لسنا بلا وطن، وإن هجّرونا منه... والوطن ليس مشروعاً، ففيه تمتد جذورنا إلى عمق التاريخ، بما فيه المستقبل... ما نفتقر إليه هما الوطنية والمواطنية في وطننا. فالوطنية هي ذلك الميل الثابت إلى التعلّق بالوطن إلى حدّ حمايته من الأعداء الطامعين بموارده من ناحية، ومن ناحية أخرى تنمية هذه الموارد(الطبيعية والبشرية) لتعزيز الإقتصاد، وخصوصاً القطاعات الإنتاجية فيه، وبما يحول دون تبعيته للإقتصادات الخارجية، وخدمتها، ويؤدي إلى إكتفاء ذاتي، علماً بضرورة إقامة التبادل مع الخارج على قاعدة المصلحة الوطنية أساساً في هذا السياق.

أما المواطنية، فهي تقوم على تغليب الإنتماء إلى "الشعب" المقيم في أرض الوطن على أي إنتماء مجتمعي آخر في الوطن نفسه. فالإنتماءات الجماعية (العائلية والطائفية أو الدينية وغير الدينية، والحزبية) تجسّد ميولاً عقائدية "فرعية"، ولا يمكن إعتبار أحدها أولوية وطنية تتطلب فرضها على المجتمع والدولة، وإن كانت الوطنية الحقة تعترف بهذه التعددية بصفتها أمراً واقعاً موضوعياً، وتحميها في دولة ديمقراطية وعلمانية في إطار حرية العقيدة.

أضف أن المواطنية تلزم النظر إلى الفرد بصفته حراً وسيداً ومستقلاً، ويتصل بالدولة مباشرة وبلا وساطة (عقيدية او حزبية او طائفية مثلاً)، وعلى نحو متساوٍ مع نظيره.

إن التنافس والصراع بين القوى السياسية ينتظم في هذا الإطار الوطني والمواطني، وهما يخرجان عليه كلما إتخذت بعداً تمزيقياً وإنفتحت على تبعيات خارجية بغية تحقيق غلبة داخلية لأحد طرفي النزاع على حساب الآخر، بحيث يتم تقسيم المجتمع إلى جماعات حزبية وغير حزبية موتورة ومتناحرة تطوّع الدولة ومؤسساتها المختلفة في نزاعاتها، أو تهمش دورها "الوطني"، فضلاً عن التفريط بالموارد وهدم الإقتصاد وتعميم الفقر والإضطراب الأمني. وبالمقابل، فإن المشروع "الوطني" الحق يقوم على تجمعات ذات نظر مواطني مستقل وراسخ في الأرض الوطنية، بحيث يعبر الإنقسامات القائمة، ويتجاوزها، تنظيماً وممارسةً نحو دولة الحق المواطنية، بلا إملاءات وتبعيات خارجية، وإنما بوسيلة توظيف العلاقات مع الخارج لصالح هذا المشروع.