقضة كل من له رأي آخر فتنشأ حالة الفسيفساء التي تتقارب قطعها ولكنها لا تتحد .

                إن مثل هذا الفكر لا يمكنه أن يحقق شيئاً .
                الإنسان الذي لا يزال على سذاجة الفطرة له شخصية واستقلال نفسي وجوهر أعظم من شخص وضع نفسه أداة تسير بأفكار بعيدة عن حقيقته .
                إن الأفكار المعتنقة اقتباساً من الخارج لا تحرك عوامل النفسية الصحيحة .
                النهضة ، إذاً ، هي الخروج من التفسخ والتضارب والشك إلى الوضوح والجلاء والثقة واليقين والإيمان والعمل بإرادة واضحة وعزيمة صادقة , هذا هو معنى النهضة لنا .

                هذا المعنى ظهر طابعه في بداية العمل السوري القومي الاجتماعي ويظهر ضمن وثائق متعددة أهمها وأولها خطاب الزعيم في أول حزيران 1935 الذي عبر فيه عن قواعد أساسية هامة وعن أهداف عملية يتوخى الحزب إصابتها والتمكن منها .

                وقد فهم الناظرون ، من خارج الحزب إلى ذلك الخطاب ، قيمته العقدية والتوجيهية وتعبيره عن نظرة الحزب ونهجه ، وعدّوه الوثيقة الأساسية لدرس حقيقة الحزب السوري القومي الاجتماعي ومراميه وكتبوا في ذلك ، كما فعل الخور أسقف لويس خليل الذي أصدر سنة 1936 كراساً لمحاربة النهضة القومية الاجتماعية وتعاليمها التحريرية الواضعة قواعد مجتمع جديد جعل عنوانه "الحزب السوري القومي ، مؤامرة على الدين والوطن" .
                وفي اجتماع مقبل سنحلل ذلك الخطاب ، ثم ندرس من جديد المبادئ التي ندين بها دراسة كاملة , إن المبادئ هي مكتنزات الفكر والقوى ، هي قواعد انطلاق الفكر وليست المبادئ إلا مراكز انطلاق في اتجاه واضح إذا لم نفهمها صعب علينا أخيراً أن نفهم حقيقة ما تعني لنا , كيف نؤسس بها حياة جديدة أفضل من الحياة التي لا تزال قائمة خارج نطاق نهضتنا .

                كنت أتوقع في غيابي أن يكون القوميون الاجتماعيون المهتمون بالمسائل الروحية الثقافية والأسس الفكرية قد جعلوا همهم الأول درس حقيقة مبادئ النهضة ودرس الشروح الأولية الأساسية التي توضح الاتجاه والغاية والأهداف القومية الاجتماعية ، إرساخاً للعقيدة وتدقيقاً في العمل .
                هذا ما كان ينتظر ولكن ما استغربته كثيراً جداً هو الاتجاهات الانحرافية التي نشأت وبرهنت على أنه لم يكن شيء مما توقعت وقد ظهر من الاختبارات التي مرت في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية ، أن تاريخ الحزب ، ضمن العوامل التي جابهها ، لم يكن له أثر فاعل في التوجيهوهذه الحقيقة تدل على أنه لم تكن هنالك عناية بتدريس تاريخ الحزب ــ تاريخ نشأته وسيره الأول ــ وكيف تغلب على الصعوبات ، وما هي القضايا الأولى التي جابهها وكيف عالجها، وكيف أنشأ قضية عظيمة وجعلها تنتشر وتمتد وتسيطر على الرغم من كل الصعوبات والعراقيل التي اعترضتها .

                لم يكن الأمر يقف عند هذا الحد : فإن استغرابي بلغ حداً عالياً عندما وجدت أن أعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي يدعون أنفسهم قوميين اجتماعيين ، لأنهم مسجلون رسمياً في الحزب ، يتقولون في قضايا الحزب والعقيدة والحركة كما لو كانوا جماعة غرباء عن الحركة القومية الاجتماعية بالكلية النظامية الفكرية والروحية والمناقبية التي كانت العامل الأساسي الأول في نشوء النهضة القومية الاجتماعية وتولد هذه الحركة العظيمة الآخذة في تغيير نفسية هذه الأمة ومصيرها ، كادت تنعدم في دوائر الحزب العليا بعامل الإهمال ، وأصبحت الحركة مهددة بالميعان العقدي والنظامي .

                القضية الأولى التي نشأت ، وظهرت كل عواملها بعد رجوعي كانت قضية نعمة ثابت ومـأمون أياس , هذه القضية إذا تركنا ناحيتها الشخصية ، التي هي الأساسية ، أي المرامي الشخصية للمذكورين ، بقيت هنالك قضية في ذاتها هي قضية التحديد القومي للأمة السورية. في هذه الناحية الواضحة التي لا يمكن أن يحصل فيها أي التباس حصلت اعوجاجات كادت تشوش حقيقة القضية القومية الاجتماعية , إن "الواقع اللبناني" الذي كتبه نعمة ثابت وألقاه في اجتماع بعقلين سنة 1944 يشكل خروجاً عن معنى الأمة الذي نفهمه والانتقال إلى القول بأمة جديدة ، "الأمة اللبنانية" وهو، فوق ذلك ، بدل على إهمال مقصود لدرس عقيدة الحزب وتاريخه .

                في "الواقع اللبناني" كل شيء قومي صار "لبنانياً" : فقد تكلم نعمة ثابت فيه على قيم لها كل الصفة القومية العامة ونسبها إلى لبنان واللبنانيين بدلاً من أن ينسبها إلى سورية والسوريين كما يتفق مع الحقيقة , من هذه القيم التراث والأخلاق والثقافة والتاريخ والرسالة والظاهر أن الحزب قبل انتشار "الواقع اللبناني" بحكم النظام فقط لأنني وجدت أن مجموع القوميين الاجتماعيين لم يتقيدوا بفكر واحد من هذه الأفكار ولكن قبول هذا الخروج العقدي ، وإن يكن في الظاهر فقط ، يكون مسألة من المسائل الخطيرة .
                وان مجرد الإقدام على الخروج المذكور لم يكن ممكناً إلا بعامل إهمال تاريخ الحزب وإغفال درس عقيدته ونظرته إلى الحياة والكون والفن .

                نشأت بعد ذلك قضية فايز صايغ وغسّان تويني ويوسف الخال : وهي أيضاً شخصية لكنها أظهرت اشتراكات فكرية توجب النظر في هذه الظاهرة وفي العوامل الفكرية وسيرها وتحديدها ، وتحديد الاتجاه الفكري الروحي القومي الاجتماعي .
                إن قضية فايز صايغ لم تبتدئ بعد عودتي ، بل ابتدأت قبل عودتي عندما وصلني للمرة الأولى نسختان من العددين الأول والثاني من "نشرة عمدة الثقافة". ففي العدد الأول استلفت نظري ناحيتان :
                1. خروج على كل القواعد الدستورية .
                2. خروج على كل الأساس العقائدي الروحي للحركة القومية الاجتماعية .

                وحالما قرأت هذه العبارات الأولى الواردة في كلمة عمدة الثقافة والفنون الجميلة التي قدمت بها نشرة الثقافة "إلى القارئ" ، "يشرف على هذه النشرة عميد الثقافة" وأنه هو "المسؤول النهائي عنها" وأن النشرة تنطبق عليها "سياسة العميد" اللادستورية ، بدلاً من سياسة الزعيم المنصوص عنها في الدستور ، وأن للعمدة رسالة ثقافية خاصة غير مندمجة في رسالة الحركة القومية الاجتماعية الثقافية ، عندما قرأت هذا ورأيت إعلان هذا الانفراد وهذا الشذوذ تساءلت : ما هو الداعي لإعلان مسؤولية العميد "النهائية" التي تعني انه لا يحق لمجالس الحزب ولا للزعيم نفسه التدخل فيها ؟
                وقد رأيت في ذاك التصرف خروجاً أساسياً على نظام الحزب ومؤسساته ولكل ما يعني وحدة الحزب لبلوغ الغاية الواحدة ونزعة شخصية شديدة نحو الأنانية ونحو دكتاتورية فردية قبيحة لا تأخذ إرادة عامة ولا دستوراً نافذاً بعين الاعتبار .

                ثم قرأت ما سماه فايز صايغ "البيان الأساسي لعمدة الثقافة والفنون الجميلة" المنشور في العدد الأول من نشرة عمدة الثقافة " بعد المقدمة التي ذكرتها آنفاً ، خصوصاً ما سماه" مبادئ أساسية في سياسة هذه العمدة "من البيان المذكور ، فوجدت أن هنالك انحرافاً أساسياً عن نظرة الحركة وقضيتها ومبادئها ، عن غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي ، إذ إنّه نزع عن الثقافة معناها وغرضها القومي الاجتماعي وجعلها أمراً "شخصياً حراً" ونزع عن العمدة مسؤوليتها تجاه التعاليم السورية القومية الاجتماعية وجعلها تجاه القيم العليا "التي يكون من حق العميد وحده تعيين ماهيتها ... الخ" .

                وبعد أن وصل غسان تويني إلى اميركانية مكلفاً بإعطاء الزعيم تقريراً عن حالة الحزب وأرسل إلي تقريره شعرت أن الانحراف الواقع فيه عميد الثقافة فايز صايغ واقع فيه غسان تويني أيضاً.

                أجبت غسان تويني مثنياُ على الطريقة التي كتب بها وأبديت له النقاط التي أخطأ فيها فاعترف بخطئه، إلا في القضايا التي كان متضامناً فيها مع فايز صايغ، إذ هو أيضاً تأثر بتعليم المذهب الشخصي الفردي، كما يبدو من مقدمة رسالة كان وضعها في معنى الأمة، ومن عبارات وردت في رسائله.

                وقد أرسلت خلاصة المراسلة التي دارت بيني وبين المكلف غسان تويني إلى نعمة ثابت في شهر أيلول من سنة 1946 وكان بذلك وضع حد لسياسة عميد الثقافة ومشاريعه. وتعلقت قضيته إلى ما بعد عودتي. وبعد اطلاعي في أواخر الصيف الماضي على كتابات فايز صايغ، رأيت أنها تتضمن خطوط عقيدة جديدة جلبت من خارج الحزب، لتحل محل العقيدة القومية الاجتماعية، فثارت قضية فايز صايغ مجدداً بصورتها التي اطلعتم عليها وعلى نتيجتها الأخيرة.

                قبل نهاية القضية أتى غسان تويني ويوسف الخال ويوسف نويهض وكان معهم الرفيقان حلمي وفوزي معلوف. وتكلم غسان تويني ويوسف الخال في موضوع "حرية الفكر" ومن الطريقة التي تكلما فيها ظهر لي أنهما يتكلمان بأفكار وروحية وعقائد هي من خارج الحزب، لا من داخله، فقلت لهما: إنكما تمثلان اعتقادات ليست من القضية ولا من نظرة الحركة أو إيمانها، بل من أفكار وتأثيرات لا علاقة لها بالحركة القومية الاجتماعية وفلسفتها وعقيدتها وروحيتها.

                من الأمور الغريبة في هذا الصدد، أنه بدلاً من أن يسأل شخص يعتبر نفسه عضواً في حركة ترمي إلى تأسيس مجتمع قومي على قواعد جديدة يؤمن أنها صحيحة ، بدلاً من أن يقول: كيف نحقق هذه القضية فنتغلب على كل الصعوبات والبلبلة والعراقيل التي تؤدي إلى تفسخ المجتمع السوري؟ بدلاً من هذا يقول: "يجب أن نعرف ماذا سيحدث لكل الأفكار التي كونت هذه البلبلة في البلاد، بعد انتصار الحركة القومية الاجتماعية وتسلمها الحكم؟ ما هو مصير التيارات الفكرية التي بلبلت الشعب ومسخته؟ ماذا سيكون مصير هذه الأفكار متى نجحت الحركة القومية الاجتماعية؟".

                ومن أغرب الأمور أن الذين كانوا يسألون كانوا يظنون أنهم على مستوى فلسفي يؤهلهم للبحث. ولكنهم كانوا ينظرون الى الأمور بالمقلوب وهم أبعد الناس عن النظر في القضايا الأساسية.

                زبدة قولهم هي : إننا لا قضية صحيحة لنا. لأننا حين نفكر بماذا يكون مصير الأفكار التي ستسقط في صراع الحياة، وكيف يمكن أن ننقذها، فإننا إذ نعلن أنه ليس لنا قضية صحيحة قادرة على إنشاء مجتمع صحيح وتسيير هذا المجتمع على قواعد أخلاقية روحية سياسية أفضل.

                وإذا كنا لا نؤمن بأن لنا قضية صحيحة كلية نريد تحقيقها فلماذا، إذاً، هذا الحزب وهذه الأنظمة وهذه الروابط؟ الرابطة إذاً هي مادية مفروضة وليست روحية باليقين والاقتناع بأننا نعمل لإنشاء مجتمع أفضل وحياة أفضل! .

                إذا كانت لا توجد لنا قضية تعني كل وجودنا فلا حاجة بنا للقول بالحزب السوري القومي الاجتماعي. نحن في الحزب لأننا في قضية تجمعنا، وكما عبرت في خطابي أول حزيران 1935، من أجلها نقف معاً ونسقط كلنا معاً. والوقوف معاً والسقوط معاً في حركة قوية إما أن نكون غالبين فيها أو مغلوبين، يعني، بما لا يقبل الشك، أننا نؤمن بقضية أساسية جوهرية.

                في الانحرافات التي نشأت وفي التعابير التي استعملها فايز صايغ وغسان تويني المنحرفة كل الانحراف، أصبحنا جماعة لا تعرف الحق والخير والجمال، وقضيتها مجردة من هذه القيم. لأننا حين نشك، وحين نريد أن ننقذ الحق والخير والجمال من انتصار حركتنا، حين نرى أن انتصارنا يعني تعطيل الحق والخير والجمال وأننا، لذلك، يجب أن نعمل على إنقاذها من انتصارنا حينئذ يجب القول إن الحق والخير والجمال موجودة خارج قضيتنا. وما معنى قضيتنا إذا لم تكن مؤسسة على الخير والحق والجمال؟

                إن هذه الحقيقة التي لأجلها نجابه كل الأخطار من كل نوع هي حقيقة أن قضيتنا فيها كل الخير وكل الحق وكل الجمال وكل الحقيقة وكل العدل للمجتمع الإنساني. من اجل هذا الإيمان يذهب مئات وألوف إلى السجون ويتعرضون لشتى صنوف الويلات وتذوب جسومهم يوماً فيوماً ولا يئنون ولا يستنجدون.

                بهذا الإيمان يعملون للحق كله والخير كله والجمال كله التي تعبر عنها قضيتنا.

                لو بقيت تلك العوامل الانحرافية فاعلة لوصلنا إلى انعدام الثقة بأنفسنا وإلى الشك في مقاصدنا وطبيعتنا وحقيقتنا و في نفوسنا التي هي الضمان الأخير.

                إذا كنا بطبيعتنا أشرارا فلا يوجد قواعد تغير هذا الطبع، وحين لا يوجد للحق والخير والجمال ضمان من أنفسنا، فلا يمكن كل مفكري العالم إنقاذها من طبيعتنا.

                نحن نؤمن بنفوسنا قبل كل شيء، بحقيقتنا الجميلة الخيرة القوية والمحبة.

                فما فائدتنا من ترك الخير كما نراه، لنذهب وراء ما هو خير لحقيقة غير حقيقتنا؟

                وأي فائدة لنا من ربح العالم كله وخسارة نفسنا؟!

                يجب أن يكون لنا الثقة بأن لنا المقدرة الاجتماعية العليا لكل مجتمع مدرك، لندرك ما هو الحق والخير والجمال.

                فإذا وجدت هذه القيم من غير أن تمت إلى مجتمعنا بصلة ومن غير أن تعبر عن حقيقته أو جماله أو خيره، فلا خير ولا حق ولا جمال. فما لا نقدر أن نراه نحن أنه الحق والخير والجمال، لا يمكن أن يكون خيراً وحقاً وجمالاً.

                نحن جماعة مؤمنة بحقيقتها وطبيعتها وأساسها، مؤمنة بأنه لا يمكن أن يكون في حقيقتها وطبيعتها إلا الحق والخير والجمال.

                في الأفراد فقط تلعب المفاسد. ولا يمكن لهؤلاء أن يصموا المجتمع كله بالمفاسد التي في أنفسهم. لا يمكن لمبادئ أن تعوضنا عن خسارتنا هذه الحقيقة. إذا خسرناها لا شيء يعوض علينا فقدها.

                إن حزبنا في سيره، في عمله، في نضاله، يمثل ويعمل ويصارع في سبيل أساس أفضل لحياة الإنسان ــ المجتمع. إن انتشار دعوته وقضيته في جميع أوساط الشعب السوري دليل واضح ناصع على الحقيقة الأساسية التي يعبر عنها الحزب القومي الاجتماعي.

                فكيف نسمح للشك بهذه الحقيقة أن يتسرب إلى عقولنا؟

                كيف نسمح، بعد أن أدركنا هذه الحقيقة ، بأن نسمع من يقول: أننا لسنا على الحق والخير والجمال؟ وأن هناك قضايا تمثلها مبادئ أفضل من مبادئنا الأمر الذي يعني إلغاء مبرر وجودنا كمجتمع وكنظام جديد.

                إن الذين يقولون مثل هذه الأقوال: "إنني لا أفعل مصلحة القضية القومية الاجتماعية، مصلحة أمتي، إلا بقدر ما يعكس الحق والجمال نفسيهما فيها". "أنا أكون قومياً وأخدم مصلحة أمتي وبلادي بشرط أن لا أتعصب على الحق والخير والجمال أينما وجدت". "لن نسمح لاعتبارات خارجة عن نطاق قيم الحق والخير والجمال أن تتدخل في شؤون إنتاج يتوخى التعبير عن الحق والخير والجمال". إن الذين يقولون مثل ذلك، يعدون الحق والخير والجمال خارج نطاق عقيدتنا ــ نطاق قضيتنا القومية الاجتماعية ــ أي أن قضيتنا لا تتضمن الحق والخير والجمال وليست، في قواعدها وانطلاقها، تعبيراً صحيحاً عن الحق والخير والجمال!!

                لا يجوز أن نسمح بمثل هذه السفسطات! إذا سألت واحداً من أولئك السفسطائيين: ما قولك في الحزب الشيوعي إذا حرمنا عليه العمل والاستمرار وتكوين الطبقات في قلب الأمة؟ أجاب فوراً "لا بأس".

                إذا كان يقول ذلك ويجيز إنقاذ الأمة من مساوئ الحزب الشيوعي في البلاد، فهو يقر بضبط الأمر وتوجيهه وضبط الأفكار والسماح للصحيح الذي يقدم الخير للأمة لكي ينمو، وبتشذيب الفاسد لكي لا يعمل على إفساد ما بقي من حيوية الأمة وفاعليتها.

                فإذا سلم معنا في ناحية ،وجب عليه أن يسلم في كل النواحي. وإذا كانوا يسلمون بأننا نعرف الفاسد في حقيقته فنحن إذاً نعمل لمحو الفاسد في جميع القضايا.

                إذاً، يجب التسليم بأننا حركة صحيحة وجدت الحقيقة والحق والخير والجمال واشتملت عليها تعاليمها.

                وهذا يدل على أن النفسية التي صدرت عنها هذه القضية القومية الصحيحة هي نفسية جميلة، خيرة، تعرف بأية فكرة يجب أن تأخذ وتتمسك، وأية فكرة يجب أن تحارب وتشل.

                نحن حركة مهاجمة تأتي بتعاليم جديدة تهاجم بها المفاسد والفوضى التي بسببها بقي الشعب في الوضع المؤسف المحزن الموجود فيه.

                فإذا صرنا هذه القوة وأصبحنا قادرين على تهديم كل القواعد الفاسدة التي منعت شعبنا عن حياة الخير والحق والجمال، أفنقول، بعد أن صرنا هذه القوة ، إننا لا نحطم المفاسد حتى لا نتهم بالطغيان؟..

                لا بأس أن نكون طغاة على المفاسد، لأن قضيتنا ليست إلا قضية الحق والخير والجمال وليست هي ما يحتمل أن يكون حقاً أو أن لا يكون.

                إن قضيتنا تعني لنا كل الخير والحق والجمال. وإذا كان يوجد وراء حقيقتنا حقائق غير حقيقتنا، فما كان حقاً لنا هو الحق. بهذا الإيمان نسير وإلى الغلبة يجب أن نسير.

                أما الذين لم ينشأوا هذه النشأة ولم يدركوا هذه الحقيقة فهم لم يتمكنوا من الثبات معنا. ولأنهم لم يتمكنوا ولم تكن لهم هذه الثقة أرادوا أن يعطلوا حقيقة المجتمع بالقول إنه لا يمكن أن يدرك وحده الخير والحق والجمال.

                لذلك عندما أرسلت منذ سنة رسالتي الثانية من الأرجنتين، التي دعوت فيها الحزب إلى البطولة وإلى مهمة تحقيق القضية القومية الاجتماعية لم يشاؤوا أن ينشروها ويمكن أن يكونوا عطلوها. ولكني احتفظت بنسخة عنها فسلمتها إلى عمدة الإذاعة وأمرتها بنشرها في أول عدد جديد من مجلة عمدة الإذاعة فنشرت في عدد 30 حزيران 1947.

                لقد شئت أن أجعلهم يعون حقيقة البطولة وحقيقة مهمة الحركة القومية الاجتماعية عندما قلت في الرسالة المذكورة:
                "إن حالة أمتنا ووطننا الحاضرة لا تزال الحالة عينها التي تستدعي التوجه بالكلية إلى مزية أولية أساسية من مزايا حزبكم ونهضتكم العظيمة، أعني مزية البطولة المؤمنة. فإن أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحية فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة. فإذا تركت أمة ما اعتماد البطولة في الفصل في مصيرها، قررته الحوادث الجارية والإرادات الغريبة.

                "إن حزبكم قد افتتح عهد البطولة الشعبية الواعية المؤمنة المنظمة في أمتكم، فإن عهدكم هو عهد البطولة فلا تتخلوا عن طريق البطولة ولا تركنوا إلى طريق المساومة الغرارة. فقد أكسبت حزبكم مرونة سياسته الأصلية ودفلماسية مدرسته السياسية الدقيقة الفكر أنصاراً كثيرين وألفت قلوب جماعة كانت بعيدة عن الحزب. ولكني أقول لكم إن قوتكم الحقيقية ليست في المؤلفة قلوبهم ولا في المتقربين إليكم في طور نموكم بعد زوال كابوس الاحتلال العسكري الأجنبي، بل في بطولتكم المثبتة في حوادث تاريخ حزبكم وفي عناصر رئيسية هي: صحة العقيدة وشدة الإيمان وصلابة الإرادة ومضاء العزيمة. فإذا فقدتم عنصراً واحداً من هذه العناصر الأساسية انصرف عنكم المناصرون وتفرق المتقربون.

                "لتفعل إدارتكم العليا كل ما تقدر عليه في ميدان السياسة والدفلماسية فذلك من خصائصها. أما أنتم فإياكم من صرف عقولكم وقلوبكم إلى السياسة والدفلماسية واحذروا من اختلاط السياسة والدفلماسية وأغراضهما بعقيدتكم وإيمانكم وعناصر حيويتكم الأساسية لئلا تكون العاقبة وخيمة.

                "وكل عقيدة عظيمة تضع على أتباعها المهمة الأساسية الطبيعية الأولى التي هي، انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها. كل ما دون ذلك باطل. وكل عقيدة يصيبها الإخفاق في هذه المهمة تزول ويتبدد أتباعها.

                "عوا مهمتكم بكامل خطورتها والهجوا دائماً بهذه الحقيقة ــ حقيقة عقيدتكم ومهمتكم ــ حقيقة وجودكم وإيمانكم وعملكم وجهادكم. "مارسوا البطولة ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل".

                نحن لم نحارب ولا نحارب من أجل أن تكون لنا ولغيرنا حرية فوضوية تخدم لذّات الأفراد المرضى في نفوسهم بل حاربنا ونحارب من أجل تحقيق قضية واضحة وإقامة نظام جديد.

                نحن، إذاً لسنا مسؤولين عن العقائد التي تبلبل مجتمعنا وتعطل حقيقتنا وإدراكنا لحقيقتنا. نحن مسؤولون فقط عن هذه القضية التي هي مقدسة لنا، لأننا نؤمن أنها تعبر عن كل الحق وكل الخير وكل الجمال وكل السعادة وكل الصداقة وكل القيم العليا التي يحتاج إليها مجتمعنا لينهض وتكون له حياة جيدة.

                أما القضايا الأخرى فمسؤول عنها الذين اعتنقوها. نحن لا نطالب بمصير "الشيوعية" أو "الفردية" إذا انتصرنا. نحن لا نطالب إلا بما نؤمن به نحن .

                من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                نعم للأسد ...
                احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                Comment


                • #9
                  رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                  Click image for larger version

Name:	asaad.jpg
Views:	1
Size:	21.5 KB
ID:	1318089

                  المحاضرة الثانية

                  في 18 كانون الثاني 1948

                  أيها الرفقاء :

                  في اجتماعنا الأول الماضي ، الاجتماع الذي كان تمهيدياً مفتتحاً أعمال الندوة الثقافية للحزب السوي القومي الاجتماعي أعلنت بعض القواعد التي ترتكز عليها نهضتنا القومية ومما أعلنت في الاجتماع الماضي يقتضب أن مسألة الحزب السوري القومي الاجتماعي ليست مسألة حزب سياسي بالمعنى الاعتيادي ، أي حزب تتكتل فيه أشخاص أو مصالح معينة محدودة، تجتمع وتنتظم وتعمل لبلوغ غاياتها وأغراضها الجزئية أو المحدودة، بل إن هذا الحزب يشكل قضية خطيرة جداً وهامة هي قضية الآفاق للمجتمع الإنساني الذي نحن منه والذي نكون مجموعه.

                  وقضية من هذا النوع تحتاج، لفهمها فهماً كاملاً كلياً، إلى درس طويل عميق. لأن لكل قضية كلية، على الإطلاق، أضلاعا رئيسية هامة، كل ضلع منها يحتاج إلى درس وإلى تحليل وتعليل وإلى تفهم تام شامل.

                  بديهي إذاً أن لا نتمكن من فهم قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي كلها بكامل أجزائها وفروعها وما تتكشف عنه من مناقب وأهداف سامية وما تتعرض له في سيرها من مثالب في الحياة، إلا بالدرس والتأمل الطويل. إن قضية من هذا النوع تتكشف عن كل هذه الأهداف الخطيرة تحتاج إلى دراسة منظمة متسلسلة لا تجمعها محاضرة واحدة أو كتاب واحد بل هي تستمر، ويستمر الفكر يتغذى منها ويتفتح على شؤون العالم مطلقاً، ويظل مجتمعنا يجد في هذا التفتح وهذا الاستمرار مراقي إلى ذروة الحياة الجيدة التي تليق بالإنسان الراقي ويليق الإنسان الراقي بها.

                  لا أظن أن ما سأقرأه الآن يكون البداءة الأولى لقضية الحزب السوري القومي الاجتماعي ولا التفكير الأول لها. ولكنه تفسير أول، بعد أن تأسس الحزب. وتعيين المنهاج ورسم أهداف قريبة وبعيدة ضمن الاتجاه القومي، يحسن أن نرى ما هي أهميتها. إن ما أقرأه الآن هو خطاب أول حزيران 1935، وإني أرى أن هذا الخطاب تجب قراءته بكليته.

                  نص الخطاب
                  منذ الساعة التي أخذت فيها عقيدتنا القومية الاجتماعية تجمع بين الأفكار والعواطف وتلم شمل قوات الشباب المعرضة للتفرقة بين عوامل الفوضى القومية والسياسية المنتشرة في طول بيئتنا وعرضها وتكون من هذا الجمع وهذا اللّمّ نظاماً جديداً ذا أساليب جديدة يستمد حياته من القومية الجديدة هو نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي ــــ منذ تلك الساعة انبثق الفجر من الليل وخرجت الحركة من الجمود وانطلقت من وراء الفوضى قوة النظام، وأصبحنا أمة بعد أن كنا قطعاناً بشرية وغدونا دولة تقوم على أربعة دعائم: الحرية، الواجب، النظام، القوة، التي ترمز إليها أربعة أطراف الزوبعة القومية الاجتماعية الممثلة في علم الحزب السوري القومي الاجتماعي.

                  منذ تلك الساعة نقضنا بالفعل حكم التاريخ وابتدأنا تاريخنا الصحيح تاريخ الحرية والواجب والنظام والقوة، تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، تاريخ الأمة السورية الحقيقي.

                  منذ الساعة التي عقدنا فيها القلوب والقبضات على الوقوف معاً والسقوط معاً في سبيل تحقيق المطلب الأعلى المعلن في مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وفي غايته، وضعنا أيدينا على المحراث ووجهنا نظرنا إلى الأمام، إلى المثال الأعلى، وصرنا جماعة واحدة، وأمة حية تريد الحياة الحرة الجميلة ــــ أمة تحب الحياة لأنها تحب الحرية، وتحب الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة.

                  لم تكن للشعب السوري قبل تكوين الحزب السوري القومي الاجتماعي قضية قومية بالمعنى الصحيح. كل ما كان هنالك تململ من حالات غير طبيعية لا يمكن الشعب السوري أن يأنس إليها أو يجد فيها سداً لحاجاته الحيوية.

                  وقد تزعم جماعة تململ الشعب وجعلوا همهم استثمار هذا التململ لينالوا مكانة يطمعون فيها، واستندوا في تزعمهم إلى بقية نفوذ عائلي مستمد من مبادئ زمن عتيق تجعل الشعب قطائع موقوفة على عائلات معينة تبذل مصالح الشعب في سبيل نفوذها. ورأى هؤلاء المتزعمون أن العائلة والبيت لا يكفيان في هذا العصر لدعم التزعم فلجأوا إلى كلمات محبوبة لدى الشعب، كلمات الحرية والاستقلال والمبادئ وتلاعبوا بهذه الألفاظ، المقدسة متى كانت تدل على مثال أعلى لأمة حية، الفاسدة متى كانت وسيلة من وسائل التزعم وستاراً تلعب وراءه الأهواء والأغراض، خصوصاً المبادئ، ففيها يجب أن تتجلى حيوية الأمة وحاجاتها الأساسية. أما المتزعمون فقد اتخذوا من الشعب وسيلة للتعبير عن بعض المبادئ. فعكسوا الآية بطريقة لبقة، وقد يكون ذلك عن جهل مطبق، وكونوا قضية مضحكة مبكية هي قضية جعل الشعب وقفاً على مبادئهم وتضحيته في سبيل تلك المبادئ. وقد كادوا ينجحون في تضحيته. وبديهي أن لا تكون هذه القضية قضية قومية إلا للذين ضلوا ضلالاً بعيداً.

                  ففي هذا الزمن الذي هو زمن تنازع الأمم البقاء، وفي هذا الوقت الحرج وشعبنا تعمل فيه عوامل الفساد والتجزئة والملاشاة القومية انبثق الحزب السوري القومي الاجتماعي كما ينبثق الفجر من أشد ساعات الليل حلكاً ليعلن مبدأ جديدا هو مبدأ الإرادة ـــ إرادة شعب حي يريد سيادته على نفسه ووطنه ليحقق مثله العليا ــ إرادة الحياة لأمة حية ـــ مبدأ أن المبادئ توجد للشعوب لا الشعوب للمبادئ ـــ مبدأ أن كل مبدأ لا يخدم سيادة الشعب نفسه ووطنه هو مبدأ فاسد ــ مبدأ أن كل مبدأ صحيح يجب أن يكون لخدمة حياة الأمة.

                  ليس الحزب السوري القومي الاجتماعي، إذاً، جمعية أو حلقة، كما قد يكون لا يزال عالقاً بأذهان بعض الأعضاء، الذين لما يسمح لهم الوقت بالوقوف على المبدأ الحيوي الذي ينطوي عليه الحزب القومي الاجتماعي وعلى حاجة الأمة السورية في هذا العصر. إن الحزب السوري القومي الاجتماعي لأكثر كثيراً من جمعية تضمّ عدداً من الأعضاء أو حلقة وجدت لفئة من الناس أو من الشباب. إنه فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها، إنه تجدد أمة توهم المتوهمون أنها قضت إلى الأبد، لأن العوامل العديدة التي عملت على قتل روحيتها القومية كانت أعظم كثيراً من أن تتحمل أمة عادية نتائجها ويبقى لها كيان أو أمل بكيان، إنه نهضة أمة غير عادية ـــ أمة ممتازة بمواهبها، متفوقة بمقدرتها، غنية بخصائصها ــ أمة لا ترضى القبر مكاناً لها تحت الشمس.

                  هذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي للذين وحدوا إيمانهم وعقائدهم فيه، هذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي للذين وحدوا قوتهم فيه، هذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة السورية.

                  إن الغرض الذي أنشئ له هذا الحزب غرض أسمى، هو جعل الأمة السورية هي صاحبة السيادة على نفسها ووطنها. فقبل وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي كان مصير هذه الأمة معلقاً على إرادات خارجية وكانت أنظارنا دائماً تتجه إلى الإرادات الخارجية بعد أن نكيف أنفسنا وفاقاً لها. أما الآن فقد غير وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي الموقف.

                  إن إرادتنا نحن هي التي تقرر كل شيء فنحن نقف على أرجلنا وندافع عن حقنا في الحياة بقوتنا. ومن الآن فصاعداً تدير أرادتنا نحن دفة الأمور. كل عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي يشعر أنه آخذ في التحرر من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية المخضعة، لأنه يشعر أن الحزب هو بمثابة دولته المستقلة التي لا تستمد قوتها من انتداب ولا تستند إلى نفوذ خارجي. الحقيقة أيها الرفقاء، أننا قد ترابطنا في هذا الحزب لأجل عمل خطير جداً هو إنشاء دولتنا وليكون كل واحد منا عضو دولته المستقلة، والعمل ولا شك شاق فهل نعجز عنه؟

                  إن الجواب على هذا السؤال يختلج في نفوسنا ويتردد ضمن صدورنا، وقد يخرج من حلوقنا ولكن إثباته على صفحات التاريخ يتوقف على جهادنا. فالتاريخ لا يسجل الأماني ولا النيات بل الأفعال والوقائع. وما أشك، وهذه الوجوه المتجلية فيها دلائل القوة والعزم ماثلة أمامي، في أن أفعالنا ووقائعنا ستثبت حكم إرادتنا التي لا تعرف عجزاً.

                  إننا قد حررنا أنفسنا ضمن الحزب من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية ولكن بقي علينا أن ننقذ أمتنا بأسرها وأن نحرر وطننا بكامله. وفي هذا العمل الخطير نواجه صعوبات داخلية وخارجية يجب أن نتغلب عليها، مبتدئين بالأولى منها لأنه لا يمكننا أن نتغلب على الصعوبات الخارجية تغلباً تاماً إلا بعد أن نكون تغلبنا على الصعوبات الداخلية. وأول ما يعترضنا من الصعوبات الداخلية، هو خلو مجموعنا من تقاليد قومية راسخة نتربى عليها ونتمسك بها. فنفسياتنا الشخصية هي دائماً في تضارب مع نفسيتنا العامة في كل ما له علاقة بقضايانا العامة وكيفية التصرف فيها. أضف إلى ذلك التقاليد المتنافرة المستمدة من أنظمتنا المذهبية وتأثيرها في مقاومة وحدة الشعب القومية. ولا بد لي هنا من التصريح بأن الحزب السوري القومي الاجتماعي قد أوجد طريقة التغلب على هذه الصعوبات بنظامه الذي يصهر التقاليد المنافية لوحدة الأمة و النفسيات الشخصية المنافية لنفسية الأمة. والنجاح الأخير يتوقف فعلاً على إدراكنا قيمة هذه الحقيقة وعلى تطبيقنا رموز الحزب الأربعة التي تربطنا ربطاً لا يحل التي هي: الحرية والواجب والنظام والقوة. وإن إدراكنا لحقيقة التغير الذي شرع الحزب السوري القومي الاجتماعي يحدثه في حياتنا القومية يجعلنا لا نغفل عن طبيعة التغير وما يصحبه من حوادث. والحقيقة التي تثلج صدرنا هي: أن السوريين القوميين الاجتماعيين عموماً يؤمنون بضرورة هذا التغير إيماناً تاماً. ويظهرون استعدادهم التام وعزمهم الأكيد على أن يحققوا انتصار مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي مبتدئين كل واحد بنفسه. وفي هذا الصراع بين عوامل الرجعة وعوامل التجدد نؤمن بانتصار القوى الجديدة، القوى المجددة، القوى التي تريد أن تتغلب على كل ما يقف في طريقها للخروج من حالة عفنة لا نظام فيها ولا قوة، إلى حالة صحيحة عنوانها النظام وشعارها القوة، القوة الممثلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

                  كذلك أريد بهذه المناسبة أن أصرح أن نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس نظاماً هتلرياً ولا نظاماً فاشياً، بل هو نظام قومي اجتماعي بحت، لا يقوم على التقليد الذي لا يفيد شيئاً، بل على الابتكار الأصلي الذي هو من مزايا شعبنا.

                  إنه النظام الذي لا بد منه لتكييف حياتنا القومية الجديدة ولصون هذه النهضة العجيبة، التي ستغير وجه التاريخ في الشرق، من تدخل العوامل الرجعية التي لا يؤمن جانبها والتي قد تكون خطراً عظيماً يهدد كل حركة تجديدية بالفساد في ظل النظام البرلماني التقليدي الذي لا سلطة له في التكييف. أزيد أيضاً أن نظامنا لم يوضع على قواعد تراكمية تمكن من جمع عدد من الرجال يقال إنهم ذوو مكانة يقفون فوق أكوام من الرجال تمثل التضخم والتراكم بأجلى مظاهرهما، بل على قواعد حيوية تأخذ الأفراد إلى النظام وتفسح أمامهم مجال التطور والنمو على حسب مواهبهم ومؤهلاتهم. لقد بلغني وطرق أذني مراراً أن أعضاء دخلوا الحزب متوقعين أن يروا أصحاب المكانة المتضخمة على رأسه ولكن عجبهم لم يلبث أن تحول إلى إعجاب حين وجدوا أن سياسة الحزب الداخلية تتجه على الاعتماد على القوة الحقيقية، قوة السواعد والقلوب والأدمغة، لا على قوة المكانة. إن مكانة كثيرين من رجال الزمن الذي نريد أن يزول مستمدّة بالأكثر من مبادئ لا تتفق في جوهرها ولا في شكلها مع المبادئ التي سنجدد بها حيوية أمتنا.

                  إن مبادئنا القومية الاجتماعية قد كفلت توحيد اتجاهنا، ونظامنا قد كفل توحيد عملنا في هذا الاتجاه ونحن نشعر أن التغيير يفعل الآن فعله الطبيعي.

                  إن مبدأ "سورية للسوريين والسوريون أمة تامة" آخذ في تحرير نفسيتنا من قيود الخوف وفقدان الثقة بالنفس والتسليم للإرادات الخارجية.

                  ليست القومية إلا ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها. ومن هذه الجهة نرى أن مبدأنا هذا يكسبنا الحيوية المطلوبة لجعل شخصيتنا القومية ذات مثال أعلى خاص وإرادة مستقلة هي أساس كل استقلال. ومبدأ "أن الأمة السورية مجتمع واحد" هو مبدأ يجب أن يتغلغل في أعماق نفوسنا لأنه المبدأ الذي يضع شخصية أمتنا فوق جميع الأهواء والنزعات الموروثة من تربية لا تزال البعثات والمدارس الدينية تزيد ضرامها ــ حالة سيكون من أهم أعمالنا وضع حد لها ــ وابتداء قومية صحيحة تحل محلها وتكفل توحيد عواطفنا. ومبدأ "إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج" مبدأ تقرر ليقوم عليه بناء نجاحنا الاقتصادي الذي لا بد منه لتوفير القوة المادية والحياة الصحيحة لمجموع الأمة.

                  تحت عوامل مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي تسير عملية تحرير أفكارنا من عقائد مهترئة وأوهام قعدت بنا عن طلب ما هو جدير بنا كالوهم الذي يدعو إليه فريق من ذوي النفوس السقيمة والعقول العقيمة، وهو أننا قوم ضعفاء لا قدرة لنا على شيء ولا أمل لنا بتحقيق مطلب أو إرادة، وأن أفضل ما نفعله هو أن نسلم بعجزنا ونترك شخصيتنا القومية تضمحل من بين الأمم ونقنع بكل حالة نسير إليها. إن السوريين القوميين الاجتماعيين قد حرروا أنفسهم من مثل هذا الوهم الباطل وأخذوا على أنفسهم تحرير بقية الأمة منه. هذه مسؤولية ملقاة على عاتق كل عضو من أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي وهي مسؤولية تصغر أمامها كل المسؤوليات الأخرى وتعظم مع عظمها حيوية كل فرد من أفراد مجموعنا. وسورية الناهضة، القائمة على القوى القومية الجديدة الممثلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي ستكون غير سورية القديمة الرازحة تحت التقليد المسترسلة إلى أوهام فاقدي الروح القومية وعديمي الثقة بالنفس. إن سورية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي سورية الوحدة القومية المنظمة بطريقة تجعل المواهب المخزونة فيها قوة عاملة على تحقيق ما تريد. إنا نؤمن إيماناً تاماً بأن الروح المتولدة من مبادئنا ستنتصر انتصاراً نهائياً وتتغلب على جميع الصعوبات الداخلية وإذا كان ذلك يحتاج إلى وقت فذلك لأن الوقت شرط أساسي لكل عمل خطير. أما الصعوبات الخارجية فتهون متى تغلبنا على الصعوبات الداخلية وتمركزات إرادة أمتنا في نظامنا الذي يضمن وحدتها ويمنع عوامل القسمة المتفشية خارج الحزب من التسرب إلى وحدتنا المتينة التي نضحي في سبيلها بكل ما تطلبه منا التضحية. وبهذه المناسبة لا أريد أن أتناول وجهة قضيتنا الخارجية بتمامها فلهذه فرصة عسى أن تكون قريبة. فاقتصر على ذكر مبدأ عام سائد في التاريخ هو أن مصير سورية يقرر بالمساومات الخارجية دون أن يكون للأمة السورية شأن فعلي فيه. وعلى هذا المبدأ تعتمد الدول الكبرى في مزاحمتها لبسط نفوذها علينا. وأنا أريد الآن أن أصرح أن إنشاء الحزب السوري القومي الاجتماعي ونموه المستمر سيتكفلان بطرد مثل هذه الوساوس من رؤوس السياسيين الطامعين.

                  إننا نشعر الآن بوجود دعاوة إيطالية قوية في هذه البلاد خصوصاً وفي الشرق الأدنى عموماً. وكذلك نشعر نحن بمثل هذه الدعاوة من جهة ألمانيا وبمثل ذلك من دول أخرى. فزعامة الحزب السوري القومي الاجتماعي تحذر جميع الأعضاء من الوقوع فريسة للدعاوات الأجنبية. إننا نعترف بأن هنالك مصالح تدعو إلى إنشاء علاقات ودية بين سورية والدول الأجنبية وخصوصاً الأوربية. ولكننا لا نعترف بمبدأ الدعاوة الأجنبية. يجب أن يبقى الفكر السوري حراً مستقلاً، أما المصالح المشتركة فنحن مستعدون لمصافحة الأيدي التي تمتد إلينا بنية حسنة صريحة في موقف التفاهم والاتفاق.

                  يجب على الدول الأجنبية التي ترغب في إيجاد علاقات ودية ثابتة معنا أن تعترف، في الدرجة الأولى، بحقنا في الحياة وأن تكون مستعدة لاحترام هذا الحق وإلا فالإرادة السورية الجديدة لا تسكت عن المناورات السياسية التي يقصد منها استدراج أمتنا إلى تكرار الأغلاط السياسية التي ارتكبت والتي كانت وبالاً عليها.

                  إن مهمة صون نهضتنا القومية الاجتماعية هي من أهم واجبات الحزب السوري القومي الاجتماعي ولن نعجز عن القيام بها على أفضل وجه ممكن فيمكن الدعاوات الأجنبية أن تتفشى في فوضى الأحزاب ولكنها متى بلغت إلى السوريين القوميين الاجتماعيين وجدت سدا منيعا لا تنفذ فيه ، لان السوريين القوميين الاجتماعيين حزب غير فوضوي ولأنهم لا يتمشون إلا على السياسة التي يقرها حزبهم. ليسوا هم جماعة مبعثرة بل قوة نظامية.

                  أعود فأقول إن هذه القوة النظامية ستغير وجه التاريخ في الشرق الأدنى. ولقد شاهد أجدادنا الفاتحين السابقين ومشوا على بقاياهم أما نحن فسنضع حداً للفتوحات!

                  تحت طبقة الثرثرة والصياح المنتشرة فوق هذه الأمة، يقوم السوريون القوميون الاجتماعيون بعملهم بهدوء واطمئنان، وتمتد روح الحزب السوري القومي الاجتماعي في جسم الأمة وتنظم جماعاتها. ولكن سيأتي يوم، وهو قريب، يشهد فيه العالم منظراً جديداً وحادثاً خطيراً ــــ رجالاً متمنطقين بمناطق سوداء، على لباس رصاصي، تلمع فوق رؤوسهم حراب مسنونة، يمشون وراء رايات الزوبعة الحمراء يحملها جبابرة من الجيش فتزحف غابات الأسنة صفوفاً بديعة النظام، فتكون إرادة للأمة السورية لا ترد، لأن هذا هو القضاء والقدر!
                  إن هذا الكلام يتفق مع ما شرحته في الاجتماع الماضي إذ قلت: إن معنى النهضة هو خروج من التناقض والتضارب. إنها تعني وضوحاً وجلاء وصراحة ــ نظرة واضحة، فاهمة، واعية. وهذه الفكرة الواضحة في معنى النهضة كانت ملازمة للحركة القومية الاجتماعية منذ بدئها كما جاء في الخطاب الذي تلوته الآن والذي هو أول منهاج للحزب. "منذ تلك الساعة نقضنا بالفعل حكم التاريخ" يعني أننا بارتباطنا في وحدة العقيدة قد عكسنا قول التاريخ عنا أننا جماعة لا تجمعها رابطة، لا تكون شخصية، لا تكون مجتمعاً موحد الحياة، بل جماعة أو جماعات من البشر متنافرة متباينة متعايشة ليس لها إرادة، لا تعمل ما تريد، بل ما يفرض عليها من المجتمعات الخارجية الفاهمة التي تستخدم مجموعنا وسيلة لبلوغ أغراضها وغاياتها هي.

                  هذا الخطاب يعد الخطاب المنهاجي الأول الذي لفظ في الحزب السوري القومي الاجتماعي وهو يكون، في الصحيح، أول شرح لمبادئ الحزب وكيفية فهمها وتطبيقها في حياتنا. وبديهي أن قصدنا نحن بالمبادئ ليس فقط صوراً جميلة على الورق، بل قوة فاعلة في الحياة ــ حياة تعمل وتنشئ وترتقي وتحقق وتخلق. وإذا تتبعنا هذا الخطاب من أول فقراته اتضحت لنا نقاط أساسية هامة جداً خليق بنا أن نحيط بها وأن نفهمها فهماً لا التباس فيه.

