من مفكرة عاشق دمشقي " نزار قباني "


دمشـق، يا كنز أحلامي ومروحتي
أشكو العروبة أم أشكو لك العربا؟

أدمـت سياط حزيران ظهورهم
فأدمنوها.. وباسوا كف من ضربا

وطالعوا كتب التاريخ.. واقتنعوا
متى البنادق كانت تسكن الكتبا؟

سقـوا فلسطـين أحلاماً ملونةً
وأطعموها سخيف القول والخطبا

وخلفوا القدس فوق الوحل عاريةً
تبيح عـزة نهديها لمـن رغبـا

هل من فلسطين مكتوبٌ يطمئنني
عمن كتبت إليه.. وهو ما كتبا؟

وعن بساتين ليمونٍ، وعن حلمٍ
يزداد عني ابتعاداً.. كلما اقتربا

أيا فلسطين.. من يهديك زنبقةً؟
ومن يعيد لك البيت الذي خربا؟

شردت فوق رصيف الدمع باحثةً
عن الحنان، ولكن ما وجدت أبا

تلفـتي... تجـدينا في مـباذلنا
من يعبد الجنس، أو من يعبد الذهبا

فواحـدٌ أعمـت النعمى بصيرته
فانحنى وأعطى الغـواني كـل ما كسبا

وواحدٌ ببحـار النفـط مغتسـلٌ
قد ضاق بالخيش ثوباً فارتدى القصبا

و واحـدٌ نرجسـيٌ في سـريرته
و واحـدٌ من دم الأحرار قد شربا

إن كان من ذبحوا التاريخ هم نسبي
على العصـور.. فإني أرفض النسبا

يا شام، يا شام، ما في جعبتي طربٌ
أستغفر الشـعر أن يستجدي الطربا

ماذا سأقرأ مـن شعري ومن أدبي؟
حوافر الخيل داسـت عندنا الأدبا

وحاصرتنا.. وآذتنـا.. فلا قلـمٌ
قال الحقيقة إلا اغتيـل أو صـلبا

يا من يعاتب مذبوحـاً على دمـه
و نزف شريانه، ما أسهـل العـتبا

من جرب الكي لا ينسـى مواجعه
ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا

حبل الفجيعة ملتفٌ عـلى عنقي
من ذا يعاتب مشنوقاً إذا اضطربا؟

الشعر ليـس حمامـاتٍ نـطيرها
نحو السماء، ولا ناياً.. وريح صبا

لكنه غضـبٌ طـالت أظـافـره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا