تُعتبر الرعية العربية الأرثوذكسية في بلاد الشام عامة وفي الأردن وفلسطين خاصة، الأكثر عدداً بين العرب المسيحيين، بل فقد كانت في وقت ما تُشكل أكثر من 99 % من العرب المسيحيين الذين تعود أصولهم إلى الغساسنة والمناذرة والتغالبة في الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق وهم عرب أقحاح.

بالنسبة للأردن وفلسطين، فقد ابتدأت الكنيسة المقدسية على يد الأسقف يعقوب الرسول ابن يوسف النجار الذي استشهد في العام 62م على يد اليهود وخلفه شقيقه سمعان الذي اسُشهد أيضاً على يد اليهود، وتعاقب على رئاسة أسقفية القدس والأراضي المقدسة (التي تحولت لاحقاً إلى بطريركية) العشرات من الأساقفة والبطاركة غالبيتهم الساحقة كانت من العرب أهل البلاد، ونذكر منهم البطريرك إيليا النجدي الذي رأس الكرسي البطريركي عام 494م والبطريرك صفرونيوس الدمشقي الذي رأس الكرسي البطريركي عام 634م الذي استقبل الخليفة عمر بن الخطاب، والبطريرك يوحنا الذي رأس الكرسي البطريركي عام 705م والذي منع الصلاة في الكنائس بأي لغة غير العربية. هذا بالإضافة إلى كل من البطريرك إيليا الثاني عام 750م والبطريرك الطبيب توما عام 786م والبطريرك المقدسي إيليا عام 868م والبطريرك من قيسارية أغانيوس عام 983م والبطريرك مرقس عام 1174م والبطريرك يواكيم عام 1431م والبطريرك مرقص الثالث عام 1501م وأخيراً البطريرك عطا الله الذي رُسم بطريركاً عربياً عام 1516م وكلهم عرب.

ولا بد لنا من التوقف عند حروب الفرنجة أو ما اصطُلح على تسميته (الحروب الصليبية) والصليب منهم ومن حروبهم براء، إذ كان للفرنجة (الذين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية وهي غير الكنيسة الأرثوذكسية) أهداف اقتصادية استعمارية ألبسوها لبوساً دينياً، كما كان من الأهداف المعلنة إخضاع الكنيسة الأرثوذكسية المشرقية.

احتل الفرنجة بيت المقدس عام 1099م وقتلوا العرب الأرثوذكس كما قتلوا العرب المسلمين ونصّبوا البطاركة اللاتين على القدس واحتلوا دار البطريركية الأرثوذكسية في القدس وطردوا البطاركة الأرثوذكس إلى القسطنطينية واستولوا على كنيسة القيامة والعديد من الكنائس والأديرة العربية الأرثوذكسية.

فتح صلاح الدين مدينة القدس عام 1187م بعد أن حكمها الفرنجة مدة 88 عاماً ولقي معاونة وتأييداً كبيراً من الأرثوذكس العرب بل إنهم حاربوا في جيش صلاح الدين الأيوبي ومنهم القائد الكبير عيسى العوّام.

إذن، فمما لا شك فيه أنّ الرئاسة الروحية للكنيسة الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين ظلت عربية حتى القرن السادس عشر، أما الرعية (أبناء الكنيسة) فهم عربٌ منذ البدء وحتى يومنا الحاضر.

وباستقالة البطريرك العربي عطا الله عام 1534م انتهى عهد البطاركة العرب في البطريركية الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين حيث اُنتخب البطريرك الجديد - جرمانوس اليوناني- الذي كان يجيد اللغة العربية التي درسها في مصر إجادة تامة وظل بطريركاً لحوالي 45 عاماً، وقد حصر خلالها الرئاسة الروحية بالعنصر اليوناني بتنصيب يوناني بدل كل أسقف عرب متوفى، وبعد تقدم العمر به، قام برسم البطريرك اليوناني الشاب صفرونيوس عام 1579 خليفة له الذي حاول الرجالات العرب الأرثوذكس الحيلولة دون تنصيبه وباءت محاولاتهم بالفشل. إن المحاولات والاجتماعات عام 1579 يمكن اعتبارها الإرهاصات الأولى للنهضة والقضية الأرثوذكسية.

خلف صفرونيوس اليوناني (وهو غير صفرونيوس العربي) بطريركاً يونانياً آخر هو ثيوفانس عام 1608م، فاحتج الكهنة وأبناء الرعية العرب ولكن السلطان العثماني إبراهيم دعم البطريرك فسجن بعضهم ونفى آخرين، ووضع ثيوفانس قانوناً ظالماً استمراراًً لنهج جرمانوس وصفرونيوس وهو(بأنه لا يسمح لأي من أبناء الكنيسة المقدسية الأرثوذكسية الوطنية بالوصول إلى أية درجة من الدرجات الإكليروسية أو الرهبانية).

وضع البطريرك اليوناني ذوسيثيوس الذي نُصب عام 1669م القانون الأساسي (لأخوية القبر المقدس) الذي يحظر قبول أي عربي أرثوذكسي من فلسطين وشرق الأردن في عضويتها وانتخاب بطريرك أو مطران من غير رجالها. هذا القانون العنصري المجحف ما زال سارياً حتى اليوم مع استثناءات استرضائية.

استمر تعاقب البطاركة والمطارنة اليونان حتى نهاية القرن التاسع عشر حين عزل المجمع المقدس البطريرك كيرلس بحجة علاقته بروسيا الأرثوذكسية وتأييده لها واستبدل بالبطريرك بروكوبيوس الثاني عام 1873م.

تأسست (الجمعية الأرثوذكسية الوطنية) وأرسلت وفداً إلى الأستانة عاصمة العثمانيين للاحتجاج على عزل "أخوية القبر المقدس" للبطريرك وقطعت الجمعية وجماهيرها كل علاقة لها مع "أخوية القبر المقدس" وسحبت اعترافها بالبطريرك ونسجت علاقات متميزة مع روسيا وظلت تمارس الضغوط على البطريركية ونجحت أخيراً بعزل البطريرك اليوناني بروكوبيوس.

أخذت الأمور منحى المد والجزر لحين صدور (قانون البطريركية الرومية الأورشليمية) عن السلطة العثمانية عام 1875م الذي قابله العرب الأرثوذكس بمزيد من المطالب. .