                  إن أول نقطة هي ما علقته على نظرتي إلى أن الحزب السوري القومي الاجتماعي يشكل خروجاً من الفوضى إلى الاتجاه، إلى النظام، إلى وحدة الاتجاه. ووحدة الاتجاه تعني حتماً وحدة النظر إلى الحياة، لأنه لا يمكن أن نوحد اتجاهنا إذا لم تكن لنا نظرة واحدة إلى الحياة والكون والفن.

                  القصد الأساسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي هو توحيد اتجاه الأمة الموجودة مصغرة في الحزب. وإذا قلنا إن الأمة هي الحزب السوري القومي الاجتماعي وإن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الأمة لم نقل إلا الحقيقة الحرفية المجردة، لأن الأمة هي هيئة تحقق فيها الوعي وحصلت النظرة الفاهمة الواضحة الصريحة إلى الحياة والكون والفن، فحيث لا توجد هذه الأسس تظل الأمة موجودة في حالة إمكانية فقط ولا تصير حقيقة إلا بعد أن يحصل الوعي للحقائق الأساسية التي تكون وحدة الاتجاه وخطط الاتجاه التاريخي. وإننا لا نجد هذه الأسس في سورية الطبيعية كلها إلا في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

                  ولما كانت الأمة قد نشأت نشوءاً جديداً في الحزب السوري القومي الاجتماعي كان لنا الحق الطبيعي أن نقول إننا "منذ الساعة التي أخذت فيها عقيدتنا القومية الاجتماعية تجمع بين الأفكار والعواطف وتلم شمل قوات الشباب المعرضة للتفرقة بين عوامل الفوضى القومية والسياسية المنتشرة في طول بيئتنا وعرضها وتكون من هذا الجمع وهذا اللم نظاماً جديداً ذا أساليب جديدة يستمد حياته من القومية الجديدة وتعاليمها الاجتماعية، هو نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي. منذ تلك الساعة انبثق الفجر من الليل وخرجت الحركة من الجمود وانطلقت من وراء الفوضى قوة النظام، وأصبحنا أمة بعد أن كنا قطعاناً بشرية وغدونا دولة تقوم على أربع دعائم: الحرية، الواجب، النظام، القوة التي ترمز إليها أربعة أطراف الزوبعة القومية الاجتماعية الممثلة في علم الحزب السوري القومي الاجتماعي.

                  "منذ تلك الساعة نقضنا، بالفعل، حكم التاريخ وابتدأنا تاريخنا الصحيح، تاريخ الحرية والواجب والنظام والقوة ــ تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، تاريخ الأمة السورية الحقيقي".

                  عندما ننتقل إلى نقطة جديدة من هذا الخطاب، هي الموجودة في الفقرة حيث أقول "مبدأ أن المبادئ توجد للشعوب، لا الشعوب للمبادئ، مبدأ أن كل مبدأ لا يخدم سيادة الشعب نفسه ووطنه هو مبدأ فاسد ــ مبدأ أن كل مبدأ صحيح يجب أن يكون لخدمة حياة الأمة"، نجد نظرة واضحة في أساس الحياة والوجود الذي تقوم عليه نهضتنا.

                  وهنا قد يبدو أن هنالك تضارباً بين ما نعنيه من استعدادنا للسقوط في سبيل مبادئنا الوارد في فقرة سابقة وبين "أن المبادئ وجدت للحياة" لا لإفناء الحياة. فقد يخطر للبعض هذا السؤال: كيف نبذل أنفسنا في سبيل المبادئ إذا كانت المبادئ وجدت لتبذل نفسها في سبيلنا؟

                  نحن نبذل أنفسنا في سبيل المبادئ يعني: أننا نبذل أنفسنا أفراداً في سبيل تحقيق المبادئ التي في تحقيقها تحقيق لحياة الأمة، وليس أن المبادئ مستقلة عن الأمة خارجة عنها لا علاقة ولا صلة لها بها، وأننا من أجل هذه المبادئ بذاتها، وليس لأنها تعني حياة الأمة، نحن مستعدون للتضحية.

                  نحن مستعدون لكل تضحية من أجل انتصار المبادئ وانتصار الأمة بواسطة انتصار هذه المبادئ فإذا وجدت مبادئ لا يمكن أن تعني حياة الأمة، فمهما كانت جميلة في حد ذاتها ومهما كانت رائعة، ساحرة، فهي لا تستحق أن نبذل النفس في سبيلها ولا أن نضحي. حينما تعني المبادئ حياة الأمة الجيدة، المرتقية، في هذا العراك، نحن مستعدون كلنا للتضحية لكن الذين يسقطون يظلون جزءاً من الكل يسقط في سبيل الكل، حتى إذا تحقق خير الكل وجد الكل في هذا التحقيق ما يرضي القيم الإنسانية العليا التي يفيض خيرها على مجموع الشعب تحقيقاً لما يتمنى المرء في نفسه لأمته أولاً ولنفسه ثانياً، وليس لنفسه أولاً ولأمته ثانياً..

                  من هذا الشرح يظهر جيداُ أن لا تناقض بين أن المبادئ توجد لخدمة حياة المجتمع وإننا مستعدون لبذل النفس في سبيل المبادئ. كل واحد منا مستعد أن يسقط في سبيل المبادئ من أجل أن تحيا المبادئ وأن تحيا الأمة بهذه المبادئ.

                  فهنا توجد قاعدة مبدئية إنسانية في الحزب السوري القومي الاجتماعي وهي أن المبادئ للإنسان الحي وليس الإنسان للمبادئ. قال الدكتور خليل سعاده: "ليست الحياة وسيلة لتشريف الدين، بل الدين وسيلة لتشريف الحياة". فقيمة المبادئ للأمة هي بمقدار ما تعني وتعمل لحياة الإنسان الجيدة لا بقدر ما هي خيالات جيدة في أدمغة بعض المفكرين.

                  من هذا الشرح يتضح أيضاً لماذا نقول إن الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس جمعية أو حلقة تحاول أن تقوم ببعض أعمال بسيطة أو تتفاعل في جزئيات تهم هذا العدد القليل أو الكثير في أنفسهم ولأنفسهم فقط، كما قد يكون عالقاً بأذهان بعض الناس أو بعض الأعضاء في الحزب الذين لما يتفهموا حقيقة الحزب وحقيقة مهمته العظمى كما عاد فعلق بذهن البعض، بعد مرور سنين كثيرة على نشوء الحزب القومي الاجتماعي، الظن الخاطئ أنه لم يكن للحزب السوري القومي الاجتماعي نظرة إلى الحياة والكون والفن لمجرد أنهم هم لم يقبلوا على تفهم هذه النظرة التي بها تقوم رسالة الحزب القومي الاجتماعي. ليس الحزب السوري القومي الاجتماعي عدداً من الناس مجتمعين للمناداة بوحدة سورية فحسب للعمل للنيابة كما يعمل المشتغلون في السياسة متآزرين ومتكتلين لمصلحة شخصية، خصوصية.

                  إن أرقى درجة يبلغ إليها التمثيل السياسي في الحكومات عندنا هي عندما يقوم النائب بالعمل للمنطقة التي هو منها أو لنفع أشخاص من منطقته أو لمن له بهم صلات شخصية بحت. هذا معظم ما يبلغ إليه الفكر السياسي "المناقبي" في الدول الحاضرة. وهذه الدرجة العالية هي حقيرة بالنسبة إلى ما نرمي إلى تحقيقه نحن. عندما يفوز نائب من الحزب في أية حكومة من حكوماتنا سوف لا يكون همه أن يحقق بعض الأمور الشخصية أو المنطقية (نسبة إلى المنطقة) بل تكون مهمته القيام بمجهود كبير قومي من أجل المصالح القومية عامة، كل المصالح الأساسية التي تتوقف عليها سلامة الأمة ومصيرها وارتقاء حياتها. فالأمور التي نعنى بها نحن ليست جزئيات بل كليات تتعلق بحياة الأمة في أساسها، بجوهر الحياة واتجاه الحياة الأسمى والأكمل والأفضل ولذلك قلت في خطابي "هذا هو الحزب القومي الاجتماعي للذين وحدوا إيمانهم وعقائدهم فيه، هذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي للذين وحدوا قوتهم فيه، هذا هو الحزب القومي الاجتماعي للأمة السورية".

                  ولما كان الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الأمة مصغرة، كان عليه أن يعتبر نفسه، في حقيقته واتجاهه وأهدافه، دولة الشعب السوري المستقلة ولذلك أعلنت أن القوميين الاجتماعيين يشعرون أن الحزب هو بمثابة دولتهم المستقلة.

                  وهذا يعني أن الحكومات السورية المستمدة من الانتداب الأجنبي، الخاضعة للانتداب الأجنبي، لا تمثل بالفعل إلا تلك الإرادات الأجنبية. فالحزب السوري القومي الاجتماعي بمجرد نشأته المستمدة من إرادة الأمة هو بالفعل الدولة الصحيحة المستقلة فعلاً.

                  هذه هي النظرة الحقيقية لوجود الحزب السوري القومي الاجتماعي ولذلك عبرنا عنه أنه دولة الأمة السورية المستقلة. ونحن لا نعلن هذا اليقين من أجل الافتخار، بل من أجل ما نعنيه فعلاً وهو حقيقة جوهرية أكيدة. ولذلك قلت "إننا قد حررنا أنفسنا ضمن الحزب من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية، ولكن بقي علينا أن ننقذ أمتنا بأسرها وأن نحرر وطننا بكامله. وفي هذا العمل الخطير نواجه صعوبات داخلية وخارجية يجب أن نتغلب عليها مبتدئين بالأولى منها".

                  إن هذه النقطة لا تزال تعني للحزب السوري القومي الاجتماعي خطة أساسية جوهرية لا يتقدم عنها قبل تحقيقها، فالتغلب على الصعوبات الداخلية هو هدف من الأهداف الرئيسية التي يجب أن نبلغها أولا ثم نتقدم الى التغلب على الصعوبات الخارجية إذ "لا يمكننا أن نتغلب على الصعوبات تغلباً تاماً إلا بعد أن نكون قد تغلبنا على الصعوبات الداخلية".

                  كيف يمكننا أن نقف أمام الإرادات الأجنبية مبعثرين متنافرين متقاتلين؟ لا يمكننا أن نواجه القضايا الخارجية بنجاح لمقاصدنا في الحياة إلا بعد أن نتغلب على الصعوبات الداخلية ونجعل الأمة وحدة حياة ووحدة مقاصد ووحدة إرادة ووحدة مصير.

                  هنالك فقرة خاصة في الخطاب تشير إلى قضية خطيرة من القضايا التي يجب علينا حلها في الحزب السوري القومي الاجتماعي. إن نظامنا يرمي إلى صهر التقاليد المنافية لوحدة الأمة. والتقاليد كما أوضحت في "نشوء الأمم" ليست شكلية، سطحية، بل لها مساس بالاقتناعات العميقة في نفس الإنسان، وهي تختلف عن العادات، فالعادات هي التي يمكن أن تتغير بسهولة لأنها تتعلق بسطحيات الحياة أما التقاليد فلها علاقة بالاقتناعات النفسية العميقة.

                  فالتقاليد التي تمثل إما مبادئ أو استمرار مبادئ ليست لأجل حياة الأمة وارتقائها يجب أن تصهر لأجل الحياة وليس لأجل أن تكون الحياة لها. إن التقاليد هي، في عرفنا كالمبادئ، للحياة وليست الحياة للتقاليد.

                  والقضية التالية هي قضية الشخصية الفردية المنافية لنفسية الأمة وشخصيتها وارتقائها:

                  من الأول رأينا أن النزعة الفردية والرأي النفعي الفردي الشخصي هما مرض من أعظم الأمراض، وصعوبة من أعظم الصعوبات الداخلية التي يجب أن نتغلب عليها لنواجه العالم الخارجي كوحدة متينة وإرادة واحدة. فواضح إذاً، كم هو صحيح هذا القول: "والنجاح الأخير يتوقف فعلاً، على إدراكنا قيمة هذه الحقيقة وعلى تطبيقنا رموز الحزب الأربعة التي تربطنا ربطاً لا يحل وهي: الحرية الواجب والنظام والقوة".

                  وكذلك هام جداً أن نلاحظ هذا القول الهام: "إن إدراكنا حقيقة التغير الذي شرع الحزب السوري القومي الاجتماعي يحدثه في حياتنا القومية يجعلنا لا نغفل عن طبيعة التغيّر وما يصحبه من حوادث" أي إننا كنا ننتظر, وكنا ننتظر منذ البدء، أن هنالك حوادث ستحدث ضمن عملية التغير. إن أفراداً وجماعات ــ إن كتلاً كبيرة أحياناً ــ تقول" جيد، أعطونا الحرية لنؤيد هذا الحزب العامل لإعطائنا الحرية ".ولكنهم لا يفطنون الى أن للحرية في هذا الحزب مقياساً يختلف عن مقاييسهم.

                  إنهم يريدون أن يأتوا إلى الحرية بكل السلاسل والقيود التي يرسفون فيها. يريدون أن يأتوا إلى ساحة الحرية مكبلين، ولا يريدون أن يقطعوا هذه السلاسل التي اعتادوا رنينها حتى أنهم لا يتمكنون من النوم إلا على رنينها! إن الحرية عندنا، تعني تقطيع السلاسل وكسر القيود وأن نأبى الحزن على تقطيعها وتكسيرها والتخلص منها!.

                  وكنا ننتظر من البدء أن عملية التغير ستلاقي حوادث من داخل الحزب السوري القومي الاجتماعي ومن خارجه. مع ذلك ومع انتظارنا هذه الحوادث كنت مؤمناً بأن القومية الاجتماعية ستنتصر في الأخير. ولذلك قلت "إن السوريين القوميين الاجتماعيين، عموماً، يؤمنون بضرورة هذا التغير إيماناً تاماً، ويظهرون استعدادهم التام وعزمهم الأكيد على أن يحققوا انتصار مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي، مبتدئين كل واحد بنفسه"، أي أن يبتدئ كل واحد بالخير في نفسه فلا يعوقه عن السير في الحياة الجديدة، نحو مطالب الحياة الجديدة شيء. ومعنى هذا تولد القوة المجددة الصحيحة "التي تريد أن تتغلب على كل ما يقف في طريقها للخروج من حالة عفنة لا نظام فيها ولا قوة إلى حالة صحيحة عنوانها النظام وشعارها القوة".

                  والنظام، في عرفنا، هو ما قلت وكررت أنه لا يعني الترتيبات الشكلية الخارجية، بل هو نظام الفكر والنهج، ثم نظام الأشكال التي تحقق الفكر والنهج.

                  النظام في عرفنا ليس مجرد تنظيم دوائر وصفوف. النظام شيء عميق جداً في الحياة. ولذلك قلت إن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو قوة ستغير وجه التاريخ.

                  ينتقل الخطاب من هذه المسائل الأساسية إلى النواحي التطبيقية . ففي سير الفكر والتسلسل نصل إلى هذه النقطة: "إن نظام الحزب هو النظام الذي لا بد منه لتكييف حياتنا القومية الجديدة ولصون هذه النهضة العجيبة، التي ستغير وجه التاريخ في الشرق الأدنى، من تدخل العوامل الرجعية التي لا يؤمن جانبها والتي قد تكون خطراً عظيماً يهدد كل حركة تجديدية بالفساد في ظل النظام البرلماني التقليدي الذي لا سلطة له في التكييف" وهنا نصل إلى أمور تتعلق بكيفية تطبيق منهاج هذه النهضة.فما قلته يعني أننا نعتقد أن النظام الانتخابي الحاضر لا يمكن أن يكون الواسطة الصالحة لتحقيق المبادئ الجديدة ولتحقيق التغير. أي لنقل الأمة من حياة وحالة حياة إلى حياة وحالة حياة أخرى، لأنه في هذا النظام الاستمرار والتراكم هما اللذان لهما اليد العليا على الخلق وعلى الفاعلية.

                  لذلك عندما كان يسألني بعض الأشخاص كيف يكون نهج الحزب السوري القومي الاجتماعي عند استلامه الحكم كنت أقول "إنكم لا تفهمون الحزب السوري القومي الاجتماعي" وكان ذلك صحيحاً لأنهم لم يكونوا دارسين اتجاهات الحزب.

                  كنت أيضاً أزيد أن نظامنا لم يوضع على قواعد تراكمية. إننا لا نجمع أعضاء كيفما اتفق. إن قواعد التراكم هي من قواعد الجماد لا من قواعد الحياة. إن الحياة تنمو وتنتعش وتمتد وتتسع أما الجماد فباق كما هو من الخارج يتراكم... نحن قوة حيوية. نحن نفعل من داخل الحياة ولا نقبل بالتراكم من الخارج. نحن قوة تنمو كما ترون بقوة من داخلنا نحو الشباب والرجولة ولا نتراكم كطبقات الجماد. نحن قوة تنمو وتتحرك وتفعل وتنشئ ولسنا تراكم جماد لا حياة ولا قوة له.

                  ولذلك عندما أوضحت بالمقاييس المحصورة هذه القوة، قلت إنها قوة السواعد الحرة، قوة القلوب، قوة الشعور، قوة الإحساس المرهف، قوة الأدمغة، قوة التفكير والتوليد والإبداع والتصور، لا قوة المكانة المتراكمة.

                  المكانة الاجتماعية تمثل قوة تراكمية مع الزمن اكتسبت نفوذاً وصار هذا النفوذ يستمر ويتراكم ويقوى بمساعدة العادة ومرور الزمن. أما نحن فلسنا على هذه القوى بمعتمدين: أي فرد من أفراد الأمة فيه مبدأ الحياة هو الذي يهمنا، أكان ذا مكانة تراكمية أم لم يكن، لأن فيه فاعلية الحياة والنمو التي لا توجد في الأشياء التراكمية.

                  في هذه القواعد الارتكازية المختصرة في هذا الخطاب، المزحومة فيه، وفي هذا الاستعراض المختصر جداً يمكننا أن نعد أنه مبرر كل التبرير هذا القول: "إننا نؤمن إيماناً تاماً بأن الروح المتولدة من مبادئنا ستنتصر انتصاراً نهائياً وتتغلب على جميع الصعوبات الداخلية، وإذا كان ذلك يحتاج إلى وقت فذلك لأن الوقت شرط أساسي لكل عمل خطير".

                  وبديهي أن لا ينتظر أحد أن هذا التغيير الخطير جداً سيتم بين ليلة وضحاها. ولكن متى ابتدأت مبادئ الحياة توقظ وتنشئ وتوجه، أصبحت المسألة مسألة وقت ومتى صارت مجرد مسألة وقت لم يعد هنالك من شك في النتيجة النهائية. "أما الصعوبات الخارجية، فتهون متى تغلبنا على الصعوبات الداخلية، وتمركزت إرادة أمتنا في نظامنا الذي يضمن وحدتها ويمنع عوامل القسمة المتفشية خارج الحزب من التسرب إلى وحدتنا المتينة التي نضحي في سبيلها بكل ما تطلبه منا التضحية". إذ إن نظامنا هو الوحيد الذي يؤمل أن يكفل لهذه الأمة مستقبلاً غير الحالة الزرية التي تتعثر فيها.

                  من الأمور الهامة في هذا الخطاب أننا أعلنا، منذ البدء، محاربتنا للدعاوات الأجنبية ونبهنا إلى خطر المطامع الألمانية والإيطالية. ومنذ البدء أوضحنا أنه إذا كان يمكن أن يكون هنالك أية علاقة في الشكليات مع ألمانية أو مع إيطالية فهذا الاتفاق في الشكليات لا يعني ولا بصورة من الصور أن الحزب قد استمد من تلك المصادر أية فكرة من الفكر التي قام عليها. في الخطاب تصريح واضح أن نبقي الفكر السوري حراً مستقلاً، لأنه متى خضع الفكر القومي لفكر أجنبي فماذا يبقى من الاستقلال؟..

                  إن الأمم تتشابه في تشكيلاتها. إن الأنظمة تتشابه في الدول البرلمانية والأساليب العسكرية تتشابه في جميع الدول. لكن التشابه بين جيش وجيش لا يعني أن هذا التشابه يضع إحدى هذه الأمم تحت إيعاز أو خضوع لأمة أخرى. كذلك إذا تشابهت بعض الشكليات بين الحزب السوري القومي الاجتماعي ودول أخرى فما ذلك إلا لأن بعض الأوضاع، في ذاتها، تتطلب بعض الأشكال في ذاتها.

                  لذلك ، ومنذ ذلك الوقت وحين كان الحزب لا يزال سرياً غير معروف لا من السلطات ولا من الأوساط الشعبية، أعلنت للقوميين الاجتماعيين في اجتماع سري "إننا نشعر الآن بوجود دعاوة من جهة إيطالية قوية في هذه البلاد خصوصاً، وفي الشرق الأدنى عموماً. وكذلك نشعر نحن بمثل هذه الدعاوة من جهة ألمانية وبمثل ذلك من دول أخرى. فزعامة الحزب السوري القومي الاجتماعي تحذر جميع الأعضاء من الوقوع فريسة للدعاوات الأجنبية" هذا ما أعلن من نحو ستة أشهر قبل اكتشاف الحزب وإزاحة الستار عنه للرأي العام. إننا ارتبطنا لنسير على سياسة واحدة في نظام له منا كل ولائنا في الحزب القائم على يقين كلي وإيمان مطلق لا سبيل، معه، إلى الشكوك. فالشكوك تكون الجبن والخوف والتردد والفوضى وعدم الوضوح. فلا سبيل لهذه المخاوف إلى يقيننا.

                  إن الذين لا يثقون بحقيقة قضيتهم لا يثقون بحزبهم ونظامهم ولا بشيء على الإطلاق، ومتى حلت الثقة محل الشكوك، متى حل الإيمان محل الشك، قضي على التردد والفوضى والبلبلة. فإذا كنا نعود من الإيمان إلى الشك كان لائقاً أن نقول بحق إننا لا نتقدم بل نتراجع. يمكننا أن نتقدم من الشك إلى الإيمان ولا يمكننا أن نتقدم من الإيمان إلى الشك بل يمكننا أن نرجع القهقرى.

                  بمثل هذا اليقين بهذه الحقيقة الصريحة الواضحة تصورت أن الحزب السوري القومي الاجتماعي ينمو، يوماً بعد يوم، ليصير تلك الصفوف من الرجال "المتمنطقين بمناطق سوداء على لباس رصاصي، تلمع فوق رؤوسهم حراب مسنونة يمشون وراء رايات الزوبعة الحمراء يحملها جبابرة من الجيش، فتزحف غابات الأسنة صفوفاً بديعة النظام. فتكون إرادة للأمة السورية لا ترد لأن هذا هو القضاء والقدر".

                  بيقين مثل هذا فقط يمكن الانتصار، بهذا الإيمان بمبادئنا، بأمجادنا، بحقيقتنا، بأننا قضية، بأننا بالخير والحق والجمال كله نحقق كل ما هو سام وجميل وخير للمجتمع.

                  هذا بالاختصار ما عناه خطاب أول حزيران 1935.
                  من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                  في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                  كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                  سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                  نعم للأسد ...
                  احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                  Comment


                  • #10
                    رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                    احبــــــــــــــــــــــي كما لم تحب امراة و انســــــــــــــــــي كما ينسى الرجال


                    " إن الخلاص لا يبحث عنه في الحكومات بل في الشعب في إيقاظ وجدانه القومي لحقيقته ومصالحه ومصيره."




                    انطون سعادة
                    .

                    انا علماني بس يمكن انت ما عِلمان فيي







                    Comment


                    • #11
                      رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh


                      من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                      في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                      كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                      سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                      نعم للأسد ...
                      احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                      Comment


                      • #12
                        رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                        Click image for larger version

Name:	1000074-1.jpg
Views:	1
Size:	45.1 KB
ID:	1318090

                        المحاضرة الثالثة


                        في 25 كانون الثاني 1948


                        بعد أن تناولت في الاجتماعين الماضيين مسألة أن النهضة القومية هي خروج من البلبلة والفوضى إلى الوضوح في القصد والوضوح في الأهداف الاجتماعية، ولذلك هي نهضة بالمعنى الصحيح، تناولت في الاجتماع الثاني الخطاب الأول الذي ألقي في أول اجتماع عام للحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1935 الذي هو بالحقيقة أول شرح لأهداف الحزب ومنهجه العملي. وإني أنتقل في هذا الاجتماع إلى المبادئ نفسها لنرى على ضوئها طبيعة النهضة السورية القومية الاجتماعية المتولدة من إرادة حية قوية فعالة.

                        أمهد لابتداء درس المبادئ بقراءة كتاب أرسلته من السجن الأول من سجن الرمل في 10 كانون الأول 1935 إلى المحامي الأستاذ حميد فرنجية الذي كان أحد المحامين الذين تقدموا للدفاع عن الزعيم في الدعوى الأولى في المحكمة المختلطة، التي تعني المحكمة الفرنسية.

                        كان المحامي المذكور طلب إلي أن أضع على ورقة أو في كتاب، ما هي الأسباب التي دفعتني لإنشاء الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهاكم ما كتبت في ذلك الحين:
                        في ما دفعني إلى إنشاء الحزب السوري القومي الاجتماعي

                        كنت حدثاً عندما نشبت الحرب الكبرى سنة 1914 ولكني كنت قد بدأت أشعر وأدرك. وكان أول ما تبادر إلى ذهني، وقد شاهدت ما شاهدت وشعرت بما شعرت وذقت ما ذقت مما مني به شعبي، هذا السؤال: ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟.

                        ومنذ وضعت الحرب أوزارها أخذت أبحث عن جواب لهذا السؤال وحل للمعضلة السياسية المزمنة التي تدفع شعبي من ضيق إلى ضيق فلا تنقذه من دب إلا لتوقعه في جب.

                        وكان أن سافرت أوائل سنة 1920 وقد بعثت الأحقاد المذهبية من مراقدها والأمة لما تدفن أشلاءها.

                        ولم تكن الحال في المهجر أحسن إلا قليلاً . فقد فعلت الدعاوات فعلها في المهاجرين فانقسموا شيعاً. وكانوا كلهم سوريين. ولكن فئة كبيرة منهم خضعت للنعرات المذهبية فنشأت هناك أيضاً الفكرة اللبنانية التي هي نتيجة بقاء زعامة المؤسسات الدينية وسلطانها ونفوذها.

                        وبديهي أني لم أكن أطلب الإجابة على السؤال المتقدم من أجل المعرفة العلمية فحسب. فالعلم الذي لا يفيد كالجهالة التي لا تضر. وإنما كنت أريد الجواب من أجل اكتشاف الوسيلة الفعالة لإزالة أسباب الويل، وبعد درس أولي منظم قررت أن فقدان السيادة القومية هو السبب الأول في ما حل بأمتي وفي ما يحل بها. وهذا كان فاتحة عهد درسي المسألة القومية ومسألة الجماعات عموماً والحقوق الاجتماعية وكيفية نشوئها. في أثناء درسي أخذت أهمية معنى الأمة وتعقدها في العوامل المتعددة تنمو نموها الطبيعي في ذهني. وفي هذه المسألة ابتدأ انفرادي عن كل الذين اشتغلوا في سياسة بلادي ومشاكلها القومية. هم اشتغلوا للحرية والاستقلال مطلقين فخرج هذا الاشتغال عن العمل القومي بالمعنى الصحيح أما أنا فأردت "حرية أمتي واستقلال شعبي في بلادي". والفرق بين هذا المعنى التعييني والمعنى السابق المطلق المبهم واضح. وكنت أحاول في جميع الأحزاب والجمعيات السورية التي اتفق لي الانخراط فيها أو تأسيسها أو الاتصال بها أن أوجه الأفكار إلى ما وصلت إليه فلم أوفق كثيراً.

                        يمكنني أن أعين موقفي بالنسبة إلى موقف المتزعمين السياسيين من قومي بأن موقفي أخذ يتجه رويداً حتى ثبت على الأساس القومي بينما موقفهم كان ولم يزل على الأساس السياسي. والسياسة من أجل السياسة لا يمكن أن تكون عملاً قومياً.

                        بناء عليه، ولما كان العمل القومي الشامل المتناول مسألة السيادة القومية ومعنى لأمة لا يمكن أن يكون عملاً خالياً من السياسة رأيت أن أسير إلى السياسة باختطاط طريق نهضة قومية اجتماعية جديدة تكفل تصفية العقائد القومية وتوحيدها وتوليد العصبية (Esprit De Corps) الضرورية للتعاون القومي في سبيل التقدم والدفاع عن الحقوق والمصلحة القومية.

                        ولما كانت دروسي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وقد أوصلتني إلى تعيين أمتي تعييناً مضبوطاً بالعلوم المتقدمة وغيرها، وهو حجر الزاوية للبناء القومي، وإلى تعيين مصلحة أمتي الاجتماعية والسياسية من حيث حالاتها الداخلية ومشاكلها الداخلية والخارجية وجدت أن لا بد لي من إيجاد وسائل تؤمن حماية النهضة القومية الاجتماعية الجديدة في سيرها. ومن هنا نشأت فيَّ فكرة إنشاء حزب سري يجمع في الدرجة الأولى عنصر الشباب النزيه البعيد عن مفاسد السياسة المنحطة. فأسست الحزب السوري القومي الاجتماعي ووحدت فيه العقائد القومية في عقيدة واحدة هي "سورية للسوريين والسوريون أمة تامة" ووضعت مبادئ الجهة الإصلاحية كفصل الدين عن الدولة وجعل الإنتاج أساس توزيع الثروة والعمل وإيجاد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن واتخذت الصفة السرية للحزب صيانة له من هجمات الفئات التي تخشى نشوءه ونموه ومن السلطات التي قد لا ترغب في وجوده. وجعلت نظامه فردياً في الدرجة الأولى مركزياً متسلسلاً (Hierarchique) منعاً للفوضى في داخله واتقاء نشوء المنافسات والخصومات والتحزبات والمماحكات وغير ذلك من الأمراض السياسية والاجتماعية، وتسهيلاً لتنمية فضائل النظام والواجب. ولقد وضعت كل ذلك وأسست الحزب بصرف النظر عن وجود الانتداب أو عدم وجوده. فالحزب لم ينشأ خصيصاً لأن الانتداب موجود بل لجعل الأمة السورية موحدة وصاحبة السيادة على نفسها والإرادة في تقرير مصيرها. ولما كان الانتداب أمراً عارضاً فإن النظر في موقفه وموقف الحزب منه يأتي في الدرجة الثانية أو الطور الثاني، السياسي. ولذلك فالحزب ليس مؤسساً على مبدأ كره الأجانب (Chauvinisme) بل على مبدأ القومية الاجتماعية. وأما أن تطبيق الانتداب قد ساعد كثيراً على انتشار الحزب في مدة وجيزة وقوى الدوافع على إنشائه فذلك من المسائل الفرعية التي لها أهميتها المحدودة.

                        وإذا كانت المسألة القومية تتجه بطبيعتها نحو تنازع البقاء بين السيادة القومية والانتداب فذلك أمر من طبيعة القومية وطبيعة الانتداب.
                        سجن الرمل 10 كانون الأول 1935
                        الإمضاء: أنطون سعاده


                        من هذا الكتاب تتضح مسائل تحتاج إلى شيء من الدرس. فالمسألة الأخص تتضح من العبارة هذه: "إن الحزب لم ينشأ خصيصاً لأن الانتداب موجود، بل لجعل الأمة السورية موحدة وصاحبة السيادة على نفسها والإرادة في تقرير مصيرها، ولما كان الانتداب أمراً عارضاً فإن النظر في موقفه وموقف الحزب منه يأتي في الدرجة الثانية أو الطور الثاني، السياسي".

                        أول شيء نستخرجه من هذه العبارة هو الفرق بين الأمور العارضة والأمور الجوهرية، الأساسية، الثابتة. من هذه العبارة يتضح جلياً أن الحزب لم يتأسس لشيء عارض كالانتداب أو غيره، بل لمسألة ثابتة هي حياة الأمة السورية وسيادتها والغرض من استقلالها وسيادتها.

                        لم يتأسس الحزب لمجرّد محاربة الانتداب القائم، حتى إذا زال الانتداب، زال الحزب. لأنه لو كان هذا هو السبب الرئيسي لكان من المحتم أنه إذا زال الانتداب كان زواله موجباً لزوال الحزب، لأن المسبب يزول بزوال السبب، لكن شيئاً من هذا لم يحدث لأن سبب نشوء الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس عارضاً: فالحزب نشأ لشيء جوهري ثابت يتقدم ويجاوز باستمرار كل الأمور الوقتية أو الفرعية أو الشكلية الزائلة أو العارضة. إنه يقوم من أجل حقيقة ثابتة مستمرة. فقضيته هي قضية كلية أساسية، دائمة. إنها قضية حياة المجتمع واستمرار حياته وتقدمها نحو الأفضل والأجمل.

                        وهذا الاتجاه الواضح يتقوى بالعبارة التي تقول: "إن موقفي أخذ يتجه رويداً حتى ثبت على الأساس القومي، بينما موقفهم (المتزعمين) كان ولم يزل على الأساس السياسي. والسياسة من أجل السياسة لا يمكن أن تكون عملاً قومياً" هذا يقوي القول إن الحزب لم يوجد من أجل السياسة أو لأجل بعض الأهداف السياسية العارضة.

                        إن هذا الكتاب الموجز هو استمرار في شرح مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وغايته الذي ابتدأ بخطاب 1935. وتظهر في هذا الكتاب الصفة الاجتماعية التي تشتمل عليها المبادئ ظهوراً جلياً.

                        من ابتداء هذا الكتاب يشعر الفاهم المدقق أنه يواجه قضية حزب من نوع فلسفي عميق ابتدأت بهذا السؤال البسيط: ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟ هذا السؤال يعني البحث عن الأسباب التي أخضعت الشعب السوري لإرادة غير إرادته وقادته إلى ما قادته. وقد قلت في صدد هذا السؤال "لم أقصد الإجابة على السؤال المتقدم من أجل المعرفة العلمية فحسب". بل من أجل تعيين الأهداف بالعقل وإنقاذ الأمة من العوامل العمياء التي لا فهم ولا إرادة لها فيها.

                        ننتقل من هذا الكتاب إلى رسالة وجهتها إلى الجالية السورية في البرازيل عام 1934 بعيد نشوء الحزب، بعد سنتين من نشوء الحزب، على أثر وفاة والدي في البرازيل ونشرت في جريدة "الرابطة" في 8 2 تموز 1934 قلت:
                        "إذا كان هذا العصر عصر تنازع الأمم، فهو إذاً، عصر أعمال لا عصر أقوال. وإذا كان لا بد من القول فيجب أن يكون مدعوماً بالقوة العملية ليكون من ورائه نفع أو نتيجة هيولية محسوسة. ونحن أمة واقفة الآن بين الموت والحياة ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نعينه.

                        ويتراءى لي أن أمتنا كانت، منذ عصور قديمة جداً، أمام عدة مسائل تتطلب أجوبة صريحة هي:
                        • هل نحن أمة حية؟
                        • هل نحن مجتمع له هدف في الحياة؟
                        • هل نحن قوم لهم مثل عليا؟
                        • هل نحن أمة لها إرادة واحدة؟
                        • هل نحن جماعة تعرف أهمية الأعمال النظامية؟"

                        وهذه الأسئلة هي أيضاً بسيطة وواضحة جداً ولكنها أسئلة خطيرة وأهميتها واضحة للمدقق البصير المتبصر في القيم الإنسانية وفي طرق التفكير الفلسفي وأهدافه.

                        هل نحن أمة؟ هذا السؤال الذي يعني أيضاً "ما نحن؟"، يعني ابتداء البحث عن حقيقتنا، ما هي. إنه نقطة الابتداء في أي تفكير إنساني يحاول إدراك حقيقته ومحيطه ومقاصده في الحياة والمحيط. يعني ابتداء التفكير في معنى ماهية الجماعة الإنسانية التي هي نحن وأهدافنا الكبرى التي تعبر عن حقيقتنا ووجودنا نحن وجوهرنا نحن. كل هذا يعني أن قواعد الفكر التي نشأت عليها هذه النهضة القومية وينمو بها الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قواعد فلسفة عميقة تتناول المسائل الأساسية غير التي ترتبط بوقت معين تمضي بمضيه أو بشكل من الأشكال الجزئية، بل هي عامة ثابتة، أو بالمعنى الفلسفي المطلق، ليست منسوبة إلى وقت أو حالة معينة وقتية تزول بزوال تلك الحالة".

                        بهذه الأسئلة وابتداء الفكر من هذه النقاط وضعت مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي لتعطي الجواب على الأسئلة العلمية الفلسفية العميقة المتقدمة. فلنتقدم الآن إلى هذه المبادئ لندرسها وندرس كيف عينت من نحن كيف عينت أهدافنا ومقاصدنا.

                        المبادئ كما هو معروف مقسومة إلى قسمين، أساسية وإصلاحية، ولكنها جميعها، كما هو وارد في الشرح في غاية الحزب، تشكل قضية واحدة ــ قضية الحياة واتجاهها التي في سبيلها نحارب ونجاهد ونفكر ونعمل.

                        المبدأ الأول: سورية للسوريين والسوريون أمة تامة.
                        في شرح هذا المبدأ أقول:
                        "حين ابتدأت أفكر في بعث أمتي ونهضتها وألاحظ الحركات السياسية الاعتباطية القائمة فيها لاحظت أنه لا يوجد إجماع على تعيين هويتنا وحقيقتنا الاجتماعية، ورأيت أن كل عمل قومي صحيح يجب أن يبدأ من هذا السؤال الفلسفي: من نحن؟ ( في صيغة رسالتي إلى الجالية السورية في البرازيل: هل نحن أمة حية؟ ) والذي وضعته لأول مرة أمام نفسي، منذ بدء تفكيري القومي الاجتماعي، وطرحته على الشعب في رسالة مني إلى النزالة السورية في البرازيل، بمناسبة وفاة والدي هناك سنة 1934، والذي شرحت أهميته التأسيسية في أحاديث ومحاضرات عديدة في بداية نشر تعاليمي القومية الاجتماعية. وقد أجبت نفسي بعد التنقيب الطويل فقلت: نحن سوريون ونحن أمة تامة. وكان وضعي هذا المبدأ.

                        إن هذه التعاريف المبلبلة التي جزأت حقيقتنا القومية أو أذابتها ومحتها: نحن اللبنانيين، نحن الفلسطينيين، نحن الشاميين، نحن العراقيين، نحن العرب، لم يمكن أن تكون أساساً لوعي قومي صحيح ولنهضة الأمة السورية التي لها دورتها الاجتماعية والاقتصادية في وحدة حياة ووحدة مصير.

                        القول بأن السوريين هم أمة تامة هو إعلان حقيقة أساسية تقضي على البلبلة والفوضى وتضع المجهود القومي على أساس من الوضوح لا يمكن، بدونه، إنشاء نهضة قومية في سورية. والحقيقة أن قومية السوريين التامة وحصول الوجدان الحي لهذه القومية أمران ضروريان لكون سورية للسوريين، بل هما شرطان أوليان لمبدأ السيادة القومية، سيادة الشعب الشاعر بكيانه على نفسه وعلى وطنه الذي هو أساس حياته وعامل أساسي في تكوين شخصيته. فإذا لم تكن سورية للسوريين تحت مطلق تصرفهم، بل كانت عرضة لادعاءات سيادة خارجة عن نطاق الشعب السوري، في الحياة والارتقاء.

                        يعني هذا المبدأ سلامة وحدة الأمة السورية وسلامة وحدة وطنها وانتفاء كل إبهام من الوجهة الحقوقية في أن السوريين أمة هي وحدها صاحبة الحق في ملكية كل شبر من سورية والتصرف به والبت بشأنه.

                        ويعني من الوجهة الداخلية أن الوطن ملك عام لا يجوز، حتى ولا لأفراد سوريين، التصرف بشبر من أرضه تصرفاً يلغي، أو يمكن أن يلغي فكرة الوطن الواحد وسلامة وحدة هذا الوطن الضرورية لسلامة وحدة الأمة السورية.

                        كل سوري يرغب في أن يرى أمته حرة، سائدة، مرتقية يجب أن يحفر هذا المبدأ على لوح قلبه حفراً عميقاً.

                        إن الذين لا يقولون بأن سورية للسوريين وبأن السوريين أمة تامة يرتكبون جريمة تجريد السوريين من حقوق سيادتهم على أنفسهم ووطنهم. والحزب السوري القومي الاجتماعي يعلنهم باسم ملايين السوريين التائقين إلى الحرية، الراغبين في الحياة والارتقاء، مجرمين".


                        هذا هو المبدأ الأول وشرحه فلنحلل قليلاً ولندخل في بعض النواحي التاريخية. هل زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي هو أول من قال: سورية للسوريين والسوريون أمة تامة؟ ولنجزئ هذا الموضوع إلى(1) سورية للسوريين و(2) السوريون أمة تامة :
                        هل زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي هو أول من قال سورية للسوريين؟ لست أول من قال سورية للسوريين، فإن هذه العبارة مستعملة من قبل بعض الكتاب والأحزاب. وهذا التعبير جرى على الأقلام والألسنة فلست أول من قال سورية للسوريين. ولكن الجزء الثاني: السوريون أمة تامة، هو قول قيل لأول مرة في التعاليم السورية القومية الاجتماعية. قاله زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي. وقيمة الإنتاج من الوجهة الفكرية هي في هذا الجزء الثاني من هذا المبدأ للحزب الذي يعين بالضبط قيمة الجزء الأول ويعطيه اتجاهه الذي لا يمكن أن يعطيه إياه أي تأويل.

                        عبارة "سورية للسوريين" كان يمكن أن تعني أشياء كثيرة لأنها لم تعين من هم السوريون هل هم أمة؟ أم ما هم؟ يمكننا أن نقول بيروت للبيروتيين ولا نقول أنهم أمة. والاقتصار على العبارة المتقدمة يمكن أن يبقيها معرضة لتأويلات تلغي كوننا أمة. فالذين استعملوا العبارة استعملوها بطرق مختلقة ومعان متضاربة لا يمكن أن تعين فهماً صافياً لا يتغير لغيّر الحالات أو أن تعين قاعدة أساسية غير معرّضة لحالة المسائل الجزئية أو العارضة.

                        كانت العبارة لفظة لا نعرف ماذا يجب أن نعتقد منها. أما بعد إدخال الجزء الثاني: السوريون هم أمة تامة، فقد تم تكوين القضية القومية من أساسها. صرنا نعرف بأي معنى يمكن أن نقول "سورية للسوريين"، بمعنى قومي وليس بمعنى سياسي يتغير بتغير الأحداث السياسية. صارت العبارة تعني لنا أمراً ثابتاً ومبدأ أساسياً يبقى مهما تغيرت الأحداث والأحوال. فهو مطلق أساسي لا غنى لنا عن تفهمه لكي يكون جزءاً من عقيدة قضية ثابتة في نفوسنا لا تغيرها أحداث الأشياء النسبية العارضة.

                        وضع هذا المبدأ عيّن، إذاً، الجواب للسؤال الأول: "من نحن؟" وأخرجنا من بلبلة التعرض للمسائل الجزئية أو النسبية للوقت أو الظروف أو السياسة أو الزمان، التي بالنسبة إليها فقط كنا نسمي أنفسنا أحياناً لبنانيين وأحياناً سوريين وأحياناً عرباً بأسماء تضيع فيها حقيقتنا وليست إلا نتيجة لعوارض وظروف تضيع فيها المفاهيم الحقيقية الثابتة.

                        خرجنا، بهذا المبدأ، من بلبلة الشخصية وفوضى تحديد "نحن" وصارت لنا شخصية واضحة، فيمكن، بعد هذا التأسيس المتين، أن تجزأ بلادنا إلى مئة دولة وأن نسمي كل دولة باسم نخترعه. ويمكن أن يحتل بلادنا أجنبي واحد أو أكثر من أجنبي واحد ويقتسم وطننا بين دولتين أو أكثر. ويمكن أن تنشأ في بلادنا أشكال سياسية كثيرة ويمكن أن تتبدل هذه الأشكال، لكن حقيقة واحدة تبقى ثابتة، هي حقيقة أمتنا وشخصيتنا القومية التي تتغلب في الأخير على كل العوارض.

                        لغيرنا يمكن أن تتغير الشخصية بتغير الظروف والعوارض أما لنا نحن القوميين الاجتماعيين، فلا يمكن ذلك مهما تجزأت بلادنا وكيفما تشكلت، احتلها أجانب أم بقيت حرة سائدة. هناك حقيقة واحدة تبقى هي أن السوريين أمة تامة وأن سورية البلاد هي لسورية الأمة.

                        ينتج عن ذلك تعيين الحقوق القومية "إذا لم يكن السوريون أمة تامة لها حق السيادة وإنشاء دولة مستقلة لم تكن سورية للسوريين تحت مطلق تصرفهم".

                        هنا الشخصية الواضحة أصبحت الأساس الحقوقي لهذه الأمة الواعية، الخالدة. إننا، بفضل المبدأ الأول من مبادئ حركتنا القومية الاجتماعية، أصبحنا نعرف من نحن ونعرف ما يخصنا ونعرف ما يخص غيرنا ــ ما هي حقوقنا وما هي حقوق سوانا في جميع الأمور والقضايا التي تعرض في حياة الأمة، كقضية فلسطين وقضية العقبة وقضية الإسكندرون وقضية سيناء التي تواجه الأمة اليوم وجميع القضايا المتفرعة عنها والتي لها مساس بسورية الأمة وسورية الوطن.

                        هذه القضايا كلها أصبحت متشابكة ومكونة قضية حق وحياة واحدة من ضمن قضية كلية واحدة ثابتة هي قضية الأمة السورية وحقوقها بصفتها هذه الشخصية.

                        إن الذين أدركوا واتضحت لهم هذه المعاني الأساسية لم يستغربوا رسالتي التي وجهتها في 2 تشرين الثاني الماضي إلى القوميين الاجتماعيين والأمة السورية جمعاء في صدد تصريح بلفور لمصلحة اليهود وقضية فلسطين الناشئة عن التصريح المذكور. في رسالتي هذه شددت على نقطة وهي أن قضية فلسطين يجب أن تعتبر قضية سورية كلها وتهم السوريين وحدهم قبل كل واحد سواهم.

                        يمكن أن يعاون السوريين من الخارج دول لها بسورية صلات تاريخية ودموية وثقافية وقرابة مصالح. ولكن لا يجوز أن يقرر أحد، مهما كان قريباً لنا، قضية تخصنا نحن. يجب أن ينتظر إلى أن نقرر نحن ليوافقنا على تقريرنا. فيجب أن نضطلع نحن بمسؤولية قضايانا القومية وأن نقرر مصيرنا بإرادتنا وأن نبقي تقرير المصير من حقنا وحدنا. بهذا المبدأ يمكننا أن نفهم كيفية نظرنا إلى الأمور ويمكن أن نخطط سياسة وسياسات وأن نعين الأهداف التي نريد.

                        إن عدم اعتبار السوريين قضية فلسطين قضية سورية محض بالمعنى القومي، وعدم تناديهم إلى عقد مؤتمر فيما بين الدول السورية للبت في قضية فلسطين ــ للدفاع عنها ــ أخرج القضية من حقوق السوريين إلى نطاق مشاع بين حقوق عدة دول ضمن العالم العربي. صارت حقوق مصر والعرب ومراكش الخ ... مثل حقوقنا نحن وهذا غلط كبير. هذا تفريط في الحقوق القومية. ومع شدة تبجح السوريين بأنهم يمتازون بالفكر والعقل على بقية العالم العربي كانوا من هذه الناحية متأخرين ولنا بعصبية مصر مثل. إذا قابلنا بين قضية فلسطين وقضية السودان وقابلنا بين موقف السوريين من الأولى وموقف المصريين من الثانية، اتضح الفرق الكبير بين وضوح مصالح مصر للمصريين وغموض مصالح سورية للسوريين. والمصريون لم يضعوا قضية السودان في يد الجامعة العربية ولم يسمحوا بجعلها قضية غير مصرية بحت، لأنهم يشعرون أن السودان يخصهم ولا حقّ لأحد غيرهم بتقرير مصير ذلك الجزء من وطنهم ولا يقبلون أن يتدخل لبنان أو الشام أو العراق في الأمر وتنوب عن السودان أو عن مصر في البت في مصيره.

                        أما نحن فقبلنا أن تتدخل في قضية فلسطين أية شخصية غير سورية من العالم العربي وأن تعدها قضية لها كما هي لنا وأن تعتبر نفسها متساوية معنا نحن في الحقوق والمسؤولية وفي تقرير المصير. لم ينتظر العرب والمصريون إلى أن يقول السوريون كلمتهم ليؤيدوها كدول شقيقة أو محبة أو متألمة أو مشتركة في بعض المخاوف، بل تدخلوا مباشرة كأن الأرض تخصهم كما تخصنا ولهم ذات الحق كما لنا.

                        من الذي يكفل لنا أن العمل صار بإخلاص من جميع الجوانب التي تدخلت في القضية لمصلحة فلسطين والأمة السورية؟

                        والصحيح أن النتيجة السيئة في كل الشوط الماضي في صدد فلسطين حصلت من تلك التدخلات الواسعة غير المضبوطة التي عرّضت القضية إلى مساومات وتأثيرات ما كان يجب أن تتعرض لها.

                        إننا نشك كثيراً في أن المملكة العربية السعودية كانت تشعر بالفعل أن فلسطين يجب الدفاع عنها كما يشعر السوريون وللغاية السورية عينها التي يريدها السوريون. فالأرجح، الذي تدل الدلائل عليه، أن المملكة السعودية رأت في تدخلها مجالاً للعمل لمسائل خاصة بها ويمكننا أن نعتقد، وهنالك أسباب تؤيد هذا الاعتقاد، أن مصالح مادية هامة تمكنت المملكة العربية السعودية من الحصول عليها بطرق المساومات على كيفية تقرير مصير فلسطين. إن القروض المالية الكبيرة التي تستعد دولة الولايات المتحدة الأميركانية لإقراضها لها وفي المصالح المادية الكثيرة التي حصلت بين الولايات المتحدة الأميركانية والمملكة السعودية لا تسمح بأن نظن أنها بعيدة عن تنفيذ خطط السياسة الأميركانية في صدد قضية فلسطين. كذلك نرى أن المصريين نظروا إلى قضية فلسطين من وجهة نظر مصرية بحتة. في الوقت الذي لا يوجد فيه تخطيط سياسة سورية وليس للسوريين موقف واحد صريح موحد وسورية مجزأة وكل جزء من أجزائها يكون احتكاراً لبعض الفئات الرسمالية أو الإقطاعية ــ في الوقت الذي نجد فيه سورية في هذه الحالة السيئة نجد أمتين من أمم العالم العربي قد كونتا وحدتيهما على أسس أمتن وأقوى على تقرير مصيرهما وأقوى على التدخل في ما يخص الأمة السورية وحدها بدون منازع!

                        لو كان هذا المبدأ السوري القومي الاجتماعي الأول وجد فعله في الأمة السورية جميعها بسرعة لما وصلت قضية فلسطين إلى الحالة المؤسفة التي وصلت إليها الآن. وكذلك نقول عن الإسكندرون وكيليكية. وإن عندي من الوثائق ما يدل دلالة صريحة على النتائج الوخيمة التي يسببها إهمال هذا المبدأ الذي يجب أن يكون مقدساً في كل سورية. حين تم انتزاع منطقة الإسكندرون وإلحاقها بتركية والأمة السورية جريحة دامية قام عام 1938 وزير خارجية مصر برد زيارة لوزير الخارجية التركية في أنقره وتبادلا الأنخاب على كل ما تم لإنجاح تركية وعلى هذه النتيجة الباهرة الجميلة: إنّه لم يبق بين تركية ومصر من أرض حائلة إلا فلسطين! فكان هذا القول من قبل وزير خارجية مصر بمثابة اعتراف للاشتراك بتنفيذ الخطط الأخرى وهي ضم منطقة حلب ــ دير الزور أيضاً إلى تركية، والإجهاز على غرب شمال سورية كله فلا يبقى بين تركية ومصر أي حائل إلا فلسطين.إن التفريط في حقوقنا بعدم اعتبار سورية أمة تامة وأن سورية الوطن هي للأمة التامة هو الذي أفقدنا أجزاء غنية و يهددنا اليوم بفقد فلسطين.
                        ***

                        المبدأ الثاني: القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى.

                        بعد أن قلنا إن السوريين أمة تامة يجب أن نعين ما هي قضية هذه الأمة التامة فعينا في هذا المبدأ، أنها قضية كلية "مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى".
                        في شرح هذا المبدأ أقول:

                        "يمثل هذا المبدأ فكرة أن جميع المسائل الحقوقية والسياسية التي لها علاقة بأرض سورية أو جماعة سورية هي أجزاء من قضية واحدة غير قابلة التجزئة أو الاختلاط بشؤون خارجية يمكن أن تلغي فكرة وحدة المصالح السورية ووحدة الإرادة السورية. والواقع أن هذا المبدأ هو نتيجة وتكميل للمبدأ الأول. فبما أن سورية للسوريين الذين يشكلون أمة تامة لها حق السيادة، كان من البديهي أن تكون قضيتها، أي قضية حياتها ومصيرها متعلقة بها وحدها ومنفصلة عن كل قضية أخرى تتناول مصالح تخرج عن متناول الشعب السوري. إن هذا المبدأ يحفظ للسوريين وحدهم حق تمثيل قضيتهم والبت في مصير مصالحهم وحياتهم ويجعل قضيتهم قضية كلية غير قابلة التجزئة

                        ويعني هذا المبدأ من الوجهة الروحية أن إرادة الأمة السورية التي تمثل مصالحها هي إرادة عامة، وأن مثلهم العليا التي يريدون تحقيقها هي مثل عليا ناشئة من نفسيتهم ــ من مزاجهم الخاص ومواهبهم، لا يمكن أن يسمحوا بتلاشيها أو بالفصل بينهم وبينها أو بخلطها مع أهداف أخرى يمكن أن تضيع فيها. وهذه المثل العليا هي الحرية والواجب والنظام والقوة التي تفيض بالحق والخير والجمال في أسمى صورة ترتفع إليها النفس السورية فلا يمكن أن يمثلها أو يحققها لهم غيرهم، لأن لهم نفسيتهم الخاصة.

                        بناءً على هذا المبدأ يعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي أنه لا يعترف لأية شخصية أو هيئة غير سورية بحق التكلم باسم المصالح السورية في المسائل الداخلية أو الأنترنسيونية أو بحق إدخال مصير المصالح السورية في مصالح غير الأمة السورية.

                        إن ملايين الفلاحين والعمال وأصحاب الحرف والمهن والتجارات والصناعات الذين تتألف الأمة السورية منهم لهم إرادة ومصلحة في الحياة يجب أن تبقيا من شأن مجموعهم وحده.

                        لا يعترف الحزب السوري القومي الاجتماعي لأية شخصية أو هيئة غير سورية بحق وضع مثلها العليا موضع مثل الأمة السورية العليا".

                        من هذين المبدأين نأتي إلى وضوح كلي في من هم السوريون؟ ماذا يعني هذا الاسم؟ وما تعني حياتهم ومصالحهم؟ فنرى أمامنا قضية كلية واحدة غير قابلة للتجزئة أو الخلط مع مسائل وقضايا خارجة عن إرادة الأمة أو غير خاضعة لهذه الإرادة.

                        وهذا يعني بتعبير فلسفي أن الذات السورية هي الناظرة، الفاهمة، الباصرة، التي تقرر والتي تعين وأنها لا تخضع للأمور المفعولة والإرادات الخارجية. هي ليست المادة التي تخضع للفنان, بل الفنان الذي يخضع المادة والوضع لشعوره ليكيف منه ما شاء بفنه. إن إرادة الأمة السيدة هي التي تعبر عن حقيقة السوريين ووجودهم وعما يصبون إليه وهي تعين لهم الهدف والغاية التي تهدف الأمة إليها وليست الظروف أو الأحوال العارضة ولا شيء منها. ولذلك كنت أكرر وأقول إننا لا نخضع ولا نسلم للأمر المفعول. لسنا هذه الجماعة التي يمكن أن يقرر مصيرها بإرادة غير إرادتها في مؤتمرات من الدول أو منظمة من أغلبية الدول في العالم، أو أن يقرر مصير أية قضية تخص سورية والأمة السورية.

                        على ضوء هذه الشروح نرى كيف أن هذه المبادئ الصغيرة تكون أساس انطلاق في اتجاه واضح معين في جميع المسائل والمشاكل التي تعترض الأمة السورية في سيرها.

                        هكذا نرى أن هذه المبادئ ليست أقوالاً جامدة أو كلمات ميتة أو حروفاً متناسقة، بل قوة حية فاعلة تتولد فيها مقررات مبدئية أساسية هامة وتبنى عليها خطط في السياسة المصلحية وفي السياسة الأخلاقية وفي السياسة الفكرية أيضاً في السياسة النظامية، في السياسة التي تتجه إلى تقرير الاتجاه والاعتناء بالقيم الهامّة، الأساسية الجوهرية، السامية التي هي جوهر القضية السورية القومية الاجتماعية وجوهر النظام القومي الاجتماعي.

                        ونحن نعتقد أن للأمة السورية عقلاً إنسانياً رائعاً. وكما قلت سابقاً إننا لا نخضع للأمر المفعول كذلك قلت في معرض آخر أنه ليس أسهل، من أجل إيجاد سلام دائم في العالم من تنازل بعض الأمم عن حقهن في الحياة. فإذا خضعت تركية مثلاً أو سواها لإرادة أمة أخرى كبريطانية مثلاً تجنباً للتصادم معها حققت السلام الذي تفرضه مصلحة بريطانية. فيمكن أن نسمي هذا السلام, السلام البريطاني وإذا أمكن أن تتنازل بريطانية وفرنسة وروسية للسلام الأميركاني حصل سلام تقوده أميركانية وإذا تنازلت سورية وإيران واليونان والبلقان لضغط تركية أمكن إيجاد سلام تركي. لكن سورية لا تريد أن تكون من هذا البعض من أجل إيجاد سلام يفرضه الأتراك ويقررون مصيره.

                        من هنا ومن هذه الشروح القليلة البسيطة يمكننا أن نتعرف إلى ماذا تعني من قيم ثابتة هذه المبادئ المعروفة باسم مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي.

                        ما قلته حتى الآن وما يمكن أن أقوله في الاجتماعات المقبلة لا يغني عن درس تحليلي عميق هادئ يوضع كتابة ليستعرض التسلسل التاريخي والمنطقي للأمور ويوضح بصورة أكمل وأجلى ما تعني هذه التعاليم وما ينكشف عنها للأمة واتجاهها الجديد الآخذ في تغيير حالتها الداخلية ووضعها الأنترنسيوني وفي تغيير وجه التاريخ كما قلت مكرراً. وإني لا أعني بها جمالاً زخرفياً بل حقيقة بكل حروفها.
                        ***

                        المبدأ الثالث: القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري.
                        وفي الشرح أقول:

                        "يتناول هذا المبدأ تحديد القضية السورية الواردة في المبدأ السابق تحديداً لا يقبل التأويل، وهو يظهر العلاقة الحيوية، غير القابلة الفصل، بين الأمة والوطن، فالأمة بدون وطن معين لا معنى لها، ولا تقوم شخصيتها بدونه. وهذا الوضوح في تحديد القضية القومية يخرج معنى الأمة من الخضوع لتأويلات تاريخية أو سلالية أو دينية مغايرة لوضع الأمة ومنافية لمصالحها الحيوية والأخيرة.

                        إن وحدة الأمة والوطن تجعلنا نتجه نحو فهم الواقع الاجتماعي الذي هو الأمة بدلاً من الضلال وراء أشكال المنطق الصرف وتراكيب الكلام.

                        وإن الترابط بين الأمة والوطن هو المبدأ الوحيد الذي تتم به وحدة الحياة. ولذلك لا يمكن تصور متحد إنساني اجتماعي من غير بيئة تتم فيها وحدة الحياة والاشتراك في مقوماتها ومصالحها وأهدافها وتمكن من نشوء الشخصية الاجتماعية التي هي شخصية المتحد ــ شخصية الأمة".

                        اليهود في تفرقهم في العالم بدون وطن يجمعهم في حياة واحدة توحد نظرهم في جميع القضايا الأساسية، كانوا أمة لا معنى لها فأرادوا أن يحققوا معنى كونهم أمة فأنشأوا حركتهم الصهيونية وجعلوا هدفهم ابتغاء إيجاد "وطن قومي" لهم في فلسطين يصح أن يصير لهم وجود قومي فعلي فيه.

                        كل فكرة قومية بلا أساس من وطن، يخرج الأمة عن وضع واقعها الاجتماعي فالتأويلات السلالية القائلة مثلاً أننا عرب لأن قسماً منا أتى من العرب أو أننا فينيقيون أو كنعانيون لأن قسماً منا تحدر أو انتسب إلى الفينيقيين أو الكنعانيين، أو أننا آشوريون فقط هي تأويلات مخالفة لواقع المجتمع.

                        إن الاسم الذي تكتسبه الأمة هو في الغالب من الأرض أو من جماعة برزت في أرض معينة: ليس صحيحاً أن العرب هم عرب لأنهم ولد يعرب. ولا سبيل لنا لتحقيق من هو يعرب أو ما كان يعرب. فيعرب لا يمثل إلا طريقة واجتهاداً فكرياً للتعبير عن واقع جماعة أو للتعليل عن مصدر جماعة أو عن سبب تسميتها. وهذه طريقة استعملها العرب ليس فقط في جدهم الموهوم يعرب، بل في جميع التعليلات التي تعين واقعاً جغرافياً أو اجتماعياً. فقالوا إن افريقية بناها أفريقس مثلاً، ولا سبيل لتحقيق أساس تاريخي عن أفريقس المزعوم وكيف بنى افريقية. وقالوا في العدنانيين المستعربين الكنعانيي الأصل أنهم ولد اسماعيل، للتعليل عن دخول الكنعانيين في حياة الصحراء.

                        العرب اسمهم عرب ليس لأنهم ولد جد يدعى يعرب، بل لأنهم سكان العربة. والعربة اسم للصحراء، فالعرب هم سكان العربة كما أن السوريين هم سكان سورية وليس لهم جد دعي بهذا الاسم، بل لأنهم يسكنون سورية ووحدوا حياتهم فيها.

                        وأصل اللفظة أخذ من أشور كما يرجح وسميت البلاد سورية والسوريون ينسبون إلى البلاد وكذلك العرب ينسبون إلى بلادهم العربة. أما العلاقة والقرابة الدموية بين سكان سورية وسكان العربة، فقد قام عليها الدليل، ولكن من أخذ من الآخر أكثر؟ يمكن أن يكون السوريون الكنعانيون المستعربون أكثر في العربة من العرب الذين دخلوا سورية وتسرينوا وإن كثيراً من العرب الذين دخلوا سورية بالفتح المحمدي هم عرب مستعربة أي أنهم سوريون كنعانيون في الأصل تحولوا إلى البداوة بعامل جفاف الأرض وقطنوا العربة (الصحراء) واكتسبوا الطابع العربي (الصحراوي). من هذه الحقيقة تظهر لنا أهمية الوطن الفاصلة في تقرير شخصية المجتمع وحقيقة الأمة.

                        هذه المبادئ الأساسية الثلاثة التي قرأتها مع شروحها تشتمل على نقطة الانطلاق الأولية نحو القضية القومية الاجتماعية وكل ما يأتي بعدها مستند إليها.

                        وفي المحاضرات المقبلة سأتابع شرح التعاليم القومية الاجتماعية.

                        من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                        في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                        كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                        سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                        نعم للأسد ...
                        احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                        Comment


                        • #13
                          رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                          Click image for larger version

Name:	227575_460000607373981_1209693693_n.jpg
Views:	1
Size:	30.4 KB
ID:	1318091

                          المحاضرة الرابعة

                          في أول شباط 1948


                          المبدأ الرابع: الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي.
                          شرح المبدأ :
                          "يتبع هذا المبدأ مبدأ التسلسل التحليلي. فهو تحديد لماهية الأمة المذكورة في المواد السابقة. وهو من حيث مدلوله الاثنلوجي يحتاج إلى تدقيق وإمعان، ليس القصد من هذا المبدأ رد الأمة السورية إلى أصل سلالي واحد معين، سامي أو آري، بل القصد منه إعطاء الواقع الذي هو النتيجة الأخيرة الحاصلة من تاريخ طويل يشمل جميع الشعوب التي نزلت هذه البلاد وقطنتها واحتكت فيها بعضها ببعض واتصلت وتمازجت، منذ عهد أقوام العصر الحجري المتأخر السابقة الكنعانيين والكلدان في استيطان هذه الأرض وإلى هؤلاء الأخيرين إلى الآموريين والحثيين والآراميين والآشوريين والأكاديين، الذين صاروا شعباً واحداً . وهكذا نرى أن مبدأ القومية السورية ليس مؤسساً على مبدأ وحدة سلالية ، بل على مبدأ الوحدة الاجتماعية الطبيعية لمزيج سلالي متجانس ، الذي هو المبدأ الوحيد الجامع لمصالح الشعب السوري ، الموحد لأهدافه ومثله العليا ، المنقذ القضية القومية من تنافر العصبيات الدموية البربرية والتفكك القومي.

                          إن الذين لا يفقهون شيئاً من مبادئ علم الاجتماع ولا يعرفون تاريخ بلادهم يحتجون على هذه الحقيقة بادعاء خلوص الأصل الدموي وتفضيل القول بأصل واحد على الاعتراف بالمزيج الدموي، إنهم يرتكبون خطأين، خطأ علمياً وخطأ فلسفياً. فتجاهل الحقيقة التي هي أساس مزاجنا ونفسيتنا وإقامة وهم مقامها، فلسفة عقيمة تشبه القول بأن خروج جسم يدور على محور عن محوره أفضل لحركته! أما ادعاء نقاوة السلالة الواحدة أو الدم فخرافة لا صحة لها في أمة من الأمم على الإطلاق وهي نادرة في الجماعات المتوحشة ولا وجود لها إلا فيها.

                          كل الأمم الموجودة هي خليط من سلالات المفلطحي الرؤوس والمعتدلي الرؤوس والمستطيلي الرؤوس ومن عدة أقوام تاريخية. فإذا كانت الأمة السورية مؤلفة من مزيج من الكنعانيين والآراميين والآشوريين والكلدان والحثيين والأكاديين والمثني فإن الأمة الفرنسية مؤلفة من مزيج من الجلالقة واللغوريين والفرنك الخ ... وكذلك الأمة الإيطالية مؤلفة من مزيج من الرومان اللاتين والسمنيين والأتروريين ( الاترسكيين ) الخ .. وقس على ذلك كل أمة أخرى "السكسون والدانمركيون والنرمان، هذا ما نحن" هكذا يقول تنيسن في أمته الإنكليزية. أما أفضلية خلوص الأصل ونقاوة السلالة على الامتزاج السلالي (خصوصاً بين السلالات الراقية المتجانسة) فقد قام الدليل على عكسه. فإن النبوغ السوري وتفوق السوريين العقلي على من جاورهم وعلى غيرهم أمر لا جدال فيه فهم الذين مدنوا الاقريك ووضعوا أساس مدنية البحر المتوسط التي شاركهم فيها الاقريك فيما بعد. لقد كان النبوغ الاقريكي في اثينة المختلطة لا في اسبرطة الفخورة بأنسابها، المحافظة على صفاء دمها.

                          مع ذلك لا بد من الاعتراف بواقع الفوارق السلالية ووجود سلالات ثقافية وسلالات منحطة وبمبدأ التجانس والتباين الدموي أو العرقي . وبهذا المبدأ يمكننا أن نفهم أسباب تفوق السوريين النفسي الذي لا يعود إلى المزيج المطلق بل إلى نوعية المزيج المتجانس الممتازة والمتجانسة تجانساً قوياً مع نوعية البيئة.

                          إن مدلول الأمة السورية يشتمل على هذا المجتمع الموحد في الحياة، الذي امتزجت أصوله وصارت شيئاً واحداً وهو المجتمع القائم في بيئة واحدة ممتازة عرفت تاريخياً باسم سورية وسماها العرب "الهلال الخصيب" لفظاً جغرافياً طبيعياً محض لا علاقة له بالتاريخ ولا بالأمة وشخصيتها. فالأصول المشتركة: الكنعانية ــ الكلدانية ــ الآرامية ــ الآشورية ــ الآمورية ــ الحثية ــ المتنية ــ الأكادية التي وجودها وامتزاجها حقيقة علمية تاريخية لا جدال فيها هي أساس اتني ــ نفسي ــ تاريخي ــ ثقافي، كما أن مناطق سورية الطبيعية (الهلال الخصيب) هي وحدة جغرافية ــ زراعية ــ اقتصادية ــ استراتيجية.

                          إن هذه الحقيقة الاتنية والجغرافية كانت ضائعة ومشوشة لتبعثرها في الحوادث التاريخية المتعاقبة، التي طمست الآثار وأقامت التعاريف الأجنبية المتعددة مقام حقيقة الواقع، ولتنوع الترجمات المتعددة لحوادث التاريخ القومي. فإن عدداً كبيراً من المؤرخين قصر تعريف سورية على سورية البيزنطية أو الاقريكية المتأخرة الممتدة من طوروس والفرات إلى السويس، فأخرج الآشوريين والكلدان وتاريخ بابل ونينوى من تاريخ سورية. وإن عدداً آخر قصر تعريف سورية على البقعة ما بين كيليكة وفلسطين فأخرج فلسطين أيضاً من تحديد سورية. وجميع هؤلاء المؤرخين هم أجانب لم يدركوا واقع الأمة السورية وواقع بيئتها ولا تطورات نشوئها، وقد جاراهم أكثر المشتغلين بالتاريخ من السوريين المتعلمين من التواريخ الأجنبية بلا تحقيق فالتبست علينا الحقيقة وضاعت معها قضيتنا الحقيقية، إلى أن أكملت تنقيبي وتحليلي وتعليلي وحدّدت النتيجة في هذه المبادئ وأفصلها بكاملها في كتاب علمي على حدة.

                          إن تاريخ الدول السورية القديمة الأكادية والكلدانية والآشورية والحثية والكنعانية والآرامية والآمورية تدل كلها على اتجاه واحد: الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الهلال السوري الخصيب.

                          هذه الحقيقة تجعلنا نفهم الحروب الآشورية والكلدانية للسيطرة على جميع سورية فهماً جديداً يخالف الفهم المستمد من التحديدات غير الصحيحة. فهذه الحروب هي حروب داخلية، هي نزاع على السلطة بين قبائل الأمة الآخذة في التكون والتي استكملت فيما بعد تكونها. وأن الكلدان والآراميين هم شعب واحد في الأصل ولسان واحد فاللغة الآرامية هي الكلدانية، والآشوريون هم شق منهم أيضاً.

                          لا ينافي هذا المبدأ، مطلقاً، أن تكون الأمة السورية إحدى أمم العالم العربي، أو إحدى الأمم العربية، كما أن كون الأمة السورية أمة عربية لا ينافي أنها أمة تامة لها حق السيادة المطلقة على نفسها ووطنها ولها، بالتالي، قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى. الحقيقة أن الغفلة عن هذا المبدأ الجوهري هي التي أعطت المذاهب الدينية في سورية المدية التي قطعتها بين نزعة محمدية عربية ونزعة مسيحية فينيقية ومزقت وحدة الأمة وشتتت قواها.

                          إن هذا المبدأ ينقذ سورية من النعرات الدموية، التي من شأنها إهمال المصلحة القومية العامة والانصراف إلى الانشقاق والفساد والتخاذل. فالسوريون الذين يشعرون أو يعرفون أنهم من أصل آرامي لا يعود يهمهم إثارة نعرة دموية آرامية ضمن الأمة والبلاد ما دام هنالك اتباع لمبدأ الوحدة القومية الاجتماعية والتساوي في الحقوق والواجبات المدنية والسياسية والاجتماعية، بدون تمييز بين فارق دموي أو سلالي سوري. وكذلك الذي يعلم أنه متحدر من أصل فينيقي (كنعاني) أو عربي أو صليبي لا يعود يهمه سوى مسألة متحده الاجتماعي الذي تجري ضمنه جميع شؤون حياته والذي على مصيره يتوقف مصير عياله وذريته وآماله ومثله العليا. هذا هو الوجدان القومي الصحيح، فإذا كانت النعرة الفينيقية هي الـ These والنعرة العربية هي الـ Antithese أو بالعكس. أي إذا كانت النعرتان الدينيتان تضعان نظريتين متعارضتين فممّا لا شك فيه أن مبدأ وحدة الأمة السورية المؤلفة من سلالتين أساسيتين مديترانية وآرية، من العناصر التي كونت في مجرى التاريخ المزاج السوري والطابع السوري النفسي والعقلي، هو المبدأ الذي يقدم الـ Synthese أو المخرج النظري من تعارض النظريتين، مذهباً واحداً هو القومية. إن في هذا المبدأ إنهاء جدل عقيم يهمل الواقع المحسوس ويتشبث باللاحسي ــ جدل يحل علم الكلام محل علم الاجتماع.

                          لا يمكن أن يؤول هذا المبدأ بأنه يجعل اليهودي مساوياً في الحقوق والمطالب للسوري، وداخلاً في معنى الأمة السورية. فتأويل كهذا بعيد جداً عن مدلول هذا المبدأ الذي لا يقول، مطلقاً، باعتبار العناصر المحافظة على عصبيات أو نعرات قومية أو خاصة، غريبة داخلة في معنى الأمة السورية. إن هذه العناصر ليست داخلة في وحدة الشعب.

                          إن في سورية عناصر وهجرات كبيرة متجانسة من المزيج السوري الأصلي يمكن أن تهضمها الأمة إذا مر عليها الزمن الكافي لذلك، ويمكن أن تذوب فيها وتزول عصبياتها الخاصة. وفيها هجرة كبيرة لا يمكن بوجه من الوجوه أن تتفق مع مبدأ القومية السورية هي الهجرة اليهودية. إنها هجرة خطرة لا يمكن أن تهضم، لأنها هجرة شعب اختلط مع شعوب كثيرة فهو خليط متنافر خطر وله عقائد عربية جامدة وأهدافه تتضارب مع حقيقة الأمة السورية وحقوقها وسيادتها مع المثل العليا السورية تضارباً جوهرياً. وعلى السوريين القوميين أن يدفعوا هذه الهجرة بكل قوتهم".

                          يجب أن نهتم اهتماماً صاحياً واعياً بهذا المبدأ وهذا الشرح وأن نحلل ما انطوى تحت المبدأ وتحت الشرح، لأنه لا يكفي أن نقول سورية للسوريين وأن سورية أمة تامة، إذا لم يكن هذا القول مقرراً لحقيقة معروفة في ذاتها، لوجود حي فاعل يترتب علينا درس طبيعته ومقوماته وعوامله لإدراكه وإدراك وجوب وجوده. لأنه إذا كان هذا القول مقررأً لحقيقة قائمة في ذاتها كاملة يشترك فيها الوجود والمعرفة أو الوعي لأنه إذا كنت أنا قد قررت، بمجرد دافع ذاتي فردي غير معبر عن حقيقة اجتماعية، أننا سوريون وأننا أمة تامة، من غير أن تكون هناك أمة سورية في الواقع، كان هذا المبدأ المجرد قولاً ذاتياً استبدادياً لا يأخذ الوجه ولا الوضع بعين الاعتبار. ففي العقائد التي تمت إلى الإنسان الحر بصلة لا يمكن الاستناد إلى أي قول استبدادي مطلق لتقرير حقيقة إنسانية لها علاقة بالإنسان المجتمع. فلا بد لقيام الحقيقة من شرطين أساسيين: الأول الوجود بذاته أي أن يكون الشيء موجوداً. والثاني أن تقوم المعرفة لهذا الوجود. والمعرفة هي التي تعطي الوجود قيمة لا يمكن أن تكون له بدونها.

                          والذين يستغنون عن المعرفة الإنسانية لتقرير الحقيقة ولقيامها يفترضون معرفة أخرى لهذه الحقيقة. لكن لا يكفي تحديد الوجود لقيام الحقيقة فالوجود يجب أن يصير معرفة ليكون حقيقة أي أنه يجب أن يعرف إما من قبل الإنسان وإما من قبل الله.

                          لا يمكننا أن نتصور وجوداً بلا معرفة. فلا يمكننا أن نقول إن لأي وجود مفترض، غير مدرك بالمعرفة، قيمة الحقيقة، لأن الحقيقة قيمة إنسانية نفسية والإنسان هو وحده الذي يميز بين الحقيقة والباطل بالمعرفة. إذاً لكي نكون موقنين بوجود أمتنا نحتاج إلى معرفة حقيقة هذا الشخص أو هذه الأمة أو هذه البلاد. وهنا تبدو أهمية المبدأ الرابع الأساسي.

                          هنا تبدو أهمية هذا المبدأ الرابع الذي يوضح إيضاحاً كلياً وجود الأمة السورية.

                          إن هذا المبدأ وشرحه يقرران معرفة وجود الأمة السورية بكل تفاصيل هذا الوجود وفروعه وبكل الأسباب والأصول التي نشأ عنها. إن أول نقطة نأخذها هي: إننا ننظر إلى الأمة في واقعها ــ في تكوّنها وحدة حياة ومن غير اعتبار وجوب إخضاعها لأي مبدأ أو قاعدة استبدادية مطلقة لا تقوم الحقيقة لإخضاعها إليه كالقول مثلاً إن السوريين ليسوا في الأصل شعباً واحداً أو عرقاً واحداً. لذلك لا بد من أن نعتبر الأمة أمراً واحداً: إنه وحدة الحياة التي جمعت فيه مجمل العناصر الأساسية التي تتركب منها ودمجها بعضها ببعض فكونت منها حياة واحدة متفاعلة موثقة أي مجتمعاً واحداً موحد الحياة والمصير ... هذه هي حقيقة أولية ومنها يجب أن نبتدئ لأنها هي الوجود الذي نراه ونلمسه وندركه بالحاسة وبالفكر الذي نحياه.

                          إذاً لا حاجة إلى أصل واحد معين لنشوء الأمة. لنشوء القومية. فالأمة موجودة بتفاعلها ضمن بيئتها ومع بيئتها.

                          لكن هذا الوجود بذاته المستغني بواقعه عن أصل واحد، لأن في حقيقة اشتراك عدة أصول، لأن في اشتراك هذه الأصول حقيقة في نفسها مختلفة عن أية حقيقة أخرى ممثلة بطابع وبمزايا خاصة تميز هذه الجماعة، هذه الأمة، هذا المجتمع عن أمم ومجتمعات أخرى. نقول في الشرح "كل الأمم الموجودة هي خليط من سلالات المفلطحي الرؤوس والمعتدلي الرؤوس والمستطيلي الرؤوس ومن عدة أقوام تاريخية" فإن دليل السلالة الأساسي في العلم الأنتروبلوجي (علم الإنسان) هو قياس الجمجمة. هذا هو الدليل الأساسي لمعرفة السلالات وتنوعها. فهناك سلالات من المفلطحي الرؤوس، ونعني بهم الذين تعلو نسبة عرض رؤوسهم إلى طولها، وهم الذين تبلغ نسبة العرض إلى الطول فيهم من ثمانين أو اثنين وثمانين بالمئة فما فوق. وهناك سلالات من معتدلي الرؤوس ونعني بهم الذين نسبة عرض رؤوسهم إلى طولها غير عالية، أي نحو ثمانية وسبعين إلى ثمانين بالمئة.

                          وهناك سلالات من مستطيلي الرؤوس، ونعني بهم الذين تقل نسبة عرض رؤوسهم إلى الطول، فتتراوح بين خمسة وسبعين، وأحياناً ثلاثة وسبعين، وسبعة وسبعين بالمئة. هذه هي الأجناس بأشكالها الفيزيائية ويمكن أن يكون لها فروع كعلو الجمجمة أو دنوها وكبروز القحف ودخوله وكنمو الجبهة وضمورها وأدلة فيزيائية فسيولجية هامة لأهل الاختصاص.

                          فإذا أخذنا مجموع الشعب السوري أو أي شعب آخر وجدنا أنه شعب يتكون من مستطيلي الرؤوس ومعتدلي الرؤوس ومفلطحي الرؤوس ومع ذلك نجد أن الحياة جبلتهم جبلة واحدة فامتزجوا سلالة ودماً واشتركوا في الحياة الجيدة والصعبة وعملوا وأجابوا على محرضات البيئة أعمالاً وإجابات مستمرة خلال أجيال أو أدهار كونت نفسية خاصة وطابعاً فيزيائياً خاصاً مستقلاً. ولذلك مع أنه يوجد في سورية من جميع السلالات الممتازة المتجانسة في تنوعها نرى أن للشعب السوري وجهاً وطابعاً واحداً مميزاً ندركه أينما وجد في العالم ومهما اختلط مع شعوب وأقوام أخرى.

                          أقول في الشرح: "مع ذلك، لا بد من الاعتراف بواقع الفوارق السلالية ووجود سلالات ثقافية وسلالات منحطة وبمبدأ التجانس والتباين الدموي أو العرقي، وبهذا المبدأ يمكننا أن نفهم نوعية المزيج المتجانس الممتازة والمتجانسة تجانساً قوياً ونوعية البيئة".

                          فنحن لا نقول بسلالة واحدة ممتازة أو متفوقة سواء أكانت مفلطحة الرأس أو مستطيلة أو معتدلة، بل نقبل الحقيقة العلمية والتاريخية أن الإنسانية مقسمة إلى سلالات راقية ممتازة وسلالات منحطة.

                          ففي أقوام السلالات الراقية نجد من مفلطحي الرؤوس ومعتدليها ومستطيليها. والأقوام المنحطة ترجع أصولها إلى سلالات متعددة لا إلى سلالة واحدة متأخرة أو ضعيفة.

                          فلا يمكن القول أن هنالك أمماً وشعوباً قدرت بفطرتها الممتازة وفاعليتها الذاتية أن تجد إلى الارتقاء سبيلاً وشعوباً لم تقدر أن تصعد سلم الرقي بل بقيت في الحضيض كشعوب هنود أميركا الذين بقوا أزمنة طويلة لا يجدون إلى استعمال المحراث سبيلاً ولا إلى الفلح والزرع، وظلت حياتهم تقوم على الصيد. لم يتمكنوا من ترقية حياتهم الفكرية ولا الاجتماعية فلم يجاوزوا قط حدود الثقافة الأولية السابقة التمدن. والآن بعد أن أتاهم التمدن الغربي واحتك الهنود بالمتمدنين من أوروبة والبحر المتوسط، اقتبسوا أشياء ظاهرية فقط أما نفسيتهم الأصلية فتظل سائرة تحت المظاهر بكل ما ورثوا من أجيال الجمود الماضية، وتظهر هذه النفسية عند كل احتكاك يتطلب مباشرة ذاتية وحيوية ذاتية وامتحاناً للقوى النفسية ومزايا الفطرة. ومع أننا لا نقول بأصل سلالي ممتاز ولا سلالة واحدة متفوقة لذلك نعترف بوجود سلالات متفوقة من جميع أنواع الأدلة الرأسية ذات الخصائص السلالية الممتازة.

                          هذا يوصلنا إلى حقيقة هامة هي العلاقة الوثيقة بين الفيزياء ونفس الإنسان ــ بين نفسية المجتمع وأشكاله الفيزيائية ــ إلى العلاقة بين السيكولوجيا والفسيولوجيا. فلا يمكننا مطلقاً أن نفهم بعض الأفعال والأحداث الشخصية النفسية دون أن نعلم خصائص فسيولوجية الشخص المختص، الصادرة عنه تلك الأفعال والأحداث.

                          إن هنالك علاقة وثيقة بين النفسية الداخلية، بين المقدرة العقلية وبين الأشكال الفيزيائية للإنسان. ولذلك تبقى مسألة المزيج السلالي مسألة علمية ثابتة لا يمكننا أن نهرب منها، فلا يمكننا أن نفهم الفرق بين السوري والمصري مثلاً: ما لم نفهم الفرق بين المزيج السلالي السوري والمزيج السلالي المصري.

                          إن الخصائص الجنسية تنتقل بالوراثة وهذه حقيقة علمية أخرى ولذلك يمكن أن تمر في أمة مكونة من مزيج سلالي معين نفسية ومعان نفسية ثابتة واضحة في أجيال الأمة على الإطلاق ويمكن تبديل نفسية الأمة تبديلاً أساسياً جوهرياً إذا أمكننا تبديل الأمة فيزيائياً. هذه النتيجة تظهر واضحة في الفرق الذي نراه في التاريخ بين كيفية فتح السوريين الكنعانيين (الفينيقيين) لإفريكة واستعمالهم لها وكيفية فتح العرب واستعمالهم لها.

                          الكنعانيون (الفينيقيون) استعمروا الشاطئ الافريكي ولكنهم لم يساووا في الحقوق بينهم وبين شعوب شمالي افريكة الذين أخضعوهم وكانوا من سلالة أحط من سلالتهم. فاحتفظ السوريون الكنعانيون بسلامة فطرتهم وبقيت لهم مقدرتهم النفسية المتوارثة الموجودة في طريقة عنصرهم دون أي تعديل، واحتفظوا بسيادتهم على الافريكيين وبقوتهم، ولذلك أمكن أن ينشئوا إمبراطورية عظيمة كادت تسحق رومية. ولم تسقط تلك الإمبراطورية السورية الغربية ــ إمبراطورية قرطاضة ــ إلا في حرب مع الرومان الذين هم قوم من سلالة متفوقة نظير السلالة المتفوقة التي ينتمي إليها السوريون الكنعانيون. أما العرب، فعلى عكس السوريين فإنهم اختلطوا بأقوام من سلالات الزنوج فدخل في المزيج العربي عرق من سلالات منحطة ولولا أن العدنانيين منهم الذين هم من الأرومة الكنعانية، حافظوا، بعامل البداوة، على مجموع عرقي جيد الفطرة لما أمكن العرب القيام بنهضة الفتح الديني المحمدي، وقد أجاز العرب، بعامل الشرع الديني الامتزاج الدموي الواسع بلا فرق بين سلالات راقية وسلالات منحطة فلما افتتحوا شمال افريكة الذي كان افتتحه السوريون قبلهم أجازوا الاختلاط الدموي اللامحدود مع الأقوام الافريكية فلم يمكن أن ينشأ من المزيج الذي تولد من اختلاط العرب والبربر وغيرهم من أهل المغرب أية نهضة يمكن أن تحدث تمدناً أو عظمة سياسية أو فنية من أي وجه أو شكل ... لم يمكن أن تنشأ من الفتح العربي قرطاضة ثانية على الشاطئ الافريكي لأن امتزاج العرب ومن سار معهم مع الافريكيين على أساس المساواة المدنية، بعامل المبدأ الديني المحمدي المساوي مساواة مدنية كلية بين المؤمنين، أفقد العرب من حيويتهم وأضاف إلى حيوية الافريكيين شيئاً، ولكن بين رفع الأدنى وإنزال الأعلى حصل متوسط أقرب إلى الانحطاط منه إلى الارتقاء. فالحقيقة، إذاً، هي أنه لا مهرب لنا من أخذ المزيج السلالي بعين الاعتبار والاهتمام بهذا المزيج السوري الذي يجب أن يكون من الأنواع القوية التي تفاعلت وأورثت جنساً صحيحاً قوياً في عضلاته وبنيته ونفسيته.

                          الأصول السورية المشتركة هي الكنعانية والكلدانية والحثية الخ .. التي وجودها وامتزاجها حقيقة علمية تاريخية على أساس اثني نفسي تاريخي فهي وحدة نفسية جنسية ثقافية كما أن مناطق الهلال السوري الخصيب وحدة اقتصادية زراعية استراتيجية.

                          "إن هذه الحقيقة الاثنية والجغرافية كانت ضائعة ومشوشة لتبعثرها في الحوادث التاريخية المتعاقبة، التي طمست الآثار وأقامت التعاريف الأجنبية المتعددة مقام حقيقة الواقع، ولتنوع الترجمات المعددة لحوادث التاريخ القومي". من المؤسف جداً أن تاريخ سورية بعد الفتوحات الأجنبية الكبرى خصوصاً فتوحات الفرس والاقريك والرومان ــ أن تاريخ سورية بعد هذه الفتوحات كان يكتب دائماً من أجانب، تعريف البلاد، تعريف حقيقتها، كان يعين دائماً من قبل مؤرخين أجانب، وبصورة خاصة من قبل مؤرخي المدرسة الاقريكية -الرومانية للتاريخ، الذين كتبوا بروح العداء لسورية والسوريين وبعدم إنصاف للحضارة والثقافة السوريتين.

                          قبل هذه الأحداث العظيمة كان مؤرخو سورية يؤخذون ثقات ومعلمين للذين يريدون تدوين تاريخ أممهم. الاقريك والرومان اعتمدوا على مؤرخين كنعانيين (فينيقيين) قديماً ليؤرخوا عن بلادهم. وقد شهد بهذه الحقيقة المؤرخ الإيطالي المشهور شيزر كنتو في مؤلفه "التاريخ العالمي". لكن بعد هذه الفتوحات سقطت جميع شعوب سورية ودولها وخضعت للأجنبي وصارت الدول الأجنبية هي التي تسيطر، والمؤرخون الأجانب الذين استقوا منا قديماً هم الذين اصبحوا يعرّفون سورية وحقيقتها على الأشكال التي تقررها تلك الدول الأجنبية وبالأسماء التي تقررها هي لها. إذا تصفحنا المؤرخين في العالم وجدنا أنه لا يوجد، إلا فيما ندر، تعريف واحد لمساحة واحدة تسمى سورية. لذلك عندما ابتدأت العمل لإعادة تكوين حقيقة هذه الأمة وجدتني أمام مشكلة من مشاكل العلم الكبيرة. فجعلت همي أن أحقق واستمر التحقيق مدة غير يسيرة لأن التحقيق كان أشبه شيء بالبحث عن العاديات (ارخيولوجيا) التاريخية ،كان نوعاً من التنقيب في أطمار وطبقات التاريخ كما يعمل الارخيولوجي الذي يبحث في طبقات الأرض. المصادر لم تكن كلها مجموعة أو معينة. فكان علي أن أسير وأنقب من نقطة إلى نقطة، من كتاب إلى كتاب، من لغة إلى لغة، إلى أن وصلت إلى هذه الحقيقة الهامة التي تجعل هذه المنطقة المحددة بالمبدأ الذي يلي بلاداً واحدة، والشعوب التي انتشرت في هذه البقعة أصولاً مشتركة ومتحدة لأمة واحدة لا يمكن أن تخطئها بصيرة العالم الاجتماعي والسياسي.

                          قلت إن الكلدانيين والآراميين هم شعب واحد وإن تكن نشأت الدولة الكلدانية الأولى والثانية في بابل. إن نشوء هذه الدولة يدل على أن الكلدان لا يختلفون عن شعب الآراميين، فالكلدانيون والآراميون شعب واحد ولسان واحد، ولكن الدول كانت تقوم على ما قال ابن خلدون "لحب الغلب". كذلك بين الفينيقيين أنفسهم كان ينشأ نزاع دولي كما بين صور وصيدا على التفوق وبسط النفوذ. كذلك في العربة نفسها قبل أن يتوحد العرب كان يقوم نزاع بين القبائل لبسط النفوذ، وكان النزاع يؤدي إلى حروب كبيرة مشهورة في أيام العرب. فالدول الآشورية والكلدانية والحثية والكنعانية التي نشأت في هذه البلاد نشأت ابتغاء بسط السلطان لإحدى هذه الفئات على بقية البلاد ولإيجاد تمركز لها وليس بدافع انفصال الحياة وانعزال البيئة واختلاف في الحياة واتجاهها. وكما حدث في سورية تنازع دولي داخلي فيها سبق وحدتها السياسية، قد حدث مثل ذلك في تاريخ أمم أخرى. فإذا أخذنا إيطالية مثلاً وجدنا أنه نشأ فيها نزاع بين المدن اللاتينية وبين رومية وأخذت رومية منها اللسان اللاتيني ثم أخذت تسيطر على باقي القبائل هناك. وهكذا استمرت الحروب إلى أن توحدت هذه الشعوب في وحدة حياة ووحدة مصير. كما أن الحروب في إيطالية كانت حروباً داخلية كذلك الحروب بين القبائل السورية كانت حروباً داخلية من شعب واحد كان مجزّأً إلى أقسام البيئة المتسعة المتنوعة التي جعلت صعوبة المواصلات وضعف كثافة السكان كل جزء يقوم بمجهود سياسي خاص به وإن يكن يشمل في القصد بقية الأجزاء.

                          شعوب مشتركة في الأصل واللغة والأساطير والنفسية يظل يطلب كل منها السيطرة المطلقة على جميع الفئات. وكانت كلها تتجه في طبيعة نهوضها إلى توحيد البلاد تحت سيطرتها وبهذه السيطرة والتوحيد أمكن أن يكون فتح لمصر من سورية. الفتح السوري لمصر هو أسبق من أي فتح مصري لسورية. إمبراطورية الهكسوس هي دولة سورية شيدت الأهرام وأنشأت أبا الهول فهي آثار الدولة السورية والسلطان السوري في مصر.

                          "لا ينافي هذا المبدأ مطلقاً، أن تكون الأمة السورية إحدى أمم العالم العربي، كما أن كون الأمة السورية أمة عربية (أي في العالم العربي) لا ينافي أنها أمة تامة لها من السيادة المطلقة على نفسها ووطنها ولها، بالتالي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى".

                          ماذا نعني بكون الأمة السورية إحدى أمم العالم العربي أو إحدى الأمم العربية؟ هل نعني أن السوريين هم جزء متمم للعرب (أهل العربة أو الصحراء) يشكلون معهم شعباً واحداً خاصاً يجب أن يرجع إلى الأصل؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف نوفق بين أن سورية أمة تامة ولها "قضية مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى"؟

                          يوجد عالم يدعى العالم العربي. والسبب في دعوة هذا العالم كذلك هو سبب لغوي ديني في الأساس. فهنالك عالم عربي باللسان، ويمكن أن نتدرج ونقول عالم عربي بالدين الذي يحمل كثيراً من بيئة العرب وحاجاتها ونفسيتها والذي هو أهم عامل يصل بين أمم العالم العربي اللسان. أما من حيث وحدة الحياة التي هي حقيقة وجود الأمة فلا يوجد لهذا العالم وحدة يمكن أن تجعل من مجموع الكتل الموجودة ضمنه كتلة واحدة أو شعباً واحداً أو أمة واحدة أو دولة واحدة قائمة على الإرادة العامة.

                          فنحن حين نقول العالم العربي نعني هذا العالم الذي يتكلم اللسان العربي ونحن منه. وهذا التفسير يوضح كيف أن سورية يمكن أن تكون إحدى الأمم العربية وتبقى أمة متميزة بمجتمعها وتركيبها الاثني ونفسيتها وثقافتها ونظرتها إلى الحياة والكون والفن. ويجب منطقاً وعلماً، قبول هذا الواقع كما يجب قبول أن الأرجنتين هي إحدى الأمم الإسبانية في أميركا الجنوبية وكما أن كندا هي إحدى الأمم الإنقليزية أو الانقلوسكسونية باعتبار امتداد اللسان. وأن بين الأرجنتين وإسبانية وبقية الأمم الإسبانية من روابط اللسان والدم والثقافة والنفسية، وبين كندا واسترالية أو أميركانية وبقية الأمم البريطانية أو الانقلوسكسونية من الروابط المذكورة، أكثر مما بين سورية وبقية أمم العالم العربي أو مثلما بينها، على الأقل.

                          بهذا المعنى إذاً وبدون أي تعريض لمبدأ القومية السورية يمكننا أن نسمي سورية إحدى أمم العالم العربي، على أنها أمة مستقلة تتكلم اللسان العربي العزيز عليها ليس لأنه اللسان الذي فرض عليها بعامل الفتح الديني بل لأنها أنتجت من نفسيتها وعقلها وغذته بإنتاجها وثقافتها فهو عزيز عليها بما يشتمل عليه من فكر ونفسية وأدب سوري.

                          لو لم تكن لنا حقيقة نفسية ضمن هذا اللسان ماذا كانت قيمة هذا اللسان لنا وماذا كانت قيمتنا نحن في هذا اللسان؟

                          إن قيمة اللسان العربي لنا وقيمتنا نحن ضمن هذا اللسان هي، بمواهبنا وبما نتج من تراث سوري فكري أدبي بهذا اللسان، بحيث أصبح السوري يجد فيه التعبير عن أساسه وإدراكه وفهمه، فهو قد صار خزانة النفسية السورية وثقافتها ويجب أن يغنى كثيراً بالتراث النفسي الثقافي السوري ليضمن للأمة السورية كل احتياجها ويستنير الأدب السوري والفن السوري كل جوانبه!

                          إن الأمة السورية من ضمن هذا المبدأ تشكل حقيقة فيزيائية، حقيقة دموية سلالية، وحقيقة نفسية لا يمكن أن تفهم بدون هذه الحقيقة المادية الاجتماعية. فهنالك حقيقة سورية بذاتها، بوجودها، بوضعها، بجوهرها في طبيعتها. وقد كانت هذه الحقيقة قبل نشوء الحزب السوري القومي الاجتماعي، قبل النهضة القومية الاجتماعية، حقيقة كامنة، نائمة ــ حقيقة هي مجرد حقيقة بالقوة الكامنة، أما بعد نشوء الحزب السوري القومي الاجتماعي فقد أصبحت هذه الحقيقة حقيقة بالفعل، أصبحت حقيقة فاعلة متحركة، حقيقة تظهر وجودها، حقيقة تعبر عن وجودها بإرادتها.

                          كنت أود أن أضيف شيئاً في شرح المبدأ المتعلق بالبيئة نفسها لكني سأترك ذلك للاجتماع المقبل الذي سنحلل فيه المبدأ الخامس. لكن يمكنني التمهيد لذلك (ونشر خريطة وأخذ يدل على الحدود السورية قائلاً
                          كنت أود أن أهيئ خريطة أكبر للدلالة على الحدود بصورة أوضح ولكن لما يتم تجهيز الخرائط للتعليق ويمكن أن تكون جاهزة للاجتماع المقبل.
                          (وأخذ يدل على الحدود السورية ويسميها
                          هنا على دجلة قامت عاصمة الآشوريين نينوى على الدجلة الأعلى مركز الدولة الآشورية، بابل أو بغداد قربها. من حيث الوضع الجغرافي نرى أن هذه المساحة إذا أتينا إلى الفرات، تشكل لنا وادياً يستمر ويجري الماء فيه ويروي إلى أن يصل إلى خليج العجم. فإذا وصلنا إلى دجلة عند أية نقطة لم يبق في الطريق أي حاجز طبيعي يمنع من الاستمرار في الوادي الخصيب الذي يستمر فيه خط العمران وكل أسباب الاشتراك في الحياة، وكذلك واديا العاصي والأردن. وفي السهول والأودية التي تتخللها هذه الأنهر أقامت الشعوب المديترانية السامية اللغة والشعوب الألبية وغيرها الآرية اللغة التي كونت المزيج السوري ونزع كل شعب من شعوبها إلى إقامة الدولة ومنافسة أشقائه في النفوذ والملك وفي السعي لضم بقية الأجزاء تحت سلطانه فنشأت الدول السورية الأولى القديمة التي نشأ بينها نزاع داخلي في أدوار التاريخ الأولى ولكنها كانت تتحد أو تتحالف ضد الأخطار وفي مدة طويلة من التاريخ كانت تطيع حكومة أو دولة سورية واحدة.

                          إن اسم سورية مشتق من أشور وهذا ما يقول به جمهور العلماء، وهنالك احتمال أنه من صور. وكان هذا الاسم يشمل كل هذه البلاد التي بسط الآشوريون حكمهم ونفوذهم عليها بصورة دائمة مدة ازدهار دولتهم واشتركوا معها في الجنس والنفسية والتقاليد وكل فروع الحياة الاجتماعية وكذلك الكلدانيون الذين عادوا وحدوا سلطانهم عليها ووحدوها ما أمكن التوحيد في تلك الأزمنة، إلى أن جاء اتحادها النهائي، في نموها السياسي والاجتماعي، في العهد السلوقي الذي قامت فيه دولة إمبراطورية سورية عامة لا تستند إلى شعب معين من شعوب سورية القديمة التي صارت شعباً واحداً.

                          من الوجهة الجغرافية نرى سلسلة جبال تشكل قوساً طبيعياً من طوروس إلى البختياري (زقروس)، وتوهم البعض أننا نعني بالبختياري مجاوزة البلاد السورية إلى إيران. وهذا غلط فنحن لا نريد الدخول إلى إيران، بل نريد تحديد بلادنا التي تتاخم بلاد إيران في جبال البختياري أو البختيكوه التي هي الحدود الطبيعية. نعني أن جميع الأراضي المنبسطة بين دجلة وجبال البختياري تدخل ضمن منطقة "ضفاف دجلة" المستعملة في النص السابق الذي رأيت تعديله بسبب عدم وضوح الحدود في تعابيره، فالمنطقة المنبسطة المذكورة ليست حدوداً بل أراض سورية يرويها نهر دجلة السوري وأقام فيها الآشوريون الذين يترجح اشتقاق اسم سورية من عاصمتهم أو آلهتهم آشور، ومنها حارب الأكاديون والكلدان والآشوريون العيلاميين وغيرهم الذين أقاموا في منطقة الجبال الإيرانية. فكان المجتمع السوري في مختلف دوله دائماً في قرب مع المجتمع الإيراني.

                          بقي أمر الصحراء: هنالك فرق بين الصحراء السورية والصحراء العربية. صحراء سورية ترابية صالحة للزرع والري وهي واقعة تحت ضفة الفرات اليمنى. أما الصحراء العربية فرملية لا يمكن ريها ولا تقبل الفلح والزرع. والصحراء السورية الترابية كانت مزروعة قديماً وكانت خصبة و امحلت لعوامل تاريخية سياسية كدخول المغول وقطع الأشجار وتحويل طبيعة الإقليم. كل هذه العوامل جعلت هذه البقعة تتحول إلى صحراء لكنها يمكن أن تتحول ثانية إلى مروج خضراء عندما نتمكن من إقامة نظامنا الذي يعيد هذه الأراضي إلى سابق عهدها الخصب المنتج.

                          هنالك مبدأ هام أعلنته في كتابي "نشوء الأمم" ويجب أن نعيره كل انتباهنا وهو أن الأمم الحية القوية الفاعلية والنمو تمتد حتى وراء حدود بلادها الطبيعية كما امتدت أمتنا وسلطتها إلى الأناضول كلها مدة طويلة من الزمن خصوصاً في العهد السلوقي وعبر البحر على جزر المتوسط وشواطئه من ليبية إلى إسبانية وفرنسة، فإذا ضعفت الأمة وانحطت حيويتها وفاعليتها تقلصت حدودها لمصلحة غيرها كما حدث لأمتنا في طور انحطاطها الذي تبطله نهضتنا القومية الاجتماعية.

                          إن البيئة تقدم للأمم الإمكانية لا الحتمية. فالأمة التي يمكن أن توسع بيئتها وتحتفظ في هذا التوسيع بوحدة مجتمعها ووحدة حياته ومصيره لا يجوز لها أن تخنق نفسها ضمن حدود البيئة القديمة التي كونت شخصيتها ونفسيتها فيها.

                          هذه هي بعض الحقائق التي أردت أن أجعلها ماثلة أمام القوميين الاجتماعيين ودارسي قواعد نهضتنا السورية القومية الاجتماعية واتجاهها. وفي المحاضرات المقبلة ستتاح لي الفرصة لزيادة إيضاح الأسس والأهداف لهذه النهضة الآخذة في تغيير مجرى التاريخ.

                          من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                          في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                          كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                          سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                          نعم للأسد ...
                          احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                          Comment


                          • #14
                            رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                            Click image for larger version

Name:	392399_364349770336342_1589090522_n.jpg
Views:	1
Size:	8.2 KB
ID:	1318092

                            المحاضرة الخامسة

                            في 15 شباط 1948

                            أيها الرفقاء والأصدقاء!

                            في حديثنا في الاجتماع الأخير قرأت لكم المبدأ الأساسي الرابع من مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وشرحه، وعلقت على الشرح درساً يوضح بعض النقاط إيضاحاً ضرورياً لفهم قيمة هذا المبدأ وقيمة شرحه وما يعنيه المبدأ والشرح لحركتنا القومية الاجتماعية.

                            وقد قلت، تعليقاً على المبدأ والشرح المذكورين، إنه، مع أننا لا نقول بأصل سلالي واحد للأمة أو بسلالة واحدة يتكون منها المجموع القومي لا بد لنا من الإقرار بحقيقة جوهرية هي حقيقة المزيج السلالي المعين الذي هو عامل أساسي، جوهري في إعطاء الأمة صفتها، حقيقة طبيعتها وأسباب مواهبها التي تظهر في أفعالها في مجرى التاريخ، أي أنه إذا لم يكن السوريون يعودون إلى أصل سلالي واحد، فإن لهم خصائص سلالية واحدة، حاصلة من مزيجهم، تجعل لهم مزايا تتميز عن مزايا مزيجات سلالية أخرى ــ مزايا شعوب أخرى في العالم.

                            يساعدنا إدراك هذه الحقيقة على فهم روح الأمة ــ فهم نفسيتها ومواهبها. وكما قلت في الاجتماع الماضي، إنه لا يمكننا أن نفهم، فهماً صحيحاً، نفسيات الأفراد ونفسيات الجماعات البشرية إلا بفهم فسيولوجيتها وحقيقة تركيبها الوراثي أيضاً. إن هنالك علاقة وثيقة جداً بين نفسية الفرد الإنساني، بسيكلوجيته، وتركيبه العضوي، فسيولوجيته. وقد ضربت مثلاً، حينذاك، الشعوب المتأخرة كشعوب هنود أميركة التي لم تتمكن من إنشاء ثقافة مادية ولا ثقافة روحية أو نفسية. ومما لا شك فيه أن من أسباب العجز عن إحداث ثقافة مادية أو روحية راقية، شيئاً من طبيعة الشعب، من طبيعة تكوينه الذي يعطيه مقدرته وإمكانياته النفسية. ومن باب التكملة لما قلت في الحديث السابق أضيف: أن هناك علاقة وثيقة بين الشكل والروح، بين فراسة الإنسان التشريحية الخارجية، ونفسيته ومقدرته العقلية. فمن مجرد النظر إلى وجه إنسان أو رأسه ندرك حالاً وسريعاُ ولأول وهلة ما ينم عن شكله من مقدرة وقوة نفسيتين، من ذكاء وتوقد ونشاط روحي ونباهة عقلية أو من تحجر عقلي وترهل في القوى المدركة -من نقص لا يجيز مقدرة عقلية عالية أو مؤهلات ثقافية، ذاتية، راقية.

                            إذا درسنا الشعب السوري كله، هذا المزيج السلالي السوري الذي أثبت خصائصه العالية وطابعه التفوقي في التاريخ ــ إذا درسنا هذا الشعب من الوجهة التشريحية، من الوجهة الأنثرفلوجية الطبيعية، وجدنا توافقاً عظيماً بين إنتاجه الثقافي العمراني، وأفعاله التاريخية العظيمة من جهة وأشكاله الأنثربلوجية الممتازة. وهو توافق لا يمكن أن يكون من سبيل الصدف أو بلا مغزى. فالشعب السوري راق جداً بمزيجه السلالي المتجانس الذي مكنه من إنشاء الثقافة المادية والروحية وتقديم إنتاج ثقافي هام للتقدم الإنساني العام. ولا يمكننا أن نتصور هذه المقدرة الإنشائية عارضاً لا علاقة له بالتركيب والشكل الطبيعي، الفيزيائي، وبطبيعة الحيوية الوراثية فيه القادرة على الخلق والاكتساب. فإذا نظرنا إلى شكل رأس الإنسان السوري وجدناه شكلاً مستوفي المطاليب لدماغ قوي نام في إمكانيات خصائصه: فالجبهة عالية متقدمة تسمح لمركز الفكر والإدراك في الدماغ بالحرية ونمو المقدرة، وعلو قمة الرأس وبروز القحف يسمحان للحواس ولمركز الشعور ببلوغ كل قوتها الطبيعية.

                            يصعب علينا كثيراً أن نتصور مقدرة عقلية عالية في جمجمة مشوهة وحيوية دماغية ضعيفة، أو في رأس ليست له هذه الزاوية الأمامية التي تمثل علواً وبروزاً في مقدمة الرأس، وجبهته مضغوطة ومتراجعة كثيراً إلى الوراء. لذلك فإننا ندرك جيداً أننا إذ نقول بالمزيج السلالي وبأنه لا يوجد أصل سلالي واحد للأمة لا نعني مطلقاً إهمال أهمية الجنس وخصائص المزيج الجنسي المتجانس، وإهمال الحقائق العلمية الثابتة التي تعطينا أساساً جديداً للنظر في أصول الأمم وأحوال الجماعات البشرية على وجه العموم.

                            أنتقل بكم الآن إلى المبدأ الأساسي الخامس من مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي. يقول هذا المبدأ:

                            "الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية. وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب، شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق. (وتوصف بالهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص)".

                            لنلق نظرة على هذه الخريطة ولنتعرف إلى حدود وطننا الطبيعية. (وقام الزعيم إلى الخريطة الكبيرة المعلقة على الجدار وراءه) هذه جبال طوروس في الشمال الغربي أمام أطنه ومرسين وراء منعطف خليج الاسكندرونة الذي يحتضن جزيرة قبرص. وهذه الجبال تمتد نحو الشرق سلسلة محدودبة تبتدئ فيها أصول النهرين السوريين الكبيرين، الفرات ودجلة إلى جبال البختياري أو زقروس، كما تدعى هذه الجبال الفاصلة بين سورية وإيران، وتنعطف حول الأهواز السورية التي يليها خليج العجم الذي تنتهي عليه حدود سورية الشرقية. ومن هذه النظرة على حدودنا الشمالية الممتدة من الشرق إلى الغرب نرى أن هذه الجبال تكوّن قوساً طبيعياً تحيط من الشمال بهذه الأرض الغنية بالكنوز، الخصبة التربة، الغزيرة الأنهر، المنبسطة بين الجبال المذكورة والعربة (الصحراء) والبحر الأحمر وخليج العجم والبحر السوري. أما جزيرة قبرص فترون موقعها في حضن خليج الاسكندرونة وذراعها ممتدة نحو الخليج السوري فكأنها تقول من هذه الأرض أنا وإليها أنتمي. إن هذه الجزيرة تكاد تكون ملتصقة بالشاطئ السوري، فهي، كما قلت في شرح المبادئ، قطعة من الأرض السورية في الماء. إن تكوينها الجيولوجي من تكوين هذه الأرض وموقعها الجغرافي يجعلها تابعة لها ومركزها الاستراتيجي يكسبها أهمية عظيمة لسلامة الوطن السوري. وهي كانت في القديم في قبضة السوريين فنزلها الكنعانيون (الفينيقيون) وتوطنوها وبقاياهم لا تزال فيها.

                            والآن لنسمع ما يقوله شرح المبدأ في كتاب التعاليم القومية الاجتماعية:

                            "هذه هي حدود هذه البيئة الطبيعية، التي حضنت العناصر الجنوبية والشمالية المتجانسة التي نزلت واستقرت فيها واتخذتها موطناً لها تدور فيه حياتها ومكنتها من التصادم ثم من الامتزاج والاتحاد وتكوين هذه الشخصية الواضحة، القوية، التي هي الشخصية السورية، وحبتها بمقومات البقاء قي تنازع الحياة".

                            إذاً هذه الحدود هي حدودنا، حدود وطننا. يندر أن تكون لبلاد حدود أوضح أو في مثل وضوح هذه الحدود: طوروس ـ البختياري (زقروس) ـ خليج العجم ـ قوس الصحراء العربية ـ البحر الأحمر ـ قناة السويس ـ البحر السوري، وفيه جزيرة قبرص. وضمن هذه الحدود دارت حياة العناصر التي نزلت هذه البقعة عند فجر التاريخ واستمرت تدور أثناء الأجيال وامتزجت في استمرارها وصارت شعباً واحداً. إن هذه الحدود الواضحة، الفاصلة هي التي جعلت الامتزاج وتكوين الشعب السوري العظيم أمراً ممكناً. حاصلاً في الواقع. فهي قد دفعت الأصول السورية إلى التمازج وإنشاء نسيج شعبي واحد، بقدر ما منعت التمازج الشعبي ما وراءها. وهكذا أمكن الشعب السوري أن ينمو وينشئ ثقافته وتمدنه اللذين وجها الثقافة والتمدن في العالم كله. إن الغرب والتمدن الغربي والثقافة الغربية تبتدئ هنا في سورية.

                            بعد أن رأينا الحدود الطبيعية التي تكون وطناً لشعب -لأمة ودولة- في حدود الوطن السوري التي هي من أشد الحدود وضوحاً وقوة في العالم، قد يخطر للبعض أن يسألوا سؤالاً سياسياً هو: هل تحدد الحدود الطبيعية الأمم فتلزم كل أمة حدود وطنها؟

                            إني عرضت لهذه الناحية في مؤلفي "نشوء الأمم" الكتاب الأول. وقد قلت هناك (ص 166) : "إن الأمة تجد أساسها، قبل كل شيء آخر في وحدة أرضية معينة تتفاعل معها جماعة من الناس وتشتبك وتتحد ضمنها. ومتى تكونت الأمة وأصبحت تشعر بشخصيتها المكتسبة من إقليمها ومواد غذائها وعمرانها، ومن حياتها الاجتماعية الخاصة، وحصلت من جميع ذلك على مناعة القومية أصبحت قادرة على تكميل حدودها الطبيعية أو تعديلها، على نسبة حيويتها وسعة مواردها وممكناتها".

                            فتعديل الحدود سياسياً أمر متعلق بمقدرة الأمة وحيويتها. فإذا كانت الأمة مقتدرة، زاخرة بالحيوية، وكانت حيويتها واقتدارها أقوى من الموانع تمكنت من أن تتجاوز حدود بيئتها الطبيعية الأصلية. وبالعكس إذا كانت حيوية الأمة ناقصة وقوتها في تقلص، فالأمة في هذه الحالة، تتراجع عن حدود وطنها الطبيعية أمام ضغط الأمم المجاورة التي تطغى على حدودها. وقد عرفت بلادنا المد والجزر كليهما في حدودها السياسية. ففي الشمال اتسعت قوس الجبال بقوة الدولة السورية الآشورية، ولم تكتف هذه الدولة بتوسيع حدود بيئتها الطبيعية، بل رمت إلى التسلط على بلاد أجنبية فافتتحت مصر، كما سبق للدولة السورية الكنعانية افتتاحها، وأدخلتها تحت سيادتها. والدولة السورية الصلوكية (السلوقية) بسطت سلطانها على كل الأناضول وراء طوروس وبلغت فتوحاتها شرقاً إلى الهند فلما تعاقبت الفتوحات على سورية كان بعض هذه الفتوحات بربريا وأدى تعاقبها إلى زوال السيادة السورية وإلى إدارة البلاد إدارة أجنبية لمصلحة أجنبية تناقصت حيوية الأمة وقل عددها وانحطت ثقافتها وتمدنها، وأخذ الشعب السوري وعمرانه يذوي، وأخذت حدود سورية السياسية تتقلص من جراء ذلك، عن حدودها الطبيعية. وكانت البلاد السورية تتجزأ تبعاً لمقتضيات الفتوحات ولسياسة المتغلبين.

                            عندما تحررت سورية بعد الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918) من التسلط التركي وقعت تحت الاحتلال المقرر في المعاهدة البريطانية ــ الفرنسية المعروفة بمعاهدة سيكس. بيكو. فقسمت البلاد إلى قسمين بخط يمتد من الشرق الشمالي قرب المكان المعروف اليوم بجزيرة ابن عمرو إلى الجنوب الغربي في الناقورة. فما كان جنوبي هذا الخط وشرقيه كان حصة بريطانية، وما كان شمالي هذا الخط وغربيه كان حصة فرنسة. ولما كانت سورية واقعة تحت قرون التسلط التركي، لم تكن فيها نهضة قومية تقاوم خطط الاستعمار الأجنبي . فاغتنم الأتراك ضعف فرنسة الخارجة من الحرب منهوكة وضعف سورية الذي كان نتيجة تسلطهم، واستولوا على كيليكية التي هي الجزء الشمالي الأعلى من سورية. ثم استولوا على منطقة الاسكندرونة الهامة ومدينة إنطاكية التاريخية التي كانت العاصمة السورية في عهد الإمبراطورية السورية حقبة البيت الصلوكي. ولا تزال حلب ومنطقة "الجزيرة" العليا مهددة بتوسع تركي جديد، ما دامت الأمة السورية تتخبط في حزبياتها الدينية ومنازعاتها العائلية التي تهدد معظم حيويتها وفاعليتها.

                            لا يوجد حدود طبيعية في العالم تقدر أن تمنع أمة قوية من الامتداد وتوسيع مدى حيويتها وحياتها. وإننا نرى، مع تقدم وسائل النقل وإتقان الصناعات، أن الحدود الطبيعية، إذا لم تؤيدها قوة إنسانية فنية، لم تقدر على صد جماعات لها فاعلية وقدرة على تخطي الحدود. لنعد إلى متابعة نص الشرح الأصلي:

                            "وكما تنبه الكلدان والآشورية إلى وحدة هذه البلاد، من الداخل، وسعوا لتوحيدها سياسياً، لعنايتهم بالدولة البرية، كذلك عرفت هذه الحقيقة كل شعوب هذه البيئة الأخرى واهتمت بالمحالفات وإنشاء نوع من اللامركزية في بعض الأزمنة، اتقاء للمنازعات الداخلية واستعداداً لمواجهة الأخطار الخارجية. وقد تنبه العرب، في دقة ملاحظتهم السطحية إلى وحدتها الجغرافية الطبيعية، وسمى هذه الوحدة أحد العلماء، ولعله بريستد، "الهلال الخصيب".

                            إن سر بقاء سورية وحدة وأمة ممتازة، مع كل ما مر عليها من غزوات من الجنوب والشمال والشرق والغرب ، هو في هذه الوحدة الجغرافية البديعة وهذه البيئة الطبيعية المتنوعة الممكنات من سهول وجبال وأودية وبحر وساحل، هذا الوطن الممتاز لهذه الأمة الممتازة".

                            نرى أن نص التعاليم يتناول عند هذا الحد أمرين: الأول تنبه الشعوب أو الجماعات السورية الأولى والدول التي نشأت في سورية إلى وحدة الأرض السورية ووحدة الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية فيها، وسعي جميع هذه الدول إلى تحقيق وحدة الدولة في هذه البلاد. وقد رأينا في نص شرح المبدأ الرابع، الذي كان مدار حديثي إليكم في الاجتماع الماضي، أن الحروب التي كانت تنشب بين الآشوريين والكلدانيين والآراميين والحثيين كانت حروباً داخلية أو منازعات على الحكم بين عائلات تنزع إلى الملك وتستند إلى عصبية خاصة في نهوضها إلى السيطرة خصوصاً حروب الكلدان والآشوريين والآراميين والكنعانيين المتحدين في الثقافة والممتزجين أصلاً في الدم. ودخول الحثيين والمتنيين الآريي اللغة لم يغير حالة البلاد ولا وضعها السياسي. إذ إنّ الحثيين والمتنيين تفاعلوا مع الجماعات السامية اللغات حربياً وسياسياً، تفاعلاً سورياً داخلياً لم يسبب اختلاطات خارجية قط. وقد اشترك الحثيون في المحالفات واللامركزية.

                            الأمر الثاني العظيم الأهمية الذي يظهره نص التعاليم هو أهمية البيئة في طبيعتها ومواردها وإمكانياتها التي لها شأن أولي خطير في تغذية حيوية الأمة ونشاطها، فإن الأنهر التي تتفجر من قوس الجبال الشمالية، خصوصاً النهرين العظيمين دجلة والفرات في المنحنى الكبير ما بين البختياري وطوروس ومن جبال لبنان، تجعل الأودية والسهول القائمة فيما بين هذه الجبال والبحار والعربة أرضاً خصبة تفيض لبناً وعسلاً. ولست أشير الآن إلا الى نهرين آخرين في الشمال هما جيحون (أو جيحان) وسيحون (أو سيحان) يرويان الأراضي الخصبة ما بين افسس ومرعش وأطنه وطرسوس ومرسين. وهذه الأخيرة لا يزال بحارتها إلى اليوم سوريين. وأهمية الأنهر المنحدرة من جبال لبنان هي للعاصي الذي يروي سهول الغرب الشمالية ماراً بحمص وحماه الى إنطاكية ، وللأردن الذي يسقي الجنوب في اتجاهه نحو العقبة على البحر الأحمر.

                            قلت في الكتاب الأول من مؤلفي "نشوء الأمم" في المكان عينه الذي ذكرته آنفاً : "وبقدر ما هي الحدود جوهرية لصيانة المجتمع من تمدد المجتمعات الأخرى القريبة منه كذلك هي، إلى درجة أعلى، طبيعة البيئة ومواردها. فالأمة تكون قوية أو ضعيفة، متقدمة أو متأخرة، على نسبة ممكنات بيئتها الاقتصادية ومقدرتها على الانتفاع بهذه الممكنات والإمكانيات" فالوحدة الجغرافية البديعة وهذه البيئة الطبيعية المتنوعة الإمكانيات، التي يذكرها نص التعاليم والتي زدتها الآن شرحاً وتفصيلاً وترونها على الخريطة أمامكم بكل قوتها وسحرها هي الوطن الممتاز بإمكانياته وموارده وإقليمه الذي مكن الأمة السورية الممتازة بتركيبها السلالي وزخم حياة زاخرة بالقوة من تحقيق منشآتها الثقافية والعمرانية البديعة التي أطلقت تيار ثقافتها وتمدنها من هذه الأرض القدسية فأضاء أرجاء العالم ودفع المجاميع الإنسانية المؤهلة للثقافة والتمدن في مجراه السحري. لنعد إلى النص:

                            "وهي هذه الوحدة الجغرافية، التي جعلت سورية وحدة سياسية حتى في الأزمنة الغابرة حين كانت هذه البلاد مقسمة إلى كنعانيين وآراميين وحثيين وآموريين وآشوريين وكلدانيين. وقد ظهرت هذه الوحدة السياسية في عقد المحالفات أثناء أخطار الحملات المصرية وغيرها وفي الحملات السورية على مصر من أيام "الهكسوس" كما ظهرت مكتملة نهائياً فيما بعد، من تكوين الدولة السورية في العهد السلوقي، التي صارت الإمبراطورية قوية بسطت سلطتها على آسية الصغرى وامتدت فتوحاتها إلى الهند".

                            لا بد لي هنا، قبل إكمال قراءة نص التعاليم ، من إبراز أهمية المحالفات بين الدول السورية ضد الدول القائمة خارج حدود سورية. فهذه المحالفات كانت تعبيراً عن شعور الدول السورية باشتراكها في التركيب الدموي وفي الأرض وفي ترابطها في وحدة مصير الشعب والوطن. وإذا كانت بعض هذه المحالفات حدثت ضد بعض الدول السورية الطامحة إلى توحيد سورية كلها تحت سلطانها ورايتها، فلم يكن لهذه المحالفات الشمول القومي الوطني، بل كانت نوعاً من تحالف الأمراء ضد الملكية المطلقة الشاملة.

                            النص: "إن فقد الأمة السورية سيادتها على نفسها ووطنها بعامل الفتوحات الخارجية الكبرى، وإخضاع البلاد السورية لسيادات خارجية عرض البلاد إلى تجزئة وإطلاق تسميات سياسية متجزئة عليها. ففي العهد البيزنطي ــ الفارسي بسطت الدولة البيزنطية سيادتها على سورية الغربية كلها واقتصر اسم سورية على هذا القسم وبسطت الدولة الفارسية على سورية الشرقية (ما بين النهرين) وأطلقت عليها اسم "ايراه" الذي عربه العرب فصار "العراق". وبعد الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 بسطت السيادة الأجنبية المثناة (بريطانية وفرنسة) على سورية الطبيعية وجزئت حسب المصالح والأغراض السياسية وحصلت التسميات: فلسطين، شرق الأردن، لبنان، سورية "الشام"، كيليكية، العراق. فتقلص اسم سورية إلى منطقة الشام المحدودة، وكانت قد أخرجت جزيرة قبرص من حدود سورية مع أنها قطعة من أرضها في الماء.

                            إن سورية الطبيعية تشمل جميع هذه المناطق التي تكوّن وحدة جغرافية ـ زراعية ـ اقتصادية ـ استراتيجية، لا يمكن قيام قضيتها القومية الاجتماعية بدون اكتمالها".

                            إن لنا في هذه البيئة الطبيعية وحدة زراعية ـ اقتصادية متشابكة بالأنهر التي ذكرتها لا يخطئها نظر عارف بشؤون الجغرافية والطبقرافية. فترابط الزراعة في وحدة الأرض وريها بالأنهر السورية، دجلة، الفرات، جيحون، سيحون، بردى، العاصي، الليطاني، الأردن، وما بينها جداول وبحيرات وبرك هو أمر واقع، طبيعي وتاريخي. ووحدة الأرض الزراعية هي أساس وحدة الحضارة السورية، ووحدة الإنتاج السوري بأنواعه هي أساس الاقتصاد القومي في سورية. وإيجاد نظام جديد لهذا الإنتاج وأغراضه هو الإنشاء الأساسي لقيام النهضة السورية القومية الاجتماعية، وللارتقاء بالأمة السورية إلى أوج حياة العز والخير. ولا بد من الإشارة إلى هذه البقعة الكبيرة (مشيراً على الخريطة إلى الصحراء السورية) التي تفتح ثغرة كبيرة خالية من الزراعة في أسفل متوسط الأرض السورية، ما بين الفرات وبردى والأردن، فهذه سيأتي تفصيل حقيقتها وشأنها في ما يلي. ولكني أتناول الآن قضية الوحدة الاستراتيجية.

                            إن الأرض السورية بيئة طبيعية واحدة تقوم عليها وحدة شعبية وأنحاؤها تكمل بعضها بعضاً ‎، وصيانة أية جهة من جهاتها ضرورية لصيانة الجهات الأخرى. فالسوريون المقيمون في الجنوب تهمهم الحدود الشمالية كما تهم السوريين المقيمين في الشمال الحدود الجنوبية. وهنالك مراكز في الحدود إذا خرجت من قبضة الجيش السوري عرضت البلاد كلها لأشد أخطار الفتوحات والإستعمار والذل. فالمكان المعروف بـ "البوابات الكيليكية" أي بالمداخل التي لا بد لأي جيش قادم من جهة آسية الصغرى من محاولة العبور منها، هو مكان ضروري جداً وجوده تحت السيادة السورية دائماً حفظاً لسلامة البلاد السورية كلها وليس فقط لسلامة منطقة أطنة ــ مرعش ومنطقة الاسكندرونة ــ حلب، بل لسلامة البلاد كلها. وكذلك جبال البختياري أو زقروس فوجودها في أيدي الدولة الكلدانية والدولة الآشورية حفظ سلامة الدولة ومكن الدول السورية الشرقية المتعاقبة من غلبة العيلاميين وغيرهم. وقد رأينا في التاريخ أنه عندما عبر جيش الفرس الجبال السورية الشرقية سقطت سورية كلها في قبضتهم. وكذلك لما عبر الجيش المكدوني "البوابات الكيليكية" لم يعد يتمكن جيش من الصمود في وجهه. وقد صمدت صور فقط في وجهه تسعة أشهر لأنها كانت جزيرة. تبقى إمكانية القتال متوفرة في جبال لبنان فقط إذا كانت الشواطئ السورية مخفورة من البحر. جميع الجيوش اليونانية والرومانية كانت تجد سهولة في إخضاع سورية بعد اجتيازها طوروس.

                            ومن الجنوب كانت النقطة الاستراتيجية في برزخ السويس واليوم في قناة السويس وخليج العقبة وصحراء سورية الجنوبية (سيناء). فالجيوش المصرية التي كانت تعبر هذا الخط الاستراتيجي كانت تستسهل، بعد ذلك، التوغل في سورية الغربية إلى الفرات. والجيوش السورية التي كانت تعبر هذا الخط الجنوبي إلى أفريكة كانت تخضع مصر والتي كانت تعبر طوروس كانت تخضع آسية الصغرى والتي كانت تعبر زقروس كانت تسير إلى الهند. ولكي لا تكون الشواطئ السورية منكشفة لعدو مقبل من البحر، من الضروري الاحتفاظ بجزيرة قبرص، لأنها حصن سورية من جهة البحر.

                            أي اجتياح حربي للخطوط الاستراتيجية الجنوبية أو الشمالية جعل سورية الطبيعية كلها تحت خطر السقوط في قبضة الجيش المجتاح لأنه لا تعود توجد فواصل داخلية بين أجزاء البلاد إلا في المنطقة اللبنانية التي يمكن تجنبها إذا كانت المقاومة فيها شديدة. فعند أي خطر على أية نقطة استراتيجية في الشمال أو في الجنوب أو الشرق يجب أن تواجه الأمة السورية كلها الخطر، لأنه خطر عليها كلها. فلا يمكن حفظ سلامة الوطن السوري إلا باعتباره وحدة حربية في وحدة استراتيجية. أي جيش يحتل أية منطقة صغيرة ضمن نطاق الوحدة الاستراتيجية يمكن اعتباره محتلاُ البلاد كلها احتلالاً استراتيجياً ! فيمكننا القول إن الجيش التركي الذي يرابط في كيليكية والاسكندرونة يمثل احتلالاً استراتيجياً لسورية !

                            من النص: "أشرت في شرح المبدأ الرابع إلى تضارب التواريخ الأجنبية في تحديد سورية ومتابعة المؤلفين والكاتبين في التاريخ من السوريين التواريخ الأجنبية في تعاريفها واعتمادهم بالأكثر التحديد الذي عرف في العهد البيزنطي ـ الفارسي، الذي جعل حدود سورية الشمالية الشرقية نهر الفرات وسمي القسم الشرقي، ما بين النهرين، "ايراه".

                            وإن اقتسام البيزنطيين والفرس سورية فيما بينهم وإقامة الحواجز السياسية بين سورية الشرقية وسورية الغربية عرقل كثيراً، وإلى مدة طويلة، عودة النمو القومي ودورة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ونتج عن ذلك إبهام في حقيقة حدود سورية".

                            مما لا شك فيه أن الإبهام في حدود وطننا وفي حقيقتنا القومية يعود بالأكثر إلى انهيار سيادتنا وانقطاع استمرار تاريخنا القومي وإلى انعدام مصادرنا التاريخية وإلى أن كلاً من المؤرخين الذين كان كتابنا يعتمدونهم في فهم أمور وطننا، وندر من شذ منهم، هم مؤرخون أجانب من المدرسة الاقريكية الرومانية التي شوهت حقيقة السوريين الاجتماعية والنفسية.

                            التواريخ الأجنبية والمؤرخون الأجانب لم ينظروا إلى سورية من وجهة حقيقة الأمة وحقيقة الوطن، بل من وجهة النظر السياسية الأجنبية. والمصادر التاريخية الأجنبية كانت تطلق المصطلحات السياسية بلا تحقيق للوضع الطبيعي والاجتماعي. والمصدران اليوناني والروماني هما عدوان تاريخياً للأمة السورية ولاتجاهها التاريخي. ولذلك لم يكن لهذين المصدرين الأوليين للتاريخ أن ينصفا السوريين في حقيقة نفسيتهم، في حقيقة وجودهم في العالم.

                            إذا اعتمدنا فوليبيو في شرحه للحروب الفينيقية (أو الفونكية) مع رومية (بيونك أو بونك هو اللفظ اللاتيني المحرف للفظ فونك اليونانية) إذا اعتمدنا هذا المصدر الرئيسي لدرس الحروب الفونكية "الفينيقية" كنا مضطرين بحسب رواية هذا المؤرخ إلى التسليم بانحطاط السوريين الكنعانيين (الفونكيين) وتفوق الرومان عليهم. مع أن الحقيقة كانت عكس ما رمى فوليبيو إلى إظهاره. لأن الرومان دهشوا للآثار الفنية التي احتملها جيش سيبيو (الافركانس) من بين أنقاض عاصمة الإمبراطورية السورية الغربية قرطاضة العظيمة !

                            لا شك عندي أن فوليبيو، الاقريكي الذي ورث حقد اليونان على الكنعانيين،رمى إلى تشويه القيم السورية وحط شأن السوريين ورفع قيمة الرومان وتقليل أهمية الأفعال التي قام بها السوريون الكنعانيون في السلم والحرب. فهو قد صور حملة هاني بعل على إيطالية وعبوره جبال البرنيز ثم جبال الألب الشاهقة تصويراً يحط كثيراً من قيمة تلك الحملة العسكرية العديمة المثيل، فقال إنها لم تكن شيئاً خارقاً العادة لأن بعض القبائل المتوحشة عبرت، في ارتحالها، جبال الألب فساوى بين ارتحال قبائل همجية تضرب في الأرض على غير هدى، بلا هدف، وحملة عسكرية منظمة خططت بعناية فائقة وبجرأة عديمة المثيل في التاريخ وبعزيمة كأنها القضاء والقدر !

                            يساوي فوليبيو بين قبائل همجية تتوغل جبالاً لا تدري ما وراءها وحملة عسكرية منظمة أنشأها وعين أهدافها ومسيرها قائد يدرك أخطار الجبال العظيمة التي قرر اجتيازها بتصميم لم يسبق له مثيل ويدرك، فوق ذلك، أنه سائر بجيش نصفه أو أقل من نصفه قومي والباقي مأجور أو مسير وأنه يجتاز جبالاً تنتظره وراءها جيوش رومية التي ربحت الحرب الفونكية الأولى، لأنه زاحف على رومية نفسها !

                            بهذه الطريقة يدون المؤرخون اليونان والرومان أفعال السوريين العظيمة فشوهوها وحطموا قيمتها.

                            إن ما رزحت تحته الأمة السورية إلى اليوم هو حكم تاريخ كتب بقلم العدو والغريب الجاهل. لذلك كانت مهمة هذه النهضة القومية الاجتماعية كما قلت وقررت تغيير وجه التاريخ !

                            من النص: "وزاد الطين بله هجوم الصحراء ودخولها في تجويف الهلال السوري الخصيب، بعامل تناقص السكان وتقلص العمران بسبب الحروب والغزوات وبعامل قطع الغابات وتجريد مناطق واسعة جداً من البلاد من حرجاتها. وإن عدم وجود دراسات سابقة، موثوقة في أسباب زيادة الجفاف في تجويف الهلال السوري الخصيب وتناقص العمران فيه ساعد على اعتبار التمدد الصحراوي حالة طبيعية دائمة، الأمر الذي أثبت بطلانه تحقيقي الأخير".

                            يشير نص التعاليم هنا إلى البقعة الكبيرة الصحراوية الممتدة ما بين الفرات وبردى والأردن المعروفة بالصحراء السورية أو البادية السورية. فهذه الصحراء التي تبدو كأنها لسان من العربة، من الصحراء العربية، ليست صحراء بكامل معنى الكلمة. إنها مجرد قفر من النبات والعمران. وقد ساعد انحطاط الثقافة والتمدن السوريين من جراء فقد السيادة السورية، وتعاور البلاد بالفتوحات وقطع الغابات في المناطق المجاورة، جفاف الصحراء العربية على الامتداد إلى هذه البقعة الخالي من الأنهر فأقفرت أرضها وتعرت تربتها وصارت شبه صحراء بسبب عوامل غير طبيعية. ولكن هذه البقعة ليست صحراء كالصحراء العربية، فهذه صحراء رملية تتوسطها النفوذ وتمتد إلى الربع الخالي فهي ليست ترابية ولا تصلح للفلح والزرع. أما الصحراء السورية فهي بادية ترابية صالحة للفلح والزرع ولم تكن في غابر عهدها جرداء كما تبدو اليوم، ولكن ازدياد الجفاف في الصحراء العربية وتخريب الحضارة السورية بالفتوحات البربرية تعاونا على تجريد هذه البقعة الكبيرة من النبات. مع ذلك فهي صالحة لاستعادة الخضرة بنهوض الثقافة السورية والعمران السوري من جديد. ووسائل الري من دجلة والفرات تفتح مجال إمكانيات زراعية عظيمة لهذه البقعة. وإذا أمكن تحريج المناطق المحيطة بهذه الثغرة المقفرة تعدل الإقليم وكثافة الرطوبة في الهواء وزادت الأمطار.

                            إن الإفقار الاصطناعي لم يقف عند حد هذه الصحراء السورية، بل امتد في جميع المناطق السورية ووصل حتى إلى ساحل البحر حيث يرتفع لبنان. فقد كانت جبال لبنان مشهورة بكثافة غاباتها، أما الآن فهذه الجبال تبدو جرداء إلا رقعاً صغيرة من الأخضر تراها العين عن بعد في أماكن متفرقة. ولولا علو الجبال والأنهر المتدفقة منها لكانت الصحراء عمت البلاد ولكنا كلنا تحولنا إلى عرب (أي إلى صحراويين من العربة الصحراء).

                            إننا نؤمن أن نهضة شعبنا الجديدة بالحركة السورية القومية الاجتماعية ستعيد إلى هذه المناطق الجرداء خضرتها وخصبها.

                            من النص: "إن تحقيقي أثبت وحدة البلاد وأعطى التعليل الصحيح لوضعها وأسباب تجزئتها الخارجة عن حقيقتها. فثبت منطقة ما بين النهرين ضمن الحدود السورية وأصلحت التعبير الأول "ضفاف دجلة" الذي كنت اعتمدته بجعله أوضح وأكمل بإعطائه مدى معنى منطقة ما بين النهرين التي تصل حدودها إلى جبال البختياري، إلى الجبال التي تعين الحدود الطبيعية بين سورية وإيران".

                            إن منطقة ما بين النهرين دجلة والفرات لم تكن تاريخياً منطقة تقتصر على شقة الأرض الواقعة بين هذين النهرين، بل كانت تعني كل الأرض المجاورة النهرين الواقعة بين الصحراء العربية وجبال البختياري أو زقروس. وقد ابتدأت الدولة الآشورية في العدوة الشرقية من أعالي دجلة وكانت عاصمتها نينوى تقوم مقابل الموصل فوق الزاب الكبير. ولا شك في أن التحديد السابق "حتى الالتقاء بدجلة" أو "إلى ضفاف دجلة" كان تحديداً غير جلي كل الجلاء ولم يكن بد من ترك التحديد مطاطاً ريثما يكتمل التحقيق في متناقضات المرويات التاريخية وفي ما اعتمده الكثير من كتاب التاريخ.

                            النص: "أما جزيرة قبرص فقد احتلها الفونيكيون من قديم الزمان وصارت من مراكزهم الهامة. وفيها ولد الفيلسوف السوري الفونكي زينون صاحب المدرسة الرواقية.

                            إن سورية الوطن هي عنصر أساسي في القومية السورية وكل سوري قومي اجتماعي يجب أن يعرف حدود وطنه ويبقي صورة بلاده الجميلة ماثلة لعينيه ليجدر به أن يكون سورياً قومياً اجتماعياً صحيحاً.

                            ولكي يقدر السوري القومي الاجتماعي أن يحفظ حقوقه وحقوق ذريته في هذا الوطن الجميل يجب عليه أن يفهم جيداً وحدة أمته ووحدة حقوقها ووحدة الوطن وعدم قابلية تجزئته

                            قلت في كتابي الأول من "نشوء الأمم" إن فاعلية الأمة وحيويتها تعدل حدود بيئتها الطبيعية، فإذا كانت الأمة قوية نامية تغلبت على الحدود وامتدت وراءها فتوسع حدودها. وإذا كانت الأمة ضعيفة، ذاوية تقلصت عن حدود بيئتها الطبيعية. وبعد انهيار الدول السورية العظمى طمت على الأمة السورية موجة ضعف وتقلص فتراجعت عن حدودها وخسرت قبرص لليونان ومن أتى بعدهم وخسرت شبه جزيرة سيناء لمصر، وخسرت كيليكية للأتراك، وجزأتها الدول التي غزتها واحتلت وطنها أو بعض أجزائه.

                            إن النهضة القومية الاجتماعية تعبر عن عودة فاعلية الأمة السورية وحيويتها إليها لتعود إلى القوة والنمو واستعادة ما خسرته من بيئتها الطبيعية".

                            إذاً نحن نهضة تنهي عهد التخاذل والتقلص والتراجع، وتبتدئ عهد النمو والتقدم والتوسع. إننا ننمو بحيويتنا وفاعليتنا، لا بما يتراكم علينا من الخارج. إن حقيقتنا هي حقيقة النمو الذاتي من داخلنا والتوسع على كل مدى ما تقدمه الطبيعة وما تستطيعه مقدرتنا.

                            وقد قلت في "نشوء الأمم" إن البيئة الطبيعية تقدم الإمكانيات لا الحتميات فالأرض هي الجانب الإيجابي من الحياة، أما الجانب السلبي الذاتي الفاعل فهو نحن.

                            نحن الفنان الذي يستخدم ما تقدمه الطبيعة من إمكانيات ليبدع وينتج ويبني.

                            أنتقل بكم الآن إلى المبدأ الأساسي السادس القائل: "الأمة السورية مجتمع واحد" فلنتتبع نص الشرح:

                            "إلى هذا المبدأ الأساسي تعود بعض المبادئ الإصلاحية التي يسرد ذكرها وتفصيلها. فصل الدين عن الدولة، إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب ــ وهذا المبدأ هو من أهم المبادئ التي يجب أن تبقى حاضرة في ذهن كل سوري. فهو أساس الوحدة القومية الحقيقي ودليل الوجدان القومي. والضمان لحياة الشخصية السورية واستمرارها. أمة واحدة ــ مجتمع واحد. فوحدة المجتمع هي قاعدة وحدة المصالح ووحدة المصالح هي وحدة الحياة. وعدم الوحدة الاجتماعية ينفي المصلحة العامة الواحدة التي لا يمكن التعويض عنها بأية ترضيات وقتية".

                            إن قاعدة الأمة الواحدة في المجتمع الواحد هي القاعدة الصحيحة للوجود القومي. لا يمكن أن تكون أمة واحدة إذا لم يكن هنالك مجتمع واحد، أي إذا لم تكن الهيئة الاجتماعية واحدة. فإذا حصلت تجزئة في المجتمع تعرضت الأمة لخطر الانحلال النهائي والاضمحلال. فصحة الأمة وتقدمها لا يكونان إلا في مجتمع واحد. فالحركة القومية الاجتماعية تقيم بهذا المبدأ وما يتعلق به حرباً عنيفة مميتة على عوامل تجزئة المجتمع إلى مجتمعات والأمة إلى أمم ــ هذه العوامل التي تجعل من كل طائفة دينية ومن كل عشيرة أو طبقة مجتمعاً قائماً بنفسه وأمة منفصلة عن الطوائف والعشائر أو الطبقات الأخرى.

                            لا يمكن للأمة الواحدة أن تتجه في التاريخ اتجاهاً واحداً بعقليات متعددة. متباينة أو متنافرة. هذا أمر مستحيل. وجميع البهلوانيين السياسيين الذين يقومون بضروب كثيرة من البهلوانية في شؤون التاريخ والسياسة والاجتماع ويحاولون التوفيق بين تناقض المجتمع في كيانه والوحدة القومية يمكنهم أن ينجحوا في إنشاء الأحزاب التي تفيدهم هم شخصياً أو في اكتساب مكانة ومنفعة عن طريق استغلال الحالة الراهنة ولكنهم لن يستطيعوا النجاح في إنقاذ المجتمع من مصير الفناء الذي يصير إليه أو من إكسابه قوة الوحدة والانطلاق. الأمة في أساسها الحقيقي هي وحدة حياة فإذا لم تكن وحدة لم تكن أمة حقيقية.

                            متى كانت المصالح مصالح محمديين ومصالح مسيحيين ومصالح دورز، أو مصالح سنيين ومصالح شيعيين ومصالح علويين ومصالح اسماعيليين، أو مصالح موارنة ومصالح روم كاثوليك ومصالح أرثوذكس ومصالح افروتسطنت الخ، لم تكن هنالك مصالح قومية واحدة. ولا يمكن توحيد شعور الشعب واندفاعه وراء أية حملة باسم الأمة أو الوطن تقوم بها طائفة واحدة، مهما كانت كبيرة، فلم يمكن قط تحويل أية حركة استقلالية قامت بها طائفة معينة إلى حركة شعبية في طول البلاد وعرضها. الثورة الدرزية سنة 1925 التي سميت "الثورة السورية الكبرى" لم يمكن أن تتحول إلى ثورة سورية عامة، لأنها لم تنشأ بإرادة عامة موحدة. وكم من الناس قالوا: "خلي الدروز يتفزروا مع الفرنسيين" ! وليس بالإمكان جعل مجموعة مصالح الطوائف مصالح عامة واحدة، لأن ذلك يكون مخالفاً لطبيعتها.

                            النص: "في الوحدة الاجتماعية تضمحل العصبيات المتنافرة والعلاقات السلبية وتنشأ العصبية القومية الصحيحة، التي تتكفل بإنهاض الأمة.

                            وفي الوحدة الاجتماعية تزول الحزبيات الدينية وآثارها السيئة وتضمحل الأحقاد وتحل المحبة والتسامح القوميان محلها ويفسح المجال للتعاون الاقتصادي والشعور القومي الموحد وتنتفي مسهلات دخول الإرادات الأجنبية في شؤون أمتنا الداخلية.

                            إن الاستقلال الصحيح والسيادة الحقيقية لا يتمان ويستمران إلا على أساس وحدة اجتماعية صحيحة. وعلى أساس هذه الوحدة فقط يمكن إنشاء دولة قومية صحيحة وتشريع قومي اجتماعي مدني صحيح، ففيه أساس عضوية الدولة الصحيحة وفيه يؤمن تساوي الحقوق لأبناء الأمة".

                            إن التساوي في الحقوق والتوحيد القضائي هما أمران ضروريان لنفسية صحيحة موحدة. فبدون هذا التساوي تظل العقليات المختلفة التي كونتها الشرائع المختلفة معضلة تمنع الأمة من الاضطلاع بقضاياها. فالمجتمعات المتعددة المستقلة بشرائعها وأنظمتها الحقوقية تجزئ الأمة الواحدة وتمنعها من التقدم.

                            وإن لنا اختباراً عملياً هاماً في تطبيق الحكم الوطني في لبنان والشام بموجب المعاهدة سنة 1936 بين هاتين الدولتين والدولة الفرنسية. فما كاد الوطنيون يتسلمون الحكم في دمشق حتى طبق نظام جعل مناطق عديدة كجبل حوران (جبل الدروز) ومنطقة اللاذقية ومنطقة الجزيرة تتحرك طالبة الانفصال عن المركز. ونزاع المجتمعات الدينية في لبنان ليس أقل منه في الدول الأخرى.

                            لا إنقاذ للأمة من مصير التضعضع والهلاك إلا بحركة أصلية تقيم مجتمعاً جديداً واحداً وعقلية جديدة وشعوراً واحداً. وإن هذه الحركة قد وجدت وإن عملية الإنقاذ تجري ولكنها عملية طويلة شاقة. فلا نكن لجوجين بل لنعمل مؤمنين بقوة الحركة القومية الاجتماعية ومقدرتها على التغلب على كل صعوبة.

                            من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                            في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                            كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                            سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                            نعم للأسد ...
                            احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                            Comment


                            • #15
                              رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                              Click image for larger version

Name:	GetImage.jpg
Views:	1
Size:	40.7 KB
ID:	1318093


                              المحاضرة السادسة

                              في 22 شباط 1948

                              أيها الرفقاء والأصدقاء

                              في حديثنا في الاجتماع الأخير تناولت المبدأ الخامس والمبدأ السادس من مبادئ الحركة القومية الاجتماعية. والآن أعيد قراءة المبدأ الخامس:

                              "الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة ومن البحر السوري في الغرب، شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق. ويعبر عنها بلفظ عام: الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص".

                              ها هو نص المبدأ الخامس من المبادئ الأساسية للحركة السورية القومية الاجتماعية.

                              في الاجتماع الأخير كانت معلقة خريطة كبيرة كان يمكننا أن ندرس عليها بوضوح وتفصيل الحدود التي ينص عليها هذا المبدأ. أما اليوم فقد ظن الرفقاء أننا لن نحتاج إلى الخرائط لذلك لم يعلقوها.

                              أدل على الحدود في هذه الخريطة الصغيرة. هذه جزيرة قبرص ــ جبال طوروس ــ جبال البختياري تكون قوساً من جبال ــ ترعة السويس ــ البحر الأحمر فقوس الصحراء العربية.

                              وأوضحت في حديثنا الأخير طبيعة البلاد الداخلية وأشرت إلى الفرق بين الصحراء السورية والصحراء العربية. الصحراء السورية بين دمشق وبغداد والصحراء العربية التي هي من وادي السرحان فما دون. وقلت إن الصحراء السورية تختلف عن الصحراء العربية بأنها ترابية أي أنها صحراء صالحة للفلح والري والزراعة وأنها كانت مزروعة ينبت فيها نبات ولكنها أقفرت وأجدبت بعوامل متعددة. أما الصحراء العربية فهي صحراء رملية تختلف جداً عن الصحراء السورية التي ليست هي بالحقيقة صحراء بالمعنى الصحيح.

                              إن كلمة صحراء بالمعنى الصحيح تطلق على الأراضي الرملية التي لا يمكن زرعها وفلحها.

                              ولكن، بما أن هذه القطعة من الأرض أصبحت جديبة مقفرة أطلق عليها اسم صحراء وسميت بالصحراء السورية تمييزاً لها عن الصحراء العربية القاحلة التي هي إلى الجنوب منها.

                              في هذه الخريطة ترون كم هي جزيرة قبرص متممة للأرض كما يأتي في الشرح أنها قطعة من سورية في الماء وهذا واضح. هذه الجزيرة قريبة من الشاطئ متممة لهذه الأرض.

                              ثم تناولت أيضاً المبدأ القائل: "الأمة السورية مجتمع واحد". وتكلمت على أهمية هذا المبدأ في النهضة السورية القومية الاجتماعية. وننتقل اليوم إلى المبدأ السابع . المبدأ السابع يقول: "تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي".

                              يتضح من هذا المبدأ وهذا الكلام أن الاستقلال الروحي شيء واضح جداً ومبدأ فاعل له فاعلية عظيمة في حركة الحزب السوري القومي الاجتماعي. هو يوجه الفكر والشعور إلى الحقيقة الداخلية. إلى حقيقة هذه الذات الفاعلة التي هي المجتمع السوري بكل طبيعته بكل مواهبه بكل مثله وأمانيه. وقد قلت في حديث سابق وفي الاجتماع الأخير أيضاً إن النفسية السورية، إن هذه الحركة التي تميز وتعبر عن هذه النفسية هي الناحية الذاتية من هذا الوجود، الناحية الفاعلة فيما هو وضع وفيما هو كون.

                              نحن نكون الناحية السلبية، والأرض، وهذا الكون الذي أمامها هو الناحية الإيجابية لنا. ومن هذا يقتضي أن يكون لنا استقلال روحي، وفي خطاب قديم عبرت، أنه استقلال فكري أيضاً.

                              إنه استقلال روحي فكري، أي إنه استقلال نفسي بكل معنى الكلمة. ولست أدري كيف أن وجود مبدأ مثل هذا المبدأ، المبين في تعاليم الحركة السورية القومية الاجتماعية، لم يكن كافياً للمفكرين والأدباء في هذه البلاد ليدركوا أن حركة تقول بمبدأ من هذا النوع ليست بالحركة التي يمكن أن تخضع أو تسخر لأغراض غريبة عن ذاتيتها أو مقاصدها في الحياة والفن.

                              لقد جاء في شرح المبدأ: "والحقيقة أن من أهم عوامل فقدان الوجدان السوري القومي، أو من عوامل ضعفه، إهمال نفسية الأمة السورية، الحقيقية، الظاهرة في إنتاج رجالها الفكري والعملي، وفي مآثرها الثقافية، كاختراع الأحرف الهجائية، التي هي أعظم ثورة فكرية ثقافية حدثت في العالم، وإنشاء الشرائع التمدنية الأولى، ناهيك بآثار الاستعمار والثقافة السورية المادية ــ الروحية والطابع العمراني، الذي نشرته سورية في البحر السوري المعروف في الجغرافية بالمتوسط، وبما خلده سوريون عظام كزينون وبار صليبي ويوحنا فم الذهب وافرام والمعري وديك الجن الحمصي والكواكبي وجبران وطائفة كبيرة من مشاهير الأعلام قديماً وحديثاً.

                              أضف إلى ذلك قوادها ومحاربيها الخالدين من سرجون الكبير إلى أسرحدون وسنحاريب ونبوخذ نصر وأشور باني بال وتقلاط فلاصر إلى حنون الكبير إلى هاني بعل أعظم نابغة حربي في كل العصور وكل الأمم إلى يوسف العظمة الثاوي في ميسلون".

                              إذا تأملنا في هذا الشرح وجدنا منه خصائص ومزايا للنفس السورية التي قلت إنها ليست شرقية كما يظن وكما لا يزال يتكرر في الصحف والكتب في مجتمعنا.

                              من النظر في مآثر هذه الأمة، من النظر في أعمالها، من النظر في سيرها، في أدبها، في مكتشفاتها، يتضح جلياً أن هذه الأمة ليست شرقية بالمعنى النفسي. هي ليست ذات نفسية شرقية لأن من خصائص النفسية الشرقية المعروفة والمعرفة بهذا التعريف، إن من خصائص هذه النفسية ليس الاتجاه إلى المستقبل وليس النظر في الكون وطبائعه بقصد معرفته وبقصد تسليط العقل عليه بل هي نفسية منصرفة إلى الشؤون الخفية من الاتجاهات النفسية. هذه النفسية لها نقطة ارتكاز أساسية هي ما يسمونه باللغات الفرنجية Mysticism إنها تجنح بكليتها إلى الخفاء إلى التعاليل الخفية للوجود وأغراض الوجود وتنتهي في الأخير في الغيب وفي الاعتناق الغيبي للمفترض الغيبي الذي تتجه إليه النفس وتنتهي أخيراً فيما يسمونه باللغة الهندية "النرفانا".

                              نحن لسنا نرفانيين. إن الاتجاه إلى اختراع الحروف الهجائية يدل على أن لنا ناحية عملية قديمة في الحياة. إن الاستعمار وتنظيم المستعمرات وسلك البحار وإنشاء المستعمرات وتنظيم التجارة والمعاملات، درس طبائع الأشياء، والاتجاه إلى الاختراع، والاتجاه نحو الفتوحات الحربية والفكرية، تستر نظرة ذاتية مسيطرة طالبة التفوق وإخضاع المادة لأغراضها وذاتيتها. هذه حقيقة قوية تختلف كل الاختلاف عن حقيقة التجرد الوجودي والاتجاه نحو الغيب وترك محل الكيان الذاتي في الوجود.

                              في هذا المبدأ يتضح أننا لسنا من الذين يصرفون نظرهم عن شؤون الوجود إلى ما وراء الوجود. لسنا من الذين ينصرفون إلى ما وراء الوجود بل من الذين يرمون بطبيعة وجودهم إلى تحقيق وجود سام جميل في هذه الحياة وإلى استمرار هذه الحياة سامية جميلة.

                              إذا قلت إن سورية هي التي نشرت الطابع العمراني في البحر المتوسط الذي صار أساساً للتمدن الغربي الحديث، فإني أقول ذلك بأدلة وثيقة حتى من التاريخ الذي كتبه مؤرخون هم من تلامذة المدرسة الاقريكية ــ الرومانية، بعد انقراض المدرسة السورية للتاريخ.

                              وعندما أقول تلامذة المدرسة الاقريكية ــ الرومانية للتاريخ أعني مدرسة التاريخ التي رمت إلى تشنيع كل صفة للشعب السوري بعامل العداوة بين السوريين والاقريك أولاً ثم بين السوريين والرومان أخيراً.

                              ففي الصراع العنيف على السيادة البحرية في المتوسط بين السوريين والاقريك أولاً ثم بين السوريين والرومان نشأ صراع قوي جداً بين أدب الاقريك وأدب السوريين وبين أدب السوريين وأدب الرومانيين. وقد أتيت بلمحة صغيرة في حديثي الماضي عن كيفية تشويه الحقائق التاريخية مثلاً ما رواه "النبع" المصدر التاريخي للحروب الفينيقية المعروفة بالتسمية (بونِك) تحريف الفينيقية عن الاقريك. فوليبيو هو المصدر الأساسي لكل من يريد أن يكتب في تاريخ الحروب الفينيقية الثلاثة التي نشبت بين قرطاضة ورومية. ففي رواية فوليبيو عن كيفية قطع هاني بعل لجبال الألب والبيرانيز قصد تشويه هذه الحملة التي لم يسبق لها مثيل ولم تصل إلى عظمتها أية محاولة شبيهة بها من قبلها أو من بعدها. قال مخطئاً الذين يرون في هذا القطع لأعظم جبال أوروبه عملاً عظيماً ــ قال إنه سبق لجماعات بشرية أن قطعت جبال الألب، وعنى بالذين عبروا تلك الجبال جماعات متوحشة من الجلالقة أو غيرهم وأراد أن يقارن بين انتشار جماعات متوحشة بغير قصد تدفعها في ارتحالها عوامل عمياء أو اضطرار قاهر، وبين حملة عسكرية مرتبة منظمة في الدماغ من قبل، مهيأة بترتيب ومجهّزة بقصد واضح وترتيب للقيام بها مع تقدير لكل خطورتها وبقصد، ليس فقط اجتياز هذه الجبال، بل إخضاع العدو.

                              إن تصميماً عظيماً من هذا النوع لا يمكن أن يمثل بجماعات متوحشة يمكن أن تصعد وتنزل في الجبال. إن فرقاً عظيماً بين هذين. مع ذلك فلم يجد فوليبيو أي فرق ولم يرد أن يجد أي فرق لأنه قصد في روايته لها أن يحقر كل عمل قام من الناحية السورية.

                              هذا مثل واحد، وهنالك أمثال عديدة من هذا النوع تدل على كيفية رمي المدرسة الاقريكية ــ الرومانية التاريخية إلى تشويه الحقيقة السورية وعدم الاعتراف بأي فضل لها أو بأية قيمة. ولما كان لم يسلم، لا من حريق صور بعد فتح الاسكندر ولا من حريق قرطاضة بعد فتح سيبيو كتب عن التاريخ السوري أصبح التاريخ السوري وتأويل التاريخ ورواية التاريخ وقفاً على اتجاه المدرسة الاقريكية ــ الرومانية التي بخست السوريين حقهم في الإنشاء والإبداع والعمران.

                              أعود إلى الشرح: "إننا نستمد مثلنا العليا من نفسيتنا ونعلن أن في النفس السورية كل علم وكل فلسفة وكل فن في العالم ... إذا لم تقو النفسية السورية وتنزه عن العوامل الخارجية وسيطرة النفسيات الغريبة فإن سورية تبقى فاقدة عنصر الاستقلال الحقيقي، فاقدة المثل العليا لحياتها".

                              في حديث سابق ذكرت لكم شيئاً، مع شيء من التعليق عن طبيعة الشعب السوري وعن مزيجه السلالي الممتاز وعن نوعية هذا المزيج وأهميته وعن أهمية الانتباه إليه لمعرفة الحقيقة السورية. وما أقصد بالقول: "في النفس السورية كل علم وكل فلسفة وكل فن في العالم" ليس أي شيء منساق مع فكرة تصل إلى نفي العقل تقريباً. وليس شيئاً مجارياً لبعض نظريات برقسون تقريباً، أو للمنطق الذي صار في الأخير، من جملة دعائم الحركات التي لها المزايا العمياء من الناحية النفسية، كحركات النقابات التي تقوم على ناحية ليست فلسفية من الـ Intuition ولا في الانسياق مع استنتاجات من هذا النوع، تقوم أيضاً وتنتقل في الاتجاهات الروحية القائلة باستقلال الروح عن المادة واستقلال مصدرها المطلق واستمرار العوامل الخفية في كل المقاصد الروحية والتسليم إليها بتنزه عن العقل والقوى العقلية والمنطق العقلي. ولا شيء يذهب مع بعض المدارس الناشئة حديثاً، أي أنه مع الإقرار بوجود العقل والفكر يجب أن يظل الفرد شاعراً بحرية عن العقل والفكر، بل قصدت أن العقل والشعور، أن عمل الإحساس والفكر، هو كل نفسي لا يمكن أن يزال العقل منه، وقصدت أن النفسية السورية قد برهنت وتبرهن اليوم بالبرهان التشريحي والعملي على أنها عظيمة المقدرة مستكملة شروط الوعي الصحيح والإدراك الصحيح وأن لها مقدرة على إدراك واستيعاب كل ما يمكن النفس أن تستوعبه وتدركه في هذا الوجود.

                              إنها نفس تقدر في ذاتها على المعرفة والإدراك وتمييز القصد وتصور أسمى صور الجمال في الحياة. إنها نفس بوعي ولها كل مؤهلات الإدراك الشامل العام لشؤون الحياة والكون والفن.

                              "إذا لم تقو النفسية السورية وتنزه عن العوامل الخارجية وسيطرة النفسيات الغريبة فإن سورية تبقى فاقدة عنصر الاستقلال الحقيقي وفاقدة المثل العليا لحياتها".

                              تشير هذه العبارات إلى أن عوامل خارجية قد سيطرت مدة، سيطرت وأخضعت اتجاهات النفسية السورية الحقيقية لاتجاهات غريبة عنها، وإذا بقي بعض تأثيرات لتلك النفسيات الغريبة وتأثيرات نظرتها إلى الحياة مخضعة، ولو جزءاً من النفسية السورية ومراميها الصحيحة، لم يمكن التأكد من أننا نصل إلى هذا الاستقلال الكلي الصحيح، إلى فسح المجال بكامله أمام فاعليتنا الذاتية في الوجود.

                              فيجب إذاً أن نعود إلى حقيقتنا وأن ننزه حقيقتنا عن العوامل الخارجية.

                              لا يعني هذا أيضاً أنه لا يمكن لنفسيتنا أن تتفاعل مع النفسيات الأخرى. لا يعني ذلك مطلقاً بل إنه يفسح المجال لهذا التفاعل. وكما قلت في عبارة في بعض المراسلات أن شروط اعترافنا بحق أو خير أو جمال في العالم هو أن نرى نحن ذلك الحق وذلك الخير وذلك الجمال أو نشترك في رؤيته.

                              فإذا لم نر حقاً ولم نر خيراً ولم نر جمالاً لم يمكن أن نرى حقاً وخيراً وجمالاً تعلنه ذات أخرى. فلنا نحن لا يكون حق وخير وجمال حتى نراه أو حتى نشترك في رؤيته، فلا يمكن أن يفرض علينا فرضاً، لأننا نملك ذاتاً واعية فاحصة مدركة تقدر أن ترى الحق والخير والجمال وأن تشترك في رؤية الحق والخير والجمال بعواملها الخاصة باستقلالها الروحي ــ الفكري والشعوري.

                              فالاستقلال الفكري والشعوري ــ النفسي لا يعني مطلقاً الانعزال عن العالم أو الانعزال عن التفاعل مع العالم.

                              هذا الشرح يتفق كل الاتفاق مع ما ورد في خطابي 1935 إذ قلت إن المبادئ للمجتمع، لحياة المجتمع لا المجتمع وحياة المجتمع للمبادئ.

                              إن الفرد يعطي حياته كلها لمبدأ لأن في المبدأ حفظ حياة المجتمع ولأن الفرد من المجتمع. المجتمع هو الكل الذاتي ولكن لا يمكننا مطلقاً التسليم بأن المجتمع كله يجب أن يضحي نفسه أو أن يهلك نفسه من أجل مبدأ من المبادئ. يمكن أن يهلك بعض أفراد أو جزء لينقذ الكل ولكن لا يمكن أن نسلم بأنه يمكن أن يكون مبدأ صحيحاً إهلاك المجتمع في سبيل ذلك المبدأ. ولذلك أردت الحياة التي ذكرتها في مراسلة سابقة بهذا السؤال: "وماذا يفيدنا لو ربحنا العالم كله وخسرنا أنفسنا".

                              بهذا المقدار نكتفي فيما يتعلق بالمبدأ السابع وننتقل إلى الثامن. يقول المبدأ: "مصلحة سورية فوق كل مصلحة" الشرح:

                              "ليس هنالك أثمن من هذا المبدأ في العمل القومي. فهو أولاً، دليل النزاهة للعاملين. ومن جهة أخرى يوجه العناية إلى الغاية الحقيقية من العمل القومي، التي هي مصلحة الأمة السورية وخيرها. إنه مقياس الحركات والأعمال القومية كلها. وبهذا المبدأ الواقعي يمتاز الحزب السوري القومي الاجتماعي على كل الفئات السياسية في سورية، فوق ما يمتاز بمبادئه الأخرى،في أنه يقصد المصلحة المحسوسة المعينة التي تتشارك فيها حاجات ملايين السوريين وحالات حياتهم. إنه ينقذنا من الحوم حول معان للجهاد القومي هي من باب اللامحسوس، أو غير المفيد.

                              إن هذا المبدأ يقيد جميع المبادئ بمصلحة الشعب فلا يعود الشعب يقاد بالدعاوات لمبادئ تخدم مصالح غير مصلحته هو.

                              إن حياة الأمم هي حياة حقيقية، لها مصالح حقيقية، وإذا كان الحزب السوري القومي الاجتماعي قد تمكن من إحداث هذه النهضة القومية الباهرة في وطننا فالفضل في ذلك يعود إلى أنه يمثل مصلحة الأمة السورية الحقيقة وإرادتها في الحياة.

                              وإن سورية تمثل لنا شخصيتنا الاجتماعية ومواهبنا وحياتنا المثلى ونظرتنا إلى الحياة والكون والفن، وشرفنا وعزنا ومصيرنا، لذلك هي لنا فوق كل اعتبار فردي وكل مصلحة جزئية".

                              لا يحتاج إلى شديد عناء لرؤية كم يترابط هذا الكلام مع الذي قلته فيما تقدم، فمصلحة سورية هي مصلحة هذا المجتمع السوري، لأن سورية هي الوطن وهي الأمة هي المجتمع جسماً ومكاناً، إليها نعود في كل فكر أو رأي وعنها تصدر الإرادة. مصلحتها إذاً هي المصلحة الأساسية الكبرى، هي الوجود القومي، هي الوجود الاجتماعي في كل ما يعنينا ويتعلق بنا.

                              إن هذا المبدأ مقياس الحركات والأعمال القومية كلها وبهذا المبدأ الواقعي يمتاز الحزب السوري القومي الاجتماعي على كل الفئات السياسية في سورية، فوق ما يمتاز "إن حياة الأمم هي حياة حقيقية لها مصالح حقيقية وإذا كان الحزب السوري القومي الاجتماعي قد تمكن من إحداث هذه النهضة القومية الباهرة في وطننا فالفضل في ذلك يعود إلى أنه يمثل مصلحة الأمة السورية الحقيقية وإرادتها في الحياة" وإن سورية تمثل لنا شخصيتنا الاجتماعية الخ ...

                              التعيين هو شرط الوضوح، والوضوح هو الحالة الطبيعية للذات المدركة الواعية الفاهمة. كل مطلق ليس واضحاً هو نسبي مهما قيل إنه مطلق غير نسبي. كل مطلق مبهم هو لا شيء. المطلق الذي هو شيء هو المطلق الواضح. فإذا وجدنا أمامنا مطلقاً غير واضح، إذا افترضنا أي مطلق افتراضاً وابتدأنا نحوم حول فهم هذا المطلق ومعرفته، فإننا قد عيَّنا مبهماً للخروج من جدل لم نصل فيه إلى الحقيقة. فكل لا وضوح لا يمكن أن يكون أساساً لإيمان صحيح، وكل لا وضوح لا يمكن أن يكون قاعدة لأي حقيقة من جمال أو حق أو خير. فالوضوح ــ معرفة الأمور والأشياء معرفة صحيحة ــ هو قاعدة لا بد من اتباعها في أية قضية للفكر الإنساني وللحياة الإنسانية. ولذلك نرى كيف امتاز الحزب السوري القومي الاجتماعي على غيره بأنه حدد وأوضح ــ أعطى الـ Definition التحديد ــ للقضايا والأمور التي تواجه الحياة السورية والمجتمع السوري.

                              قبل هذا التوضيح كان كثير من المشتغلين يتحدثون عن المجتمع بعبارات مطاطة كالقول بالوطنية دون تحديد أي وطن، والتكلم عن الحرية بأشكال فوضوية للكلام قد تعني ولا تعني شيئاً. لا مقاييس للأعمال ولا للفكر، أشياء لا ضابط لها لا بالمنطق ولا بالحس. والحزب السوري القومي الاجتماعي أخرج العمل القومي الاجتماعي من فضاء الفوضى إلى نطاق الوضوح والتحديد، إلى معرفة صحيحة للأمور الموجودة والمقصودة، ولذلك قلت في كتابي إلى الأستاذ حميد فرنجية الذي أرسلته له من سجن الرمل أن عملي أوضح وحدد المقاصد الكبرى والمطلقات للحياة القومية والوجدان القومي.

                              لم يعد العمل القومي للمصلحة العامة شيئاً هائماً في الفضاء، بل صار قصداً واضحاً لغاية واضحة وهذا القصد الواضح للغاية الواضحة هو الذي يصلح معه القول هناك نهضة صحيحة، لأن النهضة ليست صياح حقد وفوضى بل صعوداً نحو أهداف واضحة معينة.

                              "إن هذا المبدأ يقيد جميع المبادئ بمصلحة الشعب فلا يعود الشعب يقاد بالدعاوات لمبادئ تخدم مصالح غير مصلحته هو.

                              إن حياة الأمم هي حياة حقيقية، لها مصالح حقيقية، وإذا كان الحزب السوري القومي الاجتماعي قد تمكن من إحداث هذه النهضة القومية الباهرة في وطننا فالفضل في ذلك يعود إلى أنه يمثل مصلحة الأمة السورية الحقيقية وإرادتها في الحياة".

                              قد يبدو للبعض من بعض كلمات في هذا النص أن هناك مجرد مسائل مادية تقع تحت لفظة مصالح لأن استعمال المصلحة في التعابير اليومية جعل للمصلحة ناحية مادية ومفهوماً مادياً هو مفهوم المنفعة المادية أو "المصلحة القريبة".

                              الحقيقة ليست هذه. المصلحة هنا، تشمل ما يتعلق بالنفس وما يتعلق بالعيش والكسب والأغراض المادية أو الحيوانية. المصالح ليست، بروحها، منافع مال أو بضاعة أو تجارة أو شيء من ذلك، المصالح هي كل ما يرى الإنسان في الحقيقة تحقيقاً لجمال وجوده، تحقيقاً للغايات السامية ولجميع الغايات التي تجعل حياته جميلة ومطمئنة. فالمصالح إذاً ليست مجرد منافع، المصالح هي مصالح الارتقاء والفن، مصالح جمال الحياة كما هي مصالح الاقتصاد والصناعات والتجارة، المصالح المادية التي يتوقف عليها المجتمع مادياً.

                              "إن سورية تمثل لنا شخصيتنا الاجتماعية ومواهبنا وحياتنا المثلى ونظرتنا إلى الحياة والكون والفن، وشرفنا وعزنا ومصيرنا، لذلك هي لنا فوق كل اعتبار فردي وكل مصلحة جزئية".

                              وهنا أيضاً تظهر ناحية هامة من عملنا، من طريقة تفكيرنا، ناحية مجتمعنا، ناحية الأمة، ناحية الجماعة.

                              القضية هي قضية كل المجتمع لا قضية الفرد، لكل فرد منهم قضية تختلف عن قضية الفرد أو الأفراد الآخرين. القضية هي حياة المجتمع وقضية مصير المجتمع. قضية ارتقاء المجموع أو انحطاط المجموع قضية جمال حياة المجتمع لا قضية جمال حياة الفرد.

                              يوجد بعض المجتمعات في العالم لم يمكن أن تصل إلى هذه النقطة من التفكير. وبالنظر لحالة نجاح أو لحالة استقرار واطمئنان وبحبوحة في حياتها، يوجد من يظن أن عدم وصولها لها، ــ إلى هذه النقطة ــ هو الفاعل الرئيسي في نجاحها في حياتها ... إن هذه النظرة هي نظرة خاطئة لأنها لا تشبه نظرة شعوب أخرى شددت على الناحية الفردية من الأمور أو لم تجد ما يدفعها على وجوب التشديد على الناحية الاجتماعية، على الناحية المجموعية.

                              مثلاً أميركانية (استعمل أميركانية، لما أشار به المرحوم جبر ضومط الذي استحسن أن يسمي أبناء الولايات المتحدة أميركان تمييزاً لهم عن باقي سكان القارة الأميركية، أميركيين. أميركان أبناء الولايات المتحدة والأميركيون جميع الشعوب التي تقطن أميركا. وإني مجاراة لهذا التمييز ابتدأت أسمي الولايات المتحدة أميركانية اختصاراً ولصعوبة النسبة).

                              إذا أخذنا أميركانية مثلاً نجد أن الأميركان مولعون ولعاً شديداً بالتكلم عن الشخصية الفردية والشعور الفردي وسائر شؤون الفرد. والبعض منا وأعني بهذا البعض الذين لم يدرسوا أسباب الأشياء يظنون أن هذا منتهى درجات الرقي في التمدن والنظرة الاجتماعية الإنسانية.

                              ولكن الواقع هو غير هذا. الواقع هو أن الأميركان لم يكونوا قد وصلوا، ولست أدري بالتدقيق إذا كانوا قد وصلوا إلى هذه الدرجة التي أشرت إليها في مقدمة "نشوء الأمم" ــ درجة الوعي للشخصية الاجتماعية. إنهم شعروا مرة واحدة فقط بنظرة الجماعة وبفرق المجتمع والجماعة. تلك كانت في الوقت الذي احتاج الأميركان إلى إعلان الثورة على "المتروبول".

                              بعد أن حققت تلك الثورة ما حققت لم يعد الأميركان يشعرون بنظرة المجموع، بنظرة المجتمع، إلى الكون والحياة لأن أميركانية بعد استقلالها وجدت نفسها جسماً عظيماً جداً كبيراً هائلاً بثروته المادية بغناه، بالحديد بالفحم بالزيوت بالحبوب بالماشية بكل ما يحتاج إليه الإنسان. وهي مع هذا الغنى على بعد كبير عن أي مجموع آخر يمكن أن يكون عدواً مزاحماً على الخيرات والبلاد.

                              كان بعدهم وعظم جثة الوطن الأميركاني من عوامل الاطمئنان مع السعة الداخلية في البلاد، فانصرف الناس إلى الشؤون الداخلية، إلى مسائل التفاعل الداخلية، إلى المصالح الجزئية الداخلية التي بررت وتبرر نظرة الأميركان إلى الكون والفن.

                              لم توجد الولايات المتحدة بحاجة إلى مجهود روحي لكي تصبح عظيمة، لذلك نجد، حتى حروبها، فاقدة المعنى الروحي العظيم ونرى أن دخولها حرب 1914 ــ 1918 كان من باب الدفلوماسية.

                              في الحرب الأخيرة لم نجد مبدأ واحداً اقتصادياً ــ روحياً أو غير ذلك فاعلاً من الناحية الأميركانية يحتاج إليه العالم وتحتاج إليه الإنسانية في سيرها.

                              أما الديمقراطية التي ناضلت أميركانية لأجلها، ليست مبدأ أميركانياً ولم تضف أميركانية إليه شيئاً من ذاتيتها غير هذا التراخي.

                              وهنا في ما يسمونه "الأميركان كوميونتي" نجد أمثالاً كثيرة من التراخي الأميركاني البديع الذي أصاب مرضه بعض المشتغلين معهم أو المتعلمين عندهم أو الأساتذة المشتغلين معهم.

                              أما نحن فمجتمعنا هو غير المجتمع الأميركاني، لذلك وجب أن تكون نظرتنا وجهادنا في نفسنا من أصل الأغراض الأساسية الكبرى التي تتم بواسطة نفسنا.
                              من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                              في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                              كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                              سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                              نعم للأسد ...
                              احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                              Comment


                              • #16
                                رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                                [ATTACH=CONFIG]99564[/ATTACH]

                                المحاضرة السابعة

                                الأحد في 7 آذار 1948


                                في الاجتماع الماضي أنهيت الكلام في القسم الأساسي من المبادئ القومية الاجتماعية. كان الكلام على المبدأين الأخيرين المبدأ السابع والمبدأ الثامن.

                                المبدأ السابع القائل: "تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها السياسي الثقافي القومي".

                                والمبدأ الثامن القائل: "مصلحة سورية فوق كل مصلحة".

                                في الكلام على هذين المبدأين، خصوصاً على المبدأ السابع تناولت نواحي نفسية وسياسية. ومن النقاط الأخيرة الهامة التي تناولتها كانت نقطة النظرة الفردية والنظرة المجموعية أو الجماعية وهذه الأخيرة هي وجهة نظرنا نحن. وضربت مثلاً على الأسباب التي تحمل مجتمعات معينة على الأخذ بوجهة نظر أخرى، مما يحمل البعض من غير الدارسين والمنقبين على الظن، أننا نحن هم المتأخرون في طريقة التفكير عما وصلت إليه بعض المجتمعات الراقية وبينت أن المسألة بالعكس تقريباً.

                                ضربت مثلاً أميركانية أو الولايات المتحدة الأميركية من حيث النظرة الفردية إلى الحياة فيما يختص بعلاقة الفرد بالمجتمع وأبنت أن الأسباب التي تحمل مجتمعاً كمجتمع أميركانية على الأخذ بوجهة نظر من هذا النوع هي أسباب ضخامة وكبر أرض الولايات المتحدة الأميركية، الغنية بمواردها الطبيعية من معادن وحبوب وماشية إلى آخره. ومن جهة أخرى بعد تلك الأرض عن أراض متاخمة تقطنها شعوب عدوة للشعب الأميركاني. فكبر البلاد وغناها وبعدها عن أن تكون محاطة بأعداء تحتاج إلى تضامن وثيق للدفاع عن نفسها، جعل طابع الحياة في الولايات المتحدة الأميركية طابع التراخي المجموعي الذي يظهر في هذه النظرة الفردية أو الإفرادية إلى الحياة.

                                ولم يكن وقت للإطالة في الموضوع، لذلك لم أتناول مجاميع أخرى كمثل للتفاوت أو الفرق بين النظرة المجموعية والنظرة الفردية إلى الحياة.

                                قد يخطر للبعض أن فرنسة مثلاً، تقرب مثلاً آخر من أمثلة الفردية إلى الحياة، وهذا صحيح. ومثل فرنسة يأتي مثلاً آخر لتأييد وجهة نظرنا في الموضوع. إن فرنسة قد خسرت حربين متتاليتين. وأنا أقول إن تدهور فرنسة من النظرة الفردية إلى الحياة، والنظرة الفردية إلى الحياة هي المسؤول الأول والأوحد عن انكسارها التام وانسحاقها في حربين عظيمتين.

                                إن التراخي الفردي وفقدان الوجدان المجموعي المتين والاتجاه الموحد في الحياة الذي يجمع وحدة الأمة في إرادة واحدة واتجاه واحد هو المسؤول عن عدم تمكن فرنسة من الثبات والنهوض إلى حياة جديدة بعد الانكسار في حربين متتاليتين.

                                ولو ذهبنا ندرس مظاهر التطور النفسي في فرنسة في أواسط الحرب العظمى الأخيرة لوجدنا حالة انحلال غريب في الأمة الفرنسية، ثم لوجدنا كيف تحاول أن تكتشف مبدأ أو نظرة جديدة تنقذها من حالة التضعضع التي وصلت إليها بعامل النظرة الفردية التي تسلطت مدة طويلة من الزمن.

                                بعد الهدنة مع ألمانية وقيام حكومة فيشي، بدأ الفرنسيون يبحثون عن مبادئ أو نظرات في الحياة جديدة يمكن أن ترفع المجموع الفرنسي إلى مرتبة أمة ناهضة مستعيدة لحيويتها، ولكن ذلك كان عبثاً.

                                أنشئت عدة أحزاب أو كتل، أظهرها كان كتلة، أو فئة، سمت نفسها اسماً تقليدياً للاسم الذي عرف به الحزب السوري القومي الاجتماعي عند الفرنسيين. إن الترجمة التي اعتمدها الفرنسيون للحزب السوري القومي الاجتماعي كانت ترجمة p. P. S أي الحزب الشعبي السوري، وعلى غرار هذه التسمية نشأت في فرنسة الفئة التي تسمّي نفسها m. P. F التي ترأسها (دي قول) أي الحركة الشعبية الفرنسية، ونشأت فئات أخرى تحاول التسوية بين بعض المظاهر التي ظهرت فيها الحركة الألمانية والحركة الروسية الشيوعية، ولكن دون أي جدوى.

                                وفي كل تلك المحاولات ظهرت اتجاهات نحو مثل المثال الذي أعلنه الجنرال (بتان)، كان يقول "الوطن والعائلة والعمل" ولكن هذه الكلمات. لأنها لم تكن صادرة عن يقين ونظرة صميمة أصلية إلى الحياة. ظهرت جوفاء ولم يمكنها أن تكتل الشعب الفرنسي أو توحده وظل الشعب الفرنسي تائهاً حتى اليوم. ولسنا ندري متى يكتشف الطريق ويهتدي إلى مبدأ فاعل ينهض الشعب الفرنسي من الوهدة التي وصل إليها.

                                ننتقل اليوم إلى القسم الإصلاحي من المبادئ القومية الاجتماعية وهو يشتمل على خمسة مبادئ.

                                المبدأ الأول من القسم الإصلاحي يقول: "فصل الدين عن الدولة". نتابع الشرح المكتوب:

                                "إن أعظم عقبة في سبيل تحقيق وحدتنا القومية وفلاحنا القومي هي تعلق المؤسسات الدينية بالسلطة الزمنية وتشبث المراجع الدينية بوجوب كونها مراجع السيادة في الدولة وقبضها على زمام سلطاتها أو بعض سلطاتها، على الأقل. والحقيقة أن معارك التحرر البشري الكبرى كانت تلك، التي قامت بين مصالح الأمم ومصالح المؤسسات الدينية المتشبثة بمبدأ الحق الإلهي والشرع الإلهي في حكم الشعوب والقضاء فيها. وهو مبدأ خطر استعبد الشعوب للمؤسسات الدينية استعباداً أرهقها. ولم تنفرد المؤسسات الدينية باستعمال مبدأ الحق الإلهي والإرادة الإلهية، بل استعملته الملكية المقدسة أيضاً، التي ادعت استمداد سلطانها من إرادة الله وتأييد المؤسسات الدينية، لا من الشعب.

                                في الدولة التي لا فصل بينها وبين الدين، نجد أن الحكم هو بالنيابة عن الله لا عن الشعب. وحيث خف نفوذ الدين في الدولة عن هذا الغلو نجد السلطات الدينية تحاول دائماً أن تظل سلطات مدنية ضمن الدولة".

                                المؤسسة الدينية تعتبر نفسها حاملة رسالة كاملة كلية تحيط بكل متطلبات ومقتضيات الحياة الإنسانية وتنظر في كل احتياجات الإنسان الروحية والمادية. من هذا القبيل تنظر هذه المؤسسات نفسها كمرجع للجماعات البشرية وأحوال هذه الجماعات. وبما أنها تحمل رسالة الدين، وحي الله وشرعه للناس، نجد أنها الوسيلة المثلى لتوجيه الحياة الإنسانية بأجمعها ومن هنا تنزع إلى أن تكون السلطة العليا المطلقة في كل ما يختص بالروحيات والعمليات أيضاً.

                                هذه النزعة في المؤسسات الدينية ظهرت في جميع الأديان على السواء في أطوار الإنسان الأولى قبل أن يتخذ الدين شكله العصري المعروف في الوقت الحاضر.

                                وحين كان الدين في أوائل عهده شيئاً ممزوجاً بالخرافات والسحر والأوهام نجد الساحر أو العراف أو المشعوذ بطرق سحرية، عاملاً فعالاً في إحداث التشريع للجماعات التي يعيش فيها الساحر أو العراف.

                                فكثيراً ما كان الساحر يأتي برسالة من سماء الأرواح تفيد أن الحياة يجب أن تتخذ شكل كذا أو كذا وإلا غضبت الأرواح واقتصت في قبورها من الناس الذين لا يذعنون لهذا الشرع.

                                ثم بعد أن نشأت الأديان الإلهية الكبرى واشتملت على شرع وتوجيه للناس، قوي هذا المحل للسلطة الروحية في تكييف حياة الإنسان السياسية والاقتصادية وفي جميع شؤونه.ولكن كان التطور البشري يصطدم بالسلطة الروحية المعرقلة للشؤون العملية، لأن حياة الناس كانت تتطور وتستمر في التطور، وكل تطور كان يجلب حالات جديدة تقتضي فهماً جديداً وتقتضي تشريعاً جديداً.

                                المصالح، فيما كانت تحسه المؤسسات الدينية، صارت أيضاً ضغطاً على مصالح أخرى، على مصالح تصل إلى المصالح القومية العامة الكلية. ونجد ذلك في النزاع بين الشعوب وسلطة البابا مثلاً في المسيحية وسلطة الخليفة في المحمدية. ثم بدأ النزاع بين الشعب والملك الذي ادعى بأنه بالتكريس أو المسح أو برضى الآلهة أصبح نائباً عن الله في تصريف أحكام الله في حياة الشعب. وهذا ما يعبرون عنه بالملكية المقدسة التي، شخص الملك فيها، مقدس لأنه مسيح الله أو لأنه عين من قبل السلطة الدينية أو حاز رضاها أو بركتها.

                                الملك الذي يرى أنه يستمد سلطانه من الله لا من الشعب ولا من إرادة الشعب وحياة الشعب، ينظر إلى الشعب وحياته نظرة تختلف عن النظرة لو رأى أنّ سلطانه عائد إلى الشعب.

                                إن زعمه، أن سلطانه مستمد من الله، يجعله مطلق التصرف تجاه الشعب، إن هذا الزعم، يجعله غير آخذ بعين الاعتبار ما يحتاج إليه الشعب، وهو يكتفي أن يقول إنه يعمل ما يرضاه الله مهما ارتكب تجاه الشعب من ظلم ومن طغيان.

                                وفي النزاع بين الإرادة المجموعية، الإرادة القومية العامة، وبين السلطة المستمدة من الدين أو من الله، ابتدأت الإرادة الشعبية، الإرادة القومية تربح وتزيد نفوذها على سلطة المؤسسة الدينية ومبادئ الحكم بمبادئ الله لا الشعب.

                                والانتصار الفاصل في النزاع هو الذي حدث في الثورة الفرنسية. ومن هذه الثورة ومن الثورة الأميركانية التي سبقتها نشأت فكرة الديمقراطية العصرية التي تعني في الأخير تمثيل الإرادة العامة في الحكم، جعل الإرادة العامة للشعب أو للأمة الإرادة النافذة ومرجع الأحكام.

                                وقد انتصر هذا المبدأ انتصاراً نهائياً ولم تبق سوى جماعات قليلة ضعيفة الشأن لا تزال تعمل بالمبادئ السابقة، مبادئ السلطة الدينية.وسبب ضعفها هو تمسكها بهذا المبدأ الذي يعرقل حيوية الشعوب وحركة التقدم والارتقاء.

                                الدولة الدينية أو التيوقراطية منافية لكل حركة متمركزة.

                                لا يوجد في الدين أمة وقوميات. في الدين لا يوجد سوى رابطة المؤمنين بعضهم ببعض بصرف النظر عن الأجناس والبيئات وغيرها و"من هذه الوجهة المقدسة" أي أن الدين من هذه الوجهة صار شيئاً سياسياً إدارياً دنيوياً يقول تقريباً بإلغاء الأمة والقوميات وباعتبار المؤمنين بالدين الواحد مجتمعاً واحداً يجب أن يعود أمره إلى المؤسسة، للدين الواحد المتمركز.

                                ولا يوجد أو لا تقبل المؤسسة الدينية أي اعتراض على مركزيتها. وحيثما وجد مركز السلطة الدينية، إلى ذلك المركز يجب أن يتجه مجموع المؤمنين. فإذا كان مركز المسيحية في رومية وجب أن يتجه المسيحيون إلى رومية لتفرض سلطانها كما تشاء.

                                وإذا كان مركز السلطة الدينية المحمدية في تركية مثلاً، وجب أن تتجه جميع الشعوب المحمدية إلى تركية لتأخذ توجيهاتها منها. وإذا درسنا تركية في زمن الخلافة، وجدنا إلى أي حد كان مجد المؤسسة الدينية يعمل لمصلحة تركية قبل كل شيء. وكيف كانت تركية تفيد من كونها مركز السلطة الدينية للمؤسسة المحمدية. فجميع الشعوب في أوروبة أصبحت تحت رحمة البابا. وكانت مصالح المركز، مصالح رومية، هي التي تقرر مصير السياسة في جميع الأنحاء. وفي هذا الاتجاه كانت نزعتها.

                                وظلت هذه نزعة رومية إلى أن احتاجت الشعوب التي صارت تتململ من وطأة السلطة الروحية إلى الأخذ بنظرات جديدة من التي تساعدها على التحرر من رومية.

                                ولذلك نرى عاملاً سياسياً هاماً في الدعوة البروتسطنطية في ألمانية، وهذا العامل السياسي الهام هو التخلص من السلطة الرومانية. ويوجد عبارة لا يزال الألمان يستعملونها إلى اليوم los von rom تعني الانعتاق أو التحرر من رومية. وهي عبارة تعود إلى زمن الحركة التحررية.

                                "هذه هي الوجهة الدنيا من الدين. هي الوجهة التي كان الدين ولا يزال يصلح لها حين كان الإنسان لا يزال في طور بربريته أو قريباً منها. أما في عصرنا الثقافي فإنه لم يعد يصلح. "هذه هي الوجهة التي يحاربها الحزب السوري القومي الاجتماعي لا الأفكار الدينية الفلسفية أو اللاهوتية، المتعلقة بأسرار النفس والخلود وما وراء المادة.

                                إن فكرة الجامعة الدينية السياسية منافية للقومية عموماً وللقومية السورية خصوصاً، فتمسك السوريين المسيحيين بالجامعة الدينية يجعل منهم مجموعاً ذا مصلحة متضاربة مع مصالح مجاميع دينية أخرى ضمن الوطن ويعرض مصالحهم للذوبان في مصالح الأقوام التي تربطهم بها رابطة الدين (كالفرنسيين والطليان وغيرهم). وكذلك تشبث السوريين المحمديين بالجامعة الدينية يعرض مصالحهم للتضارب مع مصالح أبناء وطنهم الذين هم من غير دينهم وللتلاشي في مصالح الجامعة الكبرى، المعرضة أساساً، لتقلبات غلبة العصبيات، كما تلاشت في العهد العباسي والعهد التركي. ليس من نتيجة للقول بالجامعة الدينية سوى تفكك الوحدة القومية والانخذال في ميدان الحياة القومية".

                                إذا عمل المسيحيون في اتجاه ديني فقط وصاروا يبحثون عن الجماعات التي تربطهم بها رابطة الدين فقط، أي المسيحية (أي فرنسيس وطليان وانكليز إلى آخره)، إذا فعلوا ذلك لم يمكن أن يصلوا إلى وحدة حياة ووحدة اتجاه مع الفئات الدينية الأخرى التي يحيون معها في وطن واحد والتي هي وهم وحدة حياة ووحدة أثنية واجتماعية في الأصل وفي الحياة.

                                إن اتجاههم في نظرة الرابطة الدينية وكونهم فئة قليلة يجعلهم تحت رحمة الإيعازات التي تأتي من المجامع الدينية الكبرى خارج بلادنا، كفرنسة أو انكلترا والطليان مثلاً.

                                وبهذا يفقدون كل اتجاه قومي وكل رابطة قومية في الحياة القومية وتصبح مصالحهم متضامنة مع مصالح الجماعات الأخرى بصرف النظر عما إذا كانت تلك الجماعات مقاومة لمتحدهم وتقدمهم القومي أو لا.

                                هذه الحالة عينها تنطبق على أتباع المؤسسة المحمدية، الذين، إذا نظروا إلى الرابطة الدينية رابطة أساسية في الحياة بدلاً من الرابطة القومية اضطروا أن يسيروا في الاتجاه في تيارات وإرادات بعيدة عن الحياة القومية مخضعة الحياة القومية لأغراضها التي تتمركز في مكان ما، ويخضع التوجيه للتمركز وللمكان التي تتمركز فيه السلطة الدينية.

                                مثلاً حين كانت الخلافة في تركية كانت سلطة أمير المؤمنين التركي وسيلة من وسائل المساومات السياسية لمصالح تركية. وكان الخليفة التركي يحتاج إلى إصدار المناشير مثلاً لمنع الثورات في الهند لقاء مصالح معينة أو مساعدة تقدمها بريطانية لتركية.

                                كان الخليفة يرسل مناشير إلى الهند تمنع الثورات التحريرية ضد الإنكليز، لأن مصالح تركية ومصالح الخلافة كانت النظرة الأساسية وليس مصالح الهند التي كانت تقرر بموجب السياسة الدينية.

                                كذلك سورية كانت أيضاً وسيلة من وسائل المصالح للنفوذ التركي بواسطة السلطة الدينية. ولذلك بقيت سورية مئات السنين خاضعة للسلطان التركي الذي منع من كل رقي وكل تقدم، من غير أن تنشب ثورة واحدة في سورية ضد الأتراك. "القومية لا تتأسس على الدين".

                                لا يمكن أن تتأسس دولة قومية بالمعنى الصحيح على الدين: "لذلك نرى أن أكبر جامعتين دينيتين في العالم المسيحية والمحمدية، لم تنجحا بصفة كونهما جامعتين مدنيتين سياسيتين، كما نجحتا بصفة كونهما جامعتين روحيتين ثقافيتين. إن الجامعة الدينية الروحية لا خطر منها ولا خوف عليها. أما الجامعة الدينية، المدنية والسياسية، فتجلب خطراً كبيراً على الأمم والقوميات ومصالح الشعوب. ولنا في العهد التركي الأخير (العثماني) أكبر دليل على ذلك.

                                إن الوحدة القومية لا يمكن أن تتم على أساس جعل الدولة القومية دولة دينية، لأن الحقوق والمصالح تظل حقوقاً ومصالح دينية، أي حقوق ومصالح الجماعة الدينية المسيطرة. وحيث تكون المصالح والحقوق مصالح وحقوق الجماعة الدينية تنتفي الحقوق والمصالح القومية التي تعتبر أبناء الأمة الواحدة مشتركين في مصالح واحدة وحقوق واحدة. وبدون وحدة المصالح ووحدة الحقوق لا يمكن أن تتولد وحدة الواجبات ووحدة الإرادة القومية".

                                وهنا ألفت النظر مرة ثانية إلى لفظة المصالح وما تعني. لا تعني هنا المنافع العملية أو المادية فقط، بل تعني كل المقاصد والأغراض النفسية أيضاً. مصالح النفس، مصالح الحياة النفسية كما هي مصالح المنافع المادية.

                                "بهذه الفلسفة القومية الحقوقية تمكن الحزب السوري القومي الاجتماعي من وضع أساس الوحدة القومية وإيجاد الوحدة القومية بالفعل".

                                إلى هنا انتهينا من نص شرح المبدأ الأول الإصلاحي وترون أن هذا النص اقتصر بالأكثر على الناحية السياسية من الموضوع الديني. تبقى الناحية النفسية الروحية ناحية النظر إلى الحياة.

                                في شرحي في الاجتماع الماضي للنفسية السورية، وفي تحليلي للنفسية السورية قلت إن السوريين ليسوا شرقيين. ليسوا شرقيين في نفسيتهم، في روحيتهم، في اتجاهاتهم النفسية الروحية. وبتعبير آخر قلت إننا لسنا "نرفانيين" أي لسنا من شعوب النفسية الشرقية.

                                "النرفانا" هي لفظ هندي معناه التخلص من الحياة، التخلص من متاعب الحياة، التخلص من ألم الحياة، إلى الموت الهادئ الذي يعطي السلام. الركود والسلام الأخير، هو المطلب الأعلى "النرفاني" وهو الباعث على نظرة تشاؤمية جداً في الحياة، تطلب من الإنسان أن يشيح بوجهه عن الحياة وعن مطالب الحياة ويتجه نحو الفناء.

                                من هذه الناحية، نحن لسنا شرقيين، لسنا نرفانيين، ولا نتجه في حياتنا نحو الفناء بل نتجه نحو البقاء.

                                نحن لا نقول إن الحياة كلها ألم وتعب وإن الغاية العظمى هي التهرب من الحياة ومتاعبها ومصاعبها.

                                نحن نقول بأننا كفؤ، نقول بأننا أكفاء للاضطلاع بالحياة ومتاعبها وأن لنا المقدرة على حمل أتعابها بسرور عاملين بتقدم نحو الفلاح، نحو التغلب، نحو المقدرة، لا نحو الفناء ونحو الخضوع ونحو التلاشي.

                                هذا الموضوع عرض في كتابي "الصراع الفكري في الأدب السوري" أريد أن أقرأ لكم بعض مقاطع منه لتروا الصورة الواضحة للموضوع (هنالك كلام ورد لمفكر مصري هو حسين هيكل باشا). أقول في تعليقي على هذا الكلام في الكتاب:

                                "هي أول محاولة للانتقال من الغموض إلى الوضوح ومن التعميم إلى التخصيص ومن السلبية إلى الإيجابية ولكنها محاولة غامضة، متخبطة، مطلقة، مستبدة. ففيها ينظر هيكل إلى الفن من زاوية "الشرق والغرب" ويحدد الشرق بكلام لا تحقيق فيه لتاريخ "الشرق" الذي يذكره ولا لفلسفة ذلك التاريخ ولا للمحمدية نفسها التي طبعها، استبداداً، بهذا الطابع الجزئي، وكان الأفضل أن لا يحاول تجريدها من خصائصها العملية في مادية حياة البيئة التي نشأت فيها".

                                لأنه من المعلوم أن الذي يتداوله الكتاب والمفكرون أن من الصفات الممتازة في الدين المحمدي أنه عملي والعملي ليس الذي يتجرد من الحياة ويطلب الفناء في وحدة الوجود.

                                "أما تحديدية المثال الأعلى للشرق كله، مدخلاً فيه العالم العربي كله فهو من التحديدات الاستبدادية الضيقة، التي تكون أكثر قبولاً عند عامة المتعلمين وعند قليلي التعمق من خاصتهم، نظراً لبساطتها وقلة ما تطلبه من إنعام نظر وجهد في التفكير. ولكنها ليست مما يمكن العقل الفلسفي الأساسي الاطمئنان إليه وقبوله مستقراً لتفكيره وشعوره. وكم يخالف هذا التفكير السطحي، المتمركز في تحديد التصور بالأمر الواقع، رأي الدكتور خليل سعاده في روحية الشرق الدينية إذ قال: "الدين في الشرقي قطعة من حياته. فهو يحسب الحياة وسيلة لتشريف الدين (تقوى الله والفناء الروحي في وحدة الوجود) لا الدين وسيلة لتشريف الحياة والسمو بها من مرتبتها الحيوانية إلى مرتبة روحانية تطهر الأخلاق وتهدم الفواصل غير الطبيعية القائمة بينه وبين أخيه في الوطنية والبشرية".

                                في نظرنا إلى الدين من حيث ناحيته الروحية لا السياسية نحن نقول، إن الدين للحياة ولتشريف الحياة وليست الحياة للدين ولتشريف الدين.

                                نحن، كما قلت، قوة فاعلة في هذا الكون. وإذا كان الله قد خلقنا وأعطانا مواهب فكرية أعطانا عقلاً نعي به ونفكر ونقصد ونعمل فهو لم يعطنا هذا عبثاً.
                                لم يوجد العقل الإنساني عبثاً.
                                لم يوجد ليتقيد وينشل. بل وجد ليعرف، ليدرك، ليتبصر، ليميز، ليعين الأهداف وليفعل في الوجود. وفي نظرتنا أنه لا شيء مطلقاً يمكن أن يعطل هذه القوة الأساسية وهذه الموهبة الأساسية للإنسان.

                                العقل في الإنسان هو نفسه الشرع الأعلى والشرع الأساسي. هو موهبة الإنسان العليا. هو التمييز في الحياة، فإذا وضعت قواعد تبطل التمييز والإدراك، تبطل العقل، فقد تلاشت ميزة الإنسان الأساسية وبطل أن يكون الإنسان إنساناً وانحط إلى درجة العجماوات المسيرة بلا عقل ولا وعي.

                                سنة الله أو سنة الطبيعة هي التي لا يفعل فيها عقل مميز مدرك، وهذه للجمادات والعجماوات.

                                أما الإنسان فالله قد أعطاه القوة المميزة المدركة لينظر في شؤونه ويكيفها على ما يفيد مصالحه ومقاصده الكبرى في الحياة. فليس معقولاً إذاً أن يعطل الله نفسه هذه القوة بشرع أبدي أزلي جامد. لذلك كان العقل الإنساني، كان الإنسان، كان المجتمع الإنساني حراً بإرادة الله، حراً بإرادة المصدر الذي نشأ عنه لكي يسير نحو ما هو الأفضل، ليقرر بذاته ما هو الأفضل في حياته. ليسير بقوة تمييزه وإدراكه نحو ما هو الأفضل ليقرر من ذاته وبذاته ما هو المصير الأفضل في حياته.

                                والدين نفسه إذ يجعل قاعدة الحساب يوم الحشر أو يوم الدينونة، هو نفسه يقر هذا المبدأ، مبدأ أن يختار الإنسان بملء حريته اتجاهه والمصير الذي يريده لنفسه.

                                من هذه الوجهة نرى أن لنا نظرة خاصة ليس فقط في الدين من حيث هو سياسي، من حيث هو مؤسسات، وليس فقط في هذه الناحية بل في الدين أيضاً من حيث هو اتجاه ديني ونظرة إلى الحياة والقيم في الكون.

                                ولذلك قلت في هذا الكتاب "الصراع الفكري في الأدب السوري" رداً على ما يقوله الكاتب السوري ميخائيل نعيمة، الذي صور النفسيتين الشرقية والغربية بهذه الصورة: "إن الشرق يستسلم لقوة أكبر منه فلا يحاربها والغرب يعتقد بقوته ويحارب بها كل قوة. الشرق يرى الخليقة كاملة لأنها صنع الإله الكامل. والغرب يرى فيها كثيراً من النقص ويسعى لتحسينها. الشرق يقول مع محمد: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". ويصلي مع عيسى: "لتكن مشيئتك". ومع بوذا يجرد نفسه من كل شهواتها. ومع لاوتسو يترفع عن كل الأرضيات ليتحد بروحه مع "الطاو" أو الروح الكبرى (تجنباً للألم طبعاً). أما الغرب فيقول: "لتكن مشيئتي". وإذ يخفق في مسعاه يعود إليه ثانية وثالثة ويبقى يعد نفسه بالفوز وعندما يدركه الموت يوصي بمطامحه لذريته". وفي اعتقاد نعيمة "أن فرسخاً مربعاً من بلاد الصين "الخاملة" يحوي من الجواهر أكثر من كل جزائر اليابان "الناهضة".
                                في تعليقي على هذا الكلام أقول:
                                "هذا كلام إذا أزلت منه زخرف التعبير الأدبي الشعري لم تجد فيه حقيقة واحدة غير جهل شؤون الحياة وتطورها منذ ظهر الإنسان على مسرح الطبيعة وجهل التاريخ وفلسفته. فالشرق "لعلة طبيعية" على الأرجح، حاول من قبل "تحسين الخليقة" كما حاول الغرب تحسينها من بعد. ولذلك نشأت الأديان في الشرق، أي لتحسين الخليقة. وقد "حسنت" الأديان الخليقة تحسيناً كبيراً، ولا شك. ولكنها عصت كل تحسين جديد نشأ بعد أحكامها، فأصحابها لا يقرون بمعرفة جديدة إلا مكرهين".

                                لو قال لهم نص ديني أن الشمس يمكن أن تقف أربعاً وعشرين ساعة حتى يمر يشوع بن نون يقولون هذا صحيح ولا يسلمون بأن الأرض تدور إلا بعد مقاومة وعناد وبعضهم لا يسلمون أبداً لأن ذلك يوافق النص الديني أن الشمس تدور ولو أعطوا ألف برهان ساطع على أن الأرض تدور وليس الشمس.

                                "وإذا كان عيسى السوري البيئة رمى إلى تأديب النفوس بقوله: لتكن مشيئتك، فهو أعلن الانتقاض على "المنزل" بالذهاب إلى "تكميل الناموس". ومحمد نفسه الذي نشأ في بيئة بعيدة عن التفكير بالقضايا الفلسفية الكبرى نطق بالوحي "ولكل أجل كتاب" فليس في سنّة المسيح ولا في سنّة الرسول، إذا أخذت كلها، ما يمنع "تحسين الخليقة" أو ما يرفضه. ولست أعتقد أن تعاليم بوذا ولاوتسو أنشئت بقصد منع التفكير في "تحسين الخليقة" ولكن العقلية الشرقية التي عجزت عن حل قيود الروح المادية بنظرة إلى الحياة والكون فاهمة، هي التي وقفت عند "أحكام" الفلسفات الدينية وتعليلاتها الافتراضية المستندة إلى قوة أكبر منها حددتها تلك الفلسفات تحديدات متباينة جعلت الخالق الواحد "ينزل" تعاليم غير واحدة فيما يختص بالحياة الإنسانية ضمن الوجود وقبل "الفناء في وحدة الوجود".

                                "اختار ميخائيل نعيمة التكلم على "الخليقة" و "تحسينها" ليضع القارئ أمام الاصطلاح. وكلامه كلام أديب لا كلام فيلسوف أو عالم أو فنان. وها الصين تترك اليوم "جوهر" الخمول لتأخذ "بعرض" النهوض وليس يعني ذلك زوال القواعد الصالحة من تعاليم لاوتسو.
                                اختار ميخائيل نعيمة التكلم على "الخليقة" و "تحسينها" ليضع القارئ أمام الاصطلاح. وكلامه كلام أديب لا كلام فيلسوف أو عالم أو فنان. وها الصين تترك اليوم "جوهر" الخمول لتأخذ "بعرض" النهوض وليس يعني ذلك زوال القواعد الصالحة من تعاليم لاوتسو.

                                مما لا شك فيه أن نفسية الذين يذعنون لكل "ما كتب الله أن يصيبه" ترى في هذا الإذعان أجمل المثل العليا وأحبها وأفضلها. وسواء أكانت هذه النفسية شرقية أم غربية، فهي نفسية لها مصيرها وهو غير مصير النفسية التي لا تقبل بما هو دون "ما يكتبه الله" للذين يعملون بالمواهب التي أعطاهم".

                                حتى المسيح جاء لتكميل الناموس، كان المسيح يقول إنه يريد أن يكمل الناموس، وهذا يعني أن السنة التي أعطاها الله لموسى كانت ناقصة وجاء المسيح ليكملها وفي العمل لتكميلها قد نقض بالفعل كثيراً مما جاء ليكمله نقضاً باتاً.

                                "ذهب إلى تكميل الناموس"، "أتيت لأكمل الناموس" و "لكل أجل كتاب".

                                إن الفناء في وحدة الوجود يعني مصيراً واحداً هو مصير الإذعان والاستسلام، مصير ابتغاء الفناء في وحدة الوجود والهرب من الحياة إلى النرفانا هو عمل بغير "المواهب التي أعطاهم".

                                ما كتب الله هو الواقع أو المفعول وليس هو القصد ولذلك استعملت فعل كتب بالمضارع وليس بالماضي.

                                إن الذين يستسلمون للواقع كما كتب الله. لهم مصيرهم.

                                ولكن الذين يعملون بالمواهب التي أعطاهم الله غير مستسلمين إلى أمر مفعول لا رأي ولا إرادة لهم فيه، هؤلاء لهم مصير هو مصير أن يكتب الله لهم ما استحقت مواهبهم.

                                إن صوفية نعيمة الهدامة التي أبرزها في إحدى خطبه في بيروت سنة 1933 أو 1932 بقوله: "إن القوة هي في الأمم العاجزة "المستغنية" عن التسلح (وإن يكن استغناؤها قهراً أو كرهاً) وإن الضعف هو في الأمم المستكثرة من آل الحرب" قد نبذتها سورية ولا تفكر في جعلها مثالاً أعلى لها.

                                ميخائيل نعيمة يقول إن استسلامنا، عدم طلبنا أن نجيش الجيوش وأن نتسلح وأن نهب لتحقيق مثلنا العليا هو القوة بذاتها، إن عدم إمكاننا ذلك هو القوة.

                                أما إمكان الأمم الكبرى العظمى التسلح وبناء الأساطيل والمعدات والاختراع والاكتشاف في الكيمياء والفيزياء والطب، إن كل ذلك مع العناية بتسلحها يدل على الخوف والجبن والضعف.

                                ويظهر أن الأستاذ نعيمة لم يصل إلى معرفة هذه الحقيقة السطحية التي تظهر في التعابير الاعتيادية (الما عندو شي ما بيخاف على شي).

                                نحن إذاً قوة فاعلة لها مقاصد في الحياة وهذه المقاصد لا يمكن أن تحدد أو أن تحور إلا إذا كنا غير أهل للاضطلاع بها، وعدم أهليتنا تكون بالاستسلام بطلب الفناء الروحي بطلب الهرب من الحياة. بالنظر إلى الحياة كآلام مرة وشقاء وتعب. وإن الغاية العظمى الكبرى هي الهرب منها إلى الموت، إلى الموت الأبدي الهانئ، إلى النرفانا التي هي الخلاص الأخير من العذاب، والتعب والشقاء، التي هي كل الحياة وكل ما في الحياة.

                                نحن لسنا مستسلمين. نرى في الحياة متاعب ونرى أننا قادرون على حمل المتاعب والانتصار عليها.

                                نحن نحمل المتاعب، لا ننوء ولا نرزح بها، ننتصر عليها ونخرج إلى مرح وانشراح في الحياة إلى تحقيق للوجود، الذي لا يمكن أن يكون عبثاً أو وهماً، للذهاب إلى وجود وهمي مفترض هو التعويض الوحيد عن العجز عن تحقيق الحياة في الوجود.

                                نحن لا نطلب التعويض. نطلب الحقيقة بذاتها وهذه الحقيقة هي حقيقة انتصار النفس السورية على كل ما يعترض سبيلها في تحقيق نفسها، تحقيق مثلها العليا، تحقيق مقاصدها الكبرى.

                                المبدأ الثاني يقول: "منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين".

                                وترون من هذا النص أنه متابع للمبدأ الأول فيما اختص خاصة بالناحية السياسية الحقوقية والقضائية.

                                شرح المبدأ: "الحقيقة أنه ليس لهذا المبدأ صفة مجردة عن المبدأ السابق ولم يكن لزوم لوضع معناه في مادة مستقلة، لولا ما ذكرناه من محاولة المؤسسات الدينية الاحتفاظ بصفة السلطة المدنية، أو اكتساب هذه الصفة. حتى بعد وضع مبدأ فصل الدين عن الدولة موضع التنفيذ".

                                لأن المؤسسة الدينية بعد أن تجد نفسها أمام القانون تحاول أن تؤول القانون وأن تكتسب ما يعوض لنفوذها عما خسرته بنص القانون وبحالة نظام الدولة.

                                "والمقصود منه هو وضع حد لتدخل المؤسسات الدينية مداورة (غير مباشرة) في مجرى الشؤون المدنية والسياسية وبسط نفوذها بقصد تحويل سياق الأمور ليكون في مصلحتها.

                                إن هذا المبدأ يعين ما يفهم من فصل الدين عن الدولة لكي لا يبقى المعنى حائراً معرضاً لتأويلات غير صحيحة فالإصلاح يجب ألا يقتصر على الوجهة السياسية وأن يتناول الوجهة الحقوقية ــ القضائية أيضاً.

                                إن الأحوال القومية المدنية والحقوقية العامة لا يمكن أن تستقيم حيث القضاء متعدد أو متضارب ومقسم على المذاهب الدينية الأمر الذي يمنع وحدة الشرائع الضرورية لوحدة النظام.

                                لا بد، للدولة القومية الاجتماعية، من وحدة قضائية ــ وحدة شرعية. وهذه الوحدة، التي تجعل جميع أعضاء الدولة يحسون أنهم متساوون أما القانون الواحد، هي أمر لا غنى عنه.

                                لا يمكن أن تكون لنا عقلية واحدة ونعمل بمفاهيم مختلفة متنافية مع وحدة المجتمع".

                                قد يقول قائل إن الدين، اليوم، مفصول عن الدولة في لبنان أو في بقية الدول السورية ولا يوجد بابا ولا خليفة يأمر الآن. لكن الشرائع والقضاء لا تزال قضاء وشرائع دينية وكل دين له وجهة خاصة في تفسير الأحوال والمعاملات بين الناس، وله وجهة خاصة في النظر إلى الحقوق، فينشأ من ذلك عقليات جماعات متضاربة في النظر إلى الحقوق بالنظر إلى مبادئ الحق والشرع الأساسي وأخيراً متضاربة بالعقلية التي تفهم الحياة وسير الحياة الإنسانية.

                                فإذا ظل القضاء بيد رجال الدين ، هم يحكمون في المعاملات، يصرفون الأمور لا يمكن أن تنشأ وحدة عقلية، وحدة نظر واحدة في القضايا السياسية الحقوقية في الشعب الواحد، وهذا من أصعب صعوبات توليد الوحدة القومية الصحيحة.

                                ولذلك ومن أجل تحقيق الوحدة القومية يجب منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين.

                                في السياسة كم نرى البطريرك والمفتي والشيخ والسيد منهمكين في السعي في الانتخابات، لوظائف المصالح الدنيوية أكثر من انهماكهم في الأمور الدينية الروحية العلوية. وبهذا نجد الدين قد انحط بهذه الطريقة.

                                فإذا منعنا رجال الدين من التدخل في شؤون القضاء والسياسة، ساعدناهم على رفع منزلة الدين وعلى احترامه.

                                يتبع ذلك المبدأ القائل: "إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب".

                                ليس من ضروريات الإيمان مثلاً أن يعتقد الأرثوذكسي أن الكاثوليكي هرطوقي ولا من ضروريات الدين أن يعد السني العلوي كافراً أو بالعكس.

                                "إن في أمتنا تقاليد متنافرة مستمدة من أنظمة مؤسساتنا الدينية والمذهبية كان لها أكبر تأثير في إضعاف وحدة الشعب الاجتماعية والاقتصادية وتأخير نهضتنا القومية الاجتماعية. وما دامت هذه الحواجز التقليدية قائمة تذهب دعواتنا إلى الحرية والاستقلال صيحات ألم وتأوهات عجز. إنه لا يحسن بنا أن نعرف الداء ونتجاهل الدواء. نحن السوريين القوميين الاجتماعيين لا نفعل كالدجالين، الذين يدعون إلى الاتحاد ويجهلون روابط الاتحاد وينادون بالوحدة ولا يقصدون منها سوى غرض في النفس.

                                كل أمة تريد أن تحيا حياة حرة مستقلة تبلغ فيها مثلها العليا يجب أن تكون ذات وحدة روحية متينة".

                                وهذه الوحدة الروحية المتينة لا يمكن أن تكون بواسطة "روحيات" دينية متعددة بل بواسطة روحية واحدة، بواسطة نظرة واحدة إلى الحياة والكون والفن بواسطة مقاييس ومفاهيم واحدة، بواسطة مقاييس وإرادات ومصالح في الشعب الواحد في الأمة الواحدة.

                                وما معنى الأخوة القومية حين أقول لك أنت أخي وأحرمك بالفعل من حقوق الأخوة معي؟

                                وكيف يمكن أن يكون للأخوة معنى مع الحرمان للإخوة؟

                                كيف يمكن أن يكون الشعب واحداً مع أن فئة كذا لا يمكن أن تختلط مع فئة كذا أو كذا؟؟

                                أليس هذا إيثاراً للشعور بالفوارق في الأمة؟ وكيف نكون أمة واحدة وأعضاؤها يشعرون بالفوارق بين فئة وفئة بين جماعة وجماعة أخرى؟؟ لا يمكن أن يوزع شيء بالتساوي على العموم بل يقال لهذه الفئة كذا ولتلك الفئة كذا.

                                "يجب أن نقف في العالم أمة واحدة، لا أخلاطاً وتكتلات متنافرة النفسيات.

                                الحواجز الاجتماعية ــ الحقوقية بين طوائف الأمة تعني إبقاء داء الحزبيات الدينية الوبيل".

                                وقد ضربت لكم مثلاً في حديث سابق كيف يذهب المجهود الطائفي عبثاً، كيف أن ثورة الدروز 1925 لم يمكن أن تتحول إلى ثورة سورية اجتماعية لأن بقية الطوائف وقفت تتفرج عليها وتقول (يضربوا ببعضهم).

                                "فيجب تحطيم الحواجز المذكورة لجعل الوحدة القومية حقيقة ولإقامة النظام القومي الاجتماعي الذي يهب الأمة الصحة والقوة".

                                وإذا عدت في الأخير إلى النظرة الروحية في الأمور، إلى تعبير قلته في خطاب في أميون الكورة 1937: "إن العالم قد شهد في هذه البلاد أدياناً تهبط إلى الأرض من السماء أما اليوم فيرى ديناً جديداً من الأرض رافعاً النفوس بزوبعة حمراء إلى السماء".

                                نحن في هذا المعنى لنا نظرة دينية يجب أن نفهمها.

                                من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                                في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                                كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                                سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                                نعم للأسد ...
                                احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                                Comment


                                • #17
                                  رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                                  Click image for larger version

Name:	1000242-1.jpg
Views:	1
Size:	42.5 KB
ID:	1318095

                                  المحاضرة الثامنة

                                  في 14 آذار 1948


                                  تكلمت في الاجتماعات الماضية عن المبدأ الإصلاحي الأول القائل "فصل الدين عن الدولة" وعن المبدأ الإصلاحي الثاني القائل "منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين" وعن المبدأ الإصلاحي الثالث القائل "إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب".

                                  ننتقل اليوم إلى المبدأ الإصلاحي الرابع "إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة".

                                  نتابع الشرح المنصوص:

                                  "هل في سورية إقطاع ونظام إقطاعي؟ لا ونعم. لا، لأن الإقطاع غير معترف به قانونياً. ونعم، لأن في سورية، في جهات متفرقة، حالة إقطاعية من الوجهتين الاقتصادية والاجتماعية. إن في سورية إقطاعيات حقيقية تؤلف جزءاً لا يستهان به من ثروة الأمة ولا يمكن بوجه من الوجوه حسبانها ملكاً شخصياً، ومع ذلك فهي لا تزال وقفاً على "بكوات" إقطاعيين يتصرفون بها أو يهملونها كيفما شاؤوا مهما كان في ذلك من الضرر للمصلحة القومية. ومنهم فئة تهمل هذه الإقطاعات وتغرق في سوء التصرف بها إلى حد يوقعها في عجز مالي ينتهي بتحويل الأرض إلى المصارف الأجنبية، الرسمال الأجنبي. البلوتكراطية الأجنبية، والحزب السوري القومي الاجتماعي، يعتبر أن وضع حد لحالة من هذا النوع، تهدد السيادة القومية والوحدة الوطنية، أمر ضروري جداً.

                                  إن هذه الإقطاعات كثيراً ما يكون عليها مئات وألوف من الفلاحين يعيشون عيشة زرية في حالة من الرق يرثى لها. وليست الحالة التي هم عليها غير إنسانية فحسب، بل هي منافية لسلامة الدولة بإبقائها قسماً كبيراً من الشعب العامل والمحارب في حالة مستضعفة، وخيمة العاقبة على سلامة الأمة والوطن، فضلاً عن إبقائها قسماً كبيراً من ثروة الأمة في حوزتها وفي حالة سيئة من الاستعمال. إن الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يستطيع السكوت على هذه الحالة".

                                  قد يتبادر إلى ذهن القارئ من قراءة هاتين الفقرتين بعض أسئلة: مثلاً سلامة الدولة؟ سلامة الدولة في بحث حالة اقتصادية؟ أية دولة هي هذه الدولة؟

                                  الدولة هنا هي الدولة القومية فقط. الدولة التي يصح القول فيها أنها قومية تشمل المجتمع القومي كله، ذا الدورة الاقتصادية الكاملة التامة. الدولة التي تمثل مصالح شعب تام كامل وليست الدولة هنا أية حكومة من الحكومات، ولدت في ضرورة معينة أو شاذة غير قائمة على أساس تمثيل مصالح معينة والتعبير عن إرادة مجتمع موحد وشعب واحد.

                                  نحن نعتقد أن النظام السياسي الذي نحيا فيه ليس نظاماً قومياً بالمعنى الصحيح.

                                  نحن نعتقد أن درساً اقتصادياً صحيحاً من الوجهة القومية على أساس نظام سياسي لا قومي صحيح هو درس عقيم لا يمكن أن يعطي نتائج صحيحة. ولكن يمكننا أن نتمثل، نتصور الدولة القومية وأن نتصور لها النظام الاقتصادي الذي يكون قوتها الفاعلة ويعطيها الموارد ويعطيها المصالح العامة الكاملة التي تكون متممة لها، وقائمة بتنظيمها لتأمين الخير وحصول الخير في أحسن حالات العدل للمجتمع كله.

                                  وواضح أن دولة من هذا النوع يجب عليها أن تنظر في حالة المجتمع الاقتصادية وفي النظام الاقتصادي الذي يوفر الاستقرار والطمأنينة والارتقاء وزيادة الخير. وحينئذ لا بد من النظر في الحالة العامة في الشعب.

                                  وفي مثل هذه الحالة ننظر إلى المساحات الواسعة من الأرض التي نسميها سورية الطبيعية. نجد فيما نجد، الحالة الاقتصادية غير المعترف بها قانوناً والنافذة عملياً (Defacto).

                                  وكما رأيتم من هذا الشرح أن هذه الحالة تمثل تأخراً عظيماً من الوجهة الاقتصادية بالمعنى القومي، لأنها تضع مساحات واسعة من الأرض في أيد فردية غير شاعرة بالمصلحة القومية والترابط القومي الاقتصادي، يتصرف الفرد بهذه المساحات من الأرض وفاقاً لنظرة فردية محض، بصرف النظر عن أي فكرة اجتماعية أو معنى أساسي عام.

                                  ومن هنا ينشأ إجحاف للبلاد وإجحاف بفئات من الناس تعمل في الأرض تحت سيطرة وسلطة مطلقة من الإقطاعي الذي، وإن لم يكن معترفاً به إقطاعياً قانونياً، فإن الامتيازات التي يتمتع بها تجاه الحكومة وتجاه الشعب تجعله ذا سلطة مطلقة يتصرف بالناس في إقطاعه تصرف المالك في ملكه أو السيد في عبيده.

                                  يظن البعض أن هذه الحالة ليست موجودة في لبنان المترقي وأنها موجودة فقط في بعض المناطق الداخلية، وهذا غير صحيح فهذه الحالة ممثلة في لبنان تمثيلاً محزناً جداً.

                                  قصّ عَليَّ أحد صناع التبغ سابقاً الذين أزالت معاملهم اتفاقية "الريجي"، قَصّ عليّ كيف كان يتجول في جهات جبل عامل لابتياع التبغ وكان يحتاج إلى الإقطاعي هناك ليرسل "زلمته" معه ليسهل له البيع بالأسعار المفروضة التي يأخذ عليها الإقطاعي ما يرى هو أنه يجب أن يأخذ عليها.

                                  فإذا لم يكن له صلة بالإقطاعي ولم يمكنه أن يرضيه، لم يمكنه مطلقاً أن يتعامل مع الفلاحين المنتجين رأساً.

                                  الحالة الإقطاعية موجودة حتى في لبنان. ويوجد ألوف وألوف من الناس يئنون من وطأتها، ومع أن الإقطاع لم يعد موجوداً قانوناً، لم يعد هنالك إشراف بالمعنى الصحيح. ولكن كل النتائج العملية لذلك النظام البائد لا تزال فاعلة في مجتمعنا. فالإقطاع موجود ويجب إزالته ليتحرر عدد كبير، جزء هام من الشعب، تحريراً اقتصادياً وتحريراً نفسياً وسياسياً أيضاً.

                                  "أما تنظيم الاقتصادي القومي على أساس الإنتاج فهو الطريقة الوحيدة لإيجاد التوازن الصحي بين توزيع العمل وتوزيع الثروة. كل عضو في الدولة يجب أن يكون منتجاً بطريقة من الطرق".

                                  الإنتاج هو الأساس الهام للاقتصاد القومي. وبدون الإنتاج لا يمكننا مطلقاً التفكير برفاهية الشعب.

                                  إذا كانت الثروة قليلة والناس كثر لم تفد الناس كثيراً توزيع كمية قليلة عليهم، بالكاد تسد رمقهم.

                                  لذلك كان الإنتاج مقصداً رئيسياً من مقاصد التفكير في الدولة القومية. وعلى أساس الإنتاج فقط يمكن النظر في إيجاد العدل الاجتماعي الحقوقي بين الذين يشتركون في الإنتاج.

                                  "وفي حالة من هذا النوع يتوجب تصنيف الإنتاج والمنتجين بحيث يمكن ضبط التعاون والاشتراك في العمل على أوسع قياس ممكن وضبط نوال النصيب العادل من النتاج، وتأمين الحق في العمل والحق في نصيبه.

                                  يضع هذا المبدأ حداً للتصرف الفردي المطلق في العمل والإنتاج، الذي يجلب أضراراً اجتماعية كبيرة، لأنه ما من عمل أو إنتاج في المجتمع إلا وهو عمل أو إنتاج مشترك أو تعاوني".

                                  يوجد أشياء قليلة في العالم يمكن أن يتناولها الناس بدون أي مقابل. منها الهواء والشمس مثلاً. هذه منافع في متناول كل فرد وكل فئة من الناس. يتناولها رأساً من الطبيعة بدون أي مقابل من عمل أو إنتاج. ولكن حتى هاتين المنفعتين أصبحتا في عالم تمدننا وفي كبر المدن واتساعها غير مؤمنتين في حالتهما الطبيعية. صارتا مغشوشتين تقريباً ولذلك يحتاج ساكن المدينة إلى الذهاب إلى مكان يشعر فيه بالهواء الطلق مثلاً. ولذلك نتكلم عن أماكن يوجد فيها هواء طلق وعن أماكن لا يوجد فيها هواء طلق. وأحياناً يكلف الوصول إلى المناطق التي يوجد فيها الهواء الطلق بعض المقابل.

                                  إذاً كل شيء آخر هو نتيجة عمل الإنسان. وهكذا نعود أيضاً إلى الإنتاج. الإنسان يجب أن ينتج وكلما ازدادت مطاليبه وحاجاته ازدادت حاجته إلى الإنتاج.

                                  والإنتاج، أساساً، هو المفتاح للقضية الاقتصادية كلها. بدون الإنتاج لا يمكننا أن نحل مشكلة واحدة من مشاكل الاقتصاد في مجتمعنا.

                                  كان الإنتاج قديماً يقوم على عمل واحد (فرد) أو عمل عائلي، يحاول "الفرد" بواسطته أن يصل إلى حاجاته الأولية، يعمل هو أو عائلته بنظام فردي ظاهر يقيمه لنفسه ويختار فيه نوع العمل، ولا يفكر إلا بالمحيط الصغير الذي هو ضمنه، ويعمل كاداً على هذا الأساس.

                                  في تلك الحالة كان الاقتصاد شيئاً لا قومياً، فردياً، ومحيطه المجتمع. داخل المجتمع كان نظام الاقتصاد النظام الفردي الذي يبقى فيه الإنتاج ضمن المجتمع عينه ولا يخرج خارج المجتمع إلا بتصرفٍ يقوم به الفرد صدفة.

                                  هذه الحالة، حالة الاقتصاد الفردي، قد زالت إلا من المجتمعات أو الجماعات المتأخرة التي لم تساهم في حالة التمدن. وقصدنا هنا التمدن العصري بعد نشوء الآلة الحديثة التي سببت ما يسمونه الثورة الصناعية.

                                  في الإنتاج الفردي لم تكن هنالك حاجة إلى نظر الدولة. لم تكن هنالك دولة قومية بالمعنى الصحيح ولم تكن هنالك حاجة إلى النظر في نظام اقتصادي، يمكن أن يشرع له الشرع أو يجب أن تسن له القوانين. الحالة التي تتوجب ذلك هي حالة الاقتصاد الاجتماعي أو القومي الاجتماعي، الذي يعني الإنتاج والتبادل الخارجي، وليس التبادل الداخلي.

                                  التبادل الداخلي يتم ليس فقط في مدينة واحدة كبيروت، التبادل الداخلي يتم بين عدة مدن وقرى ومناطق.

                                  يمكننا مثلاً أن نضرب نطاقاً حول منطقة معينة ونقول هنا دولة قومية وكل ما خرج من ضمن هذا النطاق إلى الخارج عد تبادل علاقات، تبادلاً خارجياً، وكل ما ظل ضمنه كان تبادلاً داخلياً.

                                  إن التبادل بين بيروت ودمشق لا يمكن أن يكون تبادلاً خارجياً وليست له صفة الاقتصاد القومي لكل واحدة من هاتين المدينتين.

                                  إن الاقتصاد القومي بالمعنى الصحيح هو نتيجة مجهود هاتين المدينتين هذين المركزين وبين مراكز أخرى تكون مجموعاً اقتصادياً يمكن لمجهودها مجموعة وإنتاجها المجموعي أن يتبادل مع الخارج، ويسمى تبادلاً خارجياً، بالمعنى الصحيح.

                                  لذلك أرى أن الكلام على الاقتصاد القومي في دولة كدولة لبنان مثلاً غير ممكن إلا إذا وضعنا المقاييس الاقتصادية المحض مكان المقاييس الاقتصادية السياسية.

                                  تكلمت في اجتماعات سابقة عن وحدة سورية الاقتصادية وخصوصاً الزراعية فإذا عاد الذين سمعوا الكلام بالذاكرة إليه أمكنهم أن يدركوا إدراكاً صحيحاً ما عنيت عن وحدة سورية الاقتصادية وعن الاقتصاد القومي الذي لا يمكننا التفكير بأي نتيجة اقتصادية متقدمة للشعب إلا على أساسه، والذي بدون النظر إليه ككل واحد نظل نتخبط في مشاكل اقتصادية لا نصل معها إلى نتيجة.

                                  اليوم توجد مسألة على بساط البحث مسألة اتفاقية النقد التي انفرد بها لبنان مع فرنسة. إن النظر في هذه الاتفاقية مثلاً يرينا أن وضعها خرج عن كل الأصول الاقتصادية بالمعنى الصحيح أي معنى الاقتصاد القومي. وإني أميل إلى الاعتقاد أن معاهدة أو اتفاقية من هذا النوع خضعت بذاتها أو أفادت إلى حد كبير مصلحة سياسية اقتصادية أجنبية.

                                  إني أميل إلى الاعتقاد من الوجهة السياسية أن حاجة بريطانية إلى إرضاء فرنسة من أجل اكتسابها نهائياً في تأييد جبهة غربي أوروبة هو أحد العوامل التي عملت على تشجيع وتحقيق السير في اتجاه نحو اتفاقية من هذا النوع.

                                  إن فرنسة لم تخرج من سورية برضاها. إنها خرجت مكرهة تاركة في هذه البلاد وخصوصاً في لبنان مصالح اقتصادية وسياسية وحربية أيضاً يعز عليها كثيراً تركها بتاتاً والتفكير أنها قد أفلتت من يدها إلى الأبد.

                                  لنترك باب السياسة ولنتجه نحو باب الاقتصاد.

                                  إني لا أعتقد أن اتفاقية النقد يجب أن ينظر إليها من وجهة النقد، كمسألة مالية محض. إن اتفاقية من هذا النوع تفتح مسألة، هل يوجد للجمهورية اللبنانية أساس اقتصادي صحيح. وإذا أدى الانفصال النقدي بين لبنان والشام إلى انفصال اقتصادي صحيح تام، فما مستقبل الجمهورية اللبنانية الاقتصادي وعلى أي أساس يقوم؟؟

                                  سمعت بعض المتكلمين الذين يحسبون أنفسهم من الخبراء ويتكلمون بتواضع الخبراء، سمعت بعضهم يقول أن لبنان يستغني عن الشام بالمرة وأن أساس الاقتصاد فيه يمكن أن يقوم على مسألتين:

                                  الأولى تحويل لبنان إلى وحدة اصطياف (سويسرانية) وتحويله من الجهة الأخرى إلى مرفأ حر للتجارة.

                                  سألت الذي أعطاني هذه المبررات، وكلفته أن يريني كيف يمكن أن يحول مصيفاً واحداً من المصايف اللبنانية إلى مصيف سويسراني؟ مثلاً ضهور الشوير التي هي مصيف متقدم في مصايف لبنان. إذا أراد أن يحول هذا المصيف إلى طراز سويسراني. ما هو المشروع؟ وكم يحتاج من المال إلى تحقيقه؟ وكم نحتاج من الوقت؟ طلبت إليه أن يضع مشروعاً عملياً يصور فيه كيف سينقل ضهور الشوير من مصيف لبناني على مستوى الحالة في لبنان إلى مصيف على مستوى الحالة في سويسرا. وأن يبين كم يحتاج تحقيق هذا المشروع إلى مال ووقت، ومن أين يأتي بالمال؟ من رؤوس أموال أجنبية أو في البلاد؟ وما هي العائدات الحقيقية التي تحصل حالما يتم تحويله إلى مصيف سويسراني؟؟ ويمكنه أن يضع مشروعاً لتحويل كل المصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية، لكن يجب أن يضع بالأرقام من أين يأتي بالمال وكم المال اللازم لتحويلها إلى طراز حديث عصري؟ كم هي الأبنية التي يجب أن تزال من كل مصيف والطرق الحديثة التي يجب أن تشق والساحات والجنائن العمومية؟ ما هو الطراز الذي يجب أن يبني به البيوت والجنائن وكيف تسير الطرقات الخ الخ؟

                                  ثم بعد ذلك نصل إلى نقطة أخرى وهي: هل بعد تحويل المصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية سينتقل كل الذين يذهبون إلى سويسرا إلى لبنان؟ إلى المصايف اللبنانية؟ هل صاحب هذا المشروع أعد مشروع اتفاق مع دول مثل بريطانية والولايات المتحدة وغيرها لإخضاع المصطافين ليذهبوا فقط إلى الاصطياف في لبنان؟

                                  ثم إن مسألة تحويل المصايف لا تقتصر على مجرد تحويل الأبنية والشوارع. المسألة تتناول ناحية أخرى يميل الاقتصادي غير المتوسع النظر، إلى الاقتناع بالاستغناء عنها وهي الناحية الاجتماعية النفسية.

                                  إن تحويل المصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية لا يتم في نظري بتحويل المظاهر من أبنية وطرقات. يقتضي تحويل نفسية الشعب في لبنان إلى نفسية شعب سويسراني.

                                  فبأية مدة يقترح أصحاب مشروع ــ التحويل ــ ومن أين يأتون بالمال؟ وما هي النتائج الأكيدة وهل ستحدث الحرب المقبلة قبل أن يتم هذا التحويل أو بعده؟

                                  أما المرفأ الحر فلست أرى فيه أي أساس اقتصادي لشعب ولا أي أساس اقتصادي لدولة.

                                  إن مرفأ حراً في ظروف كظرفنا في الجمهورية اللبنانية يعني شيئاً واحداً هو تحويل لبنان إلى مستودعات للرسمال والإنتاج الأجنبي الذي لا يعطي الشعب في لبنان غير شيء قليل جداً مما كان يمكن أن يكون في غير هذه الحالة.

                                  إن مسألة مرفأ حر مسألة تقتضي درساً طويلاً وتتطلب مسائل طويلة جداً. يجب أن لا يبت في هذه المسألة قبل النظر في كل التفاصيل المتعلقة بها.

                                  وإذا حصلت القطيعة الاقتصادية بين لبنان والشام، أصبح هنالك أمر يجب مواجهته وهو الاقتصاد للشعب في لبنان وهل يمكن في حالة من هذا النوع أن يتكون في لبنان رسمال لبناني مستقل؟ وعلى أي شيء يجب أن يعمل هذا الرسمال؟ وماذا ينتج؟ وفي أية أسواق يمكن أن يبيع؟

                                  إن تحويل المصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية إذا تمكن من جلب بعض المصطافين من أوروبة إلى لبنان فإنه يقطع المصطافين الذين يطلبون الاصطياف الرخيص. لأنه متى تحول الاصطياف في لبنان إلى اصطياف فخم صار الاصطياف غالياً لا يمكن المصطاف العادي أن يدفع مقابله.

                                  كذلك من الوجهة الاقتصادية لا يمكن في حالة خطة اقتصادية أن ينشأ في لبنان معامل لا تنشأ في الشام أو غير أماكن لأنه في حالة القطيعة الاقتصادية لا يمكن للإنتاج اللبناني أن يبيع في الشام بحرية. ولا يوجد في لبنان موارد تستحق الذكر ليست موجودة إلا فيه، في هذه المنطقة اللبنانية، فإذا أنشئ معمل حرير مثلاً في لبنان ينشأ معامل حرير في الشام فأين يبيع لبنان في حالة القطيعة؟..

                                  لا أعتقد أن الرسمال اللبناني يقدر أن يؤمن مناطق واسعة ويؤمن ويكتسح أسواقاً في الهند أو إيران أو غيرهما.

                                  إذاً العملية الاقتصادية، الاقتصاد كموضوع لأمة ولشعب لا يمكن أن ينظر إليه إلا بالمنظار القومي بمنظار المجتمع الموحد، الأمة التي هي وحدة جماعة ووحدة أرض، وحدة اقتصاد.

                                  نعود إلى الإنتاج بصرف النظر عن الأصول، عن الأحوال السياسية الاجتماعية.

                                  "لأنه ما من عمل أو إنتاج في المجتمع إلا وهو عمل أو إنتاج مشترك أو تعاوني. فإذا ترك للفرد الرسمالي حرية مطلقة في التصرف بالعمل والإنتاج، كان لا بد من وقوع إجحاف بحق العمل وكثير من العمال. إن ثروة الأمة العامة يجب أن تخضع لمصلحة الأمة العامة وضبط الدولة القومية. لا يمكن تنمية موارد القوة والتقدم في الدولة إلى الحد الأعلى إلا بهذا المبدأ وهذه الطريقة".

                                  إن دولة قومية اجتماعية كالتي يريد تأسيسها الحزب السوري القومي الاجتماعي هي الدولة التي يمكن أن يكون لها اقتصاد قومي صحيح واقتصاد سياسي. لنتصور هذه الدولة ويجب أن نتصورها، لأن بعض الشروح لا تصور الواقع في الدولة السورية القومية.

                                  نتكلم عن حق العمل وكثير من العمال. ونحن لم ندخل الطور الرسمالي الصحيح والصناعات الكبرى. إن أساس الاقتصاد لا يزال ضمن الحالة الزراعية.

                                  إن سورية لم تحول حتى الآن إلى بلاد صناعية يتركز فيها رسمال ضخم ويزداد تضخمه مع الوقت. إن شيئاً من هذا النوع قابل الحدوث، يمكن حدوثه، ويمكن أن نلاحظ له ابتداءات حتى الآن ويمكن أن نرى إذا لاحظنا كيفية سير الدول السورية الحاضرة، إن الرسمال الفردي يلعب دوراً هاماً في تقرير مصير المجموع ضمن هذه الدول وأن من أضلاع الاتفاقية النقدية مع فرنسة أيضاً حالة رسمالية بين لبنان والشام، حالة مصالح رسمال فردي محدود في لبنان ومصالح رسمال فردي محدود في الشام.

                                  وواضح جداً وصار ملموساً عند الذين يبحثون أنه يوجد مثلث في لبنان ومخمس في الشام فالمثلث والمخمس لهما المصالح الكبرى في كل أمر وإليهما تعود المنافع الكبرى من أية تسوية سرية اقتصادية في هاتين المنطقتين.

                                  الحالة في بلادنا لا تزال في بادئ الأمر بين الفرد والمجتمع بين الرسمال الفردي والمصير القومي.

                                  إنه نزاع إذا لم يكن قد اتخذ شكلاً وتكون في جبهات فلا بد أنه واصل إلى شيء من هذا.

                                  الفردية، خصوصاً في بلاد كبلادنا، لم تكن لها تربية قومية ولا وعي قومي ولم تتمكن أن توقظ شيئاً قومياً لا في طلبة المدارس ولا في فئة ولا في مجموع. ينشأ الفرد منا في حالة من هذا النوع غير شاعر إلا بمسائل وقضايا محدودة تختص بدائرته هو، مصيره هو، مهما كان مصير مجموع الأمة، مجموع الدولة أو الجماعة الكبرى.

                                  الرسمالي عندنا أشد الناس ابتعاداً عن الاهتمام بأية قضية قومية أو وطنية أو بأي مصير للجماعة القومية. إن تخطيطه تخطيط فردي محض والمصلحة مصلحة فردية محض ولذلك لا يحجم حتى عن التحالف مع أي رسمال أجنبي مجموعي ضد مصلحة المجموع الذي هو أحد أفراده.

                                  فالرسمال الفردي الآخذ في أن يزداد أمام أعيننا في هذه البلاد ويسيطر على مصير هذه البلاد والشعب، هو من أسوأ حالات الرساميل في العالم على الإطلاق.

                                  وطبعاً لكي يمكن أن ننظر في حالة العمل والعمال والرسمال يجب أن نصل إلى الطور الصناعي وإنّا بدون شك نرى أنه لا بد للدولة القومية المقبلة من أن تسير في إيجاد حالة صناعية في هذه البلاد تخرج الأمة من حالة الرق للنظام الرسمالي القائم على الصناعة الكبرى في الأمم الكبيرة المتقدمة.

                                  إن الأمة التي تبقى في حالة زراعية محض تبقى حتماً مستعبدة للأمة التي هي منظمة صناعياً، تنظيماً عالياً يمكنها من إحداث الآلات الصناعية والحربية لإخضاع أي شعب لا يخضع لأحكامها الاستبدادية.

                                  ولو كان تم الانتصار لألمانية في الحرب التي مضت كنا رأينا تكتيك التسلط على الجماعات القومية بأجمل وأقوى وأروع وأقبح صورة يمكن أن ترسم لها.

                                  إن اتجاه ألمانية هو أن تكون هي المركز الصناعي الأكبر الذي تحيط به مراكز زراعية محض تحرم باتفاقات انترنسيونية من حق إنتاج صناعي ثقيل، وأن تنصرف للزراعة بآلات ألمانية تعطيها بدلها المحصولات الزراعية.

                                  والأمة التي ليس فيها صناعة كيف تكون حالتها في أزماتها؟. مثلاً أزمة فلسطين، مرت حالة في طور فلسطين الأخير كانت شبه جنونية للشعب في فلسطين. كان الفلسطينيون يدورون في جميع المناطق يحملون المال الذي أخذوه من البيع أو التوفير طالبين أن يجدوا سلاحاً اعتيادياً بسيطاً يدفعون به غالياً جداً ليدافعوا عن أنفسهم فلا يجدون. ولا معمل واحد للبنادق أو الخرطوش أو (الطمي قن) كان يوجد في البلاد لسد حالة جزئية صغيرة. مثل هذه الحالة، كل حماس الشعب وجهود الشعب كانت تحت رحمة عدم وجود الآلة في هذه البلاد، ليس فقط في أحوال الحرب بل في أحوال السلم. إن هنالك آلات لمسائل السلم يمكن أن تصنع في هذه البلاد، وكانت دمشق من المدن الصناعية الكبرى في صنع السيوف وسقي الفولاذ ويمكنها أن تعود إلى الصناعات الحديثة أيضاً ومهارة السوري في الصناعة ليست أقل من مهارة أي شعب إذا استثنينا الفرق بالاختيار، والموارد للصناعة.

                                  قد لا نطمح في بلادنا إلى أن نصير أمة صناعية من الطراز الأول ولكن لا بد من إنشاء صناعة تنهض بها هذه البلاد وتسد قسماً كبيراً تحتاج لجلبه من الخارج لقاء قطع نادر أو ما تصدره إلى الخارج لأن الاقتصاد يجب أن يعني الازدهار وليس البقاء على الاستمرار في الحياة. إن الاقتصاد يجب أن يعني توفير إمكانيات التقدم والتمتع ورفع مستوى المصالح المادية والفنية والنفسية للشعب الواحد. وإذا كانت النظرة القومية الاجتماعية غير مبنية على الحالة الراهنة الآن فهي مبنية على القواعد والأسس التي ستواجهها الأمة متى أصبحت الأسس فيها محققة لأهدافها في القريب العاجل إن شاء الله.

                                  إن الحزب السوري القومي الاجتماعي يريد وحدة قومية متينة قوية، تثبت بها الأمة السورية في معترك الحياة والتفوق. وهذه الوحدة القومية لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اقتصادي سيئ كما أنه لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اجتماعي سيئ. فإقامة العدل الاجتماعي ــ الحقوقي والعدل الاقتصادي ــ الحقوقي أمر ضروري لفلاح النهضة السورية القومية الاجتماعية.

                                  نصل الآن إلى تحديد الإنتاج من وجهة ما نعنيه بالعدل الاجتماعي في توزيع الإنتاج من حيث يصون مصلحة العمل والأمة.

                                  بعد حصول وعينا القومي وبعد شعورنا بارتباط مصيرنا في الحياة ارتباطاً لا يمكن فصمه، لا مناص لنا من الاعتقاد بوحدة المصالح التي هي مصالح الأمة، مصالح الجماعة الكبرى، وليس مصالح فردية معينة للأفراد بأنفسهم.

                                  الإنتاج في حالة الوحدة القومية هو إنتاج قومي له موقف تجاه إنتاج قومي لأمم أخرى، ويحتاج إلى التفاعل معه من أجل تحقيق الخير والرفاهية المرغوب فيها، فلا بد من النظر إلى الإنتاج كشيء قومي، المصلحة فيه للشعب، للمجتمع، للأمة وليس للأفراد كأفراد.

                                  "إن الإنتاج المشترك هو حق عام لا حق خاص. والرسمال الذي هو ضمان استمرار الإنتاج وزيادته هو، بالتالي، وبما أنه حاصل الإنتاج، ملك قومي عام مبدئياً وإن كان الأفراد يقومون على تصريف شؤونه بصفة مؤتمنين عليه وعلى تسخيره للإنتاج".

                                  من هذا يعني أننا لا نرمي إلى إبادة الملكية الشخصية كملكية عملية ولا إلى أخذ الرسمال من أيدي الأفراد رأساً ونزع حق التصرف من أيديهم، ولكن يعني أن الأفراد الذي يتصرفون الآن بالرسمال تصرفاً فردياً يتصرفون به تحت إشراف الدولة لضبطه وتوفيقه لأنهم مبدئياً مؤتمنون عليه ائتماناً من قبل المجتمع يبقي لهم قوة الاستنباط والتفنن لإنتاج ما يشعرون بأنفسهم الكفاية لإنتاجه، ويتصرفون بحرية ضمن شروط تضعها الدولة. ولكن يكون من حق الدولة أن تنظم للأفراد وتحدد لهم وتسن القوانين اللازمة لضبط الإنتاج وتقسيم العمل وتوزيع الإنتاج الحاصل من العمل فلا يعود الرسمالي الفردي، من جهة حقوقية، حراً في أن يتصرف تجاه العمال وتجاه الذين يستأجرهم أو يستأجر منهم الأرض أو ما شاكل ويفعل ما تمليه مصلحته الفردية بصرف النظر عن مصالح المشتركين معه في الإنتاج والذين يجب أن يكون لهم حق في نصيب من الإنتاج.

                                  وهذا يعني أن الإقطاعات الكبيرة التي تظهر اليوم بمظهر ملك شخصي تحتاج إلى إعادة النظر من قبل الدولة فيها وإلى إعطائها اتجاهاً يحرر جماعة كبيرة من الناس ويعطيها المجال لتتحرر في نفوسها ولتعمل على أساس جديد يساعد على رفع مستوى حياتها والحصول على حياة أليق بالإنسان من الحياة التي يحياها اليوم. وهذا لا بد منه لأنه كما قلنا إن النظام الاقتصادي السيئ الذي يجعل مئات وألوفاً من الفلاحين في حالة من شظف العيش، في حالة من الجهل، في حالة من المرض والبؤس، لا يمكن لدولة عصرية من تثبيت نفسها في تنازع البقاء. إذا احتاجت الدولة إلى هؤلاء الألوف في حالة حرب مثلاً، وجدت أنها لا يمكنها أن تستند إليهم في الحرب فكيف تستند إلى رجل خمدت في نفسه عوامل الحياة وشوهته الأمراض وأقعده الذل ليكون بطلاً يحارب بكل قلبه وكل نفسه من أجل وطنه وأمته اللذين يجد فيهما تحقيقاً للحياة المثلى التي يريد ويطمئن أن يحياها.

                                  ولذلك يقول المبدأ "صيانة مصلحة الأمة والدولة"
                                  "وان الاشتراك في الإنتاج اشتراكاً فعلياً شرط الاشتراك في الحق العام".

                                  إني أرى أن غير المنتج لا يمكن أن يعامل معاملة المنتج ويأخذ نصيبه من الإنتاج. يجب أن يصير الجميع منتجين. يجب أن يعمل الجميع لنهضة صناعية زراعية اقتصادية قوية تفيض الخير على هذه الأمة والشعب. وبهذا العمل، وبهذا الإنتاج يمكن النظر في توزيع النصيب العادل للجميع ليحيوا الحياة اللائقة بالإنسان المتمدن الراقي.

                                  "بهذا التنظيم الاقتصادي نؤمن نهضتنا الاقتصادية وتحسين حياة ملايين العمال والفلاحين وزيادة الثروة العامة وقوة الدولة القومية الاجتماعية".

                                  للوصول إلى تحقيق هذه الحالة المثلى لا أريد أن أدخل الآن في تفاصيل دقيقة تحتاج إلى إحصاءات ودروس تصنيفية دقيقة سنعود إليها. ولكن نعلن منذ الآن أننا لا نرى النقابات وطريقة النقابات المتبعة طريقة للوصول إلى هذه الحالة المثالية التي نتوخى الوصول إليها.

                                  إن النقابات أصبحت في الأخير وتصبح تقريباً دائماً من وجهة نظر سياسية، معسكراً حربياً غايته دائماً الحرب وطلب المزيد من غير أي تقدير عقلي أو منطقي للنتائج.

                                  إذا أضربت نقابة وفازت بشيء، طلبت بعد مدة أن تحصل على مطاليب أخرى ولجأت حالاً إلى إضراب ثان إذا لم تجب إلى مطاليبها وقد يكون ما تطلبه النقابة أحياناً ضاراً بالمصلحة القومية الكبرى.

                                  حينئذ تحل نظرة النقابة الضيقة محل نظرة الفرد الرسمالي الضيقة غير ملتفتة إلى أي خير عام.

                                  النقابة لا يمكن أن تنظر فيما تحتاج إليه موازنة الدولة لمواجهة الحالات العصرية المعقدة. هي تطلب الزيادة كالطفل من غير أي تقدير لما يطلب، من غير تفكير فيما يطلب.

                                  ففي حالة حسنة يبقى العدل الإنساني والحقوقي في نصابه.

                                  إن النقابات تصير واسطة للعمل من غير منطق عقلي، تعمل بالحدس والتخمين، بالتقديرات الاستبدادية وتصير نظرتها سياسية مستمدة من الأفراد لا من النظرة القائمة في الشعب.

                                  لذلك نحن لا نقول بالنقابات نظاماً ولكن نقول بالتصنيف الفني للإنتاج، والتصنيف الفني لا يعني النقابات المحاربة لتصل إلى حقوقها، بل يعني إيجاد الأسس الصحيحة التي يصير فيها التوزيع مع حفظ نظر الدولة في المسائل الأساسية. لأنه لا يمكن أن نعني إلغاء الرسمال بالمرة، لا يمكن إلغاء الرسمال كرسمال بالمعنى الجاري، لا يمكن تعطيل الرسمال دون تعطيل المجتمع.

                                  إن الرسمال يمكن أن يتحول من حالة إلى حالة ولا يجوز أن يلغى أبداً. وإذا منع التصرف بالرسمال الفردي، فلا يعني ذلك منع الرسمال بل منع الاستبداد بالرسمال من قبل فرد ضد مصلحة المجموع. والأمة الناهضة لا يمكن أن تفكر أبداً بمسألة جنونية كإلغاء الرسمال مثلاً، إن الرسمال ضمان وفي حالة اقتصاد لا قومي لا يلام الرسمال الفردي إذا طلب المزيد من رسماله لأن ليس له العلم بما يحاربه به الزمن.

                                  الضمانة الوحيدة للرسمال الفردي هي أن يزداد ويزداد للنهاية. الرسمالي الفردي لا يدري ما يحدث إذا نشبت حرب غداً أو اعتداء من أمة من الأمم يصدر إليها، أو أصدرت تلك الأمة قوانين منعت ما كان يصدره. إنه يحتاج إلى ضمانة من رسماله يواجه بها الأحداث التي لا يعلم متى وبأية كيفية تأتي.

                                  وكذلك الأمة في نضالها وحياتها لا ينتظر أن تستغني عن المحشود الحاصل بمعنى رسمال في أية طريقة من الطرق، في حالة تحتاج فيها كل أمة إلى النظر وإلى الاحتياط للأحداث الأنترنسيونية التي يمكن أن تحدث لها بين لحظة وأخرى، خصوصاً في عصر ارتقت فيه الضربات وارتقت فيه المبادئ، كمبدأ الهجوم الدفاعي مثلاً: نحن نخشى هجوم أمة علينا فنهاجمها من غير سابق إنذار. كالحالة التي نشأت في الحرب. وكالحالة التي حدثت في الحرب الأخيرة، حالة اللامحاربة التي لا يقصد بها الحياد بل التوقف عن الحرب مؤقتاً. وقواعد كثيرة تزداد تراكماً كلما ازدادت البشرية اختباراً.

                                  التوجيه من الدولة وسن القوانين إلى أقصى حد ينمي حيوية الشعب ويعطي الخير العام، مهما تذمر بعض الخصوصيين لما يحرمون منه، هو أمر لا مفر منه، وهو أمر لا يمكن الاستغناء عن تقريره في حالة إنشاء الدولة القومية التي نريد إنشاءها هنا.

                                  نحن لا نقول بحرب النقابات ولا بحرب الطبقات لأننا نقول بوحدة اجتماعية قومية.

                                  نقول بالحق والعدل الذي يجعل مجموع الشعب في حالة خير وبحبوحة فلا يكون أناس في السماء وأناس في الجحيم.

                                  إن سورية تحيا اليوم ليس في القرن العشرين في حالتنا الحاضرة، إنها تحيا في القرون المتوسطة، فالنظام الاقتصادي فيها لا يزال نظام القرون المتوسطة والنظرة الفردية.

                                  السياسة فيها سياسة العائلات والأشخاص ذوي النفوذ. وحالة من هذا النوع لا يمكن أن تجعل الأمة تتقدم نحو أهداف عليا. لا بد من تحويل هذه الحالة إلى حالة قومية، إلى النظرة القومية العامة في المسائل الاقتصادية والسياسية.

                                  السياسة ليست نفوذاً لأشخاص أو أفراد عائلات.

                                  السياسة فن بلوغ الأغراض القومية وتحقيق الغايات القومية التي يجب على كل فرد أن يرتبط فيها لأنها رابطة المجتمع. السياسة عندنا وسيلة لا غاية، وسيلة لبلوغ الأغراض القومية بأقرب الطرق وأقل التكاليف.

                                  وليست السياسة سياسة لنفسها ومهنة خاصة يحترفها بعض الأفراد ويحتكرون بواسطتها النفوذ وتقرير مصير الشعب.

                                  من هذه الناحية نحن نسير نحو نظام جديد لا نهرب فيه من الآلة بل نتقدم إليها. لا نعد الآلة مصيبة للبشرية ولا مستعبدة للناس بل نعمة للبشرية ومحررة للناس. لكن بعض الناس الذين استعملوا الآلة الحديثة رأوا أن يستعبدوا الناس الذين لم يكن لهم ما يمكنهم من الحيازة على الآلات الضخمة الحديثة.

                                  إن سوء الحالة الاقتصادية ليس من الآلة بل من النظام السيئ تنمّيه النظرة الفردية اللامسؤولة عن المصير القومي في استخدام الآلة الحديثة.

                                  ونهضتنا تريد أن تضع حداً لهذا الاستعباد ولأصحاب الرساميل الفردية الذين يستعبدون بواسطتها الناس.

                                  نهضتنا تريد أن تحرر الآلة من استبداد النظرة الفردية لأن بتحريرها، تحرير مئات وألوف من الناس. والذين يحرمون من أعمالهم بسبب الآلة، تصرفهم نهضتنا إلى أعمال أخرى ولكنها لا تحرمهم، من مجرد اتجاههم إلى أعمال أخرى، من نصيبهم من الإنتاج الذي تشكل الآلة نصيباً كبيراً منه.

                                  إن الإنتاج من هذا النوع يعتبر حقاً عاماً لأنه نتيجة المجهود العام وما يؤمنه وجود الآلة والوحدة القومية التي هي حاصل وجود الأمة وحقيقتها بالفعل.

                                  أظن، ما قلناه الآن يكفي تمهيداً لهذا البحث الذي يجب أن يتناول في المستقبل محاضرات اختصاصية في كل باب وناحية من نواحيه، ليعطي صورة حقيقية عن النظام القومي الاجتماعي.

                                  إن ما أعطي الآن هو قواعد عامة ومعلومات أساسية لا غنى عنها للتقدم بعد إلى النظر في أمور اختصاصية.

                                  من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                                  في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                                  كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                                  سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                                  نعم للأسد ...
                                  احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                                  Comment


                                  • #18
                                    رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                                    Click image for larger version

Name:	227016_539748692727773_888441243_n.jpg
Views:	1
Size:	43.4 KB
ID:	1318096

                                    المحاضرة التاسعة

                                    في 21 آذار 1948

                                    موضوعنا اليوم المبدأ الإصلاحي الخامس "إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن". نتابع الشرح المختصر لهذا المبدأ.

                                    "إن تنازع موارد الحياة والتفوق بين الأمم هو عبارة عن عراك وتطاحن بين مصالح القوميات. ومصلحة الحياة لا يحميها في العراك سوى القوة، القوة بمظهرها المادي والنفسي (العقلي). والقوة النفسية، مهما بلغت من الكمال، هي أبداً محتاجة إلى القوة المادية، بل إن القوة المادية دليل قوة نفسية راقية. لذلك فإن الجيش وفضائل الجندية هي دعائم أساسية للدولة.

                                    إن الحق القومي لا يكون حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة الأمة. فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره.

                                    وإن ما نعنيه بالجيش هو جميع أقسامه البرية والبحرية والجوية، فإن الحرب التي ارتقى فنها ارتقاء كبيراً توجب أن يكون تأهبنا كبيراً.

                                    الأمة السورية كلها يجب أن تصبح قوية مسلحة.

                                    لقد اضطررنا إلى النظر بحزن إلى أجزاء من وطننا تسلخ عنه وتضم إلى أوطان أمم غريبة لأننا كنا فاقدين نظامنا الحربي وقوتنا الحربية إنّنا نريد أن لا نبقى في هذه الحالة من العجز. إننا نريد أن نحول جزرنا إلى مد نستعيد به كامل أرضنا وموارد حياتنا وقوتنا.

                                    إن اعتمادنا في نيل حقوقنا والدفاع عن مصالحنا على قوتنا. نحن نستعد للثبات في تنازع البقاء والتفوق في الحياة وسيكون البقاء والتفوق نصيبنا".

                                    القوة النفسية مهما بلغت من الكمال تبقى أبداً محتاجة إلى القوة المادية. القوة المادية دليل قوة نفسية راقية. لا يمكننا بالمنطق وحده، لا يمكننا بإظهار الحق مجرداً أن ننال الحق. لأن الإنسانية بالحقيقة ليست إنسانية واحدة.

                                    في كتابي "نشوء الأمم" عرضت لهذه الناحية وأوضحت كيف أنه لا يوجد في العالم إنسانية واحدة بل إنسانيات. إنسانيات عددها عدد القوميات والأمم. لذلك فإن ما هو حق للبعض ليس حقاً للبعض الآخر لأن المصلحة في العراك هي في الأخير أساس الحق في كل معترك.

                                    هذه هي الناحية العملية التي لا غنى عن مواجهتها. لا يمكننا أن نعتمد في فلسطين ــ لكي ننال حقنا ــ على إظهار هذا الحق مجرداً. يجب أن نعارك، يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً.

                                    لذلك كان اتجاهنا نحو إنشاء قوة مادية تدعم قوتنا النفسية، قوتنا النفسية العظيمة أو الفكرية الشعورية، أمراً يدل على أننا نرفض قبول الحالات التي لا تطيقها نفوسنا الحرة الأبية. نرفض أن ننال أقل مما يكتبه الله أو يريده بالذين يعملون بالمواهب التي أعطاهم.

                                    إذا كانت لنا طلبات ورغبات في الحياة يجب أن تكون لنا إرادة قادرة على تحقيق المطالب ويجب أن تكون لنا القوة اللازمة لتحقيق تلك المطالب.

                                    لا يعني ذلك أنه يجب أن نجهل ونركب الجهل في رؤوسنا، أن نغتر بالقوة، لكنه يعني أيضاً، أن لا نجهل، إلى حد أن نحتقر القوة.

                                    لا مفر لنا من التقدم إلى حمل أعباء الحياة إذا كنا نريد البقاء. فإذا رفضنا البقاء عطلنا الفكر والعقل. عطلنا الإرادة، عطلنا التمييز وأنزلنا قيمة الإنسان إلى قيمة الحيوان.

                                    لذلك كان اهتمامنا بالقوة المادية ضرورياً ولازماً. إنه دليل على نوع نفسيتنا، نوع إدراكنا، نوع أهليتنا. إذا أغفلنا الناحية المادية أثبتنا أننا أغفلنا الناحية النفسية أيضاً.

                                    إن العقل يستخدم المادة ويسيرها. فإذا ترك استخدام المادة وتسخيرها لأغراضه ترك موهبته وفاعليته الصحيحة وأصبح جامداً.

                                    على أن عقليتنا ليست من العقليات الجامدة المسترسلة إلى قواعد وهمية لما هو الحق والسلام في العالم. يعني أن نفسيتنا تفهم الوضع وتفهم ما تريد من الوضع الماثل أمامها، وتعد العدة لإثبات حقها ولنيل مبتغاها في الحياة.

                                    ولذلك نجد هذه العبارة الواضحة في النص "إن الحق القومي لا يكون حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة الأمة. فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره".

                                    بعد إيضاح ما تقدم لا بد لنا من التقدم إلى النظر في بعض أفكار أو اعتراضات فكرية نسمعها يومياً تقريباً، هي نتيجة عهد من الخمول والذل طال أمره في هذه الأمة.

                                    الاعتراضات الفكرية التي نسمعها. سلمية، نسمعها كل يوم "ما لنا وللحرب؟ لماذا لا نعلن أمتنا وبلادنا أمة وبلاداً محايدة في كل الحروب، لا جيش ولا سلاح، لا تُحارِب ولا تُحَارَب؟؟".

                                    على هذه القاعدة أيضاً يعتمد الذين يقولون اليوم بالعودة إلى لبنان الصغير، فيما إذا تهدد الكبير في الأساس الذي نشأ عليه، وحين يقال لهم إن لبنان الصغير يصبح دولة وهمية بكل معنى الكلمة، يقولون: لا !! بل تكون دولة فعلية، دولة قائمة ثابتة كثبوت سويسرة مثلاً.

                                    سويسرة دولة لا تُحارِب ولا تُحارَب. فإذا عملنا لبنان صغيراً كان أو كبيراً لا يُحارِب ولا يُحارَب صرنا مثل سويسرة ولم نعد نحتاج إلى شيء آخر. لا نُحارِب ولا نُحَارَب.

                                    سويسرة بلاد لحيادها أسباب. أسباب لا يمكن أن تتوفر لا في لبنان ولا في سورية الطبيعية كلها. إن مركز هذه البلاد من حيث المواصلات ومن حيث أنها نقطة استراتيجية، للمواصلات والحرب لا يسمح مطلقاً بتحويلها إلى بلاد محايدة كسويسرة التي هي كالصمام في ملتقى طرق مواصلات دول عظيمة على جوانبها مستعدة للتطاحن والعراك على صيانة هذا الحياد والذود عن حدود تلك البلاد.

                                    لبنان، كبيراً أو صغيراً، ليس له من القوة والأساليب الإقناعية ما يمكنه أن يكون مثل سويسرة بكل معنى الكلمة. فالقول أن لا نُحارِب ولا نُحارَب يحتاج إلى شيء لا يمكننا اليوم أن نتمنى نواله. وهذا الشيء هو قبول دول العالم قبولاً وجدانياً نهائياً باعتبارنا بلاداً مستقلة لا تهاجم مطلقاً من أي جهة، وأن تكون هذه الدول مستعدة للدفاع هي نفسها عن الحدود إذا سوّلت لأحد نفسه الاعتداء عليها.

                                    قال لي مرة مواطن: ــ كان ذلك في البرازيل ــ أنا معكم، إنّ سورية بلاد واحدة وشعب واحد، وإنّ وحدتها أفضل لحياتها وأنا معكم في إنشاء الوحدة ولكني أخالفكم في إنشاء جيش وفي الاستعداد للحرب. لماذا لا نكون مثل سويسرة؟ نوحد البلاد ونعلن أننا لا نُحارَب ولا نُحارِب؟

                                    قلت له (إيدي بزنارك) إذا توصلت إلى إقناع الدول جميعها بالتعهد أنها لا تعتدي ولا تسمح بالاعتداء على البلاد، وتعيد إليها حدودها كاملة ليتمكن الشعب أن ينمو فيها فلا تجد معارضاً.ولكن أن تمنينا وتمني نفسك بالمحال فمثلك مثل جحا. جحا أراد أن يخطب بنت الملك لابنه، تشاور مع امرأته وابنه، فقبلا، ولم يبق إلا شيء واحد، وهو أن يقبل الملك وامرأته وابنته.

                                    كل أمة أو دولة إذا لم يكن لها ضمان من نفسها ، من قوتها هي، فلا ضمان لها في الحياة على الإطلاق. يمكن أن تجد لها ضماناً مدة من الزمن في عهود وعقود ومعاهدات. ولكن هذه أمور قابلة للتطور والتحول والتغير. لا ثبات لها على الإطلاق.

                                    كم من مرة نقضت أمة معاهداتها. كم من مرة انقلبت دولة على تعهد من تعهداتها. كم من مرة حصلت أمة على تأكيد بأن حدودها لا تمس فاجتيحت في اليوم الثاني.

                                    العقود والضمانات والمعاهدات تقوم ما ثبتت المصالح التي تؤمنها لجميع الأطراف المشتركة فيها. فإذا بطلت المصالح أو انتفى بعضها نقضت المعاهدة أو الاتفاق أو العهد.

                                    لذلك لا يمكن مطلقاً التسليم، باقتناع، أنه يكفي إظهار حق الجماعة على نفسها وفي وطنها لتحوز الحق لها. لا يكفي. إن الحياة صراع، خصوصاً الحياة القومية. وما زالت الإنسانية قوميات لا إنسانية واحدة لا يمكن مطلقاً الاعتماد على فكرة نظرة حق مجرد.

                                    نعود إلى ناحية ثانية، نقول نحن أمة صغيرة ضعيفة لا قبل لها بالحرب فماذا يمكننا أن نفعل؟ كم يمكننا أن نحشد من الجيوش؟ وماذا نستطيع أن نفعل بهذا الجيش؟

                                    الجيش هو الكمية والقوة اللازمة لتغيير الأمور من عدم توازن إلى توازن أو توازن إلى عدم توازن. إنه ضرورة لا مفر منها.

                                    كل أمة تعتمد اليوم ليس فقط على قوة جيشها مهما بلغ من الكمال. القوة هي قوتان، نفسية ومادية، فكرية ونظرية أو سياسية وحربية. كل أمة تحتاج إلى إبلاغ قوتها الداخلية إلى أعلى درجة ومع ذلك إلى تثبيت نفسها في التوازن الأنترنسيوني.

                                    ولكن التوازن الأنترنسيوني قد يختل. قد تنشب حرب فإذا لم تكن بلاد قوية قادرة، على الأقل، على الدفاع مدة من الزمن إلى أن تكون الجبهة التي هي فيها تحركت ووضعت كل فاعليتها في العراك، تمحى تلك الأمة من الوجود ولا يعود يفيدها أنها موجودة في جبهة من الجبهات مهما كان هنالك اتفاقات انترنسيونية.

                                    إن هذه الاتفاقات تجد ضمانها في القوة التي وراء تلك الاتفاقات.

                                    إذا ضعفت القوة في ناحية من النواحي لم يمكن مجرد العقود أن تدفع عن أمة من الأمم جيشاً عدواً مكتسحاً، بل إن وجود القوة شرط للاتفاق. لا يتفق من معه شيء مع من ليس معه شيء، الاتفاق يكون بين اثنين أو أكثر مع كل منهم شيء يعتمد عليه. فإذا لم يكن معه شيء كان، على الأقل، وفي أحسن الحالات، كمية تابعة مستخدمة لا رأي لها في المسائل ولا إرادة في الحياة.

                                    ثم إن الكثرة والقلة لا تقرر المصير. يقرر المصير، في أكثر الحالات، التفوق، التفوق النفسي، التفوق العقلي الذي يسد كثيراً من عجز العدد. ومن هذه الجهة نحن نقول إن الأمة السورية هي أمة متفوقة في نفسيتها، في عقليتها، إن تاريخها الماضي يشهد على تفوقها. وحالتها الحاضرة هي نتيجة لتصادم تفوقها ضمنها في داخلها، بين جماعاتها بعضها ضد بعض، ولأسباب وعوامل تاريخية أخرى.

                                    وحالتها الحاضرة هي نتيجة لتصادم تفوقها ضمنها في داخلها، بين جماعاتها بعضها ضد بعض، ولأسباب وعوامل تاريخية أخرى. من أتعس حالات هذه الأمة أنها تجهل تاريخها. ولو عرفت تاريخها معرفة جيدة صحيحة لاكتشفت فيه نفساً متفوقة قادرة على التغلب على كل ما يعترض طريقها إلى الفلاح.

                                    يقولون إن بلادنا كانت دائماً ممراً للغزاة الفاتحين. وينسون أن بلادنا كانت أيضاً مصدراً لفتوحات عظيمة.

                                    قبل أن تجتاح مصر هذه البلاد اجتاحت جيوش هذه البلاد مصر وأخضعتها وأنشأت فيها الدولة الفرعونية المعروفة بالهكسوس وحكمت مصر مدة من الزمن. وأبو الهول هو من زمن الدولة الفرعونية السورية في مصر.

                                    وبالفتح السوري لمصر نقلت إلى مصر معارف جديدة كاستعمال العجلات والخيل وتنظيم الجيش الخ ..

                                    ثم بعد أن اجتاحت الجيوش المصرية سورية، عادت موجة أخرى فاكتسحت مصر في زمن الآشوريين والكلدانيين. سنحاريب كان يتناول الجزية من فرعون مصر.

                                    ثم ننظر في ناحية أخرى، الفتوحات السورية في الغرب، الناحية البحرية التي قام بها الفينيقيون الذين لا نسمع من التاريخ التقليدي عنهم إلا أنهم شعب يعرف التجارة وأنه كان جاهلاُ بمعدات الحرب متحاملاً قاعداً عن الأمور العظيمة.

                                    معي هنا كتاب بالإسبانية (Cannas) وهو يخص مكتبة الضابط في الأرجنتين أي المكتبة المخصصة للضباط، مترجم عن الألمانية، مؤلفه الكونت فون شليفن أحد أعاظم المفكرين والقادة الحربيين.

                                    هذا الكونت هو أعظم دماغ تخطيطي للحرب ظهر في ألمانية وعلى قواعد نظرياته يبني الفنيّون الألمان في التخطيط. عليه اعتمدوا في الحرب العالمية الأولى وعليه اعتمدوا في الحرب العالمية الأخيرة.

                                    و (Cannas) هي ترجمة اللفظة اللاتينية لـِ (كني) موضع في إيطالية على مقربة من رومية.

                                    صار الاسم شهيراً بالمعركة التي جرت في سهله المعركة التي دارت بين جيش سوري فاتح، جيش الفينيقي هاني بعل، وبين الجيش الروماني المدافع عن رومية التي أصبحت مهددة بالسقوط.

                                    (وأخذ الزعيم لوحاً أسود كان معداً لهذا الغرض ورسم عليه تخطيطاً لمعركة كني).



                                    (1)
                                    ********
                                    ********
                                    ********
                                    000000********000000
                                    000000********000000
                                    000000********000000
                                    000000********000000
                                    000000********000000

                                    (2)
                                    000000********000000
                                    000000********000000
                                    000000********000000
                                    000000** **000000
                                    000000** **000000
                                    ** **
                                    ** **
                                    ** **
                                    ** **


                                    هذه القطع هي جيوش. صفوف بعضها وراء بعض. (1) هي الجيوش الرومانية (علامة *) تدل على قطع المشاة الفيالق أو الكتائب Phalanges و (علامة 0) الخيالة. إلى جانب خيالة ثقيلة وإلى الجانب الآخر خيالة خفيفة أي الخيالة التي تحمل سلاحاً ثقيلاً والخيالة التي تحمل سلاحاً خفيفاً.

                                    وفي (2) الجيوش السورية. (علامة *) أيضاً قطع من المشاة. و (علامة 0) الخيالة. الخيالة الخفيفة تجاه الخيالة الخفيفة والخيالة الثقيلة تجاه الخيالة الثقيلة.

                                    من نظرة على هذا المشهد نرى أن هنالك اختلافاً كبيراً في ترتيب الجيشين.الجيش الروماني (1) والجيش السوري (2).

                                    الجيش الروماني فيالق وكتائب متراصة متجهة إلى الأمام.

                                    في الجيش السوري ترتيب آخر هو الترتيب الذي حدث على هذه الصورة لأول مرة في التاريخ فقلب كل النظريات رأساً على عقب.

                                    ترى القطع تحوي صفين أو ثلاثة وقائمتين إلى اليمين وإلى اليسار.

                                    الكمية العددية حسب كتاب فون شليفن للجيشين أن الجيش الروماني كان يبلغ تسعة وسبعين ألفاً والجيش السوري خمسين ألفاً من المحاربين، أي أقل بنحو ثلاثين ألفاً من جيش العدو. والموقع في إيطالية، البلاد الغريبة التي دخلها هاني بعل أول مرة بعد أن اجتاز أهوالاً في قطع جبال (البيرانيز) والألب بين أسبانية وفرنسة وفرنسة وإيطالية.

                                    ابتدأ الهجوم. سارت الفيالق الرومانية إلى الأمام، وسارت الجيوش السورية لمواجهتها.

                                    تقدمت صفوف الوسط. ومن الطبيعي أن صفين أو ثلاثة لا يمكن أن تقف أمام ضغط الصفوف المتراصة.

                                    وطبيعي أن تنحني الصفوف السورية وتبدأ تتراجع. أما القائمتان فكانتا تتحركان إلى الأمام على جانبي جيش العدو.

                                    في الوقت عينه اشتبكت الخيالة. وكان هنالك قيادة ماهرة في الخيالة، وأحد الماهرين اسمه ماهر بعل قائد تحت إمرة هاني بعل.

                                    في حملة من الخيالة الثقيلة تمكنت الخيالة السورية من إهلاك الخيالة التي كانت أمامها، فارتدت الخيالة الرومانية عبر النهر الذي كان الرومان قد قطعوه قبل المعركة، فتبعتها الخيالة السورية عبر النهر فتشتت ولم يبق منها شيء. ودارت الخيالة السورية الثقيلة على الخيالة الرومانية الخفيفة حتى انتهت من إهلاكها.

                                    وعادت الخيالة السورية فأطبقت على جيش العدو من الوراء بينما القائمتان على جانبي الجيش الروماني. فحصر الجيش الروماني في نطاق حديدي ولم ينج من الرومان في ذلك اليوم إلا ستة آلاف تمكنوا من الإفلات لأن سواعد الجنود تعبت من التقتيل في آخر النهار.

                                    أريد أن أرسم الآن الجهة الأخرى.

                                    النتيجة التي تحصل مما تقدم من الوجهة الإستراتيجية هي حركة الالتفاف على العدو. أخذ الجانب حول العدو ومحاولة تطويقه. هذه النظرية أجريت لأول مرة في (كني) والقائد الذي ابتدع هذه الخطة وهذا التخطيط كان سوريا، ــ هاني بعل ــ

                                    ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه النظرية الإستراتيجية فاعلة إلى أن جاء نابليون. نابليون استعملها في مواقع وعدل عن استعمالها في مواقع أخرى وابتدع قاعدة تقول إنه لا يجوز للجيش الأقل أن يطوق الأكثر لأن الضغط من الداخل يمكن أن يفتح ثغرة في الجيش القليل المطوق.

                                    في تحليل فون شليفن يثبت أن نظرية هاني بعل مع أنها الأقدم هي الأصوب فقد استعملت هذه النظرية بجيش اقل على جيش أكثر بثلاثين ألفاً، وبفضل هذه النظرية تمكن من التغلب وسحق العدو سحقاً تاماً.

                                    في الحرب الأخيرة كيف كانت تجري حركات التطويق. المصفحات والدبابات تمثل الخيالة. تسير على الجوانب، تفتح طرقاً، تدور حول العدو في حركة كلها ترمي إلى التطويق مثل الكلاليب فإمّا أن تأسر أو تسحق القوة التي تطبق عليها، وهو تطبيق لما أجري في (كني).

                                    نوع آخر في التطويق. السبق إلى احتلال الجوانب، الأراضي، التي يمكن منها أن يحارب العدو من جوانبه في جيوشه وحتى على بلاده بجملتها.

                                    في الحرب الأخيرة حصل نزاع بين ألمانية وبريطانية على منطقة كانت هامة جداً للفريقين من الوجهة الإستراتيجية، النروج. إما أن تحتل بريطانيا تلك البلاد لتصل إلى جانب ألمانية أو أن تحتل ألمانية النّروج لتتمكن من الضغط على بريطانية.

                                    هذا الاتجاه هو تكرار لما حصل تماماً بين قرطاضة وبين رومية، حدث هكذا:
                                    كان مركز قرطاضة قرب الموقع الذي فيه تونس. ففي الحرب الفينيقية الأولى جرى نزاع في جزيرة سردينية فاندحرت الجيوش السورية واضطرت إلى توقيع معاهدة لم تكن في مصلحة قرطاضة.

                                    من المستحسن أن تذكر حوادث صغيرة تدل على النفسية.

                                    في المعارك الأولى بين الجيش الفينيقي والجيش الروماني كان الرومان هم الرابحين في أكثر المعارك فاختار مجلس شيوخ قرطاضة إرسال والد هاني بعل للقيادة فوجد أن الجيش كان في حالة من الميعان والفوضى فاستعمل ما يعيد معنويات الجيش واستعمل الحكمة في إعادة روح النظام إليه.

                                    في معركة كبيرة انكسر جيشه أمام الجيش الروماني واضطر إلى الانسحاب دون أن يتمكن من سحب القتلى.

                                    أرسل القائد السوري في اليوم الثاني يستأذن القائد الروماني بسحب القتلى فأجابه القائد الروماني: "قل لهميلكار الأفضل له أن يهتم بالأحياء لا بالأموات".ولم يأذن بسحب القتلى.بعد مدة قليلة جرت معركة أخرى انتصر فيها هميلكار وانسحب الرومان من غير أن يتمكنوا من سحب قتلاهم ، فطلب قائدهم الإذن في لم القتلى فأجابهم هميلكار: "إني آذن بذلك. يمكن أن تأتوا وتسحبوا القتلى لأننا نحارب الأحياء لا الأموات ".

                                    بعد هذه الحرب الأولى والتي خسرت فيها نهائياً قرطاضة صار هنالك تزاحم لأن الحرب كانت ستعود إلى أن تغلب إحدى القوتين الأخرى غلبة نهائية.

                                    حاول الاثنان، نظر الجانب القريب، الإمكانية الجانبية، إسبانية وجنوب فرنسة.

                                    هميلكار، بعد أن خسر الحرب الفينيقية الأولى، اهتم بتحسين مركز قرطاضة، ثم بحث عن المواقع الإستراتيجية وأدرك أنه يجب الإتيان من الجانب.

                                    اهتم من جهة بقرطاضة لتكون أقوى.وأدرك أنه يجب امتلاك إسبانية ليصير عن جانب رومية ليتمكن أن يناور في البر والبحر أكثر تجاه رومية.

                                    وفي الحال توجه جيش واحتل إسبانية، وبنيت قرطاضة الحديثة (قرطاجنة) ومدن كثيرة أخرى. ومن هنا أمكن هاني بعل بعد أن يدرب جيشاً يسير به، يقطع جبال (بيرانيز والألب) ويهبط إلى بلاد إيطالية. ولولا الخلاف بين قيادة الجيش ومجلس شيوخ قرطاضة ــ حتى إنّ المجلس لم يحاول أن يمد هاني بعل بجيش واحد وحتى حدث في الأخير أن الرومان أرسلوا جيشاً إلى أفريقية فترك هاني بعل إيطالية عائداً ليقوم بمعركة ــ زاما ــ التي انكسر فيها وخسرت قرطاضة تلك الحرب الفاصلة.

                                    إذا رجعنا إلى تاريخنا وجدنا أن عوامل التفوق عندنا كانت عظيمة جداً. كنا أسرع من غيرنا في أوقات عصيبة وحرجة. ولكن داخلياً لم نكن كغيرنا. المنازعات الداخلية، الفوضى الداخلية، ضعف النظام الداخلي هو الذي قتل التفوق السوري.

                                    لا سبب عندنا لنخاف العراك من أجل تثبيت حقنا في الحياة. نحن لا نبحث اليوم في إنشاء إمبراطوريات. لكننا نبحث في حق صحيح، في حق الحياة في الوطن الذي هو ملك الأمة. وكما قلت سابقاً إنّ اعتمادنا على مجرد إيضاح الحق ليس كافياً ولم يكن كافياً. وقد يذهب وطننا من أيدينا قطعة بعد قطعة ونحن لا نفعل غير كتابات وخطب وفوضى عظيمة في الداخل. جاسوسية خبيثة تعبث بعقول الناس. خيانات. بيع الوطن. تجزؤ وتفسخ اجتماعي وسياسي. وتحدث الحرب بهذه الحالة.

                                    لا يمكن مطلقاً أن نحافظ على حقوقنا بخطب ومذكرات. وقد عرفتم ما هو رأيي في الرسالة التي وجهتها في تشرين الثاني من السنة الماضية حيث قلت عن (جامعة الأمم المتحدة):

                                    "إن هذه المنظمة لم تنشأ كنتيجة عامة لإنسانية عامة. نشأت من أمم منتصرة لتقر الحق الذي تقرره الأمم المنتصرة".

                                    هذه هي الحالة. إذا كنا نحن لا ننهض ولا نعتمد على أنفسنا ولا نستعد لإثبات حقنا ولتنفيذ إرادتنا فيما يخص حقنا، كان باطلاً كل مجهود وتمن في أن نصل أن نكون أمّة يمكن أن تحصل على الخير الذي تستحقه.

                                    نحن حركة هجومية لا حركة دفاعية. نهاجم بالفكر والروح، ونهاجم بالأعمال والأفعال أيضاً. نحن نهاجم الأوضاع الفاسدة القائمة التي تمنع أمتنا من النمو ومن استعمال نشاطها وقوتها. نهاجم المفاسد الاجتماعية والروحية والسياسية.

                                    نهاجم الحزبيات الدينية،
                                    نهاجم الإقطاع المتحكم بالفلاحين،
                                    نهاجم الرسمالية الفردية الطاغية،
                                    نهاجم العقليات المتحجّرة المتجمدة،
                                    نهاجم النظرة الفردية. ونستعد لمهاجمة الأعداء الذين يأتون ليجتاحوا بلادنا بغية القضاء علينا، لنقضي عليهم.

                                    هذه هي وجهة سيرنا. هذا موقفنا في المشاكل السياسية الكبرى المحيطة بنا.

                                    نحن لا نعني بحركتنا لعباً ولا تسلية.

                                    نحن نعني بناء جديداً، نعني إعادة النفسية السورية الصحيحة إلى الأمة، إعادة الثقة والإيمان بالنفس إلى هذه الأمة التي فقدتها.

                                    نحن نعني أننا لا نرضى إلا حياة الأحرار ولا نرضى إلا أخلاق الأحرار.

                                    قد تكون الحرية حملاً ثقيلاً ولكنه حمل لا يضطلع به إلا ذوو النفوس الكبيرة. أما النفوس العاجزة فتنوء وترزح وتسقط، تسقط غير مأسوف عليها.

                                    تسقط محتقرة مهانة،
                                    تسقط مستسلمة في ذلها
                                    تسقط وقد قضت على نفسها قبل أن يقضي عليها غيرها.
                                    نحن بنظرنا سلبيون في الحياة، أي أننا لا نقبل بكل أمر مفعول يفرض، وبكل حالة تقرر لنا من الخارج.
                                    لسنا ضعفاء إلا إذا أردنا أن نكون ضعفاء،
                                    إذا سلمنا بالأمور المفعولة وللأحداث التي تفرض علينا وقبلنا بالانحطاط الأخلاقي والمعنوي والمادي الذي لا مناص منه ما دمنا مستسلمين.
                                    الذي يسقط في العراك غير مستسلم قد يكون غلب لكنه لم يقهر. يقهر قهراً الذي يستسلم ويخنع.

                                    ويل للمستسلمين الذين يرفضون الصراع فيرفضون الحرية وينالون العبودية التي يستحقون.

                                    من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                                    في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                                    كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                                    سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                                    نعم للأسد ...
                                    احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                                    Comment


                                    • #19
                                      رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                                      Click image for larger version

Name:	p02_20120529_pic1.jpg
Views:	2
Size:	18.1 KB
ID:	1318097

                                      المحاضرة العاشرة

                                      الأحد في 4 نيسان 1948


                                      نصل في سلسلة الأبحاث التي تنتهي في هذا الاجتماع إلى الحلقة الأخيرة منها، الحلقة التي تختص في غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي وخطته.

                                      ابتدأت السلسلة بدرس مبادئ الحركة القومية الاجتماعية من المبدأ الأساسي الأول إلى المبدأ الأساسي الثامن ومن المبدأ الإصلاحي الأول إلى المبدأ الإصلاحي الخامس الذي كان ختام المبادئ التي تكون أسس الحركة القومية الاجتماعية.

                                      واليوم نصل إلى غاية الحزب وخطته.

                                      قبل قراءة غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي وخطته أريد أن آتي بلمحة صغيرة عن الظروف التي وضعت فيها هذه المادة.

                                      لم يمض وقت طويل على جلاء القوات الفرنسية المحتلة من بلادنا فلا يجوز لنا أن ننسى بسرعة الحالة التي كانت فيها أمتنا ووطننا.

                                      قبل جلاء القوات العسكرية من هذه البلاد، في العهد الذي نشأت فيها الحركة القومية الاجتماعية، في العهد الذي نشأ فيه الحزب السوري القومي الاجتماعي كانت كل حياتنا الاجتماعية والسياسية محظورة بالقانون في هذه البلاد. وأعني بالحياة الاجتماعية، الحياة الحرة الناشئة من صميم الشعب بإرادة الشعب.فقد كانت هنالك بعض تكتلات أو تجمعات سياسية في هذه البلاد لكن أكثرها أن موجهاً لخدمة الأمر المفعول والإرادات الأجنبية. كانت محرومة من التعبير الحر، لم تكن لها صفة صحيحة واضحة ولا صفة ثابتة مستمرة.

                                      كنا في ذلك العهد في عهد القرار 115 ل ر الذي عرف بقرار قمع الجرائم أو منع التجمعات أو منع الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية في هذه البلاد. كان معنى ذلك القرار أن كل فئة تتجاوز الخمسة أشخاص تجتمع في مكان ما بغير إذن رسمي، وتشاء الإدارة الحكومية أن تظن أنه يوجد مقاصد وراء الاجتماع، فلم يكن ما يمنع دخول رجال التحري، رجال الأمن العام واستياق المجتمعين إلى دوائر التوقيف والتحقيق معهم في المقصود من الاجتماع.

                                      في ذلك الوقت كانت السلطة الأجنبية تضبط كل حركة وكل شاردة وواردة في البلاد. وكانت الجاسوسية متفشية ومنتشرة في كل الأوساط. وكانت الخيانة أيضاً منتشرة وتصدر من كل جهة تقريباً بلا حساب ولا مسؤولية، لأن معنى الحياة المجتمعية في بلادنا كان مفقوداً بالكلية. مقاصد الحياة كانت مقاصد الأفراد وفي الكثير مقاصد العائلات المتكتلة. أما الحياة المجتمعية، الحياة القومية ومصيرها فلم يكن هنالك من كان يظن أو يحسب نفسه مسؤولاً عنها.

                                      كل واحد كان مسؤولاً فقط عن نفسه وغير مستعد إلا للنظر في مصالحه الخصوصية. لم يكن هنالك معنى للحياة (الاجتماعية) المجتمعية ومن كان يجسر على أن يظن أنه مسؤول عن المصير القومي، عن المصير الاجتماعي كان يرتكب خيانة لا تغتفر ويعرض نفسه للسخرية والاحتقار. وكم من مرة وجهت إلي استهزاءات واحتقارات عندما كنت أتكلم بشعور المسؤول عن حالة بلاده وأمته وعن مصيرها.

                                      كل تفكير من هذا النوع كان يعد غباوة فلا يتردد السائل عن ترديد مثل هذا السؤال "شو بدّك تشيل الزير من البير؟" وتعابير من هذا النوع.

                                      وكان كل خائن يظن أنه يقوم بمهارة عظيمة إذا سبق غيره إلى الخيانة ليستفيد من نتائجها. وإلى اليوم لا نزال نسمع من يقول "إذا لم أسبق أنا إلى الخيانة يسبقني غيري ويأخذ الوظيفة. إذاً يجب علي أن أسابق في الخيانة لأسبق غيري إلى اجتناء الفائدة التي يمكن اجتناؤها من الخيانة".

                                      هذه كانت الحالة وهكذا كان تدبير الإدارة وهكذا كانت الروحية السائدة في هذه البلاد.

                                      إذاً كان يجب السير في أي عمل جدي بمنتهى الحرص والتكتم ومنتهى التدقيق من الوجهة السياسية من كل عبارة تكتب.

                                      كان علينا أن نقاوم الضغط والإرهاب بالقصد الواضح والدفلماسية التي يمكن أن تنقذ القصد الواضح.

                                      في ذلك الوقت وضعت مادة غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي وهذا نصها: "غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وتأمين مصالحها ورفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية".

                                      ترون من هذا النص أن "الغاية" وضعت بلباقة وبنفس الوقت اشتملت على الوضوح اللازم.

                                      لم يكن موجوداً في صلبها نص "إقامة نظام جديد". هذا التعبير أدخل حديثاً في نص المادة ولكنه لم يكن خافياً إذا لم يوضح في النص الأول فالحركة القومية الاجتماعية في أعمالها وفي جميع المظاهر التي عبرت بها عن مقاصدها، عبرت بجلاء أنها تقصد وأنها تتجه نحو إقامة نظام جديد للحياة.

                                      لم يكن ممكناً في تلك الظروف التعرض لإدخال تعبير من هذا النوع في نص المادة.

                                      أظهرت المحاكمة الأولى للحزب السوري القومي الاجتماعي بعد اكتشاف أمره في 16 تشرين الثاني 1935، أظهرت تلك المحاكمة الحكمة من عدم إدخال نص من هذا النوع في مادة غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي في ذلك الوقت. من التهم التي وجهت إلي في المحكمة، تهمة العمل على تغيير شكل الحكم وقلب النظام القائم الذي يعرض مرتكبه إلى العقوبة العظمى.

                                      وجهت هذه التهمة شفوياً وخطياً. وفي المحكمة المختلطة اضطررت للإجابة على هذه التهمة. وقد استغرب الفرنسيون كثيراً في ذلك الوقت أني لم أرفض التهمة رفضاً كلياً مع أنه لم يكن هنالك نص يستندون إليه لتوجيه التهمة.

                                      التهمة كانت السعي لتغيير شكل الحكم. وكان جوابي أننا نعتقد بأن أشكال الحكم تتغير وتتطور مع تغيير أحوال الشعوب وتطورها. أعلنت أن هذا اعتقادنا، ولكنني أحرجت المحكمة في إثبات أي دليل حسي أو عملي يدل على أننا ذهبنا نحو هذا القصد عملياً. فظهر جلياً أننا نفكر في أن الأشكال التي تعرقل تقدمنا وتمنعنا من التقدم نحو حياة أفضل يجب أن تزول ويقام محلها نظام جديد فيه التعبير الصحيح عن مصالحنا القومية وعن إرادتنا المجتمعية.

                                      نتابع الشرح: "يتضح جلياً من نص هذه المادة أن النهضة القومية، البعث القومي، هي محور اهتمام الحزب السوري القومي الاجتماعي، ويتضمن معنى النهضة القومية الاجتماعية تأسيس فكرة الأمة وتأمين حياة الأمة السورية ووسائل تقدمها وتجهيزها بقوة الاتحاد المتين والتعاون القومي الصحيح وإقامة نظام قومي اجتماعي جديد".

                                      تأسيس فكرة الأمة أثبتت في صدر المقاصد الواضحة من غاية الحزب لأننا رأينا أن فكرة الأمة، أن معنى الأمة لم يكن واضحاً في بلادنا من قبل. لم تكن هنالك أبحاث علمية اجتماعية في المعنى العلمي Scientific ولا من أي نوع توضح ماهية الأمة.

                                      وفي عدم وضوح فكرة الأمة لم يكن يمكننا التقدم نحو أي عمل اجتماعي، مجتمعي قومي.
                                      ما دمنا نختلف على من نحن قومياً، كيف يمكننا أن نحدد "من نحن"؟؟

                                      حدد البعض مجموع "نحن" بأننا سكان جبال لبنان. وحدد البعض الآخر، "نحن" بأننا كل ناطق باللسان العربي من القارتين الآسيوية والأفريقية.

                                      حدد غيرهم الأمة بالمعنى القديم. قالوا "الأمة المحمدية" و "الأمة المسيحية" بمعنى الملة.

                                      الأمة بالمعنى الاجتماعي العلمي العصري كانت تعبيراً لا معنى صحيح له ولا يمكن التفاهم فيه لأنه لم يكن له مدلول واحد عند المتكلمين عليه.

                                      فكان لا بد من الاتجاه نحو تأسيس فكرة الأمة بالدرجة الأولى. بدون تأسيس فكرة الأمة بوضوح لا يمكن القيام بنهضة قومية. لأن القومية هي التعبير الروحي الشخصي لشخصية الأمة. فإذا لم تكن هنالك أمة ولم تكن هنالك نفسية واضحة لم يمكن القيام بنهضة قومية صحيحة.

                                      والعمل لإيضاح فكرة الأمة لا يزال قائماً. ولا يزال العراك قائماً في هذا الوطن على تأسيس فكرة الأمة وسيظل العراك قائماً إلى أن يجد المجموع السوري كله نفسه بمفهوم ومدلول واحد، يجمعه في شعور واحد، بنفسيته، بحقيقته، بإرادته ومقاصده العليا في الحياة.

                                      بعد تأسيس فكرة الأمة يجب الاهتمام بالأمة التي أصبح لها تحديد واضح لم يعد متراوحاً، أصبح من الضروري الاهتمام بمصير الأمة، بتأمين مصيرها، بتأمين حياتها ووسائل تقدم الحياة نحو المثل العليا، نحو إقامة نظام جديد للحياة يجعل الحياة أرقى وأفضل وأجمل.

                                      فالحياة وجمالها وخيرها وحسنها هو الغاية الأخيرة. وليست الغاية العمل. كما كان يظن في حالات كثيرة من مثل التي نشأت ولم تتعمق. في مسائل الحياة الاجتماعية وقضاياها.

                                      ليست الغاية الاستقلال مثلاً. الاستقلال لمجرد الاستقلال ليس غاية لنا. ولا يمكن أن يكون غاية أخيرة في مفهومنا ومدلول هذه الصفة عندنا.

                                      الاستقلال عندنا واسطة لا غاية. الاستقلال واسطة لتحسين حياتنا وترقيتها وجعل إرادتنا في الحياة نافذة.

                                      نحن لا نريد الاستقلال لمجرد الاستقلال. نريد الاستقلال لأن لنا مقاصد في الحياة مقاصد نريد أن نحققها ولا يمكن أن نحققها إلا بواسطة الاستقلال.

                                      نحن مثلاً في كل قضية تلازمنا هذه القضية. لا نريد مثلاً حرية لفلسطين من اليهود لمجرد تحريرها من اليهود مثلاً. فقد تتحرر من اليهود مثلاً وتبقى للانكليز أو تبقى لجماعة أخرى.

                                      نحن نريد تحرير فلسطين لأنها جزء منا ولأن حياتنا تنقص كثيراً إذا فقدنا فلسطين. وعندما نهتم بمصير فلسطين مثلاً لا نهتم بنقطة واحدة وهي مجرد اليهود و "يأخذوها القرود بعد اليهود".

                                      ليس بهذه الطريقة نحن نقول. نحن نقول إنه يجب أن يخرج المعتدون من أرضنا لتبقى أرضنا لنا. ونقدر على تتميم أهدافنا ومقاصدنا فيها، فلنا في هذه الأمور دائماً قصد واضح، غاية أخيرة واضحة في جميع المسائل.

                                      "فغاية الحزب بعيدة المدى عالية الأهمية لأنها لا تقتصر على معالجة شكل من الأشكال السياسية، بل تتناول القومية من أساسها واتجاه الحياة القومية".

                                      يعني هذا أننا لسنا مجرد حزب سياسي. والحزب السياسي هو الذي يجمع فئة من الناس على مصالح تتحد بنطاق تلك الفئة لتناوئ فئة أخرى ضمن البلاد وتتغلب عليها وتصل إلى الحكم من أجل تحقيق تلك المصالح المختصة بتلك الفئة.

                                      نحن حزب يتناول ما هو أبعد كثيراً من مصالح فئة جزئية محدودة في الوطن والأمة. نحن حزب يتناول حياة الأمة كلها بمجموعها، يتناول الحياة القومية من أساسها والمقاصد العظمى للحياة القومية كلها وليس لجزء واحد منها.

                                      نحن مثلاً هنا في لبنان لا نريد أن ننزل الأشخاص القائمين في الحكم لنقعد مكانهم أو ليقعد مكانهم آخرون، ولذلك أعلنت أننا لسنا آلة تستخدم من قبل بعض الفئات ذوي المصالح الجزئية لتتمكن من قلب الحكم الحاضر ليجلسوا هم في مكان الجالسين اليوم. ومع أننا كنا في حرب مع الحكومة في الصيف الماضي وبعد الانتخابات في إبان المصادمات بين فئات الشعب والحكومة، لم أقبل قط أن نندمج فيما سمي معارضات للحكومة لأننا وجدنا تلك المعارضات جزئية لا تختلف في طبيعتها وجوهرها عن الفئة الحاكمة مثلاً. أي أننا لم نكن ننتظر أنه إذا نزل رياض الصلح وقام مكانه عبد الحميد كرامه تتغير أحوال البلاد والأمة والسياسة.

                                      لم يكن قصدنا تغيير الأشخاص لخدمة مصالح جزئية. فضلنا أن نبقى محاربين الحكومة من أجل مبدأ عام هو مبدأ حق المواطن في التعبير عن رأيه بحرية وفضلنا أن نبقى وحيدين على أن نترك وضعنا ومواقفنا ونبدله بمواقف فئات تنظر غير ما ننظر نحن فتضيع وتختلط مقاصدنا بمقاصد غيرنا فتضيع غايتنا في غاياتهم.

                                      لذلك فضلنا أن نبقى في المعركة وحيدين واستغرب الكثيرون جداً لماذا لم ننتهز الفرصة للتخلص من هذه الحكومة.

                                      قصدنا ليس التخلص من الحكومة أو رجال الحكم بل الاتجاه نحو إقامة نظام جديد للحياة القومية بأسرها. وفي هذا الاتجاه الواضح لم نكن نجد في الفئات التي تعمل لمعارضة جزئية أي استعداد لفهم هذه الناحية وللسير معنا في هذا السبيل.

                                      إذاً نحن لسنا حزباً سياسياً يخدم مصالح فئة معينة بل حزب يعبر عن مصلحة الأمة، عن المصالح القومية كلها ويسير لتحقيق المصالح القومية كلها، بالتضحية. بتضحية أفراد وفئات كبيرة وعديدة منا. بألوف من القوميين المستعدين لتحمل جميع أنواع الآلام وخوض جميع المعارك لنصرة قضية الأمة وحق الأمة في الحرية والاتحاد وحق الأمة في الحياة الجيّدة المثالية.

                                      لذلك كانت غايتنا متناولة القومية من أساسها واتجاه الحياة القومية.

                                      "إن غرض الحزب هو توجيه حياة الأمة السورية نحو التقدم والفلاح، هو تحريك عناصر القوة القومية فيها لتحطيم قوة التقاليد الرثة وتحرير الأمة من قيود الخمول والسكون إلى عقائد مهترئة، والوقوف سداً منيعاً ضد المطامع الأجنبية التي تهدد مصالح ملايين السوريين وكيانهم، وإنشاء تقاليد جديدة ترسخ فيها نظرتنا الجديدة إلى الحياة ومذهبنا القومي الاجتماعي".

                                      هنا عبارة تحتاج إلى شرح موجز "تحطيم قوة التقاليد الرثة وتحرير الأمة من قيود الخمول والسكون".

                                      من هذه العبارة، إذا وقفنا عند هذا الحد من العبارة قد يتضح أننا فئة تقول بالفوضى، أي شق كل تقليد لمجرد تخريب التقاليد وليصبح كل واحد يسير على هواه مطلقاً العنان لرغباته وشؤونه الخصوصية المحضة.

                                      ليس هذا ما نعني بل هو أبعد شيء عما نعني، لأننا نحارب الفوضوية والفردية الغارقة في فرديتها، الخارجة على المجتمع ووحدته ومصيره. نحن نقول بتعطيل تقاليد تجر حياة المجتمع وتمنعها من التطور والارتقاء نحو أفضل المثل العليا وأجملها وإشادة تقاليد جديدة تحل محلها وتكون مسهلة تطور الحياة وارتقاءها.

                                      ونحن في الحزب في مدة نحو خمس عشرة سنة ونيف قد أنشأنا وكونا تقاليد جديدة تظهر فيها قيمة نظرنا واتجاهنا وفاعليتنا في الحياة. وإننا حريصون جداً على أن تستمر هذه التقاليد الجديدة التي تؤمن حياة جديدة فيها العز والكرامة والخير والمجد.

                                      "إن غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها ومن جميع وجوهها. إنها غاية تشمل جميع قضايا المجتمع القومي، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية والمناقبية وأغراض الحياة الكبرى. فهي تحيط بالمثل العليا القومية وبالغرض من الاستقلال وبإنشاء مجتمع قومي صحيح. وينطوي تحت ذلك تأسيس عقلية أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقبي جديد وهو ما تشتمل عليه مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الأساسية والإصلاحية، التي تكون قضية ونظرة إلى الحياة كاملة، أي فلسفة كاملة".

                                      إن من أهم مسائل النهوض القومي بعد تأسيس فكرة الأمة وبعد تعيين المقاصد الكبرى، هي مسألة الأخلاق. هي مسألة العقلية الأخلاقية. هي مسألة الروحية الحقة التي يمكن أن تفعل في الجماعة في المجتمع.

                                      كل خطة سياسية وكل خطة حربية مهما كانت بديعة ومهما كانت كاملة لا يمكن تحقيقها إلا بأخلاق قادرة على حمل تلك الخطة بأخلاق متينة، فيها صلابة العزيمة وشدة الإيمان وقوة الإرادة واعتبار المبادئ أهم من الحياة نفسها.

                                      لأن الحياة الإنسانية بلا مبادئ إنسانية يتمسك بها الإنسان ويبني بها شخصه ومعنى وجوده، هي باطلة، هي شيء يساوي حياة العجماوات.

                                      في كل ناحية من نواحي أعمالنا القومية والسياسية في بلادنا في كل فئة أو بيئة لم تتخذ عقلية أخلاقية أساساً يضطلع بالأغراض والأعمال نجد التشويش والفشل والخيبة.

                                      كل نظام يحتاج إلى الأخلاق. بل إن الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن أن يكتب له أن يبقى.

                                      في المعارك الدائرة اليوم في سورية. في المعارك السياسية، في لبنان والشام والعراق، في كل مظهر من مظاهر أعمالنا الفكرية والسياسية والاجتماعية، نجد كم هو ضروري العامل الأخلاقي وكم ينقص مجتمعنا تأسيس عقلية أخلاقية جديدة، لأن العقلية الأخلاقية الجديدة هي شيء أساسي جداً. في رسالات وخطب ومحاضرات عديدة وجهتها إلى القوميين الاجتماعيين أظهرت كم هو أساسي وضروري فهم العقلية الأخلاقية الجديدة التي تؤسسها تعاليم الحزب السوري القومي الاجتماعي.

                                      في نظام غير نظامنا نجد حالات أليمة. يتجه الفرد الذكي في بلادنا أول ما يتجه إلى ناحية السياسة. نحن أكثر أمة في العالم اشتغالاً في السياسة. والسياسة هي أساس العقلية الأخلاقية القديمة في هذه البلاد.

                                      تكاد لا تخاطب واحداً ذكياً في هذه البلاد إلا وتحس أنه يخاطبك بمهارة سياسية فائقة. تحس كأنه دفلماسي جاء من بلاد الانكليز، وتحس أن السياسة تبعده عنك بقدر ما هو بعيد الانكليزي عنك.

                                      مفقود من بيننا التصارح الفكري الخالي من السياسة، مفقود من بيننا الشعور بأنه يجب حين يخاطب واحد منا الآخر أن يضع السياسة في خزانة ويقفل عليها بالمفتاح، لأنه حين نبتدئ نخاطب بعضنا بعضاً بالسياسة فقد قطعنا من بيننا الروابط القومية الصحيحة.

                                      لا يجوز في الإخاء القومي الصحيح أن نتكلم في السياسة. السياسة يجب أن تترك للمتخصصين في السياسة أما القومي فيجب أن يكون قومياً صحيحاً مجرداً من السياسة في كل مجتمع وفي كل حديث مع كل مواطن من أمته.

                                      بدون الوصول إلى حياة من هذا النوع يظل واحدنا لا يدري, أليس يسمع من مواطن يجالسه عبارات ثناء ومديح أو إطراء؟ هل هذا المديح صريحاً ومخلصاً صادراً عن الوجدان بأن هذه هي الحقيقة؟؟ يظل الواحد يخاف من جاره، يخشى أن يكون متلاعباً بضميره، بشعوره بمهارته الدفلماسية السياسية.

                                      العقلية الأخلاقية الجديدة التي نؤسسها لحياتنا بمبادئنا هي أثمن ما يقدمه الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة، لمقاصدها، ولأعمالها ولاتجاهها.

                                      "وإن إيجاد جبهة من أمم العالم العربي تكون سداً ضد المطامع الأجنبية الاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار المسائل السياسية الكبرى هو جزء متمم لغاية الحزب السياسية من الوجهة الخارجية.

                                      إن سورية هي إحدى أمم العالم العربي وإنها هي الأمة المؤهلة لقيادة العالم العربي، وما النهضة السورية القومية الاجتماعية إلاّ البرهان القاطع على هذه الأهلية".

                                      لماذا هذه النهضة برهان واضح قاطع على أهلية سورية لقيادة العالم العربي؟

                                      لأن هذه النهضة، بتعاليمها، بمثلها، بالنظام الذي أوجدته في داخلها والذي ترمي إلى تحقيقه في الأمة كلها، هو شيء وحيد في شرقي البحر المتوسط وله خصائص وميزات يمتاز بها بالنسبة إلى كل مجتمع حر في العالم كله. في كل أمر من أمور المجتمع الإنساني، في النظر إلى الفرد، إلى المجتمع في قيمة الإنسان، في قيم الحياة للإنسان، في غرض الوجود الإنساني، في كل هدف من هذه الأهداف العظيمة التي وضعها الحزب السوري القومي الاجتماعي ويسعى لتحقيقها، يظهر أنه قد تحققت في هذه البلاد وثبة كبيرة من وثبات الفكر الإنساني. في كل أمة، في كل قطر من أقطار العالم العربي يسمع المحدث أو المباحث اعترافاً واضحاً صريحاً من كل من اطلع على هذه النهضة في هذه البلاد أنها أحسن ما وجد في العالم العربي.

                                      ثم من حيث التنظيم الفكري والسياسي والعملي ــ في مصر سمعت من أشخاص يعملون في الجامعة العربية أنهم يحتاجون إلى تنظيمنا وإلى خططنا التصميمية. ويريدون منا أن نعمل بدلاً من غاية نهضة سورية لوحدة عربية.

                                      فإذا عملنا واتجهنا هذا الاتجاه ــ فإنهم يريدون كثيراً أن نشترك وأن يضعوا في أيدينا تنظيم أعمال كثيرة في الجامعة العربية والعالم العربي.

                                      أقول هذا بشيء من الاعتداد لأن التعبير كان "تنظيم كل شيء في داخل الجامعة العربية وخارجها".

                                      لا يخطر ببال هؤلاء المتمنين هذه التمنيات أن نظام الحزب هو حقيقة بالمبادئ، بالأسس الفكرية والمبادئ الأساسية التي يقوم بها هذا النظام. إذا انتقلنا إلى ما يريدون، نكون قد انتقلنا من النظام إلى الفوضى، لأن في أسس هذا النظام النظر الصحيح إلى المجتمع الإنساني وفهم المجتمع الإنساني فهماً صحيحاً حقيقياً. فإذا خرجنا عن هذه الأسس الصحيحة وسلمنا بالانسياق مع التيارات الفورية الجامحة التي لا إدراك صحيح لها للوضع العالمي، فقد سلمنا بجهلنا الوضع وقد سلمنا بتعطيل قوة العقل وتسليط نفسية الحدس (Intuition) والتمنيات على أعمالنا. وليس في فلسفتنا ما يجعل للحدس والتمني درجة أعلى على العقل والمنطق وقد أوضحت هذه النقطة في محاضرة سابقة.

                                      نحن لا نسلم حركة ومجهوداً إنسانياً عظيماً لقوة حدس وتخمين لشعور أو عاطفة أو رغبات استبدادية غير مستمدة من حقيقة المجتمع، من نفسيته وأغراضه الصحيحة في الحياة.

                                      خروجنا من الشيء الواضح إلى الشيء غير المضبوط وغير الواضح، يعني خروجنا عن النظام إلى الفوضى فنصبح ولا قوة لنا على التنظيم لأننا نضيع في هيام الرغبات والأهواء ولا نعود ندرك مقاصد حقيقية في الحياة.

                                      إن وجود هذه النهضة في وحدتها الحقيقية الطبيعية في ذاتيتها الصحيحة هو الدليل الواضح القاطع على امتياز هذه النهضة على كل الأعمال غير المستمدة من حقيقة المجتمع الإنسانية. وامتيازها لأنها تقيم نظاماً فكرياً، عقلياً، اجتماعياً جلياً صحيحاً قد أقامته في وسطها وهو يمتد، وكل الدلائل تدل أنها ستقيمه في الوطن السوري كله.

                                      "من البديهي أن الأمة التي لا عصبية لها تكفل القيام بنهضتها هي نفسها، ليست بالأمة التي ينتظر منها أن تنهض الأمم الأخرى وتقودها في مراقي الفلاح".

                                      لا يمكننا أن نقود العالم العربي ولا أن نقود أنفسنا إلا إذا كان لنا إدراك واضح صحيح لحقيقة مجتمعنا وإلا بالنهوض بهذه الحقيقة بعصبية صحيحة للحق الذي نعلنه.

                                      "إن القومية السورية هي الطريقة العملية الوحيدة والشرط الأول لنهضة الأمة السورية وتمكينها من الاشتغال في القضية العربية.

                                      إن الذين يعتقدون أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يقول بتخلي سورية عن القضية العربية، لأنهم لا يفهمون الفرق بين النهضة السورية القومية الاجتماعية والقضية العربية، ضلوا ضلالاً بعيداً.

                                      إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي. ولكننا نريد، قبل كل شيء، أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بمهمتها الكبرى".

                                      في سورية مجتمع إنساني يكاد يدرك بداهة بمجرد النظر وهذا المجتمع إما أن تكون له نفسية مستمدة من تركيبه، من خصائصه الفيزيائية الانتروبولوجية ومن تراثه و تاريخه الاجتماعي والثقافي والسياسي، وإما أن لا يكون.

                                      فإذا لم يكن، لم تكن له معاني الحياة بذاته، كان منساقاً بتيارات من خارجه غريبة عنه لا يمكن أن تمثله تمثيلاً صحيحاً مهما ادعت أنها له ومنه لأنها في الحياة لم تكن كذلك. وإذا كان لهذا المجتمع هذه الحقيقة، إذا كانت هذه الحقيقة لهذا المجتمع، إذاً إنه حقيقة من له نظر من ذاته إلى الحياة وإلى وضع العالم وحينئذ يجب عليه أن ينهض بذاته لتحقيق ما يعتقد بذاته أنه هو الحق والخير، غير منتظر موافقة من هو خارج عنه أو رضاه، وغير منتظر أن يجاريه غيره.

                                      إن إدراك الحقيقة يوجب السعي في الحال إلى تحقيق تلك الحقيقة، إلى تحقيق أهداف وأغراض تلك الحقيقة. أما إدراك الحقيقة والانتظار من الآخرين أن يعرفوا بها فهو تعطيل للنفس وتعطيل لحقيقة المجتمع في نظرنا إلى الأمور بذاتنا. إمّا أن يكون هنالك اشتراك حقيقي صحيح مع غيرنا فيحصل بطبيعة الحال، وإمّا أن لا يكون. فإذا لم يكن لنا توافق مع غيرنا وقامت حركتنا تريد إيجاد توافق اصطناعي، كانت المحاولة فاشلة لا محالة.

                                      فإذا نهضنا بذاتنا للتعبير عن ذاتنا وعن مقاصدنا في الحياة، فليس لأحد أن يلومنا بل عليه أن يقتبس منا، أن يتعلم منا، أن حياتنا نهوض، وأن الحياة هي نهوض للتعبير عن الحقيقة.

                                      "إن الفكرة الشاملة التي أوجدها الحزب السوري القومي الاجتماعي تكون قضية مثالية في الحياة القومية. وليس يريد الحزب حصر هذه الفكرة السامية ونتائجها الخطيرة في سورية بل يريد حملها إلى الأمم العربية الشقيقة عن طريق العمل الثقافي وتبادل الآراء والتفاهم لا عن طريق إلغاء شخصيات الأمم العربية وفرض النظريات عليها فرضاً".

                                      لا يمكن أن نحمل إلى العالم العربي شيئاً إلا إذا قررنا شيئاً. إلا إذا قررنا شيئاً نحمله. فإذا لم يكن عندنا شيء مقرر واضح مستخرج من نظرنا فلسنا بمستطيعين أن نقدم شيئاً.

                                      لذلك، شرط التعاون في العالم العربي هو أن نقدر على تقديم شيء ولكي نقدر على تقديم شيء يجب أن نكون نحن أولاً شيئاً.

                                      لا يمكننا أن نقدم شيئاً ونحن لا شيء. لا يمكن لسورية أن تخدم العالم العربي في شيء وهي مبعثرة، مجزأة نفسياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وليس لها كيان أو ذات أو حقيقة أو نفسية.

                                      لذلك نحن نرى هذه النهضة مقربة لنا للعمل والتعاون في العالم العربي لا مبعدة، لأنه حين لا تكون هذه النهضة لا نكون متعاونين في العالم العربي بل نكون منساقين في تيارات في العالم العربي.

                                      لكي نطمح إلى شيء يجب أن نشعر بأن هذا الشيء هو تحقيق لصميم ما في نفوسنا وليس تحقيقاً لمساومات سياسية أو لأمور وقتية لا قيمة لها في استمرار الحياة.

                                      "أما الوجهة السياسية من غاية الحزب فمن الناحية الداخلية يعتبر الحزب أن المسألة اللبنانية نشأت لمبررات جزئية كانت صحيحة حين كانت فكرة الدولة دينية. ولكن مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي قد أوجدت الأساس الاجتماعي ــ الحقوقي القومي. وبتحقيق مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي تزول المبررات التي أوجبت انعزال لبنان".

                                      واضح أن المسألة اللبنانية ذات مبررات جزئية. إن أساس المسألة اللبنانية ليس في وجود لبنان مستقلاً ولا في وجود بلاد لبنانية منفصلة بل حتى ولا بوجود تاريخ لبناني مستقل. إن أساس المسألة اللبنانية شيء واحد ــ الحزبيات الدينية، الدولة الدينية، الدولة القائمة على أساس مذهب ديني معين. الدولة القائمة على أساس ديني معين تعني أنها دولة ذلك الدين أو الجماعة المختصة بذلك الدين، فيخرج من عضوية الدولة الصحيحة كل من انتمى إلى دين آخر.

                                      الدولة الدينية لا تشمل إلا المنتمين إليها، المنتمين إلى الجماعة الدينية، فمن خرج عن تلك الجماعة كان موقف الدولة منه موقفاً خاصاً غير شامل، موقفاً يعبر عنه باللغة الأجنبية (Exclusive) أي أنها تخرج عن دائرة حقوقها من كان خارجاً عن الجماعة المنتمية إليها الجماعة الدينية.

                                      في بلادنا سيطرت الدولة الدينية، من الطبيعي، كما سيطرت أيضاً في أنحاء عديدة من العالم المتمدن تقريباً في بعض الأزمنة. وقد تكلمت في باب "فصل الدين عن الدولة" عن شؤون كثيرة توضح هذه القضية فلا أعود ولا أطيل اليوم ولكن أذكر أن كل مجتمع أوجبت الدولة الدينية فقدانه حرية العمل والسيادة والاتجاه الصحيح القائم بالإرادة الذاتية ابتدأ يبحث عن حل لمشاكله.

                                      هكذا نشأ النزاع بين البروتستنط والكاثوليك في ألمانية وأعيد القول إن بواعث النزاع والحركة البروتستنطية لم يكن كله دينياً محضاً. كان في الحركة الدينية دوافع سياسية هامة وكذلك كان في الحركات الشيعية في النطاق المحمدي. وقد أوضحت بعض هذه النواحي في كتاب "نشوء الأمم".

                                      البروتستنط حاربوا، ليس فقط لبعض الاعتقادات الدينية بل أيضاً ليتحرروا من سلطة رومية. والفرس صاروا في الشيعة، ليس فقط من أجل بعض الاعتقادات الدينية، بل للمحافظة على وحدتهم القومية من الانجراح. فهناك عوامل سياسية أيضاً في هذه الأمور.

                                      وفي لبنان نزع المسيحيون في حالة الدولة الدينية إلى أن يجدوا مخرجاً لهم من هذه الحالة إلى وجود حالة يشعرون فيها أنهم يقدرون أن يعطوا تحقيقاً عن أنفسهم، عن ذاتيتهم، عن وحدتهم. لأنه في الدولة الدينية لم يكن للمسيحيين حق بل كانوا تحت الحماية ــ أهل ذمة ــ والمحمي ليست له حقوق العضوية في الدولة الدينية، نفس الحقوق المدنية السياسية. واستمر هذا الاتجاه إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، فأتى احتلال الأجنبي واستغل هذه الحالة وعمل على تنفيذها فوجدت النزعة إلى الانفصال والاستقلال اللبناني على أساس الحماية الدينية لا على أساس فكري اجتماعي اقتصادي لجماعة تقطن هذه المنطقة.

                                      وإذا كان قد بقي لموجات الفكر السياسي الديني استمرار للجماعات في بلادنا فإن الحزب السوري القومي الاجتماعي القائل في جملة تعاليمه بفصل الدين عن الدولة وإنشاء الدولة على أساس وحدة الأمة، ووحدة المجتمع الواحد، ستزيل كل ما يمنع العودة إلى وحدة القومية الصحيحة في جميع الدول السورية كما أزالته بالفعل ضمن نطاق الحزب السوري القومي الاجتماعي.

                                      إننا في الحزب قد بطل أن نكون محمديين مسيحيين، أو دروزاً، وصرنا سوريين قوميين اجتماعيين فقط في كل ما يعني الاجتماع والسياسة، وترك الحزب في مبادئه حرية الاعتقاد الفردي الديني لكل عضو فيه ولكل عضو في الدولة القومية الاجتماعية.

                                      فإذا زالت مخاوف حرمان الحقوق، وقد زالت بالفعل ضمن نطاق الحزب السوري القومي الاجتماعي وستزول حتماً بامتداد النهضة السورية القومية الاجتماعي ومبادئها، لم يبق هنالك ما يبرر التجزئة والانفصال في الأمة الواحدة والوطن الواحد.

                                      "ومن ناحية العالم العربي يرى الحزب سلك طريق المؤتمرات والمحالفات التي هي الطريق العملية الوحيدة لحصول تعاون الأمم العربية وإنشاء جبهة عربية لها وزنها في السياسة الانترنسيونية.

                                      "ولكن السيادة القومية مبدأ يجب المحافظة عليه في جميع المحالفات والعقود"
                                      هذه النظرة المستمدة من غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي، من تعاليمه، هي التي أصبحت نافذة في العالم العربي عملياً. هي الشيء الوحيد الذي أمكن العروبيون تحقيقه.

                                      إن العروبيين في تحقيق الجامعة العربية لم يحققوا إلا النظرة العروبية الحقيقية التي أعلنها الحزب السوري القومي الاجتماعي ــ عقد المؤتمرات والمحالفات وإنشاء الجبهة ــ أما جعل الأقطار والمجتمعات في العالم العربي الكبير شيئاً واحداً، مجتمعاً واحداً ونظاماً واحداً فقد بقي العروبيون بعيدين عنه اليوم كما كانوا بعيدين في الماضي.

                                      إن الجامعة العربية كمؤسسة لإيجاد التوافق بين أغراض أمم العالم العربي وإيجاد وسائل التعاون بين أمم العالم العربي، كل أمة من أممه تعطي من ذاتيتها حيوية لقوتها، إن هذه المؤسسة هي التحقيق العملي لنظرة الحزب السوري القومي الاجتماعي وإن كانت، بطريقة عملها وفعلها، تحقيقاً فاسداً لهذه النظرة.

                                      وحيث يكون التحقيق فاسداً، بأي شيء تعتصم الجماعات؟ تعتصم بحق السيادة القومية "ولكن السيادة القومية" تبقي للمجتمع حق تقرير مصيره حتى إذا اختلت العقود والمقررات.

                                      بهذا تنتهي سلسلة الأبحاث في مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي.

                                      ولتحي سورية

                                      من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                                      في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                                      كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                                      سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                                      نعم للأسد ...
                                      احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                                      Comment


                                      • #20
                                        رد: أنطون سعادة - Antoun Saadeh

                                        [ATTACH=CONFIG]99613[/ATTACH]


                                        العروبة أفلست

                                        لم يخامرني قط شك في أن العروبة – عروبة «الوطن العربي» الممتد شريطة طويلة ملتفة ومتمعجة على شواطئ غرب آسيا وشمال أفريكة، وعروبة «الأمة العربية» الموجودة في جماعات مختلفة الأجناس المتفرقة والبيئات المتباعدة، والنفسيات المتباينة، وعروبة «المجتمع العربي» الذي تنقصه كل خصائص المجتمع الصحيح الحي الفاعل وكل عوامل الاتحاد الاجتماعي وعروبة الأربعين أو الخمسين مليون عربي – قضية خاسرة في سورية، مضيعة لكل مجهود تقوم به الأمة السورية لحفظ كيانها ووطنها وتحقيق مطالبها في الحياة.

                                        وقد جزمت، بعد درس نفسية العروبة المذكورة في سورية – نفسية «القومية العربية»– في أنها مرض نفسي شوه العقل السوري والإدراك والمنطق. فلما وضعت تعاليم الحركة القومية الاجتماعية ودعوت الأمة السورية إلى وعي حقيقتها ووحدة حياتها ومصيرها، كان رد الفعل عند مرضى العروبة من نفس رد الفعل عند جميع المرضى النفسيين الميالين إلى الوساوس والهياج . فكانت تلك الموجة الأولى من النقمة الرجعية على بعث القومية السورية على وعي الوجود السوري والحقيقة السورية وأهداف الحياة السورية.

                                        لم يكن للأمة السورية مهرب من الخسارة في قضية «الأمة العربية» التي تعني، من وجهة الاجتماع الإنساني، معضلة كمعضلة الحركة الدائمة في مسائل الطبيعة والهندسة. فالعروبة في سورية الطبيعية هي عملية صادر بلا وارد – كما يقال بتعبير اقتصادي – هي عملية استنزاف قوى عقلية ونشاط روحي و إنفاق مجهود مادي عملي بلا تعويض، هي إضاعة الحقيقة في تيارات نفسية من الأوهام وفي خضم من الأضاليل، هي تضليل من قبل إقطاعيين ومتزعمين لحزبيات دينية لا يفتأون يثيرون نعرات تلك الحزبيات ويستغلون عماوة الغوغاء المستعدة دائماً للاندفاع في تيار قوة الاستمرار الرجعي، لأن ذلك أسهل عليه من تعود شئ جديد وممارسة حياة جديدة.

                                        وقد أنبأت الأمة السورية بأضرار تلك العقلية العروبية الوهمية والاتكالية وشرحت في كتاباتي واقع العالم العربي الذي هو واقع أمم ومجتمعات متقاربة يسهل تعاونها وتشكيل جبهة تعاونية منها، لا واقع أمة واحدة ومجتمع واحد. وناديت الأمة السورية إلى النهوض بنفسها لتتمكن من الاشتغال في قضايا العالم العربي ولتكون قوة في تكوين الجبهة العربية، وحذرتها من عاقبة الاستسلام لوهم «الوحدة العربية» ومبالغات «الأربعين أو الخمسين مليون عربي» المذرورين على شواطئ قارتين. فقامت قيامة العروبيين ومستغلي العروبة على الحزب القومي الاجتماعي وأخذوا ينادون أن هذا الحزب، الذي يريد إنقاذ سورية من تخبطها وفوضاها وجعلها قوة ذات قيمة تعاونية كبيرة في العالم العربي «عدو العرب».

                                        ذهبت كيليكية فقلت أن على سورية أن تقوم هي بقضيتها القومية وتستعيد هذه المنطقة الشمالية الخصبة من الوطن السوري، وقال العروبيون: لا بأس فإن «الوحدة العربية» ستتكفل بإعادة هذه الأرض. ثم ذهبت الاسكندرونة ذات الموقع الحيوي الممتاز فقال العروبيون: لا بأس «فالوحدة العربية » متى تمت، تعيدها.

                                        وقال القوميون الاجتماعيون قد خسرت سورية الاسكندرونة كما خسرت كيليكية بسبب اهمالها قوميتها وعدم إقبالها على إقامة النظام القومي الاجتماعي الذي يوحد قواها ويعطيها فاعلية الحياة فيجب أن تنهض سورية بقوميتها لتستعيد الاسكندرونة.

                                        ثم جاءت أزمة فلسطين فكررت إنذاراتي بذهاب هذه البقعة الثمينة من الأرض السورية إلى اليهود وغير اليهود إذا استمر الشعب السوري في خيال العروبة الخيالية وهذيان «الوحدة العربية وجيوش العرب والعروبة»، لكن العقلية «العربية» اللاتعميرية في سورية الطبيعية ظلت مستمرة في قواعدها وأساليبها إلى أن وصلت بالقضية الفلسطينية إلى الكارثة التي أنبأت، في رسالتي إلى الأمة في 2 تشرين الثاني 1947، بوصولها إليها.

                                        لم يجتمع العالم العربي أمة واحدة في فلسطين، كما كان يزعم السوريون العروبيون، ظهرت في فلسطين حقيقة الواقع أن العالم العربي أمم لا أمة. ومن صور هذه الحقيقة المؤلمة لغير المخدوعين، وللمخدوعين المستيقظين أن مصر كانت نظرياً، تحارب مع السوريين ضد اليهود في حين أنها كانت عملياً، تشاطر اليهود احتلال أرض سورية فاستولت على منطقة النقب الغنية بالنفط والإمكانيات العمرانية، وعلى هذه المنطقة جرى أخيرا النزاع بين اليهود ومصر وتجري اليوم مفاوضات السلم بين مصر وإسرائيل.

                                        لم تكن هناك حاجة إلى اشتراك مصر والعرب في الدفاع عن فلسطين لو أن الأمة السورية كانت ناهضة بحقيقتها التي تنادي بها الحركة القومية الاجتماعية ولو لم تكن صريعة الوهم العروبي ووهم «الوحدة العربية والخمسين مليون» الذي يحاول العروبيون أن يستعيضوا به عن نتيجة جهلهم واقع الأمة السورية وواقع العالم العربي.

                                        في فلسطين أفلست العروبة وأفلست الفئة العروبية من فئات ال neo رجعيين. كان إفلاس العروبة في فلسطين إفلاسا كاملاً، باهراً نادر المثيل، إنها أرادت أن تواجه قضية سياسية انترنسيونية من الطراز الأول بقضايا وهمية ومبادئ ميتة بعقلية الجهاد الديني، الذي انتهى أجله ومضى زمانه، أرادت عروبة النفسية المريضة في سورية أن تعالج قضية قومية ممتازة ومسألة سياسية من أدق مسائل هذا الزمن، وفي حرب عصرية في عصر القوميات، أرادت أن تحارب بجيش من مثال جيش "اليرموك" وأن تحول أنظار السوريين إلى الصحراء العربية وأساليب العربة.

                                        في فلسطين ودعت الأمة السورية العروبة الوهمية العاجزة، الاتكالية وداعاً فاجعاً لتلبي دعوة الحركة القومية الاجتماعية إلى قوميتها الحقيقة ولترى بعين حقيقتها هي، واقع العالم العربي فتنهض بقضيتها السورية فتجد في قواها التي أهملتها زمناً طويلاً معيناً للنشاط لا ينضب ودافعاً إلى التقدم لا يصده شئ.
                                        بهذا الاتجاه تصير الأمة السورية قوة فاعلة في العروبة الواقعية التي أعلنتها عروبة التعاون بين أمم العالم العربي.



                                        أرشيف الحزب_جريدة كل شئ، العدد 95 في 21 كانون الثاني 1949
                                        من يطلق الرصاص على حاضره و ماضيه ... سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه
                                        في كل إنسان ينام نبي ... عندما يستيقظ يكون الشر قد زاد قليلاً في العالم
                                        كلنا نولد من نفس الطائفة الإنسانية إلى أن يبدأ المجتمع بالكذب علينا


                                        سوريا الأمان و الاستقرار و تعايش الأديان ...
                                        نعم للأسد ...
                                        احبوا بلدكم التي لطالما احبتكم ...



                                        Comment

                                        Working...
                                        X